بقلم: محمود حسونة
في غزة، الواقع يفوق الخيال، والمشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام يومياً من آثار توحش (إسرائيل) على الشعب الفلسطيني الأعزل، لا يمكن أن يتخيلها عقل مهما كانت شطحاته.
رغم أن هذه المشاهد لا تنقل كل الحقيقة بل القليل منها، سواءً كان نتيجة محدودية قدرات الفضائيات، أو نتيجة ضيق المساحة التي يتحرك فيها المراسلون خوفاً على حياتهم من قصف (إسرائيل)
أونتيجة تضييق العدو الصهيوني على الإعلاميين ورفضه الاستجابة لمطالب إعلاميين بالذهاب إلى غزة لمتابعة حرب الإبادة التي يتعرض لها أهلها، أو نتيجة خوف الإعلاميين والقنوات التي يعملون بها على حياتهم بعد استشهاد عدد منهم بقذائف (إسرائيل) وهم يؤدون عملهم ويلبون نداء الواجب.
نعم، (إسرائيل) اليوم لا تميز بين إرهابي وإعلامي ولا طبيب ولا عنصر دفاع مدني، ولا مريض ولا طفل ولا امرأة ولا مسن ولا موظف أممي، لا تميز بين مدني ومسلح، فكل من على أرض غزة هدف لها، يتساوى في ذلك البشر والحجر والزرع، اليابسة والبحر.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جولدا).. كذبة إسرائيلية سينمائية جديدة
تقصف (إسرائيل) المنازل والمستشفيات والمدارس وعربات الاسعاف وسيارات الدفاع المدني، تطلب من الناس إخلاء بيوتهم والرحيل جنوباً، وتقصف المرابطين في منازلهم وتلاحق طائراتها المستجيبين لمطالبها سواء وهي في طريق النزوح أو وهم يفترشون العراء، أو وهم يتجمعون في ساحة مفتوحة أو داخل مبنى يتوهمونه آمناً.
الحرب ضد غزة لا تخوضها (إسرائيل) وحدها، ولكن تشارك فيها بشكل جلي الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاءهما حول العالم، وهى ليست حرب عسكرية فقط، ولكنها أيضاً حرب دبلوماسية وإعلامية.
دبلوماسيو الدول الداعمة لـ (إسرائيل)
وإذا كانت الطائرات والصواريخ والقاذفات والدبابات والمدفعية هى سلاحهم في الحرب العسكرية، فإن الكذب هو سلاح الحرب الدبلوماسية والإعلامية، دبلوماسيو الدول الداعمة لـ (إسرائيل) يرددون أكاذيبها.
وهم يدركون جيداً أنها ليست الحقيقة، ولكن أن يصل الأمر بسيد البيت الأبيض لأن يتبنى إدعاءات ذبح حماس للأطفال والرضع الاسرائيليين، فهى السقطة التي تنفي عنه السيادة وتهز مكانة دولته المهتزة أصلاً بسبب سياساتها ومواقفها المنحازة.
وأن يهرول بنفسه إلى (إسرائيل) داعماً ومشجعاً على مواصلة ارتكاب جرائمها في حق الفلسطينيين، فهو بذلك يضع دولته (الكبيرة) في نفس الخندق مع (إسرائيل) اللقيطة.
وأن يتبنى تبرئة (إسرائيل) من ارتكاب مجزرة (المستشفى الأهلي المعمداني) واتهام (الجانب الآخر) بارتكابها من دون نشر الأدلة والصور التي تثبت ذلك، فهو يعجّل بنهاية الامبراطورية الأمريكية التي تكرّس دائماً التوحش في العالم وتدعم التطرف والعنف والارهاب، من خلال دعمها المطلق لدولة لا ترضى بالسلام ولا تقبل سوى بزعزعة الاستقرار.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : فيلم عربي .. حيلة إسرائيلية مكشوفة
الأكاذيب التي ترددت على شاشات ومواقع صحفية غربية خلال الأسبوعين كثيرةٌ، وقد تم رصدها من قبل أكثر من جهة، وتم الاكتفاء بنشرها في مواقع محدودة الانتشار، والنتيجة أن الأكذوبة يستقبلها البعض كحقيقة.
ولا يقتصر الأمر في ذلك على من يتابعون ويعاصرون هذه الحرب الضارية، ولكن يمتد إلى الأجيال المقبلة كحقائق طالما لم يتم دحضها.
الإعلام الغربي يروج لأكاذيب (إسرائيل)، ويزوّر الحقائق ويضلّل الرأي العام، وهذا كان مسلكه في الماضي والحاضر وسيظل كذلك في المستقبل، إن لم يجد إعلاماً آخر يخرسه، ويفضح أكاذيبه، ويرد على كل اداعاءاته.
وهذه المهمة لن يتبرع أحد للقيام بها لصالح الأمة العربية والإسلامية، فهذه مهمة الإعلام العربي الذي ينبغي أن يتجاوز التغطيات الإخبارية الرسمية، ونقل أخبار القصف والصور الحية للمواقع المهدمة.
(أنسنة) التغطية لصالح (إسرائيل)
إلى تفنيد أكاذيب الحكومة والجيش الإسرائيليين، وأكاذيب الدبلوماسية الغربية، وزيف الإعلام الغربي، بجانب (أنسنة) التغطية لتتجاوز الأخبار القصف والعمليات العسكرية إلى إجراء لقاءات مع من تهدمت بيوتهم ومن تركوا منازلهم ومتاعهم وهربوا من القصف، ومتابعة تاريخ العائلات والأسر التي أبيدت بالكامل والتي وصلت إلى 55 عائلة.
كل عائلة من هذه العائلات تستحق مساحة مستقلة على الفضائيات العربية المعنية بهذه الحرب الضارية، وكل طفل وشيخ وسيدة يحتاج إلى لقاء لا يستغرق ثوانٍ، ولكن يغوص بداخله حتى يرى العالم هؤلاء الناس الذين يريد الكيان الصهيونى إبادتهم وهم لا يطلبون سوى السلام وأن لا يتم سلبهم حق الحياة التي منحهم إياها رب العالمين.
إقرأ أيضا : إسرائيل تحاول السيطرة على محتوى منصة (نيتفلكس)!
في ظل هذه الأزمة اللعينة نجد أن فضاءنا به بعض القنوات التي تعمل وفق أجندات خبيثة تسعى لترويج الفتنة بين الشعوب، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه للتوحد، وتسعى للتشكيك في وطنية رموز لنا.
وتحاول تشويه صور شخصيات عامة بترويج أكاذيب عنها، وهو ما يستلزم مقاطعتها ومقاطعة مقدمي برامجها الذين اعتادوا استغلال الكوارث ليجنوا من ورائها وكأنهم (تجار حروب وكوارث)، وهم معروفون واعتدناهم يأكلون على كل الموائد من دون أن يحاسبهم أحد.
مسؤولية فضح أكاذيب (إسرائيل) وحلفائها الكبار الذين حولتهم إلى مجرد تابعين لها وشركاء لحربها القذرة، لا يقع فقط على الإعلام، ولكن أيضاً على السينمائيين والفنانين وكل العاملين في مجال التوثيق والأرشفة والفن، حتى نترك للأجيال المقبلة وثائق تفصل بين الحق والباطل، ولا نتركهم فريسة لإعلام التضليل وساسة الضلال وكيانات النهب والتشريد والإبادة.