رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

السينما السورية عالجت قضية (فلسطين) بصورة تتفوق على المصرية ! (2)

* طرح قضية (فلسطين)، دون افتعال، وبأسلوب بعيد عن الضجيج والثرثرة، من خلال فيلم (الظلال على الجانب الآخر)

* (عملية شناو) فيلم جرت أحداثها فى سبتمبر عام 1973، قبيل حرب أكتوبر

* شهدت السينما المصرية عام 1982 فيلما جديدا عن النكبة هو (الأقدار الدامية)

* (ناجي العلي) يعتبر أحد أهم الأفلام التى قدمت عن قضية (فلسطين)، رغم إنه لم يتحدث عن معارك أو بطولات

* (باب الشمس).. فيلما ملحميا تناول قضية (فلسطين) منذ عام 1948 وحتى منتصف التسعينيات

كتب: أحمد السماحي

في الحلقة السابقة تحدثنا عن أفلام السينما التي صنعت لدعم قضية (فلسطين)، وخلال مسيرة الفيلم العربي برزت محاولات جادة وطموح للتعبير عن واقع الفلسطينيين المرير.
ولكن هذه المحاولات سرعان ما اختفت تحت وطأة طوق الاحتكار السينمائي الذى كان يعمل بوعي ويقظة للحيلولة دون قيام سينما عربية هادفة.
واليوم نتحدث أفلام نكسة يونيو 1967 التي أفرزت جيل من المخرجين السينمائيين الواعين بالقضايا السياسية التى يمر بها العالم العربي، ومن أهم القضايا قضية (فلسطين).
من هؤلاء المخرج الفلسطيني المقيم فى مصر (غالب شعث)، حيث حاول طرح قضية (فلسطين)، دون افتعال، وبأسلوب بعيد عن الضجيج والثرثرة، من خلال فيلم (الظلال على الجانب الآخر) عام 1973.

الفيلم قصة محمود دياب، سيناريو وحوار شعث، بطولة (نجلاء فتحي، محمود ياسين، محمد حمام، عايدة عبدالعزيز، محمد لطفي).

وقد طرح الفيلم جوانب من القضية عبر طالب فلسطيني يدرس في القاهرة، ويسكن مع أربعة من الشباب المصريين، داخل عوامة، بصورة أقرب ما تكون للرؤية الشاملة للأوضاع، ونفاذ البصيرة لواقع بليد، متخلف، وهزيمة أوسع، وأعمق من هزيمة 1967 العسكرية نفسها.

لكن الهزيمة لم تكن النهاية، بل خطوة ضرورية ألزمت الجميع بالتفكير والتدبير بأن البندقية هى التي ستفتح الطريق للمستقبل، من خلال المقاومة.

شناو

فلسطين).. (عملية شناو)

أثناء افتتاح أول دورة لمهرجان دمشق السينمائي عام 1977، تم عرض الفيلم الفلسطيني (عملية شناو) بطولة عدة نجوم عرب من مصر (عزت العلايلي، ماجدة الخطيب)، ومن سوريا (أسعد فضة، أديب قدورة)، فضلا عن ممثلين من (فلسطين) والجزائر)، وقام بإخراج الفيلم سمير سيف.

وعن ظروف إخراجه لهذا الفيلم يقول سمير سيف: بعد انتهائي من أول أفلامي (دائرة الانتقام)، والذى لم يكن قد عرض بعد، اتصل بي الدكتور رفيق الصبان، بصفته مشاركا فى كتابة السيناريو مع الدكتور على عقلة عرسان لإخراج هذا الفيلم.

إقرأ أيضا : (فلسطين).. أطلقت شرارة الثلاثي (أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب)

الفيلم يحكي قصة حقيقية جرت أحداثها فى سبتمبر عام 1973، قبيل حرب أكتوبر، عندما قام فدائيان فلسطينيان باحتجاز بعض ركاب القطار الذى يحمل المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى (قصر شناو) فى النمسا تمهيدا لإعطائهم جوازات سفر إسرائيلية وترحيلهم إلى إسرائيل.

وكانت مطالب هذين الفدائيين إغلاق هذا المعسكر وإيقاف هذه الهجرة، وقد استجاب المستشار (برنوكرايسكي)، وأغلق هذا المعسكر، ويستطرد سيف ويقول: كان سبب تسجيل هذه العملية أنها حققت أهدافها بالكامل دون أن تراق فيها نقطة دم واحدة.

الأقدار الدامية

(فلسطين).. (الأقدار الدامية)

لم يتوقف الحديث عن قضية (فلسطين) وتداعياتها على حقبة معينة دون الأخرى، ففى كل حقبة نجد فيلم أو اثنين يرجعان بنا إلى حرب (فلسطين)، فمع مطلع الثمانينات شهدت السينما المصرية عام 1982 فيلما جديدا عن النكبة هو (الأقدار الدامية).

