رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: أنا و كمال الطويل وعسكري المرور!

بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان

أصبحت زيارتي للموسيقار كمال الطويل، عادة جميلة لا أستغني عنها، في بعض الأوقات كنت أزوره يوميا، وبمجرد أن يبلغه أهل المنزل بوجودي وحضوري حتي ولو كان نائما يرتدي الروب الحريري ويعانقني بمحبه، ثم يتركني حتي آخذ نفسي، فأنا أصل إليه بمشقه، حيث أن الأتوبيسات مزدحمه بشكل لا يوصف ولا يطاق، خصوصا أنني أظل متشعلقا على الباب ومهددا بالسقوط في أي لحظة، لولا هذه الأيدي التي تمسك بي، لدرجة أنني بمجرد العثور علي مقعد في الأتوبيس الذي أركبه أجري عليه وأجلس فوقه بسعادة.

ولا أنزل في المحطة التي أريدها، وأظل جالسا علي الكرسي لمدة ساعات، حتي أنني في بعض الأوقات كنت أنام و لا أصحو إلا في نهاية آخر دوريه للأتوبيس الذي يدخل بي الورشة، ويوقظني العمال لأخرج باحثا عن أي مواصله توصلني إلي كافتيريا سوق الحميديه بباب اللوق أو إلي الحجرة المشتركه التي أسكن فيها، وفي بعض الأوقات كنت أصل للجهه التي أريدها مشيا علي الأقدام، كنت أفعل ذلك مع الترام أيضا الذي كنت أظل راكبا به طالما أنني أجلس علي كرسي، في بعض الأوقات كانت تنتهي دوريتهم في آخر محطه من شبرا لأظل أبحث عن وسيله تقربني للمكان الذي أريده.

كان يتركني الموسيقار كمال الطويل بحجة إحضار القهوة له والعصير

كمال الطويل والقهوة والعصير

يتركني الموسيقار كمال الطويل بحجة إحضار القهوة له والعصير لي قائلا: (والله باستغرب علي شخصيتك، أول شاعر أشوفه في حياتي ما بيشربشي قهوة)، كان خجولا جدا ومهذبا، حتي وإن طالت الجلسة، لا يشعرني أنه مرتبط ببعض مشاويره.

إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب : كمال الطويل وعبدالحليم حافظ في خلية سرية

في أحد المرات، وعند استئذاني للخروج أخبرني كمال الطويل أن عنده مشوار، ومن الممكن أن يوصلني لـ (سوق الحميديه) لأنها في طريقه، وأثناء جلوسي بجانبه في السيارة لاحظ أنني مكتئب، فسألني عن السبب، فقلت له: (تصور أقدم لهيئة الكتاب ديواني الذي أعتبره من أغلي دواويني، هل تصدق أنهم رفضوه بعد أن كتب شاعر حشاش بلدياتي تقريرا عنه وقدمه لأمن الدولة)، قال لي: (خلي بالك ممنوع السياسة، والجنس، والدين).

قلت له: الديوان ليس به سياسة، ولا جنس ولا دين!

قال لي: غريبة جدا أن ديوانك يرفض مع إنك شاعر رائع سمعني حته منه كده، لو كنت فاكر منه حاجه؟!

قلت له: سأسمعك نهاية قصيده من قصائد الديوان، أنصت لي كمال الطويل جدا، وهو يقود سيارته، بينما أردد ما أتذكره من كلمات قليلة من نهاية القصيدة، وأسمعته:

الديك خرج

الديك هايغتصب الفرج

بصي معايا علي الشفايف

واحكمي

شكل الشفايف بالسكوت

صبحت كفتحات الشرج

بعد أقل من 3 دقائق، حضر الونش ليحمل سيارة كمال الطويل التي كانت تركن في الممنوع

كمال الطويل يركن في الممنوع

بعد آخر كلمه من القصيدة، انطلقت ضحكة كمال الطويل لتهز شارع 26 يوليو، لدرجة أنه أوقف السيارة بالقرب من محطة الإسعاف وظل يضحك بشكل لم أره من قبل ثم قال لي: (كويس أن الواد الحشاش بلدياتك ده بلغ عنك الديوان ده لو كان انطبع كانوا عدموك بدون محاكمة!).

واستعد للانطلاق، وفجأة وجدنا أمامنا ضابط صغير السن أبلغ الأستاذ كمال أنه يقف في الممنوع، أخبره أنه الفنان كمال الطويل، ومن العيب أن يعامل بهذه الطريقة، لم يهتم الضابط بما سمعه، وطلب منه الرخصه، سلمه الأستاذ كمال الطويل الرخصه، فأعطاها باستهتار لعسكري كان يقف بجانبه، وطلب من الأستاذ أن يدفع غرامة كبيرة، رفض الأستاذ كمال أن يدفع الغرامة، اتصل الضابط تليفونيا بالإدارة، وأبلغهم بالواقعة.

 بعد أقل من 3 دقائق، حضر الونش! وقام بربط سيارة الأستاذ كمال الطويل بالسلاسل، استعدادا لسحبها لإدارة المرور، أخبروه أنه من الممكن أن يخرج من سيارته، ويترك قيادتها لعسكري، ويسبقهم على الإدارة بتاكسي، رفض ذلك، وطلب مني أن أغادر السيارة، حيث سيظل بها، ولن يغادرها، غادرت السيارة التي انطلقت بفعل جر الونش لها بالسلاسل بينما الأستاذ يجلس على عجلة القيادة، نظرت له وأنا أغادر السيارة، فوجدت مرارة العالم تتجمع في نظرته، نظرت إلى اللا شئ!.

تركته وجلست في ميدان الإسعاف المزدحم لأكتب هذه الأغنيه أو القصيدة التي لحنها بعد ذلك، ثم رفضوها رقابيا مع أغنية أخري للشاعر سيد حجاب، وافقوا عليها بعد ذلك و هى (الباقي هو الشعب)، أما أغنيتي فكانت تقول :

أقر وأعترف..

إنك ظلمتي فيا، ولا كنتي يوم وفية

وجنيتي كتير عليا.. بالفقر والقرف

أقر وأعترف..

إنك سرقتي مني.. أنشودة التمني..

وانك خليتي نني.. بالظلم ينطرف

أقر و أعترف..

إن المبني الفلاني.. دمر فيا الأماني..

ببليد أخد مكاني.. ولكل شئ خطف

أقر وأعترف..

إن الزحام سرقني.. وان الأمان فارقني..

وخداع الناس ضايقني.. غرقني للأسف

أقر وأعترف..

إنك كتمتي صوتي.. وفرحتي من سكوتي..

ولما جنيت في توتي.. قسمته بالشرف

أقر وأعترف..

إن الأمور تحير.. وان اللحاف قصير..

وان المناخ تغير..ودخلنا المنعطف

أقر وأعترف..

إنك يا خالتي طاهرة.. قطفتي ليا زهرة..

وجيبتي ليا مهرة.. خطفها المنحرف

أقر وأعترف..

إن الحكايه واضحه.. وراسك فيها بطحة..

وغزالتي لسه شاطحة.. واللي اتداري اتعرف

أقر وأعترف..

مش ممكن ليكي أكره.. مهما يجرالي بكره..

من أي حد نكرة.. من دمي بيغترف

أقر وأعترف..

إنك مخلوقة ليا.. بالحضرة الأحمديه..

والطلة المريمية.. ورئيسة الشرف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.