رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(حسن الصباح).. بين (كريم عبد العزيز) و(عابد فهد)

كتب: محمد حبوشة

قبل الدخول في عقد مقارنة بين شخصية (حسن الصباح) من بطولة (كريم عبد العزيز، وعابد فهد)، لابد من الإشارة إلى أن كلا من كاتبي العملين (عبد الرحيم كمال) في (الحشاشين)، و(محمد البطوش) في (سمرقند) لم يتطرقا إلى رواية (سمرقند) الأصلية للكاتب الفرنسي اللبناني (أمين معلوف).

ومع ذلك لايبدو هنالك خلافا واضحا بين كاتبي العلمين والرواية الأصلية حول شخصية (حسن الصباح)، من خلال سرد سيرة ذاتية تتماس مع الخط الدرامي لرواية (أمين معلوف) على مستوى العنف وزرع بذور الإرهاب التي أسسها (الحشاشين).

عموما، حكاية جماعة (الحشاشين) وبطلهم (حسن الصباح) هى في الأساس محط جدل، كونهم فرقة دموية أرعبت العالم في القرن الحادي عشر الميلادي، وهذا المسلسل أعاد اهتمام الناس بالحكاية التاريخية، والبحث في تفاصيل شخصياتها.

وفي زمن أصبح يعيش فيه العالم الإسلامي عموما والوطن العربي خصوصا نزاعات كثيرة، وفي وقت أصبح فيه صوت الإرهاب يزاحم صوت العقل في بعض بقاع الأرض، كان لا بد للدراما العربية أن تقول كلمتها الفصل في ممارسات (حسن الصباح).

وبالتالي أن تخرج الدراما من الكليشيهات التقليدية والقديمة لترتدي ثوب التجديد، وتحمل بيدها زمام المبادرة، لتقف في وجه هذا التوجه الغريب نحو العنف والقتل والإجرام.

من هنا ولدت فكرة (سمرقند) هذه المدينة التي جمعت عبر إحدى مراحلها التاريخية وفي وقت واحد تيارات مختلفة ترمز إلى ما نعيشه اليوم من اختلافات في التوجهات والمعتقدات وأساليب التعامل اليومية.

وللحقيقة قدم (عابد فهد) شخصية (حسن الصباح) ببراعة مطلقة، فعلي قصر قامته ونحافة جسده، إذا ماتم مقارنته بـ (كريم عبد العزيز) ببنيته الجسمانية التي تظهر جبروت الشخصية أكثر، إلا أن (عابد) بدا عملاقا بطريقة أدائه التي تعكس براعته التمثيلية على مستوى لغة الجسد المعبرة.

اعتمد (عبد فهد) عينيه بقوة ليعبر عن الصرامة وقوة الكلمة والدهاء والمكر والمكائد لشخصية (حسن الصباح)

(عبد فهد) ودهاء (حسن الصباح)

اعتمد (عبد فهد) عينيه بقوة ليعبر عن الصرامة وقوة الكلمة والدهاء والمكر والمكائد والمباغتة والتنظيم والإدارة، وما يرافقها من مؤثرات صوتية، وهو ما لم يظهر في في أداء (كريم عبد العزيز) الذي اعتمد أداءا ناعما بصوت خفيض، وظني أن الخشونة ستبدو أكثر في الحلقات القادمة التي ستهشد تشظيا في أحداثها الساخنة.

مسلسل (سمرقند) بطولة (عابد فهد) الذي جسد شخصية (حسن الصباح) عرض على عدة محطات تلفزيونية خلال رمضان 2016، هو ملحمة تاريخية بحبكة درامية معاصرة، حيث استند العمل إلى الأساس التاريخي في شكله العام وشخصياته الرئيسية، لكنه لا ينتمي إلى فئة الأعمال التوثيقية.

بل هو عمل درامي تمت صياغة حكايات خاصة به، وهو بالتالي لا يرتبط لا من قريب ولا من بعيد بأي عمل أدبي أو نص آخر يحمل الاسم نفسه، إلا من خلال المراجع التاريخية التي توثق تلك الفترة.