ويعتبر أول أفلام المخرج خيري بشارة صاحب أشهر الأفلام التسجيلية فى حقبة السبعينات، سيناريو وحوار الجزائري علي محرز، بطولة (نادية لطفي، يحيي شاهين، أحمد زكي)، ومجموعة من الفنانيين الجزائرين بحكم أن العمل إنتاج جزائري.

يبدأ الفيلم من خلال حفل في بيت اللواء المتقاعد (محمد حلمي باشا)، وفيه يعلن أحد الوزراء أن جلالة الملك أصدر أمره السامي بدخول الجيش المصري حرب فلسطين لطرد العصاب الصهيونية من هناك.

ويضيف: منذ ساعات أعلن القائد العام للقوات المسلحة أن الحرب لن تستغرق أكثر من أسبوعين، ويستطرد وعلى حد تعبيره ستكون نزهة للجيش المصري فى فلسطين.

وأصدر مرسوما لاستدعاء اللواء محمد حلمي للخدمة العسكرية مرة ثانية حتى انتهاء هذه العملية، لكن الأحداث تتطور سريعا وتحدث العديد من المفاجأت في الحرب وفى محيط أسرة اللواء حلمي باشا.

ناجي العلي

(فلسطين).. (ناجي العلي)

بعد (الأقدار الدامية) غرقت السينما المصرية طوال حقبة الثمانينات في أفلام المخدرات وتغيب الوعي، والكوميديا الساذجة الخالية من المضمون أوتقديم رسالة هادفة، باستثناء أفلام قليلة جدا لمجموعة من المخرجين المثقفين.

من هؤلاء (عاطف الطيب)، الذى قدم عام 1990 فيلمه المثير للجدل (ناجي العلي) الذى يعتبر أحد أهم الأفلام التى قدمت عن قضية (فلسطين)، رغم إنه لم يتحدث عن معارك أو بطولات.

فالفيلم كما قال لي الراحل الكبير نور الشريف: فيلم عن الوطن والحرية، الوطن (فلسطين)، وهى القضية القومية الأهم ومحور الصراع العربي الصهيوني، والحرية هى المشكلة المركزية في وضعنا العربي.

إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)

النقطة الأساسية في الفيلم كانت عن قضية (فلسطين) من خلال مأساة فنان مبدع وملتزم، ولأول مرة نجد في السينما المصرية فيلماً يتعرض لرمز ثقافي نضالي فلسطيني، هو محور السرد فى الفيلم.

وذلك من خلال استعراض أحداث وتواريخ تتعلق بفلسطين وقضيتها الوطنية، إلى أن يأتي الختام بتوقف قلب ناجي العلي، داخل مستشفى بلندن (عقب اغتياله) صيف عام 1987.

الفيلم تأليف بشير الديك، إخراج عاطف الطيب، بطولة (نور الشريف، ليلى جبر، أحمد الزين، محمود الجندي).

باب الشمس

(فلسطين).. (باب الشمس)

وبعيدا عن صورة البطل أو الضحية أو الصورة التقليدية للفلسطيني التى أعتدنا رؤيتها في كثير من الأفلام المصرية والعربية، قدم المخرج يسري نصرالله عام 2004 فيلمه الجميل (باب الشمس) المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للأديب اللبناني (إلياس خوري).

والذى يعد فيلما ملحميا تناول قضية (فلسطين) منذ عام 1948 وحتى منتصف التسعينيات، متحدثا فيه عن وقائع النكبة، وقد نجح (باب الشمس) فى ثنائية (الرحيل والعودة).

وذلك في تقديم قضية (فلسطين) التي حكمت المشهد السياسي العربي طيلة 67 عاماً بشكل إنساني وعقلاني أعاد للقضية نفسها حضورها الإنساني في العالم حين عرض في أوروبا والعالم العربي.

وأعاد التذكير بأن (فلسطين) ليست مجرد عمليات تفجير وقتل وليست مجرد علم إسرائيلي يحرق أو مشاهد لقتل الاطفال والنساء بل هي تاريخ من لحم ودم.

أصحاب ولا بيزنس

فلسطين).. أفلام تجارية

وبعيدا عن هذه الأفلام الجادة التى حاولت تقديم حقائق موضوعية عن واقع الشعب الفلسطيني وثورته المسلحة، قدمت السينما العربية بمشاركة بعض الفنانيين المصريين نوعا من الأفلام التجارية، التى اعتمدت كليا على الخيال.

وهذا بقصد الإثارة وجلب المتفرجين بأى ثمن، وقد استغلت هذه النوعية تعاطف الجماهير العربية مع الثورة الفلسطينية، فشاهدنا على الشاشة عصابات (ويسترن أمريكية) تنكرت فى زي فلسطيني، ووضعت أقنعة (الكاوبوي).

