رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هذه ليست هى (الدراما المصرية)!، لكنها حواديت مخدرة للإرادات والعقول!

كتب: أحمد السماحي

(هذه ليست هى (الدراما المصرية)!.. تلك حقيقة واقعة للأسف، وفي هذه المناسبة أقول: في بداية السبعينات وبالتحديد عام 1971  نزلت النجمة السورية الكبيرة (منى واصف) لأول مرة مصر، وحدثت لها صدمة شديدة!، عبرت عنها في أحد البرامج مع الفنانة (صفاء أبوالسعود)، حيث وجدت انفصال حاد في الشارع المصري، عن الفن الذي تراه على شاشة السينما.

 فالمرأة المصرية التى شاهدتها في الشارع تشبه أي امرأة في سوريا أو لبنان، أو الأردن، أو غيرها من الدول العربية، ترتدي الملابس المحتشمة، ولا ترتدي المايوة أو بدلة الرقص! أوالميني أوالميكروجيب! كما هو سائد في السينما – آنذاك – و(الدراما المصرية) حاليا.

والرجل المصري يكافح في الحياة، مهموم بأكل عيشه، وتربية أولاده، وليس رجلا عابثا يرتاد النوادي، ويطارد الفتيات والنساء، كما تصوره السينما في وقتها و(الدراما المصرية) في الوقت الحالي، فأدركت على الفور أن هناك انفصال حاد بين الفن والواقع، عكس ما شاهدته في كثير من دول العالم، حيث لا يوجد انفصال بين الفن والواقع!.

رجال (سوبر هيرو) خارجين عن القانون

دراما مزيفة لا تعبر عنا

صدمة نجمتنا الكبيرة (منى واصف) حدتت لي، ولكثير من عشاق (الدراما المصرية) بعد انتهاء الماراثون الرمضاني – فبعيدا عن كلاكسات النفاق والمجاملة والتطبيل المنتشرة حاليا لأسر مسلسلات رمضان على الفضائيات.

وجدنا دراما الماراثون الرمضاني لا تعبر عنا، ولا موجوعة بأوجعنا، ولا مهمومة بهمومنا، ولا تعبر عن نضالنا اليومي في صراعنا مع الحياة، ولا حتى وجدنا دراما ممتعة تنشر البهجة والمتعة، إن شاء الله من غير رسالة!

لكن شاهدنا (الدراما المصرية) في رمضان 2024 مزيفة تعبر عن نفسها، عبارة عن رجال (سوبر هيرو) خارجين عن القانون، أو وقع عليهم ظلم ويريدون أن يحصلوا على حقوقهم بأنفسهم، ونساء خارقات يحملن المسدسات كما يحملن أصابع الروج في حقائبهم!.

عتبات البهجة
جودر

(عتبات البهجة) و(جودر)

فبعد حصولي على أجازة من جريدتي الغراء (الأهرام) طوال شهر رمضان، ومتابعتي (ليل نهار)، لكل (الدراما المصرية) التي قدمت هذا الموسم.

وجدت مسلسلات تعد على أصابع اليد الواحدة هى التى تشبهنا، وتعبر عنا، وبعضها يطرح قضايا جديدة معاصرة، هذه المسلسلات هى التى أنقذت الموسم الدرامي – إلى حد ما – المكون من 35 مسلسل، من الفشل الذريع، والسقوط المدوي.

 من هذه الأعمال (عتبات البهجة) لأسطورة الدراما المصرية يحيي الفخراني، و(أعلى نسبة مشاهدة) للفنانة الشابة سلمى أبوضيف، و(كامل العدد) للنجمة دينا الشربيني، و(صلة رحم) للنجم الأردني إياد نصار، و(بدون سابق إنذار) للنجم آسر ياسين.

و(مسلسل (مسار إجباري) بطولة أحمد داش، وعصام عمر، وصابرين)، (ومسلسل (الحشاشين) للنجم كريم عبدالعزيز)، فضلا عن مسلسل الفانتازيا الخيالية (جودر) الذي أعاد لنا متعة المشاهدة، ومسلسل (إمبراطورية ميم) الذي كان ممتعا ورائعا حتى الحلقة الخامسة عشر، لكن المط والتطويل أفسده!

الناحية التجارية الإستهلاكية، والمتاجرة بالفن، مع استخدام مرعب للسلاح

الناحية التجارية الاستهلاكية

أما باقي (الدراما المصرية) فكانت عبارة عن حواديت عالمية سبق أن سمعنا وشاهدنا مثلها مئات المرات، ولم تضف جديدا، إلا تغيير أسماء الأبطال بأسماء مصرية عصرية تتماشى مع الزمن الراهن.

وكثير منها يغلب عليه الناحية التجارية الإستهلاكية، والمتاجرة بالفن، مع استخدام مرعب للسلاح، وقتل عشرات بل مئات الأشخاص في هذه المسلسلات.

