رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(بوسي) .. قطة الشاشة التى غزت القلوب منذ طفولتها (1)

* عند ظهور بوسي في السينما، بدت كأنها تسد خانة فرغت باختفاء سهير فخري التي قدمت أدوار البنت الحزينة المتألمة

* بوسي جاءت كطفلة في فترة لم تلمع فيها طفلات أخرى بنفس القدر

* انحصرت أدوارها الثلاثة الأولى كطفلة تفي دور الصغيرة التي تتعرض أسرتها لانهيار قدري ملحوظ فتقف حائرة بين أبوين

* (عودي يا أمي، والليالي الدافئة، وهذا الرجل أحبه، وشهيدة الحب الألهي) أهم أفلامها في مرحلة الطفولة

محمود قاسم

بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم

لم يرتبط اسم (قطة) بممثلة مصرية، قدر ارتباطه بالفنانة (بوسي)، واسمها الحقيقي (صارفيناز محمد قدري) سواء في السينما أو المسرح، ويعني هذا أن هناك علاقة ما بين ملامح القطة وصفاتها، وبين الشخصية التي كانت تجسد هذه الأدوار، في فترة معينة من حياتها.

الملامح متشابهة، ولم لا، خاصة العينان الواسعتان، البراقتان، وهما أبرز ما في القط والإنسان، ثم استدارة الوجه، أما الملامح المعنوية، فتعني خفة الحركة، واللماحة، والذكاء، والموهبة.

بدأت أولى خطواتها في مرحلة أفلام الطفولة

(بوسي).. ومرحلة أفلام الطفولة

حديثنا هذا الأسبوع عن (بوسي) من خلال رحلتها السينمائية، والبداية كانت من خلال طفولتها حيث عملت في السينما وهى طفلة، وجسدت العديد من الأدوار في عدد من الأفلام يكاد يفوق أي ممثلة طفلة أخرى في تاريخ السينما المصرية.

وقد حدث ذلك في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، في فترة كانت طفلات السينما الموهوبات قد صرن شابات ناضجات، وابتعدت أغلبهن عن العمل بالتمثيل لأسباب عديدة مثل (سهير فخري، وضحى أمير، وفيروز، ولبلبة)، وأيضاً نيللي التي عادت للظهور في منتصف الستينيات.

إقرأ أيضا : سر لقاء (ديمس روسس) ببوسي ونورا في نهاية السبعينات، وغنائه الأخير لـ (تحيا مصر) !

في هذه الفترة لم تكن هناك موضوعات سينمائية تصلح للأطفال، خاصة البنات الذين يبرعون في الاستعراض.

عند ظهور (بوسي) في السينما، بدت كأنها تسد خانة فرغت باختفاء (سهير فخري) التي قدمت أدوار البنت الحزينة المتألمة في أفلام عديدة مثل (بنت الهوى، وصورة الزفاف عام 1952، بعد الوداع، واشهدوا يا ناس، ونافذة على  الجنة عام 1953 .

تحدثت (بوسي) عن ذكريات أول أفلامها في حديث نشرته مجلة (الموعد)

(بوسي).. وذكريات أول أفلامها

تتحدث (بوسي) عن بداياتها كطفلة في حديث نشرته مجلة (الموعد) قائلة: (أذكر عن فيلمي الأول الكثير، فهو فيلم (عودي يا أمي)، وكنت أجسد فيه شخصية ابنة الفنان شكري سرحان والفنانة نادية لطفي.

وكان أول إخراج لعبد الرحمن شريف، وأنتجته شركة (دولار فيلم) إحدى كبرى شركات الإنتاج وقتها، وأذكر أنني كنت طفلة، وطفلة مدللة جداً، وكان النجم (شكري سرحان) لطيفاً جداً معي، وأيضاً نادية لطفي، وأذكر أنهما خلال أوقات الفراغ كانا يجلسان ويلعبان الطاولة.

إقرأ أيضا : محمود ونور وبوسي وشهيرة أشهر ثنائيات السبعينات

إذن فالأدوار التي أسندت إلى الطفلة (بوسي) في الأفلام التي قامت بالعمل فيها كطفلة تنحصر في دور الصغيرة، التي تتعرض أسرتها لانهيار قدري ملحوظ فتقف حائرة بين أبوين خاصة أعمالها الأولى.

وهذا النوع من الأطفال، يعيش دوماً في مشاكل عائلية، فلا نعرف من جوانبه سوى البكاء، والمرض، والحاجة إلى الحنان، ولابد أن يثير التعاطف الشديد تجاه المتفرج الذي يتمنى أن يتم حل المشاكل العائلية ، كي تعود للطفلة البريئة ابتسامتها المنشودة.