وراحت توهمنا بأن حل القضية الفلسطينية هو الدخول مع إسرائيل فى معركة بالأيدي، وأنه لا حل على الإطلاق ما لم نعثر على بطل من الأبطال الخارقين للعادة.

ومن هذه الأفلام الفيلم اللبناني (قصة عربية) للمخرج المصري خليل شوقي، وفيلم (الفدائيون) لفريد شوقي وغسان مطر، و(أصحاب ولا بيزنس)، إخراج على أدريس، وبطولة (مصطفى قمر وعمرو واكد وهاني سلامة).

و(بركان الغضب) إخراج مازن الجبلي الذى يتحدث عن إنتفاضة الأقصى بشكل تجاري رخيص.

يوابة الجنة

(فلسطين).. والسينما السورية

وعلى عكس السينما المصرية التى قدمت صورة نمطية فى كثير من أفلامها، خاصة التجارية منها للقضية وللمقاومة الفلسطينية، قدمت السينما السورية عدة أفلام هامة تليق بالحدث.

وتنوعت طرق التناول والمعالجة تبعا للرؤى الفكرية والفنية التي ينطلق منها صناع الفيلم، فغاصت في جوهر القضية، لافتة إلى جذور الأسباب وعبر أساليب بسيطة وهادئة تتيح وصول الفكرة بشكل مؤثر وفعال.

من أهم الأفلام (ثلاث عمليات داخل فلسطين)، من إخراج الفلسطيني (محمد صالح كيالي)، وفيلم (عملية الساعة السادسة، فدائيّون حتى النصر – 1971) إخراج سيف الدين شوكت، و فيلم (السكين – 1972) لخالد حمادة، عن رواية كنفاني أيضا (ما تبقّى لكم).

كما حظى الكاتب نفسه بالاهتمام في العقود التالية مع (عائد إلى حيفا -1982) للعراقي قاسم حول، و (إكليل الشوك) للمخرج نبيل المالح عام 1969.

وهو ينتمي إلى السينما الروائية القصيرة، مدة الفيلم 20 دقيقة، و(رجال تحت الشمس)، وكان عبارة عن ثلاثة أفلام روائية قصيرة تناولت القضية الفلسطينية من ثلاثة جوانب مختلفة.

وهي (اللقاء) لمروان مؤذن، ويحكي عن حياة أفراد المقاومة الفلسطينية، و(المخاض)، لنبيل المالح الذي يدور حول ولادة ثورة (فلسطين)، و(الميلاد) لمحمد شاهين، الذي تحدث فيه عن ولادة الفلسطيني الجديد في المقاومة.

كما قدما فيلمي (الزيارة) لقيس الزبيدي، و(اليد) لقاسم حول، وهما مخرجان عراقيان عملا في إطار السينما السورية والفلسطينية.

كما حقق فيلم (مائة وجه ليوم واحد) لكريستيان غازي جائزة النقاد السينمائيين في مهرجان دمشق الدولي الأول لسينما الشباب 1972، وهو فيلم يستند إلى قصة عاملين فلسطينيين، ينتظمان في صفوف ثورة (فلسطين).

وفي عام 1974 أنتجت مؤسسة السينما بالتعاون مع مؤسسة السينما اللبنانية فيلم (كفر قاسم) إخراج برهان علوية عن قصة لعاصم الجندي.

ويعد هذا العمل من أهم أفلام قضية (فلسطين)، إذ يتناول مجزرة قرية كفر قاسم التي قامت بها قوات الاحتلال الصهيوني، ويمزج الوثيقة بالرواية ضمن تحليل ناضج.

وقدم المخرج مروان حداد فيلمه (الاتجاه المعاكس) عام 1975، ابن آوى، و(ما يطلبه المستمعون) لعبد اللطيف عبد الحميد، الترحال لريمون بطرس،  و(شيء ما يحترق) و(الهوية) لغسان شميط، و(الأحمر والأبيض والأسود)، لبشير صافية.

فضلا عن (المتبقي – 1995) للإيراني سيف الدين داد، والذي قام ببطولته (جمال سليمان) مع عدد من النجوم السوريين، وقدم المخرج (ماهر كدو) عام 2009 واحدا من أهم أفلام القضية الفلسطينية، وهو (بوابة الجنة).

حيث يرصد الفيلم الواقع الفلسطيني في الأشهر التي سبقت انتفاضة عام 1987، من خلال عائلة فلسطينية.

وفي النهاية يحسب للسوريين أن (فلسطين) كانت حاضرة في كثير أعمال السينمائيين المعاصرين منهم ، كما في (الليل) لمحمد ملص، إذ مثّلت روح هذاالفيلم.

إضافة إلى أفلام عبد اللطيف عبد الحميد التي لا تخلو من الإشارات إلى (فلسطين) في سياق تصويرها لتأثير الحروب العربية الإسرائيلية على الناس البسطاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.