رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نكشف لأول مرة: سر عدم غناء أم كلثوم لـ (سيد درويش)!

كتب: أحمد السماحي

نحيي هذه الأيام الذكرى المئوية لرحيل فنان الشعب (سيد درويش)، وبهذه المناسبة نتوقف عند علاقة أم كلثوم بـ (سيد درويش)، هل كان في هذه العلاقة نوعا من الغيرة من جانب كوكب الشرق كما كتب بعضهم؟!، وما سر عدم إعادة أم كلثوم لواحدة من أغنيات (سيد درويش)؟!

لمعرفة الإجابة على هذه الأسئلة تعالوا بنا نعود إلى بداية الحكاية من أولها، وظروف تعرف أم كلثوم بالشيخ (سيد درويش)، كما جمعناها من حديث أم كلثوم مع المذيع وجدي الحكيم، وأيضا من حوارها مع الكاتب الصحفي الكبير رجاء النقاش، ومن ذكريات محمد على حماد صديق (سيد درويش).

(سيد درويش) كان يمر بأزمة نفسية إثر حل فرقته الخاصة

(سيد درويش) يمر بأزمة نفسية

 الحكاية تعود إلى صيف عام 1923 حيث كان الشيخ (سيد درويش) يمر بأزمة نفسية إثر حل فرقته الخاصة التى قدم معها رائعتيه (شهر زاد، والبروكة)، وأعاد درته الخالدة (العشرة الطيبة)، وقرر أن يمضي بضعة أيام مع صديقه محمد علي حماد في مصيف رأس البر.

وكان المصيف في ذلك الوقت أشبه ما يكون بقرى الريف المصري الجميل بهدوئه وقلة رواده، وتخيرا (سيد درويش) وصديقه فندقا متواضعا، كان يمتاز بالنظافة والأكل الجيد، مع الأجر القليل المناسب للنزلاء.

أم كلثوم كانت ذلك الصبي الذي لفت نظر (سيد درويش)

الصبي الذي لفت نظر (سيد درويش)

ذات مساء والشيخ (سيد درويش) وصديقه يتناولان العشاء لاحظا جمعا من أصحاب العمائم، لعل عددهم لم يكن يزيد على ثلاثة أو أربعة، يتناولون عشاءهم على مائدة قريبة منهم.

ولفت الأنظار صبي كان يجلس معهم يلبس العقال فوق بالطو لا يكاد يبين له لون من القدم، وكان التنافر يبدو شديدا واضحا بين وقار هذه العمائم وحركة الصبي النشطة الدائبة.

يومها كما ذكرت أم كلثوم في قصة حياتها التى حكتها للمذيع الشهير وجدي الحكيم في إذاعة صوت العرب – سأل الشيخ (سيد درويش)، صاحب الفندق  الذي كان يتناول عشاءه معه: من هؤلاء؟ وما قصة هذا الصبي الذي معهم؟

إقرأ أيضا : سر رفض (سيد درويش) الذهاب إلى صوته المفضل (سلامة حجازي)!

وقال الرجل: إن هذه أم كلثوم، وهؤلاء أبوها وأخوها وخطيبها، وسأله الشيخ سيد وهو مندهش أن يكون هذا الصبي فتاة: ومن تكون أم كلثوم هذه؟!، قال صاحب الفندق : إنها مغنية ريفية من قرية قريبة من بلدة السنبلاوين، وأحد نزلاء الفندق من أعيان الدقهلية يعطف عليها، وقد استقدمها هى وبطانتها حيث نزلوا جميعا في ضيافته بالفندق.

وستغني الليلة في صالة الفندق للنزلاء، ولمن يشاء من نزلاء رأس البر، والدخول بخمسة قروش، وحصيلة الدخل لها ولمن معها، أما نفقات الإقامة فقد تكفل بها وجيه الدقهلية، وضحك الشيخ (سيد درويش) وهو يقول: الموسيقى ورانا ورانا حتى في هذا المهجر، أمرنا لله نسهر ونسمع.

