رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مسرحية (سيد درويش) .. صلاح طنطاوي يواصل تذكر الكواليس (2/3)

* أسعدني أن أعثر على كتابين هامين عن سيد درويش، وجدت فيهما فصولا ساعدتني على تفهم شخصيته

* بعد عودتي من الإسكندرية ظللت أسابيع طويلة لا أترك القلم من يدي، حتى انتهيت من كتابة المسرحية.

* بعد انتهائي من كتابة المسرحية وجدت سيد درويش فنانا عظيما عاثر الحظ، كل شيئ في حياته كان ضد فنه

* كنت حريصا في كتابتي عن سيد درويش رغم إيماني المطلق بعبقريته، إلا أن أجعله شخصا أسطوريا

كتب: أحمد السماحي

منذ أيام قليلة أصدرت الهيئة القومية للبريد طابع بريد تذكاريًّا بمناسبة مرور 100 عام على رحيل فنان الشعب (سيد درويش)، الذي يعد واحدًا من أهم رواد النهضة الموسيقية في مصر والعالم العربي.

بادرت الهيئة القومية للبريد بإصدار الطابع لتخليد تلك المناسبة، حيث تعد الطوابع التذكارية وسيلة من وسائل الاتصال الثقافي بين مختلف دول العالم وشعوبه، وتوثق تاريخ الأمم على مر العصور.

والطابع يحتوي على صورة للفنان الراحل سيد درويش في أثناء العزف ويحيط به مفاتيح الموسيقي بشكل دائري بما يعبر عن اندماج الشخصية وارتباطها مع الألحان.

 ومقاس الطابع (٤ سم X ٦سم) وقيمته 10 جنيهات، وهو مزود بتقنية ال QR Code لمعرفة مزيد من المعلومات عن مناسبة إصدار الطابع من خلال تجربة تفاعلية ثرية لمقتني هذه الطوابع.

في الأسبوع الماضي نشر (شهريار النجوم) الجزء الأول من كواليس مسرحية (سيد درويش) التى كتبها الكاتب صلاح طنطاوي، وقام ببطولتها محمد نوح، ووداد حمدي، وتولى الإخراج أحمد طنطاوي ومحمد توفيق.

إقرأ أيضا : سعد سلطان يكتب: (سيد درويش) .. عبقرية الصدفة، وتدابير الزمان!

هذه المسرحية التى قدمت فيها مجموعة كبيرة معروفة ومجهولة من ألحان (سيد درويش)، وهذا الأسبوع نستكمل الجزء الثاني من هذه الكواليس النادرة، فإليكم التفاصيل:

في البداية يقول الكاتب صلاح طنطاوي: كان خوفي من إحساسي بعظمة الشخصية التى أريد تقديمها وعظمة فنه، وسألت نفسي كيف أجرؤ على الاقتراب من هذه العظمة؟، وماذا أستطيع أن أقول، ولكن الفكرة لازمتني.

 ورفضت أن تفارقني فقلت لنفسي انه من حق الإنسان أن يحلم، فلأحاول إذن ولأكتب، وأيا كانت النتيجة فيكفيني سعادة معايشتي لـ (سيد درويش) أثناء دراستي لحياته وكتابتي عنه.

عثرت على كتابين ساعدتني على تفهم شخصية (سيد درويش)

تفهم شخصية (سيد درويش)

أسعدني أن أعثر على كتابين هامين عن (سيد درويش)، الأول كتاب (قصة سيد درويش) للأديب محمد محمود دوارة، والثاني كتاب (سيد درويش) للدكتور محمود أحمد الحفني، قرأت الكتابيين جيدا، واعتمدت عليهما إلى مدى بعيد.

ووجدت فيهما فصولا ساعدتني على تفهم شخصية (سيد درويش) بشكل أكثر عمقا وحيوية، وبعد القراءة كنت أشعر بإندماج غريب يحدث بيني وبين سيد درويش، ما أقرب الشبه بين طفولته وطفولتي، وشعرت كأن روحي تنسلخ من جسمي وتحل مكانها روح (سيد درويش).

يضيف الكاتب صلاح طنطاوي: سألت نفسي قبل كتابة المسرحية كيف أكتب عن سيد درويش دون أن أزور حي كوم الدكة الذي ولد فيه، وعاش شبابه الباكر، وكل حياته قبل نزوحه إلى القاهرة؟ وسافرت إلى الإسكندرية.

