رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الاحتكار) أجهض كل محاولات تحسين المحتوى الدرامي المصري!

كتب: محمد حبوشة

للوطن أهمية كبيرة في حياة الإنسان فهو رمز هويته وتاريخه وفخره وكرامته، فالوطن هو ذلك المكان الذي يوجد فيه حقوقه مثل حقه في الانتخاب وحق في الامتلاك وحقه في العيش الكريم وحقه في ممارسة شعائره الدينية وحقه في عاداته وموروثاته من أجداده، بل وحقه في الاستقرار والأمن من خلال وجود حكومة أو سلطات تكون مهتمة به وبتوفير كل ما يحتاجه للحياة من غذاء وأمن وعلاج وغيرها من الاحتياجات الإنسانية المختلفة، وعلى رأسها حاجته الثقافية والفنية التي لا ينبغي أن تكون حكرا على فئة دون غيرها من سائر فئات المجتمع، ومن ثم ينبغي أن نكون شركاء جميعا في الفكر والإبداع من خلال التنوع بين الأفراد والشركات والمؤسات.

وظني أن الممارسات الاحتكارية التي تقوم بها الشركة (المتحدة) من جانب (شلة) بعينها تعتمد القرابة والمصاهرة وغيرها من أمور لاتشجع على الشعور بالانتماء الوطني، بقدر ما ترنو نحو التنفير والإقصاء، خاصة في غياب الدولة بشكل رئيسي في أمور الفصل بالقانون بين حقوق هذه الشركة وواجباتها، وذلك بغض الطرف عن الممارسات الاحتكارية التي تخالف المنطق والعقل والدين، ومن فوق ذلك كله تخالف الدستور الذي يؤكد في مواده وبنوده على حقوق المواطنة وتأكيد الهوية المدنية، وهى مصونة بالحقوق التي تسبغها الدولة، وبالواجبات التي يؤديها المواطنون، الذين هم أشخاص مستقلون ومتساوون في أوضاعهم الشرعية، ولا يتعارض الانتماء الوطني مع الانتماءات المتعددة الأخرى للفرد مثل الانتماء للدين أو القبيلة أو الطائفة، بل إن الانتماء الوطني هو الذي يتكفل بحماية الانتماءات المختلفة في ظل نظام يحكم بالعدل والقانون.

السطور الماضية هى توطئة لما سوف نعرضه في الحلقة الثانية حول (غياب التنافسية التي تهد صناعة الدراما المصرية)، في إطار التأكيد على أن المواطنون المصريون متساون في الحقوق كما هم متساون في الواجبات، ففي أعقاب الحلقة الأولى من طرحنا حول ما يهدد صناعة الدراما المصرية، وردت إلينا ردود فعل كثيرة منها ماهو مبطن برسائل الغضب المكتوم، ومنها ماهو معلن يتضمن صرخة مدوية تطالب بتعديل المسار بعد أن انحرفت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) عن المسار الذي حدد لها منذ ما يقرب من حوالي 15 عاما، كان هدفه وقتها إنشاء (شركة واحدة وقناة واحدة وجريدة واحدة )تعمل بمقاييس الجودة بضم الكفاءات الحقيقية لها في سبيل إشعال المنافسة الشريفة التي تكفل تحريك المياه الراكدة، وذلك بعيدا عن المحسوبية والعائلية وغيرها من قيم تأسست عليها (المتحدة) ككيان يبتلع كل الشركات تحت مظلة واحدة عام 2016 بدعوى الحفاظ على قيم المجتمع.

ماسبيرو الذي كان

والحقيقة أن فكرة السيطرة على المشهد الدرامي والإعلامي برمته على جناح (الاحتكار) أحكم الخناق على الشركات الوطنية الأخرى التي أنتجت أعمالا كثيرة تعد علامات بارزة في صناعة الدراما المصرية على مدار عشرات الستين سنة الماضية، وقت أن كانت روح المنافسة هى التي تصنع الجودة وكان هناك تعاون مشترك بين هذه الشركات ومدينة الإنتاج الإعلامي ومن قبلها قطاع الإنتاج في التلفزيون (أيام المرحوم ممدوح الليثي)، حتى أنهم كانوا يستوعبون الشركات العربية بالتعاون في إنتاج أعمال مشتركة من شأنها أن تضمن عرض مسلسلاتنا على القنوات العربية من ناحية وتوثيق الروابط الأخوية من ناحية أخرى على جناح القوى الناعمة، لكن حينما حطت (الشركة المتحدة) كطائر الرخ الأسطوري فإنها ابتلعت الأخضر واليابس في أحشائها دون مراعاة قواعد المنافسة والإطاحة بشركات عربية خارج حلبة المنافسة على الدراما المصرية.

