رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سامي فريد يكتب عن : مكافأة شهر بسبب عبد الوهاب

محمد عبد الوهاب

بقلم : سامي فريد

كان يوما غريبا.. جلسنا حول (دسك الأهرام المركزي) وفي أيدينا نسخ الطبعة الأولى من جريدة الأهرام نرتب للطبعة الثانية، حتى جاءنا رقيب الجريدة الاستاذ (أحمد حسن) معتذرا يقول للاستاذ عبدالحميد سرايا – يرحمه الله – أن الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الثقافة والإعلام في ذلك الوقت من عام 72 بأمر بإلغاء كاريكاتير الأستاذ صلاح جاهين عن الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب ونيللي)!.

عبد الحميد سرايا

كان الموقف صعبا ولا يحتمل.. بل ومستحيل أيضا.. قلت للأستاذ عبدالحميد سرايا إن هذا مستحيل فقد خرجت الطبعة الأولى من الأهرام إلى القارئ.. خرجت وركبت القطار إلى الصعيد، وحملتها الطائرة إلى الدول العربية والدول الأوربية.. كما حملتها سيارات نقل الأهرام إلى محافظات الوجه البحري.

ورد الاستاذ سرايا وقد تملكه الغضب واليأس معا إذ كانت له سابقة مع محمد فايق وزير الإعلام الأسبق، قال: يعملوا اللي همه عاوزينه.. شيلوا الكاريكاتير.

صلاح جاهين

يا أستاذ سرايا!!

قلتها مندهشا لكنني لم أكن يائسا من الحل.. فالدكتور عبدالقادر حاتم لم ير الكاريكاتير لكن الرقيب قرأ على مدير مكتبه الأستاذ (خالد طلعت شراب) كلام الكاريكاتير.. إذن – قلت لنفسي – فالمشكلة كلها في كلام الكاريكاتير الذي ربما يزعج الأستاذ عبد الوهاب!، وكنت قبل التحاقي للعمل بالأهرام من المواظبين على قراءة مجلة التحرير وكانت الثورة قد أنشاتها وعهدت برئاستها إلى عبد القادر حاتم.

أسرعت أكتب الكلام الجديد الذي فرضه ووافق عليه الأستاذان عبدالحميد سرايا وصلاح منتصر وكان الكلام يقول: شقة (1) بلاد من استوديو (1) وشقة (2) بدلا من استوديو (2)، أما الكلام الذي سيجمع بين المشهدين فكان يقول: (طلعت قشر الياميش بتاع السنة اللي فاتت وحطيته قدام الباب عشان يعرفوا إن احنا جنبا ياميش السنة دي!

ونزلت الى الدور الثالث أعدو إلى الخارج (ربيع) رئيس عند التوضيب بالكلام الجديد.. مشيرا إلى أن الصفحة ماشية بالكاريكاتير كما فقط سنغير الكلام، فتهلل وأسرع بنفسه يجمع الكلام الجديد وألغى الخريطة.

حدث هذا بسرعة ونزلت مسرعا الي الدور الأرضي لأعود بالجريدة بعد التغيير الذي استغرق مني ثلاث دقائق ومن الزنكوغراف والجمع ودوران المطبعة 15 دقيقة فقط.

صعدت إلى الدور الرابع حيث صالة التحرير وفي يدي نستختين من الأهرام بعد التعديل.

مبني جدريدة الأهرام

كان الدكتور عبدالملك عودة مساعد رئيس التحرير ينتظر ما حدث بفارغ الصبر فسألني وهو يتناول الجريدة مني: هيه حطيتوا الخريطة.. وفتح الجريدة فوجد الكاريكاتير في مكانه !

اندهشت الدكتور عودة وسألني: الله.. انتو ما شلتوش الكاريكاتير؟!

قلت: أنا اتفقت مع الأستاذ سرايا قبل ما يمشي على الكلام ده.. وشافه كمان الأستاذ صلاح منتصر.. اسأله حضرتك..

