رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الإعلام المصري في قبضة (أسد جريح) لايسمح بالاقتراب من عرينه!

كتب: محمد حبوشة

مشهد الإعلام المصري ما قبل (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) يشير إلى أنه كان عندنا شبكات أو عدة نوافذ مختلفة مثل: (الحياة، النهار، صدى البلد، dmc، cbc، و on.tv)، وغيرها من قنوات كانت خير شاهد على التنوع بروح المنافة الشريفة، ولكن ما أن تم الاستحواذ من جانب المتحدة على كافة الشبكات السابقة الذكر، بالإضافة إلى (دريم والمحور والعاصمة) وغيرها من قنوات كانت في سبيل انطلاقها نحو آفاق جديدة تصب في منظومة تطوير الإعلام المصري، والذي كان يتمتع بتعدد الرؤى على مستوى الشكل والمضمون في إطار منافسة الإعلام من حولنا على الأجود من البرامج والدراما وغير ذلك من متطلبات الجمهور المصري الذي بدأ يعزف عن قنوات تلفزيون ماسبيرو بعد تراجع أدائها على كافة المستويات.

إقرأ أيضا : غياب المنافسة يهدد صناعة الدراما المصرية (1)

وفيما يتعلق بالإنتاج الدرامي والبرامج والمنوعات التي تصب في جودة الإعلام المصري، كنا نعتمد في طريقة عملنا على شركات متعددة حتى خرج الأسد من عرينه – المتحدة – ليستحوذ على وسائل الإنتاج ولا يسمح لأحد من الاقتراب من عرينه المحصن بقبضة حديدية ، ومن ثم وكنتيجة سلبية لذلك أغلقت شركات المونتاج والاستديوهات التي كانت تتبارى في الجودة والأسعار الخاصة بعمليات الإنتاج، وهو ما فع كثيرين من العاملين في المجال الإعلامي إلى تغيير (كاريرهم – الكار – أو المهنة)، لأن ذلك كان نتيجة طبيعية لسيطرة ودخول منتج كبير بحجم (المتحدة) يقوم بتشغيل من يختارهم بحكم الانتماء للقبيلة أو الشلة أو صلة القرابة أو المصاهرة، أو غيرها من أساليب تعرف بالحرفية.

قنوات الإعلام المصري لاتقوى على المنافسة

الإعلام المصري والمتحدة

وبعد أن كان سوق الانتاج في مجال الإعلام المصري، مشغولا بشركات متعددة في العمل بالمونتاج والتصوير والجرافيك وغيرها من متطلبات الصناعة، أصبح الأمر مقصورا على شركات بعينها بحكم انتمائها القبلي للأسد الجديد، الذي بدأ سيطرته الحاكمة على سوق الإنتاج بكل تفاصيله حتى الإعلانات، فقد تم السيطرة عليها بعد أن كانت وكالات (الأخبار والأهرام وطارق نور) وغيرهم من عشرات الشركات التي كانت تتنافس فيما بينهما على التلفزيون المصري وبعض القنوات الجديدة التي ظهرت في حلبة المنافسة، في ظل الانفتاح الفضائي الجديد وتخصصت بعض تلك الوكالات في إنتاج وبث الأخبار وغيرها من من شركات أخرى تلبي حاجة ومتطلبات الإعلام المصري.

إقرأ أيضا : الدراما المصرية 2022 .. معادلة التأرجح بين الإبداع والتردي !

وفور أن أصدر الأسد زئيره في وجه من تسول له نفسه من العاملين بـ الإعلام المصري الدخول في منافسة خارج هذا العرين المحصن بجنازير وأقفال محكمة لا تسمح بالدخول إلا تحت وصاية الشركة (المتحدة) عن طريق الرضا السامي، وبالتالي أصبحت كل شركات الإعلانات التي تنتج أو تجلب الإعلانات لبثها تجلس في بيتها دون عمل، وهو ما تسبب بالضرورة في تسريح العاملين بهذه الشركات ولا يسمح لمجرد محاولة بعضها الاقتراب من أسوار (المتحدة) في سبيل الحصول على فرصة كريمة إلا بمعاييرها التي وضعتها بطريقة تمكنها من السيطرة على السوق، وسمحت لنفسها بطرد الكفاءات وحرمانهم من جنة الشركة (المحتكرة) الجديدة التي هبطت بليل كالجراد لتأتي على كل الأخضر واليابس في صناعة القوى الناعمة المصرية، تلك التي علمت كل دول المنطقة أسس وتقاليد مهنة الإعلام القائم على التنوع والمنافسة الإيجابية.

