رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(فلسطين).. أطلقت شرارة الثلاثي (أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب).. (2)

* (أصبح عندي الآن بندقية).. كانت اللقاء الأول بين كلمات نزار قباني وصوت أم كلثوم تحية لفلسطين

* قدم الرحابنة، أكثر من 15 عملاً غنائياً عن قضية (فلسطين)، عبروا من خلالها عن مفردات شتى

* يعتبر العندليب الأسمر الأكثر طربا بـ (فلسطين) بعد فيروز، وقد كانت القضية لم تزل في عقدها الأول

كتب: أحمد السماحي

مما لاشك فيه أن (طوفان الأقصى) الحالي أثار ذاكراتنا الغنائية باشتعال ثورة الغضب العربي – التى لم تخمد أبدا – فى الأراضي المحتلة من أجل استعادة (القدس) أو (زهرة المدائن)، ومن ثم اشتعلت ثورة موازية تأججت بحناجر كبار فنانينا العرب من المحيط إلى الخليج ليغنوا لـ (فلسطين).

في الحلقة الماضية قدمنا مجموعة من المطربين والمطربات، وكيف انطلقت قنابل الأوتار تفجر براكين الثأر لـ (فلسطين)، وتمجد الشهداء وتفضح المذابح البشعة للصهاينة، واليوم نقدم مجموعة جديدة انطلقت حناجرهم تصدح بأروع الأغاني لفلسطين.

أم كلثوم
عبد الوهاب
نزار قباني

رائعة أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب

شكل سقوط القدس الشرقية بيد الاحتلال الإسرائيلي إثر نكسة يونيو عام 1967 ذروة الألم والحزن العربيين، فقد أضحى الأقصى أسيرا بيد الاحتلال، وقد انعكست تجليات هذا على صعيد الأغنية العربي من خلال عدد من الأعمال.

إلا أن أبرزها كان أغنية (أصبح عندي الآن بندقية) التي كانت اللقاء الأول بين كلمات نزار قباني وصوت أم كلثوم، وقد غنتها أم كلثوم عام 1969 لتواكب بها تصاعد ظاهرة العمل الفدائي في تلك الفترة.

إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)

وخصوصاً أن القصيدة، تؤمن بأن هناك طريقاً واحداً لتحرير (فلسطين)، هو طريق الكفاح المسلح، كما غنى سيد مكاوي من كلمات الشاعر فؤاد حداد رائعته (إزرع كل الأرض مقاومة)، التى أعاد غنائها مؤخرا الملحن والمطرب محمد عزت بلحن له مختلف عن لحن مكاوي.

وغنى عبدالحليم حافظ لـ (فلسطين) أنشودته الرائعة (فدائي)، كلمات محمد حمزة، لحن بليغ حمدي، ورددت الجماهير أغنية (يا فلسطينية)، كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان الشيخ إمام.

فيروز

فيروز والرحبانية و(فلسطين)

وتبقى تجربة السيدة العظيمة (فيروز) حجر الزاوية في (أغاني القدس) وقضية (فلسطين)، وكانت بدايتها مصادفة من مصر عام 1955، حيث تلقت فيروز مع عاصى ومنصور دعوة من إذاعة صوت العرب لتقديم عدد من الأغانى لدعم القضية الفلسطينية.

وكانت رؤية القائمين على صوت العرب وقتها بقيادة  (أحمد سعيد) أن صوت فيروز هو أفضل صوت يعبر عن القضية الفلسطينية، ويروي الفنان الراحل منصور الرحباني قصة هذا العمل الفني الكبير.

فيقول: عام 1955 جاءت دعوة من إذاعة (صوت العرب) من القاهرة، فذهبنا (عاصي وفيروز وأنا)، حيث التقينا أحمد سعيد، ووقعنا على عقد لتنفيذ أغان وأناشيد وبرامج خلال مدة ستة أشهر.

في تلك الفترة وضعنا (النهر العظيم، وزرياب) وأعمالا أخرى أبرزها (راجعون) لما فيها من استنهاض همم أهل (فلسطين) المشردين وسجلناها بأصوات فيروز وكارم محمود والكورس، ويقول مطلعها: أنتَ من بلادنا يا نسيمُ/ يا عبيراً يقطع المدى/ حاملاً همومَ أرضٍ يهيمُ/ أهلها في الأرض شُرَّدا.

 وبعد هذا العمل قدم الرحابنة، أكثر من 15 عملاً غنائياً عن قضية (فلسطين)، عبروا من خلالها عن مفردات شتى، واختزلوا فيها صورا ووقائع وأحداث، بطرق مختلفة ومجددة، عبرت عن جوهر المشكلة الإنسانية التي يواجهها اللاجئون.

إقرأ أيضا : تحفة الدراما السورية “حارس القدس” .. الفن في خدمة الدين

وظهر هذا الانتظار في أغنيتي (غاب نهار آخر، احترف الحزن والانتظار)، وخص الرحابنة معالم ومدن (فلسطين) بالعديد من الأغنيات، مثل (القدس العتيقة، يا ربوع بلادي، يافا، بيسان، زهرة المدائن).