نهض الدكتور عودة عائدا إلى مكتبه ووجهه يحمل علامات الدهشة.. وسألني قبل أن يعود إلى مكتبه:

وما قلتليش ليه؟

قلت:

ما كانش في وقت يا دكتور.. معلش !

كان الدكتور عودة قد شرح للحاج ربيع رئيس التوظيب في الدور الثالث ما حدث وطلب منه أن تبطئ المطبعة في دورانها حتى نضع الخريطة مكان الكاريكاتير ثم يعود الجرنال للدوران من جديد.

لكن ماذا كان يقول كلام الكاريكاتير الذي أثار الدكتور حاتم؟!

كان الأستاذ صلاح جاهين قد قسم الكاريكاتير إلى مشهدين وكتب على المشهد الأول: (ستوديو (1) وعلى المشهد الثاني استوديو (2) والمخرج يخاطب المذيعة الجالسة أمامه مشيرا إلى الاستوديو الثاني من خلفه إذا كانوا همه حيعدوا مسلسل عبدالوهاب ونيللي.. فإحنا ممكن كمان نجيب عدوية).

وجاء لي الرقيت وكان صديقا يعتذر بعد أن شرحت له فضيحة إلغاء الكاريكاتير.. قال: وأنا اعمل ايه؟ دا الدكتور حاتم بنفسه.. مين بقى حيشرح له ان الجورنال ركب الطيارة والقطر والعربيات سافرت بيه محافظات الدلتا.. وقدامك الأستاذ عبدالحميد سرايا قال شيلوا.. والدكتور عبدالملك عودة عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومساعد رئيس التحرير قال حطوا خريطة مع مقالي وانتو طلبتوها وبعتوها كمان للمطبعة.. أنا كنت ح أعمل إيه بس؟!

عندئذا تذكرت قصة حدثت في عهد الرئيس السادات حكيتها للرقيب: كان في إحدى الصفحات الداخلية مساحة يرسمها رسام المجلة (مجلة المجلة) كان يرسم فيها كاريكاتير ناقص وكان على القارئ إكماله.. أو رسم كاريكاتوري بدون كلام وعلى القارئ أيضا كتابة كلامه.. وللفائز اشتراك مجاني لمدة 6 شهور.

ومن هنا فكرت في هذا الحل.. لماذا لا أغير كلام الكاريكاتير المرفوض وأضع كلاما جديدا من عندي وأحل المشكلة.. قلت هذا للأستاذ (سرايا) أمام باب قسم التصوير في الطرقة المؤدية إلى الأسانسير إذ كان الاستاذ سرايا قد استأذن في العودة الي البيت في الزمالك للاستراحة استعداد ا للسفر إلى سويسرا كما يفعل كل عام لتغيير دمه بالكامل، إذ كان مصابا باللوكيميا.

صلاح منتصر

قلت له هذا الكلام وهو يستعد لركوب الأسانسير.. ووافق الأستاذ سرايا على الفكرة وقال لي: اعرضها على الأستاذ صلاح منتصر هو اللي سهران معاكوا.. ذهبت ركضا إلى الأستاذ (منتصر) أعرض عليه الفكرة فرحب بها سعيدا وقال: يللا بسرعة.. إلغي الكلام اللي قلناه قبل كده وبلاش خريطة أفريقيا اللي كان طالبها الدكتور عبدالملك عوده مع مقاله.

وهكذا أنقذت ماء وجه (الأهرام) بهذا التصرف في ذلك اليوم، وفي اليوم التالي قال الأستاذ هيكل للأستاذ سرايا مبتسما: (لقد أنقذت الأهرام يا أستاذ سرايا)، فقال له هناك شاب في السكريارية الفنية اسمه (سامي فريد) هو من اقترح تغيير كلام الكاريكاتير ونفذه في المطبعة، فقرر هيكل أن يمنحني مكافاة شهرا كاملا من مرتبي والذي كان سببا مباشرا فيه الأستاذ محمد عبد الوهاب صاحب الكاريكاتير الذي كان سيصنع له أزمة لولا اقتراحي بتغيير الكلام.

محمد حسنين هيكل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.