رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

يللا تنام ريما

بقلم: محمود حسونة

كنّا نتمنى أن تظل فيروز جارة القمر التي لا يمكن أن يدنو منها أحد، وأن تظل رمز الإجماع اللبناني بعد أن ترفعت بأغنياتها عن الطائفية والمذهبية والآفات التي هوت بلبنان وأسقطته من القمة، وأن تظل رمز الإجماع العربي بعد أن اتفق حول عذوبة ورقي أغنياتها وشخصيتها كل العرب، وبعد أن كان لكثير من العواصم والمدن العربية مكان مهم على خريطتها الغنائية، وبعد أن مثل صوتها صوت الوحدة لا الفرقة والاتفاق لا الاختلاف والتوافق لا التناحر سواء على مستوى لبنان أو خارجه، ولكن لأن الأفراد والشعوب لا يمكن أن تدرك كل ما تتمناه، فإن أبناء فيروز أنفسهم، ولا أحد سواهم يريدون لها أن لا تكون جارة للقمر وأن تتخلى عن مكانتها كرمز لبناني عربي لتنال نصيبها في زمن السقوط والطائفية والمعارك العنترية.

زياد الرحباني، ومع كل الاحترام والتقدير له كفنان ومبدع، حاول توظيف والدته سياسياً في بعض المراحل، ملمحاً ان لم يكن مصرحاً بانتمائها السياسي إلى حزب الله الذي لم يعد يخفى على أحد أنه سبب رئيسي في خراب لبنان،  ولكن الجمهور العاشق لفيروز لم يصدق ولَم يقبل، وتجاوز عن ذلك، واحتفظ بفيروزه جارة للقمر وأرزة لبنان ورمز قومي عربي.

 وبعد وقبل ذلك، كانت ولا تزال لريما الرحباني رغبة في إثارة جدل وافتعال معارك بشأن فيروز وموروثها الغنائي العظيم، ومن حين لآخر تطل مهاجمة لفنانين ومستخدمة من الألفاظ والاتهامات ما يعاقب عليه القانون، ولكن لأن الناس تدرك جيداً قيمة ومكانة فيروز اللامحدودة، وتدرك أيضاً حجم وقيمة ريما اللاموجود، فقد تركوها تقول ما تشاء وتتجاوز في حق من تشاء من دون رد، وقد أدركوا أن جمهور السوشيال ميديا كفيل بأداء المهمة بما يملك من وعي يمكنه من التمييز بين المتجني والمجني عليه.

ريما لم يسلم منها أحد، لا رموز ولا نجوم تيك أواي ولا أقارب ولا مهرجانات، ولديها عقيدة وهمية أن الكل طامع في والدتها، وعلى رأس الطامعين أولاد عمها منصور الرحباني الذين لا تترك فرصة إلا وتكيل لهم الاتهامات وتسبهم بأفظع الألفاظ، إذا اقتربوا من أغنية غنتها فيروز وتشارك والدهم منصور ووالدها عاصي في تأليفها وتلحينها، وبعيداً عن كونهم أصحاب حق باعتبارهم من ورثة الأخوين رحباني، فهم وغيرهم لهم حق تقديم أغاني فيروز سواء برؤية معاصرة أو بتوزيع جديد أو بصورتها الكلاسيكية التي قدمتها فيروز بها، فالتراث الغنائي ليس ملكاً لأحد، وأعمال كثيرة لأم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وفريد ووردة وعبدالحليم غناها في حفلات وألبومات نجومنا الحاليين برؤى جديدة، وهو أمر مشروع، وهناك اتفاق قديم بين أولاد العم على مشروعية ذلك، ولكن يبدو أن الفراغ الذي تعيشه ريما يدفعها لاختلاق معارك.

سهام ريما الرحباني لم تصب فقط أولاد عمها رغم أنهم فنانين كبار، ولكنها أصابت الكثيرين آخرهم مايا دياب، والتي بصرف النظر عن قدراتها الصوتية قدمت حفلاً عن بيروت بعد انفجار الميناء من أغاني فيروز، وعرضته محطات لبنانية، والطبيعي أن يراه الناس كتكريم لجارة القمر، ولكن ابنتها رأته من منظورها الخاص تجاوزاً وبناء عليه لم تسلم مايا منها.

وفِي يوليو الماضي تجرأت إدارة مهرجانات بعلبك وفكرت في تكريم فيروز والأخوين رحباني بحفل استثنائي بلا جمهور في زمن الحجر بتقديم موسيقى لعشرين دقيقة للأخوين رحباني، تكريماً لهما ولفيروز، وصاحب ذلك عرض مجموعة من الصور والأفلام كاستعادة لتاريخ المهرجان؛ وتم بث الحفل على الشاشات اللبنانية، ولقي نجاحاً كبيراً، لكن ريما الرحباني نشرت على صفحتها على (فيسبوك) رداً بالعامية اللبنانية، فنّدت فيه أسباب غضبها، وحوى كثيراً من الهجاء، والسخرية، والتجريح، معتبرة أنّ اللجنة لم تستشر فيروز بالصور والأفلام التي عُرِضت، رغم أن هذه الصور من الأرشيف الخاص للمهرجانات التي تشاركت مع فيروز في تاريخ لا ينسى ولا يخفى علينا جميعاً أن فيروز لاترد على أحد.

ريما لم يسلم منها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وحاولت مقارنة والدها به قائلة “بيي أقوى من عبد الوهاب” مع مقطع من حوار كانت قد أجرته ليلى رستم مع الشاعر اللبناني المثير للجدل سعيد عقل وفيه قال إنه يفضّل المدرسة الموسيقية الحديثة على تلك التي يقودها ويمثّلها عبد الوهاب، معتبراً أنّ تلحين موسيقار الأجيال لقصيدته “مرّ بي” التي غنّتها السيدة فيروز لم يعجبه، وهو ما اعتبرته ريما يصب في صالح والدها، رغم أن عاصي نفسه كان من المتحمسين لأن يلحن عبد الوهاب لفيروز، ولكل من عبد الوهاب والرحابنة مدرسته الموسيقية التي لا تجيز المقارنة بينهما، ولكنها فقط رغبة ريما في اشعال المعارك.

نتمنى أن تنسى ريما أن فيروز التي يعشقها الملايين حول العالم هي “ملك لها”، وتقدم لنا إبداعاتها الشخصية بدل التفرغ لمهاجمة كل من يقترب من أغنيات صاحبة الصوت الملائكي؛ إنما يبدو أنها اكتشفت أن تحقيق ذاتها لن يحدث الا بمحاصرة والدتها ومحاصرة أغنياتها إلى حد الخنق، والذي لن يثمر سوى جموداً في تراث فيروز، وربما تعتمد ريما على مدى اتساع حب الجمهور لفيروز إلى حد عدم انصرافهم عن أغانيها، لكن المؤسف أن تستمر “الإبنة” برسائل الشتم التي ترسلها يميناً وشمالاً إلى أن يُهدم الهيكل الذي بناه الأخوين رحباني وفيروز، وقبل أن يحدث ذلك نتمنى أن تسمع ريما لنداء أمها وهي تغني لها ” يللا تنام ريما” وهى مطمئنة أن جمهور فيروز من المحيط إلى الخليج لن يقبل بأي تجاوزات في حق تراثها وأغنياتها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.