رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: (الحشاشين).. بداية مصالحة مع (الدراما الحقيقية)

بقلم: بهاء الدين يوسف

لعل مسلسل (الحشاشين) الذي يعرض في رمضان الحالي واحد من أهم المسلسلات التي تم إنتاجها في مصر في السنوات الأخيرة، فهو يستعرض تاريخ واحدة من أكثر الجماعات ذات الصبغة الدينية دموية في التاريخ الإسلامي.

كما أن تصوير المسلسل استغرق مدة طويلة ليخرج بشكل مخدوم كما نقول دون الوقوع في فخ التسرع والاستعجال.

كذلك فإن مسلسل (الحشاشين) لكاتب محترم معروف بابداعه الدرامي هو (عبد الرحيم كمال)، ليس محسوبا على أي تيار أو فصيل سياسي أو ديني ما يجعل العمل منزها عن الشبهات المعتادة في الفترة الأخيرة بأن الهدف منه تلميع صورة جانب أو تشويه آخر.

لكن (الحشاشين) الذي حرصت على متابعته منذ حلقته الأولى لم يخل بدوره من الانتقادات السريعة التي ظهرت بمجرد بداية عرضه، ولا أعرف حقيقة من أين أتى هؤلاء المنتقدين بالجرأة اللازمة لنقد عمل من 30 حلقة بعد مشاهدة حلقة أو اثنتين أو حتى ثلاث حلقات.

إقرأ أيضا : (حسن الصباح).. بين (كريم عبد العزيز) و(عابد فهد)

الواضح لي أن هناك ما يشبه حالة تربص بالعمل من جهات معينة تريد دراما على (مزاجها) أو على (مقاسها)، مثل جماعة الإخوان المسلمين التي رأى بعض المنتسبين لها في العمل تعريضا بالجماعة التي تشبه (الحشاشين) في الجانب التنظيمي والجهادي والانطلاق من فكرة تكفير السلطة وإبراز ظلمها كمدخل لكسب العامة والبسطاء.

وقد انطلقت أبواق المحسوبين على الإخوان المسلمين للهجوم على (الحشاشين) منذ حلقاته الأولى عملا بمنطق أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، رغم أن المؤلف لم يذكر شيئا عنهم تصريحا أو تلميحا في تلك الحلقات.

لكن الهجوم على العمل تحسبا من أن يدفع أي من المتعاطفين مع الجماعة لإعادة قراءة تاريخها واستخدام عقله – لا سمح الله – لتقييم الأثر الذي أحدثته في المجتمعات التي تواجدت بها وهل كان إيجابيا أم سلبيا.

فئة ثانية انطلقت تهاجم (الحشاشين) دون انتظار لاكتمال حلقاته هم الشيعة الذين تنتمي جماعة الحشاشين لواحدة من أكثر طوائفهم تطرفا وهى الطائفة الاسماعيلية.

انبرى العديد من المفكرين والمنظرين الشيعة لنقد المسلسل بدعاوى جوفاء

نقد مسلسل (الحشاشين)

حيث انبرى العديد من المفكرين والمنظرين الشيعة لنقد المسلسل بدعاوى جوفاء من عينة وقوع المؤلف في ذكر تفاصيل مختلف عليها تاريخيا، متجاهلين أن الدراما ليست عملا وثائقيا ومن حق مؤلفها توظيف ما يراه من أحداث تاريخية لخدمة فكرته.

من ناحيتي أرى أن المسلسل يستحق عليه صناعه التحية، بداية من المؤلف إلى المخرج ثم شركة سينرجي منتجة العمل، وسبب تحية هذه الأخيرة هى مساحة الحرية الفكرية التي منحتها للمؤلف دون قيود.

 ولعل من أكثر المشاهد التي تركت أثرا قويا في المشاهدين ذلك الذي جمع بين الوزير بدر الدين الجمالي وزير الخليفة المستنصر الفاطمي وبين أحد مساعديه خلال الشدة المستنصرية.

في ذلك المشهد طلب منه الوزير خلع الألواح الذهبية التي تزين باب قصر الملك وتسييحها وبيعها لتدبير الطعام للعامة.

وعندما رد عليه المساعد بأنه لا يجوز الاقتراب من باب القصر باعتباره من هيبة الملك فرد عليه الوزير بالجملة التي نقلها عنه الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي وهي إنه (لا هيبة لحكم والناس جوعى).

كذلك فان انتاج عمل ملحمي مثل (الحشاشين) يستعرض تاريخ جماعة دموية تنتمي للطائفة الإسماعيلية.

يحسب للجهة المنتجة والشركة المتحدة التي تجاوزت بإنتاج وعرض المسلسل مخاوف كثيرة كانت تتردد سرا بين المصريين عن تغلغل نفوذ الطائفة الشيعية في مصر، في ظل ما نسمعه منذ سنوات عن المشروعات الخيرية التي تقيمها فضلا عن وجود ضريح زعيمها الملقب بـ (الأغاخان) في محافظة أسوان.

شخصيا أرى أن مسلسل (الحشاشين) يصلح أن يكون بداية لعودة الإنتاج الدرامي المصري إلى الطريق الصحيح، بالاعتماد على مؤلفي الدراما الحقيقيين أصحاب الموهبة حتى لو كانوا مختلفين مع الأفكار السياسية السائدة،.

وكذلك رفع سقف الحرية في تناول أي قضية سياسية أو اجتماعية في المحتوى الدرامي دون قيود بعيدا عما ساد لفترة سابقة من الزمن من أعمال لا تهدف سوى للتطبيل أو لتلميع أشخاص وسياسات معينة.

(فتحي عبد الوهاب) و(نيقولا معوض) لم يفلح كليهما في أداء الدور

(فتحي عبد الوهاب) و(نيقولا معوض)

لديً بعض الملاحظات البسيطة على العمل أولها اختيار الممثلين، فلا أحد يختلف على القيمة الفنية لكريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب مثلا، لكنني أرى أنهما لم يكونا مناسبين لدوريهما في العمل.

بالنسبة لكريم عبد العزيز لم يكن مقنعا كزعيم ديني أو زعيم عصابة دينية، ولم يملك كاريزما الزعامة او صلافة الزعيم الديني، كما أنه لا يملك شبها بالصور المتداولة لحسن الصباح من قريب أو من بعيد.

أما (فتحي عبد الوهاب) فملامحه وتكوينه الجسماني وأدائه الهاديء لا يقترب من صورة الوزير (نظام الدولة) أقوى وزير في تاريخ الدولة السلجوقية والذي عرف عنه الشراسة والقوة، وكذلك الحال بالنسبة لـ (نيقولا معوض) في دور (عمر الخيام).

كذلك كنت أتمنى من المخرج بيتر ميمي الذي بذل جهدا ملحوظا في تصميم أجواء درامية تخلو من الشوائب الانتباه لبعض التفاصيل الصغيرة التي لا يجب أن يقع فيها عمل استغرق كل هذا الجهد.

فلا يصح مثلا أن نرى زوجة (حسن الصباح) تضع حواجب موشومة (تاتوو) وهى موضة لم تكن بالتأكيد قد ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.