وواحد من هذه الأعمال سرقه مؤلفة من مأساة (سوفوكليس) الخالدة (أوديب ملكا)، دون أي اسقاطات عصرية، ولم يذكر هذا في تتر المسلسل.

كما أن (الدراما المصرية) رمضان هذا العام رسخت لعادات وتقاليد منحرفة وشاذة مثل كره الأخوات لبعضهم التى انتشرت في معظم المسلسلات، وخيانة الزوجات، والابتعاد عن القانون، وأخذ الأبطال حقوقهم بأنفسهم!

 فضلا عن انتشار العديد من الظواهر السلبية مثل تعاطي المخدرات، والبلطجة، وضرب المرأة، وانتشار الدجل والسحر والشعودة، والألفاظ الخارجة التي تجرح آذان ومشاعر الناس، وغيرها من الظواهر التى تعتبر اعتداءً صارخاً على أمن المجتمع وأمانه.

(بـ 100 راجل).. نموذج سلبي للرجل المصري

الدرما والاستعمار ونابليون

لا أحد ينكر أن الواقع فيه كل ما قدمته الدراما، بل وأفظع!، لكن هل من الذكاء أن نقدم كل موبقات المجتمع المصري في موسم واحد؟!، وهو الأعلى في نسب المشاهدة، أم كان يجب على (الشركة المحتكرة للدراما) أن توزع هذه الجرعة من الموبقات على فترات متباعدة، وفي عدة مواسم مختلفة؟

من تابع موسم (الدراما المصرية) الحالي يجد أن الدراما نجحت فيما أخفق فيه الاستعمار المباشر في تحقيق غزو ثقافي، وهذا الغزو تحقق للأسف من الداخل!

 وبطريقة غير مباشرة على نحو ما أراد الجنرال الفرنسي (نابليون بونابرت) حين أرسل إلى خليفته في مصر (كليبر) يطلب إليه تشجيع حركة التمثيل فيها ليتعرف المصريون إلى عادات الفرنسيين ويتأثروا بها.

 كما طلب سفر مئتي مصري ليدرسوا في فرنسا ليعودوا فيكونوا حزب فرنسا في مصر!، وهذا هو الدور الخطير الذي قامت به الدراما المصرية المخدرة للإرادات والعقول هذا الموسم حيث نقلت إلينا عادات وتقاليد وسلوكيات غربية غريبة عننا.

وابتعدت (الدراما المصرية) عن (فاطمة، وعيشة، وفريدة، وأحمد، ومحمد) الذين يكافحون في الحياة، وقدمت لنا نماذج من نوعية (دودي) في مسلسل (بـ 100 راجل)، التى يضبطها زوجها زعيم العصابة متلبسة بالخيانة مع عشيقها.

و(سارة مكاتب) الشخصية الجشعة العاشقة للرجال والمال، في مسلسل (نعمة الأفوكاتو)، و(رحمة) التى ارتكبت كل الجرائم التى يمكن أن يرتكبها إنسان في الحياة، في مسلسل (سر إلهي).

و(سترة العترة) الأم المنحرفة الفخورة بإجرامها، التى تشجع أولادها على السرقة والإجرام في مسلسل (العتاولة)، ولن نتحدث عن ثلاثي الإجرام (عيسى الوزان، ونصار، وخضر) في نفس المسلسل.
ولن نتحدث أيضا عن (صباح) قتالة القتلة التى شنقت بدم بارد المرأة أو (الداية) التى علمت سرها الذي تخقيه عن زوجها في مسلسل (حق عرب).
وغيرها من النماذج السيئة التى التى نحذر من مغبتها إن كان ثمة من يسمع أو يعقل أو يستبصر!.

ظني أن (الدراما المصرية) في رمضان فشلت في التعبير عن الواقع الحقيقي

فشل الدراما المصرية

ظني أن (الدراما المصرية) في رمضان فشلت في التعبير عن الواقع الحقيقي، كما لم تحلق بنا في عالم الخيال – إلا (جودر) – لتجلب لنا المتعة البصرية والإبهار الذي يخطف المشاهد من براثن حياته الاقتصادية الضاغطة، أو أفعال السياسة المتردية.

ليس مطلوبا من (الشركة المحتكرة) أن تكون هنالك رسالة للفن، بل لابد من إحداث المتعة – على الأقل – بدلا من الغرق في موبقات الدراما التي تجنح نحو عالم الجريمة والخروج على القانون، وترسيخ العنف والبغض والكراهية والصراع على الميراث، وغيرها من موضوعات مكررة لاتجدى نفعا بل تشير إلى تراجع القوة الناعمة في وقت نحتاج لها.

وأخيرا: يقول أرسطو في كتاب الشعر: (إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، ولكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغي أن تقع)، فهل يعى (كتاب الدراما المصرية) حاليا فحوى هذه المقولة؟.. أشك!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.