جاءت (بوسي) كطفلة في فترة لم تلمع فيها طفلات أخرى بنفس القدر

(بوسي).. وظاهرة اختفاء الأطفال

جاءت (بوسي) كطفلة في فترة لم تلمع فيها طفلات أخرى بنفس القدر، بما فيهم الأطفال الذين لعبوا الأدوار الرئيسية في فيلم (أم العروسة) لعاطف سالم عام 1962، ومنهم (عاطف مكرم، وإيناس عبدالله).

كما أنها ظهرت في فترة كان الأطفال الآخرون خصوصاً الذكور يلمعون لمرة واحدة فقط، ثم يختفون، مثل إيمان ذو الفقار في فيلم (ملاك وشيطان) ومحمد يحيى في (الشيطان الصغير)، وكلاهما من إخراج كمال الشيخ.

 ولعلنا نقصد بالحديث هنا البنات وليس الصبيان، حيث أن النصف الأول من الستينيات شهد حضوراً ملحوظاً لوجدي العربي ، ومحمد يحيي.

قدمت بوسي أدوار عديدة منذ بداية الستينات وحتى بداية السبعينات سواء كطفلة أو مراهقة، وسوف نتوقف عند كل مرحلة من المرحلتين، بشكل منفصل، فمن الواضح أن الأدوار تختلف.

(بوسي) مع شكري سرحان في فيلم (عودي يا أمي)

(بوسي).. وعودي يا أمي

مع المرحلة الأولى، كان الدور الأبرز الذي لعبته (بوسي) هو الطفلة الصغيرة التي تعاني من مشاكل خاصة بين الأبوين، خاصة الفيلمين الأولين، ففي (عودي يا أمي) لعبدالرحمن شريف والذي عرض عام 1961، كان على (سلوى) الطفلة الصغيرة أن تعرف أن جدتها (عنايات هانم) هي أمها.

وإنها ليست لها أم أخرى سواها، وإنها قد عادت من رحلة بعيدة بعد أن خرجت من السجن عقب معاقبتها لقتل عشيقها، لم تكن (سلوى) تعرف أن أمها الحقيقية هى (زينب) التي طردها أبوها من حياته بعد أن اتهمت بأنها عشيقة (حسين)، وهو الرجل الذي خان صديقه بعشقه لأمه.

لقد ذهبت الأم الحقيقة (زينب) لتعمل ممرضة لابنتها الطفلة (سلوى) التى أصابها مرض شلل أطفال مفاجئ، وصارت في حاجة إلى من يعتني بها، فلم يجدوا حل سوى مجيء أمها الحقيقية في صورة ممرضة كي تعتني بها.

الطفلة هنا تعاني الكثير من المشاكل  النفسية والصحية، والزوج غاضب على طليقته، وبالتالي فإن الأم تمنح ابنتها حناناً حقيقياً حتى تخرج (عنايات هانم) من السجن، وبمجرد خروج عنايات هانم من السجن تخرج الأم (زينب) من حياة ابنتها الطفلة، لكنها تعود إليها مرة أخرى بعد سقوطها من فوق سلم كي تدخل  المستشفى.

يمكن أن تقول هنا أن الطفلة في هذا الفيلم تعيش في حالة حزن دائم وألم مستمر ومتاعب متلاحقة، رغم وجود أسرتها بكاملها على قيد الحياة، وعلى مقربة منها، ومع نهاية الفيلم تتكشف الأمور، ويتضح أن (عنايات هانم/ زوزو ماضي) لم تكن عشيقة للرجل الذي حاولت قتله بل كانت زوجته.

وأن الأم (زينب/ نادية لطفي) كانت بريئة حين ذهبت إلي هذا العشيق أو الزوج (حسين/ عمر الحريري) وطلبت منه الابتعاد عن أم زوجها، فتعود الأم في النهاية إلى بيتها وتعرف (سلوى) الحقيقة.

(بوسي) في مشهد من فيلم (الليالي الدافئة)

(بوسي).. والليالي الدافئة

لم تختلف صورة الطفلة (بوسي) كثيراً في الفيلم التالي (الليالي الدافئة) لحسن رمزي، فالطفلة هنا أيضاً تعاني من متاعب عديدة، رغم وجود أسرتها كلها على قيد الحياة  بمعنى أنها ليست يتيمة، كما أنها تعيش في وسط اجتماعي راقي تقريباً، فهي ابنة لزواج عرفي تم بين أبيها (الدكتور أحمد رأفت)، وأمها المطربة الشهيرة (ليلى).

فقد حدث أن ولدت الأم (ليلى/ صباح) ابنتها (هدى/ بوسي)، دون رغبة الزوج (أحمد/ عماد حمدي) الذي لا يريد الاعتراف بالزواج من مطربة، لأن هذا أمر ضد تقاليد أسرته.