وهو من تأليف محمد البطوش وإخراج إياد الخزوز، ويلعب الأدوار الرئيسية فيه كل من النجوم: (عابد فهد، وميساء مغربي، ويوسف الخال، وأمل بوشوشة، ويارا صبري، وعاكف نجم، ورشيد ملحس، وركين سعد)، وعدد كبير من نجوم الدراما العربية.

الكاتب (محمد البطوش)، والذي سبق أن قدم كثيرا من الأعمال التاريخية قدم شخصية (حسن الصباح) في (سمرقند) بشكل جديد من جميع النواحي، خصوصا من حيث البناء الدرامي والقصة الافتراضية.

فالقصة هى حدوتة افتراضية عن جارية تباع وتشترى وتتحول لتصبح الوصيفة الأولى للملكة في قصر أهم ملك في تلك الفترة، حتى تصبح أيضا صاحبة قرار، وهذه القصة هى التي تشكل البناء الدرامي الأساسي للعمل مع جميع الرسائل التي يمكن أن نقدمها من خلال هذا العمل.

فللمرة الأولى يقدم مسلسلا تاريخيا بهذه البساطة، لكنه يحمل أيضا رسائل فكرية هائلة، أولها قضية الإرهاب ومحاربته، لأننا نشرح هذه القضية، وكيف يتم التغرير بالشباب واستغلالهم تحت إطار البند الديني.

ولهذا فإن شخصية (حسن الصباح) والحشاشين، وهى أول (فرقة موت) محترفة في العالم تأخذ الخط الرئيسي في العمل، في المقابل هناك (عمر الخيام)، وهو الند الحقيقي لحسن الصباح، وبالتالي يقف الفكر أمام الفكر.

مسلسل (سمرقند) جمع الحياة والموت في وقت واحد

(سمرقند).. نتائج سلبية

يروي مسلسل (سمرقند) تفاصيل عن ولاية العهد وعن إدارة الحكم والصراعات التي تحدث على السلطة عموما، وهذه الصراعات التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية إن لم تدر بشكل سليم، وتعود بالخسارة على المملكة وعلى الشعب.

كما أن هناك شخصية خطيرة ومهمة، وهو (نظام الملك) الذي يمثل رجل الدولة بامتياز الذي استمددناه من كتابه الذي يعكس عن تجربته في القصور، وهو شخصية مساندة لعمر الخيام من حيث آلية فهم الدين ومحاربة الإرهاب.

ويمكنني القول أن مسلسل (سمرقند) جمع الحياة والموت في وقت واحد، الحياة تمثلت في (عمر الخيام) وفكره المستنير، الذي جسد شخصيته ببراعة النجم يوسف الخال، والموت المرتبط بشخصية (حسن الصباح) مخترع أول فرقة قتل مسلح في التاريخ التي يؤديها باقتدار النجم الكبير (عابد فهد).

ولو اطلعنا على التاريخ سنجد أن هذه النماذج مستمرة وتتكرر في كل عصر، لكن بكل أسف دائما يخسر (عمر الخيام) ويكسب (حسن الصباح)، لأن القوانين التي تمثلها في المسلسل شخصية (نظام الملك) تترك هذه الفئة دون حساب ومحاكمة.

ولعل المقولة المهمة التي يقولها حسن الصباح وهى: (إذا أردت أن تمتطي صهوة الحكم في بلاد العرب فعليك أن تلبس ثوب الواعظين وتتحزم بسيف قاطع)، هى التي تشكل أساس العمل وتوضح مسيرة جميع الفئات المتطرفة في عالمنا المعاصر.

بينما يتناول مسلسل (الحشاشين) حقبة تاريخية مهمة في آسيا الوسطى، وتحديدا مدينة (سمرقند) إبان حكم السلطنة السلجوقية لها في القرن الحادي عشر ميلادي، وركز الكاتب (عبد الرحيم كمال) على الأضداد التي اجتمعت في آن واحد داخل المدينة: (الخير والشر، الاعتدال والتعصب، التسامح والجريمة).

