رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: الرجل الذي أفسد البذاءة في كلمة (أحا)!

بقلم: محمد شمروخ

حلاوة الألفاظ التي تتضمن (البذاءة) وقيمتها الحقيقية أن تلزم الظل مهما كان انتشارها، ففي التلفظ بها في غير علانية تكمن أسباب التلذذ بنطقها.

وليكن في معلومك، فإن (البذاءة) عموماً، ليست بالضرورة تعبيرا عن الأخلاق المنحطة ولا قلة التربية ولا سوء الطبع، لكنها من الناحية الواقعية يمكن أن تكون تنفيسا عن غضب.

ولعل هه هى وظيفة (البذاءة) التى تعطيها نوعاً من التبرير الذي يصل لحد شرعنتها في مواقف محدودة، كما أنها في احيانا عندما تدور في كثير من الحوارات، فإنها تدل على قوة العلاقة بين المتحاورين في حال وضع قواعد حاطمة مؤقتة بغرض الترفيه او السخرية.

فأنت لا تنكر انك قد  تقبل سماع لفظ بذئ من شخص ما ولكن لا تقبله من آخر، وقد ترضى به في المداعبات والهزار الثقيل أو البريء. بل وربما تطلبه لتضحك منه.

 ولكنك لا تقبله في الجد وقد ترتكب جريمة بسبب توجيه نفس لفظ (البذاءة) إليك، مع أنك قبلت به آنفاً!.

(شوف ياخى مع إنه هو هو نفس اللفظ!).

إقرأ أيضا : في عملية (طوفان الأقصى).. سفراء الأغنية العربية يساندون غزة بأصواتهم

فالأجواء المحيطة بألفاظ (البذاءة) ومناسبة إطلاقها، لها تأثير كبير في مفعولها وردود افعالها.

لكن – يا خسارة – انتشار لفظ (البذاءة) في لغة التخاطب وتكراره، سوف يفقده سره وأهم ما فيه، وهو طاقة الخجل الخفية المصاحبة لإطلاقه وكذلك سماعه!

بعد هذه المقدمة الطويلة، فإنى أرى أن لفظ (أحا)  سيفقد طاقته الهائلة في (البذاءة) بعد استعمال الإعلامي الشهير (باسم يوسف) له، وبالتالي ستتناقص قدرته على التعبير عن الغضب.

لأن الأستاذ (باسم يوسف) بإعلانه (أحا) أمام أحد أشهر المذيعين في العالم، قد بلغ به الذروة في السخرية الممزوجة بالاحتجاج، ولا أظن أن هناك لفظا في قاموس (البذاءة) سواء في اللغة العربية أو في اللهجات العامية.

الإنسان يلجأ لـ (البذاءة) في كثير من الحالات

الإنسان يلجأ لـ (البذاءة)

مثل هذا اللفظ في القدرة على مزج السخرية بالاحتجاج بالازدراء، أضف إلى ذلك، ما نتج عنه من انفجار هائل تولد من طاقة جبارة في التسفيه من الخصم!، فكأنما ضرب به (باسم) عشرة عصافير على عشر أشجار متفرقة!.

والإنسان يلجأ لـ (البذاءة) في كثير من الحالات، لعل أهمها يتمثل فى حالين:

الأول: عدم وجود حجج وأدلة ثبوت كافية للبرهنة على صحة موقف مستخدم (البذاءة)، فيضطر للجوء إليها لإثارة سحب من الغبار محدثا كثيراً من الضجيج، للتغطية هلى ضعف حجته وبالتالي سوء موقفه.

ذلك لكى يملأ الفراغ أمام الخصم فيلتهى بمفاجأة (البذاءة) ويغفل عن كشف الحجج الواهية ويلجأ لسلاح (البذاءة) نفسه.

فيخرج كلا الخصمين عن مبدأ مقارعة الحجة بالحجة ويدخلان ساحة صراع آخر لا يلتفت فيه إلى قوة ألحجة المنطقية أو سطوة البرهان العقلي!

أما الثاني: فيكون مع توافر وجود حجج دامغة وبراهين قاطعة كرابعة النهار، ولكن الطرف الآخر يتغافل عنها بالتزام التظاهر بالغباء أو تجاهل الواقع أو اللجوء إلى التعسف والمراوغة والأساليب الخبيثة.

وذلك لفرض إرادته أو بمعنى أكثر وضوحاً، يشرع في تصدير (الاستهبال!).

إقرأ أيضا : نجوم مصر والعالم العربي ينتفضون مع (طوفان الأقصى)

وتلك الحالة أكثر استفزازا لإخراج مكنونات (البذاءة) من الأولى، وتلك أيضا هى الحالة التي وجد فيها (باسم يوسف) نفسه متحدثاً عن خصم (بيستهبل).

فلجأ باسم حيال هذا الاستهبال المستفز، إلى أشهر لفظ  مصرى معبر عن موقفه حيال حقيقة  الخصم الذي تحلى بكل الصفات الاستهبالية.

لذلك فلم يكن بد من أن ينطقها ابن (يوسف) واضحة عالية تسمع العالم كله.

ولعل موقع جوجل وبقية مواقع البحث على المواقع الإلكترونية، قد انهكت لدرجة التهنيج، عقب إذاعة فقرة(باسم) مع الأخ (بيرس مورجان)، وذلك من كثرة الباحثين عن الأصول اللغوية والدلالات الأخلاقية في لفظ (أحا)!

