رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(العالم يلهث وراء مصر اليوم)

بقلم : محمد حبوشة

هل تعلم أنه هذا كان عنوان إحدى الصحف الأمريكية التي كانت ضمن 82 صحيفة ومجلة و400 قناة تغطي موكب المومياوات الملكية في رحلتها الاسطورية من ميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط ، ومن ثم لك أن تفخر بأنك مصري، وأنك حفيد الفراعنة الذين صنعوا أقدم وأعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني، من خلال ما شاهدناه من إبهار على شاشة التليفزيون المصري، ويعود هذا التقدم الحضاري الرائع إلى سببين رئيسين: الأول، العوامل الطبيعية الملائمة؛ من سهول خصبة، ونهر وفير، وموقع جغرافي مهم، والثاني والأهم، القدرات الفكرية لدى المصريين القدماء، حيث عملوا على الاستفادة من هذه العوامل الطبيعية الممتازة، وقد أدى هذا التفاعل الإيجابي المثمر بين الإنسان والطبيعة إلى عمل تاريخي خالد وحضارة رائعة لم يشهد العالم الإنساني لها مثيلا.

ولعل نهر النيل الذي سار الموكب على على جزء من ضفته اليوم هو الذي يمثل شريان الحياة هو الذي علم المصريين الإحصاء والهندسة والحساب، فعرف المصريون المقاييس، وبرعوا في مشاريع الري، وتفننوا في وسائل المواصلات، أما الفراعنة فإنهم قدموا إلى وادي النيل من الجنوب واستقروا شمالاً قرب الدلتا، حيث نجحوا في بناء حضارة فرعونية لا تزال آثارها قائمة حتى الآن، ونظرا لأن مصر تطل شمالا على البحر المتوسط، وشرقا على البحر الأحمر، مما سهل على الفراعنة الاتصال بقارة آسيا عن طريق البحر الأحمر، وقارة أوروبا عن طريق المتوسط، وقارة أفريقيا عن طريق النيل الذي يمتد إلى أسوان، ثم إلى منابعه في الحبشة.

لما يقرب من 30 قرنا من توحيدها، ومنذ حوالي 3100 قبل الميلاد إلى غزوها من قبل الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، كانت مصر القديمة الحضارة البارزة في العالم في البحر الأبيض المتوسط، ومن الأهرامات العظيمة للمملكة القديمة وحتى الفتوحات العسكرية للمملكة الحديثة، لطالما أثار جلالة مصر إعجاب علماء الآثار والمؤرخين، وخلق حقلا دراسيا نابضا بالحياة في علم المصريات، وكانت المصادر الرئيسية للمعلومات عن مصر القديمة هى العديد من الآثار والتحف التي تم انتشالها من المواقع الأثرية، المكتوبة بالهيروغليفية التي تم فك شفرتها مؤخرا.

كما تظهر معالم ذلك في العديد من الصور المنتشرة للحضارة الفرعونية المزدهرة حتى يوما الحالي، ثقافة لا مثيل لها في جمال فنها، أو إنجاز هندستها المعمارية، أو ثراء تقاليدها الدينية، ووفقا لتقرير شبكة (ذا هيستوري الكندية)، إنه أثناء حكم أخناتون، لعبت زوجته (نفرتيتي) دورا سياسيا ودينيا مهما في العبادة التوحيدية لإله الشمس آتون، وتصور صور ومنحوتات نفرتيتي جمالها الشهير ودورها كإلهة حية للخصوبة، وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة، وقد عاشت فترة قصيرة بعد وفاة زوجها، وساعدت توت عنخ أمون على تولي الملك، وكانت لهذه الملكة الجميلة منزلة رفيعة أثناء حكم زوجها.

ولأجل الحقائق السابقة التي أدت إلى صناعة أهم وأكبر حضارة في التاريخ أقول لك مجد أجدادك الفراعنة اليوم الموافق 3 أبريل 2021 وحلق بخيالك الطامح نحو التفوق والخلود وأنت مع تعيش الحدث العالمي الذي يواكب نقل 22 مومياء، و17 تابوت ملكيا ترجع إلى عصر الأسر (17، 18، 19، 20)، ومنها 18 مومياء لملوك، و4 مومياوات لملكات من بينهم مومياوات (الملك رمسيس الثانى، والملك سقنن رع، والملك تحتمس الثالث، والملك سيتى الأول، والملكة حتشبوت، والملكة ميريت آمون زوجة الملك آمنحتب الأول، والملكة نفرتارى زوجة الملك أحمس).

الموكب المهيب لنقل 22 من المومياوات الملكية تم على 22 سيارة بطراز مصري قديم، مع وجود الخيول، كما تم تصنيع عجلات حربية مشابهة للعجلات الحربية المصرية القديمة، مع عزف مقطوعات موسيقية أثناء النقل، وهى طقوس تقترب إلى حد كبير من مواكب تشييع الموتى من الملوك والملكات في مصر القديمة، فعندما كان يرحل الملك الفرعوني يشيع إلى مثواه الأخير في موكب جنازي يشبه ذلك الموكب الذي يتحرك في شوارع القاهرة اليوم.