ودرت في الحارات والأزقة أتنسم الجو الذي عاش فيه (سيد درويش)، وجلست على العديد من المقاهي، وقابلت ناس كثيرين من أهالي كوم الدكة، ولاحظت أنهم يتكلمون عن (سيد درويش) كأنه بطل خرافي لملحمة شعبية خيالية.

قررت أن أكتب حياة (سيد درويش) من وجهة نظري

كتابة مسرحية (سيد درويش)

بعد عودتي من الإسكندرية، كنت مشحونا بالمعلومات والذكريات ظللت أسابيع طويلة لا أترك القلم من يدي، حتى انتهيت من كتابة المسرحية، وكنت أثناء الكتابة قد سألت نفسي: هل أكتب حياة (سيد درويش) بشكلها التاريخي دون أي تصرف؟ أنني في هذه الحالة أكون مؤرخا لا فنانا، ويكون ما أكتبه عملا تسجيليا، وليس عملا فنيا.

ولا أضمن في النهاية أن يجذب ما أكتبه قراء أو مشاهدين، فرفضت الشكل التسجيلي، وقررت أن أكتب حياة (سيد درويش) من وجهة نظري، كنت مؤمنا بإنه فيما يتعلق بشخص عظيم مثل (سيد درويش) فإن ما يهم في حياته هو الجواهر لا الأعراض!

إقرأ أيضا : في مئوية (سيد درويش): نكشف عن عمل نادر جمعه بمحمد نوح

بمعنى إذا أخذنا على سبيل المثال واقعة نزوج (سيد درويش) إلى القاهرة لأول مرة عام 1916 فلا يجب أن يهمنا ما إذا كان قد سافر بالليل أم بالنهار، بالقطار أم العربة، بمفرده أم في صحبة عائلته، قد تهم التاريخ ولكنها لا تهم الفن، الذي يهم الفن أن (سيد درويش) سافر من الإسكندرية إلى القاهرة.

هكذا جردت (سيد درويش) من الأحداث الصغيرة، ونظرت إلى حياته نظرة شاملة، فوجدتها صراعا مستمرا ضد ظروف قاسية، كانت أسلحته فيها هي مواهبة الفنية العظيمة وحبه الغريزي لمصر.

شخصية (سيد درويش) تتمتع بالعناد الشديد

عناد (سيد درويش) وإرادته

يستكمل صلاح طنطاوي ذكرياته عن كواليس مسرحية (سيد درويش) فيقول: بعد انتهائي من كتابة المسرحية، وجدت سيد درويش فنانا عظيما عاثر الحظ، كل شيئ في حياته كان ضد فنه، ولكنه تمكن بإرادته الجبارة من أن ينتصر على هذه الظروف.

وخلال ست سنوات صنع تراثه الموسيقي، ولكن الحظ السيئ عاد فانتصر عليه في الجولة الأخيرة فمات الفنان العظيم بعد أن وضع قدمه على أرض ثابتة من المجد والشهرة، وأراد أن يسافر إلى أوروبا ليدرس الموسيقى، ويبدأ حياته من جديد.

وأدهشني أنني لم أجد في المسرحية أي أثر لذلك الإحساس بالظلم الذي دفعني دفعا إلى كتابتها، بالعكس وجدت أن طابعها هو العناد، كيف تحول إحساسي بالظلم إلى إحساسي بالتمرد والعناد؟ لا أدري، ولكن لعل تفسير ذلك هو أن الكتابة الأدبية لها شخصيتها الخاصة التى تكاد أن تكون مستقلة تماما عن شخصية الأديب.

هكذا جاءت المسرحية رغما عني عنادا في عناد، عناد القدر مع (سيد درويش)، وعناد سيد درويش مع القدر، وعندما شعرت بأن الزمن المعقول لمدة عرض المسرحية وهو 3 ساعات لن يسمح لي بشرح كل أنواع العناد عند (سيد درويش)، لجأت إلى شخصية أخرى في المسرحية وحملتها جانبا من العناد والصراع.

جليلة وبخاطرها .. شخصيتين نسائية في حياة (سيد درويش)

جليلة وبخاطرها و(سيد درويش)

هذه الشخصية هى (جليلة)، هذا الإسم الذي خلدة حب (سيد درويش)، وجعلت فنان الشعب يقابها مرتين فقط، ولكن هاتين المرتين الخاطفتين تجعلانه يتعلق بها بحيث تصبح هى الخط العاطفي العميق في حياته كلها.

في المقابلة الأولى يقع في حبها ويخطبها، ويتفق معها على الزواج، وعندما يحضر لها الشبكة في المقابلة الثانية يجدها قد تزوجت غيره، ولكنه يستمر في حبها، ثم تطلق (جليلة) من زوجها ويصل الخبر السعيد إلى (سيد درويش).