الوطن مبتلى بـ الإعلام المصري الفاشل في تكوينه ومحتواه

صناعة الإعلام المصري

قلنا في الحلقة الماضية أنه كانت لدينا شركات وطنية في مجال الإنتاج الدرامي كانت تتنافس فيما بينها للفوز بجزء من كعكة الإعلام المصري، وكانت هنالك ميزات نسبية في التخصص، فمنها من كان يركز في اللون الصعيدي، ومنها من تخصص في الدراما الاجتماعية والوطنية، ومنها من تخصص في (التاريخي والديني والكوميدي والساسبنس) وغيرها من ألوان الدراما التي تصب في خاصة التنوع، بحيث يصبح الموسم الرمضاني في كل عام متنوعا بشكل يمكن أن يسد ظمأ المشاهد المصري والعربي، والأخير كان ينتظر الإنتاج الدرامي المصري بنوع من الشغف على مستوى الموضوعات والقضايا والنجوم الذين كان يشترط الخليج والمشرق العربي وجودهم ضمن فري عمل المسلسل.

في ظل الوضع الجديد أصبحت (الشركة المتحدة) التي احتكرت صناعة الإعلام المصري تنتج ما تشاء من أعمال تجنح نحو الإثارة غير المفيدة، ولايهم أن تصب في خانة التفاهة وتفريغ المضون من محتواه الذي يحافظ على القيم، بعد أصبحت الفوضى شعارا، والبلطجة أسلوبا، والتراخي في تطبيق القانون منهجا متبعا في الملسلات، وأخذ الحق (بالدراع) سمة العديد من الأعمال التي يقوم ببطولة المدعو محمد رمضان الذي لايجد من يقومه وتوظيف إمكاناته التمثيلية في أعمال إنسانية تصب في تقوية القوي الناعمة التي تعتمد (الإنسانية) جوهرا في ذهاب الخيال الدرامي نحو منطق غير مأهولة من الطيبة والعفوية التي يتمتع بها الشعب المصري، أو المفارقات الكوميدية القادمة من قلب الشارع القادر على تحويل المعاناة إلى مواقف كوميدية تقوى على انتزاع الضحك من قلب المأساة.

كانت ميزة صناعة الإعلام المصري خاصة في مجال الدراما التلفزيونية أن هناك شركات توزيع تقوم بالترويج للعمل الدرامي أو الفيلم أو المسرحية أو البرنامج وبيعه خارجيا وداخليا، بحيث يكون في الخارج قوة ناعمة وفي الداخل يجلب إيرادا، لكن الحال تغير مع دخول (المتحدة)، فهى التي تقوم بالإنتاج ونتيجة لسيطرتها على كافة القنوات الفضائية فأنها تعطى من تشاء، ومن هنا قضت بدورها على صناعة التوزيع والتسويق، كما قضت على صناعة المونتاج والتصوير والجرافيك والمعدات.

هل تذكرون سمة الإعلام المصري عن دول المنطقة، حيث كان لدينا في التلفزيون المصري مهرجانات ومعارض ومعدات وأسواق ومنتجات وندوات ومنتديات ولقاءت، لكن بمجرد أن وطأت (المتحدة) أرض الإعلام المصري استحوذت على صناعة الأحداث، وعندما يحاول أحد أن يعمل بشكل ظاهر أو مستتر تقوم بإيقافه على الفور، لأنه أصبحت المحتكر الأول والأخير لصناعة الأحداث، ووكانت النتيجة أننا أصبحنا في ذيل دول ناشئة في صناعة الأحداث والتظاهرات الفنية مثل (السعودية ودبي)، فلم يعد لدينا منتدى للإعلام ولا معرض ولا حتى ندوة أو محاضرة نقاشية عن صناعة الإعلام أو الفن أو الميديا.

وعند استعراضنا لسوق عمل الإعلام المصري (قبل المتحدة)، سنجد أنه كانت هناك حالة من النشاط والحيوية من خلال التدريب للكوادر في مرحلة الجامعة، ومع دخولهم سوق العمل يتم تصعيدهم من مساعد مخرج مثلا إلى مخرج، ومن مساعد مصور لمصور، ومن مساعد موتنير لمونتير، لكن مع استحواذ المتحدة لم يعد هناك تدريب أو بروتوكلات أو أي شيئ يشير إلى تطور صناعة الإعلام، والآن يتخرج من جامعاتنا كوادر لا تعي ولا تفهم أي قواعد أساسية لصناعة الإعلام الحديث بتحدياته المختلفة، ومعلوم أنه كان لدينا كوادر تعمل في الميديا يقدر عددهم بحدود 110 ألف مابين (مخرج ومعد ومذيع ومصور وجرافيك ومونتاج وفني كاميرا وفني صوت)، كل هؤلاء يعملون الآن في مهنة أخرى كسائق تاكسي أو على (أوبر) وغيرها من مهن يمكن تؤمن له عيشه بعد أن أغلقت مهنتة الإعلام أبوابها في وجهه.