ولم تخل أغاني الرحبانية من مفردات (العودة، والرجوع)، وتلمس ملامح هذا الحلم في أغنيات: (راجعون، سنرجع يوما، وأجراس العودة، أو سيف فليشهر، جسر العودة). ولعل (سنرجع يوما) هى التي ستبقى الأكثر تعبيرا عن هذا الحلم، كما في مخيلة الشاعر هارون هاشم رشيد.

وربما كان السر في ذلك أن الأخوان رحباني والسيدة فيروز قاما عام 64 بزيارة القدس، وكانت هذه الزيارة محرضاً لأغنيات أخرى، ففي أثناء تجوال فيروز في شوارع القدس، استوقفتها سيدة وحكت لها مأساتها، وروت فصول معاناتها، فتأثرت فيروز وبكت.

فأحبت السيدة الفلسطينية أن تخفف عنها فأعطتها مزهرية، ورجعت فيروز وحكت لعاصي الرحباني، فولدت الأغنية التي حملت عنوان (القدس العتيقة) والتي تقول كلماتها:

مريت بالشوارع

شوارع القدس العتيقة

قدام الدكاكين

اللي بقيت من فلسطين

حكينا سـوا الخبرية

عطيوني مزهرية

قالولي هيدي هدية من الناس الناطرين

وبعد نكسة يونيو 1967 قدما الرحابنة لـ (فلسطين) درة أعمالهما الأنشودة الخالدة (زهرة المدائن)، والتي ما تزال تتربع على عرش أغنيات القدس حتى بعد أكثر من أربعة عقود على غنائها.

عبد الحليم

عبد الحليم يبكي فلسطين

يعتبر العندليب الأسمر الأكثر طربا بـ (فلسطين) بعد فيروز، وقد كانت القضية لم تزل في عقدها الأول، لكن حسه الفني لم يتجاهل الأزمة فأصر في معظم أغنياته الوطنية على أن يبكي (فلسطين).

كانت أولى أعنياته التى ذكر فيها اسم (فلسطين) عام 1955، تحت عنوان (ثورتنا المصرية)، تأليف مأمون الشناوي وتلحين رؤوف ذهني، وفي هذه الأغنية غنى وقال: ضد الصهيونية/ بالمرصاد واقفين/ وحاترجع عربية/ حبيبتنا فلسطين/ وحاتفضل للدنيا/ نور يخدي البشرية).

وفي 9 يناير عام 1960، أثناء وحدة مصر وسوريا وبمناسبة وضع حجر الأساس للسد العالي، غنى نشيد (الوطن الأكبر) الذي هز كل المشاعر الوطنية العربية من المحيط إلى الخليج.

وفي 23 يوليو 1960 وفي نادي القوات المسلحة بالزمالك واحتفالا بالعيد الثامن للثورة غنى عبد الحليم (ذكريات)، كلمات أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبد الوهاب، وفي هذه الأغنية حكى بصوته ذكريات ما حدث على أرض فلسطين عام 1948.

ويستمر بركان غناء (عبد الحليم) في مواكبة بركان الدماء، ففي 22 فبراير 1961 وبمناسبة مرور 3 سنوات على وحدة مصر وسوريا وفي حفل أضواء المدينة في دمشق يغني (حليم) مع عبد الغني السيد.

ومعهما (نجاة وصباح ومحمد قنديل وفايدة كامل وفايزة أحمد والمطرب السوري رفيق شكري) نشيد (الثأر) كلمات أحمد شفيق كامل وألحان علي إسماعيل، وفي هذا النشيد يزلزل صوت العندليب أرجاء نادي الضباط في دمشق أيضا.

إقرأ أيضا : حارس القدس وحراس الدراما السورية

وفي العيد العاشر للثورة يطلب (حليم) من الرئيس جمال عبد الناصر،عودة القدس لأراضينا في أغنية (مطالب الشعب) في وقت حلم فيه (صلاح جاهين) بتحرير فلسطين على لسان العندليب فى أغنية ( يا أهلا بالمعارك)، ألحان كمال الطويل.

فيقول: (ما في حاجة تقول لنا لأ/ إيش حال يوم تحريرنا فلسطين)، وعندما ألمت بنا هريمة 1967، وفي قاعة ألبرت هول فى مدينة لندن عام 1968 غنى رائعته الأسطورية (المسيح) كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وألحان بليغ حمدي، على لسان أحد أبناء القدس.

وفي القاعة احتشد 8 الآف شخص يمثلون الأمة العربية من المحيط الى الخليج، يستمعون إلى (حليم) وقد حرص العندليب، أن يغني هذه الأغنية بالذات كنوع من التعبير عن إيصال صوت الألم العربي بسقوط القدس إلى العالم.

وخصوصاً إلى الغرب المسيحي الذي تواطأ مع الصهيونية في إباحة المقدسات المسيحية لليهود الذين خانوه، وحتى في أغنياته الخاصة لبعض الملوك لم تغب قضية القدس يوما عن ذهن العندليب كما في أغنيته (الماء والخضرة والوجه الحسن)، كلمات محمد حمزه، ألحان بليغ حمدي.

في الحلقة القادمة: حريق الأقصى يلهب الأغنية!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.