ومن ضمن هذه الشركات شركة يملكها منتج كبير – لا أذكر اسمه حتى لايتم العصف به ووضعه في خانة المغضوبي عليهم – خاصة أنه موعود بالتعاون مع (المتحدة) بإنتاج أعمال مشتركة، حيث كتب لنا مخاطبا رئيس التحرير الزميل (أحمد السماحي)، قائلا: أسعد الله صباحك صديقي الغالي.. يا ليت السادة المسؤولين عن الإعلام في مصرنا الحبيبة يلتفتوا بانتباه لمقالة الأستاذ محمد حبوشة، لأن فيها تحذير حقيقي عن انحسار الدراما المصرية بطريقة مخيفة، أنا شخصيا حزين ومستاء من المعاملة التي تلقيتها من (سينرجي) حين عرضنا عليهم بوجودك شخصيا، عندما اجتمعنا مع الأستاذ (حسام شوقي) ورحب كثيرا بمسلسلي (ليه الحياة حلوة)، الذي نحارب به التطرف بالفن، بأسلوب مبتكر ومعاصر، ولقد رموا جانبا رسالة هذا المسلسل النبيلة والتي كانت ستصل للجمهور المصري والعربي، وما زالوا يقدمون مواضيع مكررة، بمعالجة تقليدية، بليدة، مقيتة وخائبة يعرض عنها الجمهور.

في الواقع ياصديقي إن الاقتراب من هذا الموضوع المهم جدا أصبح الآن سبوبة درامية، يعرض عن مشاهدته الجمهور العريض!، ليس ذلك فحسب، فإن المسلسل مهدى إلى روح العملاق (بليغ حمدي)، فهل يا ترى سنبقى نصرخ ونحذر وبنفس الوقت نسمع صدى صراخنا مجيبا (لا حياة لمن تنادي؟)، لك خالص تحياتي القلبية.

جعفر العمدة

كلام هذا المنتج الكبير يعكس حقيقة مرة مؤداها ألا يقترب أحد من أسوار (المتحدة) مهما كانت قوته وبراعته في الإنتاج إلا بالرضا السامي من جانب إدارة فشلت في تحسين جودة المنتج الدرامي المصري على مستوى الصناعة التي يتشدقون بها دون وجود قواعد راسخة تدعم هذه الصناعة الثقيلة في عصر الانفتاح الفضائي الهائل، ولعل (موسم رمضان 2023) خير مثال على حالة الترهل حيث تم إنتاج 30 مسلسلا لاتتحدث الشركة المتحدة  أو الجمهور إلا عن نجاح واحد منها فقط هو مسلسل (جعفر العمدة)، الذي يحمل مضمونا في جوهره هو ضد الدولة المصرية، كما جاء في أحداثه  من خروج على القانون بشكل صارخ واللجوء للأحكام العرفية في محاولة لاستعادة تاريخ قديم اندثر ولم يعد له وجود في عصرنا الحالي، حتى أن المسلسل اختار بيئة (السيدة زينب) وشوهها لحساب خيال مؤلف ومخرج مضطرب نفسيا يلعب على ذائقة مواطن مضغوط اقتصاديا يتطلع إلى بطولة وهمية لـ (مرابي) على جناح الجهل، وهى في الواقع نوعية من الدراما العشوائية التي لا تركن إلى أسس المنطق والعقل بقدر ما تجنح نحو ترسيخ العنف وإهانة المرأة ضاربة عرض الحائط بوجود دستور وقانون يحكم العلاقة بين المواطنين.

لم ينجح في لوحة رمضان 2023 سوى هذا المسلسل السيئ خلقا وعادات وسلوك، ولذا أتمنى أن يكون 2023 هو آخر مواسم العبث بالدراما المصرية، وأتمنى أن تفيق إدارة (المتحدة) على الواقع الدرامي المأزوم جراء سياساتها العقيمة، وذلك بإطلاق روح المنافسة ليس بالاحتواء ضمن باقات انتاجها، بل بإفساح المجال الذي يسمح بإنتاج لايخضع لرقابة تعمل على تتفيه الدراما إلى حد خلوها من مضمون جيد، وترسخ الإسفاف وعدم مراعاة أن الدراما تكتب التاريخ حاليا، حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي نسكب فيه الدمع على دراما كانت لاتعنى بالوطن والموطن ولاتعكس هموم الإنسان المصري، ولا تستعرض تاريخيا بشفافية مطلقة بعيدة عن الهوى الشخصي وضيق الأفق والجنوح نحو أفكار تدعي عصريتها، وهى أقل ما توصف به أنها (خزعبلاية) تنطق بها ورش للكتابة الساذجة بينما هنالك كتاب مشهود لهم بالكفاءة على مستوى الخيال الخصب الرشيق الذي يذهب إلى مناطق غير مؤهلة، ويستقدم من الواقع قضايا حقيقية تنتمي لهذا الوطن بدلا من سرقة أفكار مسلسلات (تركية، أسبانية، أمريكية، إنجليزية، وكورية) والأخيرة هى من رسخت للعنف والقتل بأعصاب باردة.