تم الاستيلاء على تراث الإعلام المصري من جانب المتحدة

الاستيلاء على تراث الإعلام المصري

ولوحظ أن (المتحدة) قصرت العمل على عدد قليل من تلك الكوادر (مخرج، مونتير، مصور) ينتقلون من ستديو لآخر داخل القنوات التابعة لها مثل (الحياة، dmc، cbc، و on.tv… إلخ)، ونفس الأمر انسحب على (3-4) شركات في مجال الإنتاج الدرامي والبرامجي، وهذا يشير إلى حال الإعلام المصري بعيد عن الإعلام الرسمي، مع العلم بأن الإعلام الرسمي حدثت له صحوات في العقد الأول من الألفية الثالثة، وتحديدا عام 2009، و2012 عبر محاولات للتطوير، وكانت هناك أفكار لحصوله على حصة من الإعلانات، بحيث نعمل على النهوض به لمواكبة التطورات العصرية، لكن (المتحدة) وضعت يدها على أرشيف التلفزيون من الستينيات الذي يمثل الميزة النسبية الوحيدة للتلفزيون المصري، وقامت بالاعتماد عليه في تفعيل منصة (وواتش إت) على اعتبار تقسم الإعلانات مع ماسبيرو، والذي على ما اعتقد لا يعلم شيئا عن هذه الإعلانات حتى الآن.

إقرأ أيضا : فشل الإعلام المصري بجدارة في عام 2021 !

هذا فيما يتعلق بالسيطرة على التراث، أما بخصوص الشاشات فقد حصلت  (المتحدة) على ترددات (النايل سبورت) وقامت بعمل قناة (نايل سبورت)، مستغلة أنها كانت أشهر قناة تلفزيونية حكومية في الحصول على حقوق بث مبارايات الدور المصري، ومن ناحية أخري كان التلفزيون المصري في بعض الأوقات يقوم بجلب بعض الأعمال الأجنبية على مستوى برامج (الفورمات)، أو الدراما ويقوم بالتسويق عليها ويحصل على حصة من الإعلانات تترواح بين 40 مليون إلى 60 في (السيزون – الموسم الواحد) أصبحت المتحدة – باعتبارها الراعي الرسمي للإعلام المصري – تقوم بتسويقه (For Free) بمعني أن يقول للعميل (إذا أعلنت في قناة أون مثلا فمن ثم سوف أعطيك حق امتياز للقناة الأولى المصرية، ولو أعلنت في الحياة سوف أعطيك الفضائية المصرية على البيعة) ومن ثم أصبح العائد الإعلاني للتلفزيون المصر (صفر) أو بمعنى أصبح يمثل (كادو) للزوبون.

والسؤال الآن: هل أنتجنا الأعمال التي ابتعد عنها الإعلام المصري عنها قديما، ممثلة في الأعمال (الوطنية، التاريخية، الدينية، السيرة الذاتية)؟، الإجابة: طبعا لا يوجد سوي أعمال وطنية قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة هى (الاختيار، هجمة مرتدة، العائدون، الكتيبة 101)، بينما نسبة الأعمال التي تدعو للفوضى والعشوائية والبلطجة والزعيق وضرب القيم عرض الحائط، تم إنتاج ما يزيد منها على 300 مسلسل منها خلال السنوات السبع الماضية منذ إطلاق شركة المتحدة وسيطرتها على المشهد برمته، غير عابئة بأن الإعلام المصري ينقصة منذ عام 2009 (برامج للشباب، وبرامج أسرة، وبرامج تكنولوجيا)، فضلا عن برامج دينية ومتخصصة للأطفال، كما ينقص الإعلام المصري قناة دينية متخصصة، وقناة شبابية وأخرى للأسرة تعتمد لغة جيدة غير لغة قنوات ماسبيرو الحالية المتخصصة في ذلك!

