كتب : أحمد السماحي
بعد النجاح الذي حققته مسرحيته الأخيرة (يا ألعب يا أغلس) التى عرضت على مسرح محمد العلي على هامش فعاليات موسم الرياض بالمملكة العربية السعودية، والتى ُقدمت في بداية شهر مارس الماضي، وقام ببطولتها مجموعة من النجوم منهم (روجينا، مصطفى خاطر، أحمد رزق، محمد ثروت، حمدي المرغني، ميريهان حسين، ويزو).
يعود المخرج المسرحي المتميز (أشرف زكي) إلى السعودية ليقدم تجربة مسرحية جديدة بعنوان (الوش التاني) المُقررعرضها على مسرح محمد العلي، اعتبارًا من يوم 11 نوفمبر وحتى 15 من الشهر نفسه، المسرحية تأليف وليد الهندي، بطولة (منى زكي، أحمد رزق، محمد ثروت، حمدي الميرغني، رحمة أحمد، مصطفى غريب، طاهر أبو ليلة) وغيرهم، ومن خلال هذه المسرحية تعود (منى زكي) تعود للمسرح، بعد فترة غياب طويلة امتدت لحوالي 20 عامًا منذ مسرحية (كده أوكيه) التي شارك في بطولتها (شريف منير، ياسمين عبدالعزيز، أحمد السقا، وهاني رمزي).
والحقيقة أنني توقفت كثيرا عند تواجد (أشرف زكي) بقوة في موسم الرياض بالسعودية واختفائه من مصر!، خاصة أنه مخرج موهوب يتفرد بأسلوب في الإخراج يتميز بمحاكاة نموذج البناء الموسيقي ويحمل صيغة أوركسترالية لا تخطئها أذن، فهو يتعامل مع الممثل وكأنه آلة موسيقية أوتارها أحباله الصوتية، ويجعل البنية الصوتية المركبة في عروضه أساس معماره الفني والحامل الرئيسي لجماليات العمل وفكره ورسالته، وقادر على استنباط لغة عرض بصرية فيها الشيق الممتع، فالممثل لديه مختلف ومبهر على خشبة المسرح، فلا أنسى له عرضه الذي لا يُنسى (شفيقة ومتولي) الذي شاهدته في بداية مشواري الصحفي وتفوق فيه على نفسه كمخرج، واستطاع استفزاز كل ملكات الفنانة (حنان ترك) فقدمت واحدا من أهم أدوارها على الإطلاق، فمن لم يشاهد (حنان) في هذا العرض لم يشاهدها كممثلة موهوبة!
كما قدم هذا المخرج الموهوب الذي يحمل على كتفيه عبء إرث مسرحي كبير يجعل من الصعب جدا إمكانية المرور بشكل عابر على الأعمال التى تحمل توقيعه كمخرج، مسرحيات أخرى مهمة في مسرح الدولة مثل (الحالة 2002) الذي قدم على خشبة المسرح العائم، ودارت أحداثه في اطار استعراضي غنائي كوميدي حول مجموعة من السلبيات الموجودة في المجتمع المصري من خلال شخصية (حسن) مدرس التاريخ الذي يرفض التعايش مع هذه السلبيات ويبحث في التاريخ الفرعوني عن أسباب الحضارة وتتاح له فرصة السفر في الزمن للتعرف على شكل الحياة بعد سبعة آلاف سنة، وكان العرض بموسيقاه وشكله وموضوعه وقضيته التى يناقشها شيئ مبهر للغاية.
كما قدم تجارب مسرحية أخرى مهمة للغاية مثل (سعدي ومرعي، أرزة لبنان، كحيون ربح المليون، عائلة الفك المفترس، رجل في المصيدة، 727، ضحك ولعب ومزيكا، زكي غبي جدا، زمن العجايب، خد بالك من عيالك، واختم بالعشرة، مليونير بالعافية، بابانا عاوز كده) وغيرها.
الجميل والافت في (أشرف زكي) أنه لا ينوء بالإرث الذي يحمله ولا يحوله إلى (تابو) يمنعه من مواصلة رحلة البحث والتفتيش والمغامرة، بل هو دائما في صلب المغامرة المسرحية على مستواها الفني وعلى مستواها المهني، فمهارته كمخرج لا تزال على عهدها الأول والنضارة التى تزداد بالعمر والتجربة كما هي، ولا اختلاف بين أشرف في الماضي والآن كمخرج، إلا الخبرة التى زادته نضوجا ومعرفة بأدق تفاصيل المسرح، وبياض كلل الرأس إذ غزاه شيب التجارب.
والسؤال الذي يحيرني ويحير كثير من المتابعين لحال المسرح المصري أين هذا الموهوب من الإخراج في مصر؟!، خاصة وأن عرضه الجديد (الوش التاني) هو العرض الرابع له على التوالي في السعودية بعد (صبح صبح) تأليف محمد عز الدين، سامح سر الختم، بطولة (محمد سعد، حسن حسني، محمد لطفي، أحمد فتحي، حسن عبدالفتاح، رامز أمير)، وعرض (لوكاندة الأوباش) تأليف محمد عز وأحمد فوزى، بطوله (مايا دياب، حسن الرداد، هالة فاخر، ماجد المصري، حمدى الميرغنى، سعد الصغير، بدريه طلبة، وأوس وأوس، وحسن عبد الفتاح)، وكان العرض الثالث هو (يا ألعب يا أغلس).
والسؤال الثاني هل الفلوس هى السبب في اتجاه هذا المخرج إلى السعودية؟! أم أن المسرح المصري لا يوفر له الإمكانات المادية والبشرية التى تستفز موهبته كمخرج وتجعله يحلق في الفضاء المسرحي؟، أما السؤال الأهم بعيدا عن مسرحياته الأخيرة (بابا جاب موز، وسكر هانم، ومسافرة وجت على غفلة) التى قدمها في مصر لمسرح القطاع الخاص وتحديدا مع المنتج الجميل أحمد الأبياري: متى يعود أشرف زكي إلى مسرح الدولة ويقدم من خلاله رائعة جديدة تشبه (شفيقة ومتولي)؟، أم أن أعماله الإدارية والنقابية وعمله في الأكاديمية كأستاذ تمنعه من تقديم الروائع المسرحية الجديدة؟!
الإجابة على كل هذه الأسئلة عند أشرف زكي وحده المختفي عن الإخراج المسرحي في مصر منذ 8 سنوات!