ورغم أنه لم يعرض منه سوى 7 حلقات حتى الآن، إلا أن المسلسل أعطى انطباعا إيجابيا لدى المشاهد العربي، خاصة على مستوى الأداء الاحترافي لفريق العمل.

وعلى رأسهم بالطبع النجم (كريم عبد العزيز) بلغة جسد لاتقل كثيرا عن (عابد فهد) الذي طالما يبرع في أدوار الشر، كما جاء في (جساس بن مرة، الحجاج بن يوسف، الظاهر بيبرس).

يرتكز العمل الذي كتبه (عبد الرحيم كمال) بعذوبة حواره الساحر

حواره (عبد الرحيم كمال) الساحر

يرتكز العمل الذي كتبه (عبد الرحيم كمال) بعذوبة حواره الساحر في كافة أعماله من خلال خليط يجمع بين (الدراما والفنتازيا) في إطار قالب تاريخي حقيقي، على أربع شخصيات تركت أثرا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا في مدينة سمرقند (ثاني أكبر مدن أوزباكستان حاليا)، ومعظم مدن آسيا الوسطى، وصولا إلى البلاد العربية.

أبرز ما يميز (حسن الصباح) هذا الرجل المثير للجدل، وفقا للمصادر التاريخية التي اعتمد عليها (عبد الرحيم كمال) أنه اتخذ قلعة (آلموت) في إيران مركزا لدعوته، وجمع لفيفا من الشباب حوله بعد إعطائهم مادة (الحشيش) المخدر، وغسل عقولهم لتنفيذ أجنداته.

لي مآخذ واحد على سيناريو (عبد الرحيم كمال) وإخراج (بيتر ميمي) وأداء (كريم عبد العزيز) أنهما قدما شخصية (حسن الصباح) في الحلقات الأولى على أنه يشبه أحد المتصوفة بلباسه الأبيض الذي يعكس نقاء الروح، ومن ثم فإن هذا جرف بعض المشاهدين إلى زاوية التعاطف معه، فضلا عن أداء باهت وضعيف للغاية من جانب (نيقولا معوض) لشخصية (عمر الخيام) إذا ماتم مقارنته بأداء نفس الشخصية من جانب (يوسف الخال) في (سمرقند).

قد يقصد (كمال) في (الحشاشين) أن يؤسس بطريقة ناعمة لشخصية (حسن الصباح) على عكس (محمد البطوش) الذي قدمه بطريقة أكثر خشونة، باعتباره أول من شرع الاغتيال السياسي في العالم، ونال من عدة رجال دولة وأمراء وشخصيات دينية، لعل أبرزهم صديقه الوزير السلجوقي البارز، نظام الملك.

ومن هنا يظهر تفرد مسلسل (الحشاشين) في أنه ولأول مرة منذ فترة طويلة تعرض المناقشات الفلسفية بين أرسطو وأفلاطون بشكل صريح، من خلال (حسن الصباح وعمر الخيام) في محاورتهما الجدلية التي تعكس الخلاف في الفكر والمنهج.

فتبدو أهم شخصيات المسلسل من وجهة نظر (عبد الرحيم كمال) من خلال (حسن الصباح)، وهو زعيم طائفة الإسماعيلية النزارية، المعروفة بـ (الحشاشين)، والشاعر العربي المعروف (عمر الخيام)، وهما يمثلان ثنائية لطالما وجدت في التاريخ العربي.

وهى ثنائية: الثورة من خلال الفكر، أو الثورة من خلال السيف، من خلال الحوارات الفكرية بين (عمر الخيام وحسن الصباح)، وتبدو حجة (عمر) ضعيفة، ولكنه لا يعلم أن التاريخ سوف يخلده بفنه وعلمه، بينما (حسن الصباح) لن يذكره التاريخ سوى بالقتل والدماء.