وبدون الدخول في تلك التفاصيل، فاللفظ مشهور ومستعمل على نطاق واسع في اللهجة العامية المصرية مع تحريفات بسيطة في اللهجات بين بحرى وقبلى.

فهو ينطق عادةً بادئا بألف قطع مفتوح يليه (حاء) مفتوحة أيضا ثم ينتهى بألف وصل ممدودة بحركات حسب رغبة الناطق!

وفي بعض لهجات الصعيد يلفظ (أحو) بالواو، أما في الإسكندرية وبعض المناطق فيلفظ (أحيه) وإن كان في الأولى والثانية يعتبر لفظا شديد (البذاءة).

اما في الـ (أحيه) الإسكندرانية فلا يعتبر بذيئا لشيوعه على ألسنة الإسكندرانية مثل (أيوووه) تماماً!

وبأى حال، فإن (أيوووه أو أحوووه) الإسكندرانية، لا تعتبر مطلقا من ألفاظ (البذاءة).

ولكن مع كل ذلك.. ربما كان إطلاق اللفظ بصيغته المشهورة (أحا) في برنامج عالمى من جانب إعلامى مصرى له حضوره الطاغى محلياً ودولياً منذ عدة سنوات.

شتان ما بين المعنيين فـ (البذاءة) تفرض الظروف استهجانها كسلاح للخروج من حال الضيق

خروج اللفظ من قاموس (البذاءة)

هو أول انحدار لهذا اللفظ وبداية لخروجه من قاموس (البذاءة) الى اللغة العامة الدارجة التى يتعامل بها الناس، وتلك جناية (باسم) على أشهر لفظ ينفس به الناس عن غضبهم!

فلسوف يفقد هذا اللفظ طاقته التنفيسية، إذ أنه مهدد بأنه لن يظل لفظا منتميا الى (العيب) وإذا استمرأ الناس نطقه وسماعه، والكارثة أنه مصيره مهدد بأن يصبح يوماً لفظا مستهجنا، وليس بذيئا!

وشتان ما بين المعنيين فـ (البذاءة) تفرض الظروف استهجانها كسلاح للخروج من حال الضيق أو كمثل الحال المشار إليها آنفاً مع (باسم) للتسفيه من حجج الخصم وكشف نواياه وتعرية أغراضه بإظهار فهم مراده ورفض حجته مع الشروع في إبطال مخططاته!

والدليل على ما أدعى من خطر فقدان هذا اللفظ المصرى الصميم لطاقته الساخرة، بل ووظيفته في رد تعسف الخصوم، هو أن قيام باسم بالتلفظ به، قد أحرز به سبقا فريداً غير قابل للتكرار وأى محاولة لتقليده وترديد هذا اللفظ علناً في أي مناسبة.

ستقابل بالاستهجان وربما بالسخرية منها وسيبدو أن مستخدمه يحاول تقديم نسخة بايخة من موقف باسم التى سجل بها هدفا مارادونيا غير قابل للتكرار، فتم احتسابه وصار تاريخيا على الرغم من أنه (هاند بول) كما اعترف به (مارادونا) نفسه فيما بعد.

أى أنه هدف باطل قانوناً لكنه صار هدفا تاريخياً، مع أنه كان يجب على الحكم إيقاع العقاب المناسب على (ماردونا) وفريقه، فضلا عن إلغاء الهدف وتعويض الفريق المنافس!

لكن سطوة شهرة (مارادونا) وجماهيريته العربضة، جعلتا المناسبة مدعاه للتفكه أكثر منها للاستنكار!

لكن لن يستطيع أحد أن يكرر ما فعله (مارادونا!)

إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)

ومثال آخر على فقدان كلمات (البذاءة) لطاقتها الاحتجاجية وقدرتها على التنفيس، يتجلى في لغة حوار كثير من الأفلام الأمريكية، حيث يكثر تكرار لفظي (شت) و(فاك) حيال مواقف معتادة قد لا تستدعى احتجاجا أو تنفيسا عن غضب.

على الرغم من أنهما لفظان مغرقان في القرف و(البذاءة)، لكنهما لا يعطيان معنى (البذاءة) الاحتجاجية التى تبرر النطق بهما أكثر مما يعطيان معنى القرف وحده دون البذاءة.

وقد تقدر موقفا لأحد ما بسبب ضغط ما مورس عليه، يلجأ لـ (البذاءة)، ولكنك لا يمكن ان تقبل منه (القرف) مهماً بدت الضغوط عليه!

ولعلى أسأل أحدا من الذين فتنهم لفظ (أحا) من باسم، عما إذا استخدمه إعلامى آخر من مشاهير الإعلاميين الواقعين تحت أي من التصنيفين (مؤيد أو معارض!).

ترى ماذا سيكون موقفه من ناطق هذا اللفظ؟!

أعتقد أن تكرار اللفظ المعنى هنا هو أفضل إجابة!

وسؤال أخير لعله يختصر كل ما سبق: هل كان من الممكن أن يسمح لى ككاتب لمقال في هذا الموقع أن أورد هذا اللفظ بكل هذا الوضوح، واتخذه عنوانا للمقال بكل بجاحة ولو كان ذلك تحت دثار من الجدية.

حتى مع اختلاط الجدية بالسخرية كما يبدو في اللفظ نفسه؟!

صدقنى أى سؤال هنا لن تجد له إجابة جادة أو هازلة بكلمة غير هذا اللفظ التى اختلقته عبقرية اللهجة العامية في نحت الألفاظ طوال تاريخها المتفحر بالسخرية على ضفاف النيل العظيم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.