الموكب الملكى الذي انتظره العالم أجمع خرج من المتحف المصرى بالتحرير إلى مكان عرضها الدائم فى المتحف القومى للحضارة المصرية، مساء أمس السبت ولمدة ساعتين وأكثر ،حيث وقف طلبة المدارس والجامعات رافعين أعلام مصر على طول طريق الموكب الذي ينتهي بحفل سيمفوني حضرة عدد من ضيوف مصر من رؤساء ووزراء، وذلك فى إطار توجيهات الدولة بإتمام الأنشطة الأثرية والثقافية العالمية على نحو يتسق مع عظمة وعراقة الحضارة المصرية القديمة، ويبرز جهودها الجارية لتطوير وتحديث القاهرة وغيرها من المدن القديمة.

تحرك الموكب الملكى للمومياوات – كما شاهدنا على الشاشة – من ميدان التحرير، حيث توجد المسلة فى أشهر ميادين العالم لتتجه إلى كورنيش النيل، حيث نشاهد توحيد لون دهانات وجهات العمارات الواقعة فى طريق السير بنقل المومياوات، بحيث يكون خروج هذا الحدث المهم أمام العالم بشكل راق عالمى، يليق بتاريخ الحضارة المصرية القديمة، لتصل المومياوات إلى مكان عرضها الدائم بمتحف الحضارات بعين الصيرة الذى يستقبل المومياوات الملكية، وقد تم تحويل الجزء الذى يقع أمام المتحف مباشرة إلى مشروع جذب سياحى يرتبط بالمتحف، فضلا عن إنشاء عدة طرق لتخدم المنطقة وتربطها بالطرق الرئيسية.

ولأنه حدث تاريخي لا يتكرر كثيرا فإن الموكب الملكي للمومياوات في أثناء تحركه من ميدان التحرير تقدمته الموسيقى العسكرية، ومعروف أن نقل مومياوات الملوك سيضيف ميزة تنافسية لمتحف الحضارات ليستطيع أن ينافس المتحف المصري الكبير بعد افتتاحه، والمتحف المصري بالتحرير بعد تطويره بما يليق بمكانته التاريخية، ولعل مشروع تطوير بحيرة عين الصيرة المقابلة للمتحف القومي للحضارات، بدت اليوم منطقة جذب سياحي مهمة، حيث يرتبط مشروع المتحف بتطوير محيط البحيرة ليكتمل المشهد الحضارى ويشكل مشروع متكامل، بالإضافة إلى التخطيط لإنشاء منطقة فنادق وذلك فى المرحلة الثانية للمشروع.

جدير بالذكر أن المتحف القومي للحضارة المصرية يعد من أهم المشروعات التي تمت بالتعاون مع منظمة اليونسكو، ليصبح من أكبر متاحف الحضارة في مصر والشرق الأوسط ذي رؤية جديدة للتراث المصري العريق، ويضم المتحف مركزا لترميم الآثار مجهزا بأحدث الأجهزة العلمية للفحوص والتحاليل الخاصة بالآثار، كما يعد هو المتحف الوحيد في مصر الذي يحتوي على جهاز الكربون المشع (C14) ومعمل لـ (DNA)، ووحدة (أنوكسيا) الخاصة بتعويض نقص الأكسجين في دهاليز المتحف.

وفي النهاية: تحية تقدير واحترام لمجلس الوزراء المصري، ووزرتي الإسكان والسياحة والآثار، ومحافظة القاهرة على جهودهم الرائعة بسواعد مصرية تدرك أهمية الحضارة التي استطاعت تمجيد الأجداد على على مر التاريخ، شكرا لكم لأنكم جعلتم العالم يتحدث عن سحر الفراعنة القدماء، فيصمت العالم اليوم، وليتحدث عن سحر المصريين الحقيقي، السحر الذي لا يعتمد على الخدع ولا الشعوذة، لكنه يعتمد على الإتقان والجودة، على التناغم المهول، والدقة المتناهية، على الانضباط الصارم والانسيابية الناعمة.

ما رأينا عبر ساعتين كاملتين في بث احتفالية نقل مومياوات ملوك مصر العظماء هو سحر حقيقي، سحر ممزوج بالمجد والفخر، سحر مغلف بالأبهة والإبهار، هذه بلدي التي أحب، هذه بلدي التي أفخر بها، هذه بلدي التي حلمت بها، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وأيضا كل الشكر لكل فرد أسهم في هذا الحدث التاريخي الاستثنائي، كل الشكر لصاحب فكرة متحف الحضارة والوزير الأسبق فاروق حسني، كل الشكر لدولة رئيس الوزارء مصطفى مدبولي، كل الشكر للوزير المجتهد خالد العناني، كل للؤئيس السيسي الراعي الرسمي لهذا الحدث، كما أن الشكر موصول لجميع للفنانين والفنيين والعمال الذي أسهموا في هذا الحدث العظيم.

كل الشكر لكل نجوم مصر والوطن العربي الذين شاركوا في هذا الحدث، كل الشكر للموسيقار هشام نزيه المبدع الذي صاغ بفنه وموسيقاه هذه البانوراما الموسيقية المبهرة، كل الشكر للموسيقار نادر عباسي وجه مصر المشرق دوما في أحداثها الموسيقية المهمة، ولجميع من أسهموا في هذا العمل من موسيقيين ومطربين وعازفين ومهندسي صوت وإضاءة ومصوريين ومخرجين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.