وكما ظهرت السياسة تظهر قصص العشق، وعلى غرار (قيس وليلى)، تبدو قصة عمر الخيام والوصيفة (نيرمين)، ولكنها قصة مختلفة، ففي النهاية يقرر (الخيام) هجر (نيرمين)، والسبب هو أنها لم تؤمن بقضية السلام كما آمن بها هو في لحظات.

ولم يغفل (عبد الرحيم كمال) دور المرأة، فعمل على إظهارها بقوة، في حجم مواز للرجل؛ بل أحيانا أكثر، فهى المسؤولة عن تحريك الأحداث، سواء في الملكة الساعية للسلطة، أو في الجارية التي تربطها صلات بكل الشخصيات في مدينة (سمرقند).

يبقى الوصف الأمثل لمسلسل (الحشاشين) بـ (غير العادي)

مسلسل (الحشاشين) غير العادي

في النهاية يبقى الوصف الأمثل لمسلسل (الحشاشين) بـ (غير العادي)، فهو يتسلل إلى ثنايا الروح ببساطة، سواء من خلال جمال الموسيقى والحبكة الدرامية والحوار الحي، أو مشاهد الطبيعة الساحرة أو أداء الممثلين المبهر حقا.

وأكثر من ذلك بدا في حوارات (عمر الخيام) الإنسانية مع الله، التي تبدو وكأنها أسئلة أي إنسان خلقه الله على مر الزمان والمكان، عربيا كان أو غير عربي.

أما المغالطات التي التاريخية التي تحدث عنها البعض، فهى ما يثير الجدل في العادة عند عرض أي عمل تاريخي جديد، كون العمل يعتمد على إيجاد الإثارة الدرامية، وهو ما يبيحه أصحاب القرار في أي دراما، حتى لو أساء ذلك إلى الحدث التاريخي نفسه، أو وجدت قصصا لم تكن قد حدثت في الأصل.

الرواية التاريخية تحتمل أكثر من عمل تخييلي، بل هى فهم لماض غابر ومحاولة الغوص والخوض في لجته الهائجة تارة، والهادئة أخرى، لذلك نادرا ما تجد كاتبا مثل (عبد الرحيم كمال) يجيد السباحة في هذا البحر الغاضبة أمواجه.

عندما نأتي للبحث عن الرواية التاريخية فإننا نجدها أكثر الأعمال ندرة في اعتقادي، وذلك يرجع للصعوبة والمشقة التي تواجه الكاتب في هذا المجال، سواء في جمع المادة التاريخية، أو محاولة توظيفها لخدمة فكرة معينة.

بل والأصعب من هذا هو أن يأتي ذلك في قالب روائي عذب وسلس، خلافا للكتب التي تعتمد السرد المباشر، فالرواية لها أساليبها في صياغة المادة التاريخية، أما الدراما فتجنح في غالب الأمر نحو الخيال غير المقيد بحقائق التاريخ.

وأخيرا من شروط الكتابة الدرامية وحرفيتها أن يتمكن الكاتب من جذب المشاهد من الحلقات الأولى لمتابعة العمل، المنافسة كبيرة والخيارات كثيرة والفضائيات مثل السوق وكل بائع ينادي على بضاعته ليجملها ويسوقها.

فإما أن يكسب المسلسل مشاهدا أو يخسره من بضع حلقات، ومسلسل (الحشاشين) صاحبته دعاية كبيرة وتصريحات توحي بأنه سيكون عملا مهما يطرح موضوعا يتعلق بالإرهاب والتطرف.

ويقيني أن هذا المسلسل سيكون علامة فارقة في الدراما العربية في موسم رمضان 2024، خاصة أنه بإمضاء كاتب السيناريو المبدع (عبد الرحيم كمال) وأداء كوكبة من النجوم المشهود لهم بالكفاءة وعلى رأسهم (كريم عبد العزيز).. فلننتظر حتى النهاية حتى يمكن الحكم على جودة العمل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.