أبهرت أم كلثوم (سيد درويش) وهو يستمع لها أول مرة

أم كلثوم تبهر (سيد درويش)

 في الموعد المحدد بدأت السهرة وكان هناك دكة عالية يجلس عليها المنشدين كالتى يجلس عليها الفقهاء في المأتم لتلاوة أي الذكر الحكيم، وظهرت أم كلثوم ومعها بطانتها وغنت في البداية أنشودتها المأثورة (مولاي كتبت رحمة الناس عليك فضلا وكرم).

بعدها غنت (والله تستاهل يا قلبي) وهى كما هو معروف من أشهر أغاني (سيد درويش)، ومن أحلاها وأعذبها، وكانت مفاجأة للشيخ (سيد درويش)، ويقول (محمد علي حماد) صديق سيد درويش,

وهو يذكر هذه الواقعة في مقال كتبه عن ذكرياته مع سيد درويش: (كان غناء أم كلثوم لهذه الأغنية، أكثر من مفاجأة لي وللشيخ (سيد درويش)، الذي بدأ ينصت للمطربة الشابة بكل جوارحه.

إقرأ أيضا : فاطمة رشدي : سيد درويش سبب نزولي للقاهرة، ومحمد تيمورعرفني بـ عزيز عيد

وبدا عليه ما كنا نلمسه فيه، عندما تنتابه نوبات الوجد والتصوف، وفي منتصف الأغنية تقريبا، صمتت المطربة الشابة، وتعالى التصفيق من كل مكان، يستعيدها، فأعادت.

عند نفس المقطع توقفت، وصمتنا مرغمين، لنعطيها فرصة للتتم باقي الأغنية، ولكن طال صمتها، ثم بدأت أغنية آخرى، وكان واضحا تماما أنها لا تحفظ من أغنية (سيد درويش) إلا ما غنت، وهو لا يتجاوز النصف الأول من هذا اللحن.

ونظرت إلى الشيخ (سيد درويش)، ولحظت أنه في قمة الوجد والصوفية، ساهما صامتا، عيناه مشدودتان ناحية المطربة الشابة، يحملق فيها بنظرة عجيبة، كأنه يرى شيئا عجبا، لا عهد به من قبل.

 وانتهت السهرة، وبدأت أم كلثوم تنزل من فوق الدكة قفزا إلى الأرض، بينما تتحرك البطانة في وقار واحتشام، وفجأة رأيت (سيد دوريش) يتجه إلي أم كلثوم ويربت على رأسها في حنان واضح وعرفها بنفسه.

لم تعرف أم كلثوم (سيد درويش) لأول وهلة

أم كلثوم لا تعرف (سيد درويش)

تستكمل أم كلثوم الحكاية في حديثها الإذاعي مع وجدي الحكيم فتقول: (بعد أن عرفني الشيح (سيد درويش) بنفسه، ظللت صامته أكثر من دقيقة وهو ينظر لي، وفجأة صرخت وناديت على والدي: ألحق يا با الرجل ده بيقول على نفسه أنه (سيد درويش)؟!

وجاء الوالد وتعرف على الشيخ (سيد درويش)، وبعد تعارفهما قال لي الوالد: سلمي على الشيخ (سيد درويش) يا أم كلثوم عشان تهل عليكي البركة وسلمت عليه وأنا مبهورة بهذا العملاق الذي كانت موسيقاه تخلب عقولنا جميعا).

إقرأ أيضا : مفاجأة .. العشرة الطيبة تبعث من جديد في الذكرى المئوية لخالد الذكر (سيد درويش)

نعود لمحمد علي حماد لنستكمل حكاية تعرف (سيد درويش) بأم كلثوم فيقول: (بعد التعارف الذي تم بين سيد درويش وأم كلثوم وأفراد بطانتها، جذبني الشيخ سيد وأحذ يتمشى في هدوء على شاطئ البحر، ولا يزال صامتا ومضيت معه أنا أيضا صامتا، فلقد اعتدنا نحن خاصة أصدقائه على مثل هذه الحالات.