ماسبيرو كان حالة فريدة في الإعلام المصري

ماسبيرو والإعلام المصري

صحيح أن (المتحدة) أطلقت قنوات جديدة مثل (القاهرة الإخبارية، والوثائقية، ولايف إكسترا مؤخرا)، ولكنها جميعا لاتحركا ساكنا، لأنها باختصار تعتمد كوادر غير حرفية تقوى على منافسة القنوات المحيطة بنا، لأن العاملين فيها إما (رديف ماسبيرو) أو شباب غير مؤهل أو مسلح بأساليب العصر التي تكفل تطوير منظومة الإعلام المصري في فضاء يغلي بالأحداث والتطورات المذهلة، والقدرة والسرعة في الحركة التي أصبحت تحسب بالدقيقة والثانية، ولم نلحظ أي نوع من التميز أو التفوق على حتى (قناة الأخبار) بالتلفزيون المصري منذ إطلاق (القاهرة الإخبارية) التي أطلقت شعار (عاصمة الخبر)، وناهيك عن مخالفة الشعار للتقاليد الإعلامية فإنه لم تكن لها علامة مميزة في تغطية الأحداث خلال الشهور الماضية، غير قدرة مذهلة على ارتكاب الأخطاء المهينة، رغم الدعاية المستفزة التي سبقت سبقت مرحلة الإطلاق، فقد أثبتت (المتحدة) أنه (تمخض الجبل فولد فأرا).

ومن هنا يمكننا وصفها بأنها محاولات فاشلة في القفز على صناعىة الأخبار والوثائيقات، نظرا لأنها لم تقدم جديدا ولم تحرز أي تطور نوعي في صناعة الإعلام المصري، وذلك بفعل تقوقع عالم (المتحدة) على نفسه وسد المجال لكوادر حقيقية يمكنها النهوض بإعلامنا الوطني الذي أصبح أضحوكة العالم من حولنا، فلم ينجح في الترويج للإنجازات على نحو يعكس حجم جهود الرئيس السيسي ، لأنه هو في واقع الأمر لا يملك الكفاءات في التصدي لحملات التشويه الخارجية التي تستهدف مصر حاليا، بينما هناك قنوات مثل (سكاي نيوز عربية) تتكفل بين الحين والآخر بالدفاع عن مصر وقيادتها في وجه الإعلام الإخواني، لتسد حالة التردي الذي تحظى بها قنواتنا المتخمة بالفاشلين الذين تنتفخ كرشهم يوميا وتزيد أرصدتهم في البنوك؟.

ياسادة لابد الانتباه لحقيقة أوضاع الإعلام المصري المتردية، وذلك باعتدال المشهد على مستوى تفكيك هذا الكيان وعودة القنوات وشركات الإنتاج إلى سابق عهدها قبل عام 2016، فربما نلحق ركب التطور من خلال إشعال المنافسة الشريفة من جديد، فقد قتلنا الإبداع، قتلنا المنافسة، قتلنا فرص العمل، (قتلنا.. قتلنا.. قلتلنا)، وخاصة أن (المتحدة) في سياسات احتكارها لم تقدم على المستوى الاقتصادي أي عوائد لها كشركة، وعلى المستوى القومي لم تقدم رسالة تساهم في تدعيم القوى الناعمة المصرية، وظني إذا استمر مشهد الإعلام المصري على هذا الحال فسنصل إلى طريق مسدود، خاصة أن جزء كبير من المصريين بدأ يستقي معلوماته من مصادر وقنوات ومواقع أجنبية، فضلا عن جنوح كثير من الشباب نحو مشاهدة دراما (أجنبية، تركية، أوكرانيا، كورية، وحتى بعض العربية) من خلال قنوات ومنصات أخرى.

إقرأ أيضا : الإعلام المصري العاجز عن تجسيد ملحمة (حياة كريمة) !

وأخيرا لابد أن أشير إلى أن قطاع كبير من الجمهور المصري فقد الثقة في مشهد الإعلام المصري الذي يمكن أن ينافس في مهرجانات أو منتديات أو معارض أو ندوات في ظل عدم وجود استراتيجية محددة للميديا، أو وجود أهداف خارجية لعودة القوى الناعمة لمصر، كما أنه لم يعد لدينا أمل في أجيال جديدة في ظل عدم وجود تدريب أو نقل خبرات أو نوع من التواصل، وهذا المشهد برمته ينذر بحالة من الفراغ الإعلامي والفني في ظل هروب الكوادر المحترفة أو تغيير المسار، إن لم يكن هناك تدخل سريع لوقف نزيف الأموال التي تصرف بالمليارت على مظومة فاشلة عجزت بالفعل عن تحمل مسئولية الإعلام الذي يحمي الوطن، وتبديل الكوادر الحالية بكودار تملك ناصية الإعلام الحقيقي الذي يستطيع إعادة القوى الناعمة إلى سابق عهدها، عندما كان المنتج رائدا يحلق في السماء عاليا في كافة أرجاء العالم العربي.

وخير ختام لهذه الحلقة، هو أن أستعين بقول الشيخ الشعراوي كما ورد في خواطره حول تفسير القران: (لايشم ريح الجنة من ولى عملا وفي الناس خير منه).. هل وصلت الرسالة؟.. على أية حال: اللبيب بالإشارة يفهم!!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.