رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سمير السيد يكتب : سعد الدين الهلالي وفخ (التنوير)

بقلم : سمير السيد

اعتاد الدكتور سعد الدين الهلالي وعلي مدي سنوات، في إثارة الجدل، حول مسائل فقهية، لم يكن آخرها حديثه مع الإعلامي عمرو أديب في قناة (mbc مصر)، عن مفهوم (حجاب المرأة) وماهيته الشرعية، وهل هو فرض ديني أم عادة اجتماعية؟، وهل يشمل تغطية شعر الرأس، أم لا؟.

إشكالية ما يطرحه الدكتور الهلالي، في مسألة (الحجاب) وغيرها، لا ترتبط بمخرجات آرائه (الفقهية)، بقدر ما ترتبط بطريقته (اللامنهجية) في الاستدلال، والتي تقوم على تقديم عرض مبتور لآراء أصحاب المذاهب الفقهية الرئيسية في مسألة ما، ثم ضربها في الخلاط مع نظيرتها الهامشية والشاذة، وترك حرية الاختيار للجمهور، بعد أن يضع الهلالي تفسيره النهائي لهذا (الكوكتيل) المشوش والمضطرب.

هدف الهلالي تحويل كل مسلم لمذهب قائم بذاته

طريقة الدكتور الهلالي تلك في الاستدلال، لا شك أنها تذهب إلى تمييع القواعد والأصول التي حكمت المدارس الفقهية المعتبرة، وصولا إلى ضرب فكرة المذاهب الرئيسية الأربعة، وتحويل كل مسلم إلى (مذهب) قائم بذاته، متسللا من باب (استفت قلبك)، وخطورة هذا المنحى هو أنه يمهد ببطء، لنسف أى نسق منهجي، سابق أو لاحق، للتعامل مع أمور الشريعة.

وإذا أخذنا خطا مستقيما، بين طريقة الهلالي التفتيتية للفقه، وبين محاولات مدعى التنوير للتشكيك فى كتب الحديث، ووصم التراث، والتطاول على الصحابة وعلماء الأمة، لأدركنا، أننا أمام (مشروع واحد) للهدم، وليس الإصلاح أو التجديد، وذلك عبر استراتيجيات وأدوات ورؤس مختلفة، بعضها ينطلق من أرضية العلوم الشرعية كالهلالي، وأخرى ترتكز إلى فكرة (لاعلمية الدين)، أي أن الدين ليس علما، ولكنه مجرد تعاليم، في خلط فادح بين الشريعة المحمدية كنظام اجتماعي وأخلاقي وقانوني ورؤية مفارقة للوجود والوعي بالذات، وبين الوصايا الأخلاقية والمدونات القانونية.

وقد نجح هذا المشروع، بالفعل، في استثمار التطرف الديني، والجهل، في اتجاه تسليع فكرة التنوير، وتوسيع دائرة (الزبونية الدينية)، وتكبير ونفخ حالة التجرؤ على النص الإلهي والنبوي، والتطاول على رموز الأمة الإسلامية.

الخطورة الأكبر لهذا المشروع الذي يبدو براقا لقطاع من أصحاب النزعة العقلانية، أنه يستهدف اغتيال سلسلة ورثة العلم النبوي، وتحويل النص المقدس، إلى نص بشري، وجعله مفتوحا للذوق والإدراك الشخصى، دون أية ضوابط، في عملية فصل خطيرة علي مستويين، الأول: فصل النص عن المشرع، والثاني فصل التلاميذ من الصحابة ومن أخذ عنهم، عن المعلم الأعظم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).

الوجهة واحدة عنده ، وهى تفجير هذا الدين

لقد بدأ مشروع الهدم باغتيال الرموز التاريخية للاسلام، من علماء الحديث، والفقه، وكبار الصحابة، مرورا بالتشكيك اللامحدود فى الأحاديث، وضرب جهود ألوف العلماء الذين أسسوا وطوروا منهجية علم الحديث، وصولا إلى التشكيك فيما استقر في وعى ويقين الأمة المحمدية على مدى ما يزيد عن ألف و400 عاما، بشأن وقائع وأحكام وفروض شرعية.

ومن العجب أن مدعى التنوير من أصحاب فكرة لا علمية الدين، وجعل نصوصه مستباحة للاجتهاد المطلق دون الحاجة لعلم أو تخصص أو التقيد بشبكة إحداثياته ومراتب التمييز فيه ينكرون على الحركات المتطرفة تأويلها المنحرف للنصوص، بل ويهاجمون الأزهر تحت زعم تقصيره فى مواجهة هذه الحركات التى لا تنتمى لأى مدرسة علمية أو أخلاقية في الإسلام.

والحقيقة أن تيار استباحة النصوص، ولا علمية الدين، وضرب المذاهب في الخلاط، لايختلفون عن المتسلفين والداعشيين، الذين يرفضون التمذهب الفقهي، من الأساس، في متلازمة واضحة بين الجهل ورفض التقيد بأي منهجية علمية.

لاشك أن كلا الفريقين يسترزقون من الدين، وكلاهما يروج للتطرف وصناعته، بجعل النص الديني لعبة فى يد كل جاهل يخوض فيه بهواه ويفعل به ما يشاء، لا فرق هنا بين لي عنق النص، لتفصيل حكم (الحجاب)، أو إخراج حكم (التكفير والقتل)، وكله تحت مسمى حرية الاجتهاد وحرية تأويل النصوص.

مشروع مدعي التنوير، ومشروع داعش، خرجا من بوتقة واحدة، وإن اختلفت الشعارات والأدوات ومفردات الخطاب، فكل منهما يمنح الآخر الحياة ويتغذى عليه، لكن الوجهة واحدة، وهى تفجير هذا الدين، وضرب المرتكز الروحي للأمة.

…………………………………………………………….

** كاتب مصري ونائب رئيس تحرير (الأهرام).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.