 وتعلمنا أن نلزم الصمت حتى يبدأ هو الكلام، وأخيرا تكلم الشيخ (سيد درويش) وقال كأنه يتحدث إلى نفسه: (هذه الفتاة سيكون لها شأن كبير في يوم من الأيام، إن صوتها جميل وطروب، وأداءها طيب، بل ممتاز.

ولكن ليس هذا هو الذي أثار إعجابي وتقديري لها، إنها تعيش النغم بكل وجدانها، وبكل كيانها، إنها لا تغني اللحن، هى تعيشه وتحياه، في أدائها شيئ لست أدري ما هو؟ ولا كيف أعبر عنه؟ !

لقد عشت في صوتها الآن اللحظات النفسية التى عشتها وأنا أضع موسيقى اللحن الذي وضعته في رواية (راحت عليك) ويومها جاءني وأنا أضع موسيقى اللحن نبأة وفاة أختي في الإسكندرية، وكانت أعز أخواتي وأحبهن إلى قلبي، فعشت في الألم الموجع المرير.

 وظهر في موسيقى اللحن صدى هذا الحزن العميق الذي كنت أعيشه، فخرجت الموسيقى كأنها دموع وآهات، ومن يسمع تسجيل لهذا اللحن في الأسطوانة، لن يخفي عليه أنني كنت أبكي، وأنا أسجله.

فقد عشت أثناء التسجيل نفس اللحظة التى عشتها عند التلحين، والليلة عشت هذه اللحظة مرة أخرى، وأنا أسمع أم كلثوم، هذه الفتاة ستصبح يوما لو توفرت لها الظروف المناسبة أهم مطربة في مصر).

ضعف كلمات (سيد درويش) كانت سبب عدم غناء أم كلثوم له

سر عدم غناء أم كلثوم لـ (سيد درويش)

السؤال الآن طالما كانت العلاقة رائعة بين (سيد درويش) وأم كلثوم: لماذا لم تعيد إحدى أغنياته كما فعل أساطين النغم؟!، خاصة أن المتابع للتراث الغنائي في مصر يجد أن كبار مطربي مصر وكبار نجوم التلحين أعادوا بأصواتهم غناء أغنيات سيد درويش من هؤلاء (محمد عبدالوهاب، منيرة المهدية، فتحية أحمد، زكريا أحمد، رياض السنباطي، حياة صبري، عباس البليدي، كارم محمود، فيروز، شادية) وغيرهم.

الوحيدة التى لم تغن لـ (سيد درويش) عبر اسطوانات أو حتى جلسات خاصة كانت أم كلثوم، وهذا جعل كثير من المتآمرين يقولون أن أم كلثوم كانت تكره سيد (درويش)!

وعن سر عدم غنائها قالت للكاتب الكبير رجاء النقاش في كتابه (لغز أم كلثوم): إن (سيد درويش) فنان عظيم، ولكني أعتقد أن تراث سيد درويش يحتاج إلى مجهود كبير لتقديمه، وعرضه في صرة تليق بهذا الفنان الكبير، والذي يعتبر عبقرية موسيقية أصيلة.

والشيئ الذي أضيق به عندما أسمع أغاني (سيد درويش) هو كلمات الأغاني، ففي اعتقادي أنها كلمات ضعيفة، ومعظم كلمات أغنياته أقل بكثير من مستوى الألحان الرائعة التى قام بتأليفها سيد درويش، التى أعتبرها ألحان عبقرية فعلا لكنها لم تجد الشعر المناسب لها إلا في حالات قليلة مثل دور (ضيعت مستقبل حياتي).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.