رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (أوزيريس) في المسرحية المصرية

بقلم الدكتور: كمال زغلول

حدثنا عن جب ونوت في مقالة سابقة ، واليوم سنتحدث عن أوزير أو (أوزيريس) الملك الإله ، الذى صارع ست أخيه لكى يحافظ على وحدة الأمنتت من الانقسام ، وقد أقام المصريون مسرحية خاصة تصور وتمثل صراع أوزير مع اخيه ست حتى لقى حتفه ، فمن هو أوزير- الذى ينطق (أوزيريس) باللغة اليونانية؟

إن (أوزريس) ليس ابن الملك جب،  فقد أضفى مؤلف العقيدة المصرية ميلاد أسطوري لأوزير، عن مولده وهو: حينما كانت الأميرة (نوت) تستعد لاحتفالات زواجها من الملك ج ، اكتشفت بستانا رائعا يقع في وسط بحيرة كبرى على مقربة من المدينة.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (المسرح) .. صراع بين قوتين في العرض !

وفي ذات صباح سمعت صوت (آتوم) الإله الخالق قائل : هيا فلتتجسد .. أنت يا من ولدت في الفضاء وتكونت في هوة الظلمات فإن السموات قد أنجبت من الهواء والرطوبة (أي شو وتفنوت) وهى تحتضن طفلا بين أيديها، وها هو قادم إليك.

وسمع هذا النداء والابتهال: أيا رع قد تضخم جسد نوت بلقاح الروح الكامنة في كيانها، وتمددت على الأرض فاقدة الوعى، تحت ظلال شجرة الجميزة، وعرف (جب) هذا الأمر عن (نوت) بل رأى في أحلامه وحيا إلاهيا ينبأه بذلك وبعد أن أمضى ليلة كاملة في التفكير تقبل الطفل الذى سيولد بعد فترة.

وهكذا ولد (أوزيريس) المؤله في مدينة (أمنتت)، وقالت (نوت) المتألقة هذا هو ابني، أول وليد لي وأول من رضع ثدي ومن أعالي السماء سمع هذا الصوت  يقول: (هذا هو حبيبي المفضل وأنا راض عنه).

وبعد فترة تزوج (جب من نوت) وأنجبا (ست ثم إيزيس ونفتيس)، وهكذا لم يكن (أوزيريس) ابن جب، وقد لعبت أمه نوت دورا في تربيته فقد أخبرته أنه ذو طبيعتين (طبيعة بشرية وطبيعة إلاهية).

ظهر (أوزيريس) الملك المؤله، وبعد توليه حكم البلاد علم المصريين، علوم كثيرة

(أوزيريس) الملك المؤله

وكانت تعده لملك البلاد، وهنا ظهر (أوزيريس) الملك المؤله، وبعد توليه حكم البلاد علم المصريين، علوم كثيرة، ولكن ست أخيه لم يقبل بهذا، وأراد الملك لنفسه لأنه الأحق بالملك الأحق بالملك، وهنا يبدو الصراع المسرحي.

لأن (أوزيريس) استنادا إلى أصله الإلهي وبنوته لآتوم رع والإلهة نوت، وأنه قد ولد خارج نطاق رابطة الزواج قد ارتقى عرش مملكة الأمنتت، ووفقا للقوانين السائدة وقتئذ، كان ست الأبن الأكبر والوريث الشرعي هو الأحق بتولي العرش، مما أضمر في نفسه الحق والغيرة.

ونشب بينهما أول صراع في تاريخ البشرية على ملك الأمنتت، وكانت بداية الصراع، الحقيقي بينهما عندما شكل ست حركة تمرد مع زمرة من الأشخاص الذين فقدوا امتيازاتهم ومنافعهم وبالتعاون معهم ، قام بعدة محاولات للإطاحة بأوزير، وتلك تمثل قمة الدراما المسرحية.

وبعد ذلك نشبت بينها (المعركة الكبرى)، فقد حاول ست اغتيال (أوزيريس) ولكن المحاولة فشلت، وحرم عليه دخول قصر (أوزيريس) وحكم القضاء بذلك، وهنا ثارت ثورة ست ثورة عارمة، فعمل على إثارة جزء من شعب مملكة الأمنتت مستعينا ببعض عبارته الخادعة.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (جب) .. والسياسية الدينية في المسرحية المصرية

وتمكن بذلك من إحداث انقسام بين أفراد الشعب إلى قسمين متعارضين شرقي وغربي ، والجانب الشرقي بقى على ولائه لـ (أوزيريس)، أما الجانب الغربي فقد انساق وراء مؤامرات ودسائس ست كما ظهر ذلك في المسرح القديم.

وخرج (أوزيريس) قائدا لجيشه، وقد استمر القتال الذي تجابه فيه الأخوان وجيشاهما ما لا يقل عن تسعة وعشرون عاما (الزمن الرمزي لفترة إقمار واحدة أو لدورة كاملة لكوكب زحل) وسقط الألاف من البشر في هذه المعركة.

وكانت هذه المعركة أكبر المعارك التي شهدها التاريخ البشرى بحسب مسرح ذلك الزمان، وانهزم ست وأعوانه وللمرة الثانية عندما أراد (أوزيريس) تنفيذ حكم الإعدام في أخيه ست.

وبالرغم من صيحات الجموع الحاشدة بإعدامه عفى عنه ووضع خنجره بجانبه وأحل مكان ست بعض الثيران والكباش، وكذلك فعل الأمراء نفس الأمر في الأسرى التابعين لست، ونلاحظ هنا أن بداية الصراع كانت محاولة قتل أوزير وفشلت، ثم تأجج الصراع بالحرب الطويلة بين الأخوين والتي انقسمت فيها مملكة الأمنتت إلى جزئين.

إلا أن هذا الصراع لم ينتهي بعد العفو على ست وأعوانه، بل اشتعل أكثر وأكثر، وانتهى بالحدث الكبير وهو موت (أوزيريس) على يد ست في نهاية الأمر ذلك على حسب التراجيديا في المسرح.

نرى في المسرح المصري القديم من هذا الجانب أن المرأة هى التي سيطرت على الحكم،

(أوزيريس) والمرأة في المسرح

وسارع قرناء ست بالمناداة به ملكا على الأمنتت، وطاف ست المدينة فوق محفة ليعلن عن انتصاره لتبدأ مرحلة التأزم الكبرى في مملكة الأمنتت، والحزن على مصير (أوزيريس).

ومما سبق نلاحظ أن شخصية (أوزيريس) ملكية مؤله، وشخصية ست بشرية محضه، إلا أن الأم نوت لعبت دورا كبيرا في إعداد (أوزيريس)، وهو ليس ابن زوجها نوت وأثرت على نوت ليصبح (أوزيريس) ملك مؤله على مملكة الأمنتت.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: نشأة العرض المسرحي في مصر القديمة

ونرى في المسرح المصري القديم من هذا الجانب أن المرأة هى التي سيطرت على الحكم، وهي من أعطت الحكم لمن تريد، لنرى كيف بني المسرح المصري بل والعقيدة المصرية التي كانت تعبد إله واحد واضافت إليه التاسوع ،على دور المرأة الأم ورأيها في من يحكم الأمنتت.

وكيفية الإعداد لهذا الأمر، ولكن من سوف يحلل الأزمة التي حلت بأرض الأمنتت؟، إنها إيزيس الزوجة وهى أيضا امرأة، ففي بداية الأمر المرأة الأم تولي ابنها حكم البلاد، ثم تأتي بعدها ابنتها المرأة الزوجة لتقوم بحل الأزمة وهذا ما سوف نعرضه في المقالة القادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.