كامل العدد
الهرشة السابعة

ولدى سؤال ملح يكاد يفتك رأسي: ألم تلتفت (الشركة المتحدة) إلى نجاح مسلسلات مثل (كامل العدد، ستهم، الهرشة السابعة، رشيد) في هذا الموسم الرمضاني 2023، وكذلك مسلسلات (لعبة نيوتن، بطلوع الروح) وغيرها من مسلسلات من إنتاج (mbc، والصباح إخوان، وجمال سنان) في موسم 2022؟، ثم ألم تشعر بالعار لأن هذه الأعمال هى من صناعة شركات عربية طردت بليل قاتم في سواده بسبب ضيق الأفق من جنة (المتحدة) الرحبة بالفوضى والعشوائية، وفردوسها المفقود في صناعة القيمة؟.

رشيد
ستهم

ألا يكفي المتحدة فشل (منصة watch it) في مجاراة منصات أخرى كـ (نيتفليكس، وشاهد) وغيرها من منصات تعني بالجودة والتنوع في إنتاج مسلسلات قصيرة وطويلة، وحتى عندما لجأت (watch it) إلى تقليد هذه المنصات بمسلسلات قصيرة عبر سلسلة (زي القمر، حكاية ورا كل باب، إلا أنا) وغيرها من مسلسلات ذات (ثلاثة حلقات، وخمس حلقات، و15 حلقة)، شوهت ملامح الدراما المصرية والتي كان وراءها فكر شخص واحد  فقط، والذي عرف بتلقي أفكار الشباب وإدخالهم في متاهة طابور الانتظار ثم يفاجئ هؤلاء الشباب بأفكارهم موجودة على الشاشة بعد تشويها وإدخال عقيلة التفاهة، وللأسف هذا الشخص يطلق على نفسه (مؤلف) ويضع على تتتر المسلسل (فكرة: ….) وليس لديه وازع من ضمير بأنه يحرق كل أفكار الكتاب الشباب الذين سلموا له أوراقهم، وزيادة في إحساسهم بالفشل وضعوا مسلسلات قديمه كنوع من سد الخانة، لكنها قادرة على أن تجذب أكثر لـ (السعدني، الفخراني، نورالشريف، محمود عبدالعزيز)، ونحن مع هذا التوجه بعرض  مسلسلات طويله محترمه تطورت مع زمانها وحاليا أيضا.

ورا كل باب

وأخيرا وليس آخرا لعل المشاهد الكريم يتذكر حين اتفقت (المتحدة) ووقعت برتوكولا مع وزارة الإعلام على احتكار كل كنوز وتراث ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون) من مسلسلات وأفلام وبرامج قديمة وتسجيلات ومواد نادرة للتلفزيون والإذاعة المصرية منذ عشرات السنين، إذا ليس الأمر فقط حماية الفضيلة كما يزعمون، بل هو في أصله استنزاف اقتصادي واحتكار جديد، وقد اعتمدوا في هذا على تصريح شهير للرئيس السيسي وقتها، عندما قال إن جمال عبد الناصر كان محظوظا بوسائل الإعلام في عصره، عندما كانت تسانده في كل خطواته، إلا أنه أثنى، في تصريح آخر له، في أحد مؤتمرات الشباب، على تدخل الدولة في الأعمال

زي القمر

الدرامية، واعتبر ذلك إيجابيا يساعد على نشر القيم الإيجابية، وهو ما شجع تصريحات رئيس مجلس إدارة الشركة المحتكرة للإعلام في أكثر من مناسبة، لى القول: أن ما يحدث ما هو إلا تنفيذ لتوصيات رئيس الجمهورية ومطالباته بدور الإعلام في نشر الإيجابيات ودعم الدولة.

والنتيجة الحاصلة الآن أنه فشل الإعلام في رصد الإنجازات وتم القضاء على التلفزيون المصري على مستويات عديدة سواء في مجال الدراما التلفزيونية التي ميزت التلفزيون المصري على مدار أكثر من 60 سنة ركز فيها (تلفزيون بلدنا) على التوعية والتثقيف والحس على التنمية، ومن فوق ذلك التأكيد على الهوية الوطنية، اللهم إلا بأعمال قليلة أنتجت مؤخرا مثل (الاختيار، هجمة مرتدة، القاهرة كابول، العائدون)، ناهيك عن القضاء قضاء مبرما على  مواد تحمل في طياتها ثراثا هائلا علم المنطقة العربية كلها أسس صناعة التلفزيون، ولعل أبرز من قضى عليه احتكار (الشركة المتحدة) صناعة الأخبار والوثئقيات وغيرها من برامج (التوك شوز) والمنوعات، وتلك قضية أخرى سوف نتاولها بالشرح والتحليل في الحلقة القادمة، خاصة أننا شهدنا خلال السنة الأخير إنشاء كيانات موازية قائمة على التسطيح، وهو من شأنه تكسير الريادة المصرية على صخرة الواقع المرير في سبيل صناعة المحتوى الإعلامي الذي يقوي في عضد الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.