ومثلما نادت (سلوى) أمها الحقيقية بغير صفتها فإنها كانت تنادي أباها باسم (عمو أحمد) وسط إلحاح مشدد من الأم أن يعترف بأبوته لها، لكن أمه كانت تلعب دور الحائل في ذلك إلى أن كبرت الصغيرة.

وصار عليها أن تفهم، مما دفع الأب أن يختطف ابنته من أمها وأن يحبسها في منزله، وهناك ظلت (هدى) تبكي وتعارض جدتها وسط توسلات الأم أن تعود إليها ابنتها.

ووسط هذه الضغوط النفسية حدث حادث تكاد تفقد فيه الفتاة حياتها، لكن هذا الحادث يجعل الأب والجدة يغيران موقفهما من (ليلى) وابنتها (هدى).

إنه موقف متقارب في الفيلمين سواء من حيث وضع الطفلة أو نهاية الأحداث، فالطفلة هي سبب لمّ الشمل في الأسرة، والأبوان المتنافران لأسباب اجتماعية يلتقيان بعد التغيرات الحادة التي تمر بها الأسرة.

(بوسي) لعبت دور (صارفيناز) في فيلم (هذا الرجل أحبه)

(بوسي).. وهذا الرجل أحبه

في نفس الشهر الذي عرض فيه فيلم (الليالي الدافئة) وبعد عشرين يوماً بالضبط من عرض هذا الفيلم، عرض فيلم (هذا الرجل أحبه) للمخرج حسين حلمي المهندس.

في الفيلم الأول كان اسم الطفلة على عناوين الفيلم هو (صارفيناز)، بينما كتب اسمها الفني (بوسي) لأول مرة مع عناوين الفيلم الثالث.

في هذا الفيلم وجدت الطفلة نفسها للمرة الثالثة في فيلم مشابه من ناحية الوضع الاجتماعي، فهي الطفلة (عديلة) التي تعيش في منزل ريفي واسع، وسط أسرة راقية، يعيش فيه والدها الأب (مراد بيه) وحيداً، ويرسل إلى الملجأ أن ترسل له بمدرسة للتدريس لابنته على أن تقيم في داره.

أما الأم الحقيقية فهي تعيش في المنزل نفسه محبوسة في إحدى الغرف وقد أصابها الخلل العقلي، إذن فالطفلة تعيش أيضاً في توتر نفسي تسببه الأم التي تصرخ في الليل، وهي التي سوف تحرق المنزل فيما بعد وتتسبب في إصابة زوجها بالعمى، وهو يحاول إنقاذها من الحريق.

قامت (بوسي) بدور الطفلة (رابعة العدوية) في فيلم (شهيدة الحب الإلهي)

(بوسي).. ورابعة العدوية

في العام نفسه، قامت (بوسي) بدور الطفلة (رابعة العدوية) في فيلم (شهيدة الحب الإلهي) لعباس كامل، ولأول مرة تقوم بدور طفلة فقيرة في أول أدوارها التاريخية القليلة جداً.

 فأبوها (إسماعيل) هو صياد فقير يسكن البصرة، وفي ليلة مولدها يطلب الأب المعونة المالية من جيرانه، لكنهم يرفضون منحه وذلك لأنهم معوزين مثله، لكن هاتفاً يأتيه بأن يطلب من الوالي أربعمائة دينار!.

وبالفعل يحدث أن يأتي الوالي إلى بيت الصياد ويمنحه المبلغ، وتعتبر (رابعة) ليلة ميلادها طفلة مقدسة، لكن الفقر يدفع بالأب أن يبيع بعض بناته من أجل تدبير المال لتربية الباقيات.

ويختطف بعض النخاسة (رابعة) ويحولونها إلى عبدة ويحبسونها خمسة سنوات، وهو الدور الذي لعبته (بوسي)، إذن فالطفلة هنا تعاني من البؤس والفقر والمعاناة  والعبودية.

 وهذا يعطينا صورة عن الأدوار المأساوية التي جسدتها (بوسي) كطفلة، ولعل هذه الأدوار الأولى هى الأهم في تاريخها الفني كطفلة، ففي أفلام أخرى، لم تترك بوسي أثراً ملحوظاً، لدرجة أن المشاهد يكاد ينسى أدوراها.

فمثلا دور الطفلة الخادمة التي جسدتها في فيلم (حياة عازب)، حيث جسدت دور خادمة ريفية في أسرة موظف بسيط، متزمت، تلعب دوراً في نقل الرسائل والأخبار بين الحبيبين.

بوسي وهي طفلة في فيلم (نار في صدري)

(بوسي).. ونار في صدري

كما أنه من الصعب أن نتذكر دور (بوسي) في أفلام أخرى قامت فيها بدور الطفلة مثل دورها في أفلام (نار في صدري) إخراج حسن رضا، و(طريد الفردوس) إخراج فطين عبدالوهاب، و(زوجة من باريس) إخراج عاطف سالم.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة ومرحلة المراهقة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.