ويهم بالذهاب إليها ولكن الفنان (سلامة حجازي) يصطحبه معه إلى القاهرة فلا يحدث اللقاء بينه وبين (جليلة)، وعندما يتمكن من العودة يجدها قد تزوجت ثانية، وفي نهاية المسرحية تطلق (جليلة) من زوجها، وتأتي لتطرق باب (سيد درويش).

إقرأ أيضا : تعرف على اللحن الذي حير (سيد درويش) وولد من فم أحد السقايين!

ولكنه يكون قد تحول عنها نهائيا واستبدل حبه لها بحبه لمشعوقته مصر، ورغم أن (جليلة) هى البطلة الحقيقية للمسرحية، إلا إنني جعلتها لا تظهر قط على المسرح، لأنني تصورت أن الفتاة التى تحظى بحب (سيد درويش) يستحيل أن تنجح أية ممثلة في تجسيد شخصيتها على المسرح، ففضلت أن يتخيلها الجمهور بدلا من أن يراها.

أما البطلة الحقيقية التى تظهر على المسرح هى فتاة من حي (كوم الدكة) اسمها (بخاطرها) وهى شخصية من خيالي جعلتها تحب (سيد درويش) بنفس القوة التى يحب بها (جليلة)، وتطارده بنفس الحرارة التى يطارد هو بها جليلة.

(سيد درويش).. صاحب رسالة فنية شديد الوعي بظروف وطنه

(سيد درويش) ورسالته

يعود صلاح طنطاوي ويتذكر تفاصيل كواليس كتابته لمسرحية (سيد درويش) فيقول: كنت حريصا في تصويري لشخصية (سيد درويش) رغم ايماني المطلق بعبقريته، لم أجعل منه شخصا أسطوريا لا يستطيع المنطق الإنساني أن يتصوره.

لم أجعله من بداية المسرحية فنانا صاحب رسالة فنية شديد الوعي بظروف وطنه، شديد الإحساس بوجوب تغيير هذه الظروف، ولكن بدأت معه وهو شاب في السادسة عشرة مليئا بالحيوية والطاقات الفنية التى تنفجر بدون هدف محدد يتصرف بعاطفية واندفاع في كل أحواله.

إقرأ أيضا : نكشف لأول مرة: سر عدم غناء أم كلثوم لـ (سيد درويش)!

وعندما وصلت إلى وفاة (سيد درويش) لم أجد اثنين يتفقان على الطريقة التى مات بها، لذلك فضلت أن أبتعد عن كل ما قاله أصدقاؤه وأعداؤه ولم استكتر عليه أن يموت كما الملايين من عباد الله.

انتهيت من كتابة المسرحية عام 1965 وكان مسرح التليفزيون في موسمه الرابع وكان قد خلق نهضة مسرحية عظيمة كما وكيفا لم يعرفها المسرح من قبل إلا في العشرينات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه النهضة قائمة على أكتاف رجل هو الفنان السيد بدير.

كان نجاح مسرح التليفزيون جلب إليه الطفيليين والمرتشين الذين يتمتعون بقدرة غريبة على التسلل إلى كل مشروع ناجح، وابتعدت عن مسرح التليفزيون وذهبت إلى المسرح الحديث الذي سبق وتعاونت معه، وكان المشرف عليه هو الفنان محمد توفيق.

وكانت لجنة القراءة التى تقرأ المسرحيات المقدمة للمسرح الحديث مكونة من الأدباء (فتحي غانم، أحمد بهجت، رجاء النقاش، سعد الدين وهبه، عبدالفتاح البارودي) ومعهم محمد توفيق.

طلب مني المدبر عشرة جنيهات لتمرير مسرحية (سيد درويش)

(سيد درويش) ورشوة المدير

كان من الطبيعي أن أقدم مسرحيتي إلى هذه الفرقة، ولكن أحد الطفيليين كان قد نجح في أن يحشر نفسه في إدارة الفرقة، وأن يخلق لنفسه إدارة صغيره سماها إدارة الأرشيف وجعل مهمتها استلام المسرحيات الجديدة، فقدمت المسرحية إلى هذا المدير، فإذا به يأخذها ثم طلب مني عشرة جنيهات!

فسألته في دهشة لماذا؟ أجاب ببساطة: أتعاب لي، ولن أقدمها إلى لجنة القراءة إلا إذا دفعت عشرة جنيهات، وهذا ما أفعله مع جميع المؤلفين!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.