رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أمينة صبري صاحبة (حديث الذكريات): تتذكر اعترافات (نزار قباني) لها (2/3)

* مع بداية كتابتي للشعر كنت أعرف بعض الآباء كانوا يحبسون بناتهن إذا قرأن شعري!

* أعترف بأن المرأة خذلتني في معركتي في الدفاع عنها، ولم تساعدني

* كانت القاهرة عاصمة العالم العربي ثقافيا مثل باريس وأعطتني حرية أكبر من حريتي بدمشق!، وهذا واضح في ديوان (طفولة نهد)

* أسبانيا زادت قناعتي برفض الحل الوسط، علمتني أسبانيا التطرف في الكتابة

* الشعر المألوف لا أهمية له، الشعر هو فن إحداث الدهشة بالآخرين، وأنا أريد أن أدهش القارئ.

* لا أؤمن بالتكرار في الشعر إما أن أقدم شيئا جديدا أو أسكت.

بقلم الإعلامية الكبيرة: أمينة صبري

ومازالنا مع حوار الإعلامية الكبيرة (أمينة صبري)، وحوارها الممتع مع الشاعر السوري الكبير (نزار قباني).

 في الجزء الأول من الحوار، حدثتنا  سيدة (صوت العرب)، عن ظروف هذا الحوار الذي أجرته عام 1987، وعلاقة (نزار قباني) بوالدته، وتأثير البيئة السورية خاصة منزلهم علي شعره.

واعترف لها بإنه كان على وشك أن يصبح رساما، ولكنه كان سيكون رساما متوسطا وطموحه أن يكون الأول في كل شئ!، وفي الجزء الثاني ننشر باقي إعترافات نزار قباني.

* السؤال الذي يلح علي الآن هو متى إذن بدأ الشعر عند شاعرنا نزار قباني؟

** (نزار قباني): في عام 1939 كان عمري ستة عشر عاما، وكنت في رحلة بحرية إلى روما مع المدرسة، وأنا واقف على ظهر السفينة أشاهد الأمواج والأسماك والدرافيل وهي تقفز حول الباخرة جاءني فجأة بيت شعر.

 شعرت بالخوف عليه من أن يقع مني في البحر وتلتهمه الأسماك، ولكني فوجئت بالبيت الشعري الثاني، ثم الثالث والرابع وهكذا.

 فنزلت سريعا إلى القمرة، وكتبت هذه الأبيات حتى لا أنساها ولكي لا تضيع، وأخفيت هذه الأشعار عن أصدقائي لكي لا يسخروا مني.

ونمت في هذه الليلة لأول مرة في حياتي يوم 15 أغسطس عام 1939 (شاعر للمرة الأولى واستيقظت شاعرا أيضاً).

لكني كنت مثل العصفور الذي جاءت على باله أغنية أداها وانتهت المسألة

* هل تتذكر هذه الأبيات الأولى والتي جعلت منك شاعرا لأول مرة؟

** (نزار قباني): أبدا ولكني كنت مثل العصفور الذي جاءت على باله أغنية أداها وانتهت المسألة.

* ألم تضم هذه الأبيات لأي ديوان من دواوينك؟

** (نزار قباني): لا لم يحدث.. فقد كانت بدايات مبكرة جداً.

* شاعرنا نزار قباني.. لقد التحقت بكلية الحقوق لدراسة القانون فلماذا اخترت هذه الدراسة؟

** (نزار قباني): لا أدري لماذا اخترت هذه الدراسة! رغم أنني لم أمارس العمل القانوني إطلاقا، ولم أمارس قضية الدفاع في حياتي إلا عن قضية واحدة هي قضية المرأة.

*عموما هذه القضية وهي قضية دفاعك عن المرأة كانت سببا في فتح نيران الجحيم عليك فقد حوربت كثيرا بسبب تمسكك بالدفاع عن المرأة العربية؟

** (نزار قباني): أنا أرى أن الكتابة عن المرأة هي قتال بالسلاح الأبيض، فهي معركة تاريخية، لأن المرأة مظلومة مضطهدة، أنا دافعت عن سجن النساء الكبير، أنا محطم أقفال هذه السجون.

طبعا يوجد أخرين سبقوني في الدفاع عن قضية المرأة، ولكن لا يوجد أحد دافع وقاتل بالشراسة التي قاتلت بها للدفاع عن المرأة لأني أعتبر أن الرجل يجب أن تقص أظافره لأنه إقطاعي كبير..

وأناني كبير، ومتسلط كبير، إنه يريد أن يحتفظ لنفسه بكل السلطات يريد أن يدرس الطب، أن يشرع القوانين، يريد.. يريد لدرجة أن المرأة كان لا يسمح لها قديما بأن تقرأ!..

وإلى يومنا هذا توجد بعض مجتمعات في عالمنا العربي لا يسمح للمرأة فيها بالتعليم، الرجل يريد أن يمارس الثقافة على حساب المرأة!..

والمرأة لا وجود لها، فهي عبارة عن أداة، عن كرسي، عن سجادة تباع وتشترى، أما الصلة الإنسانية بين الرجل والمرأة كانت علاقة مريضة..

وكانت علاقة قمعية تشبه العلاقة بين السجان، والسجين فكان لابد أن أخوض هذه المعركة، وهوجمت جدا لأنني ركزت هجومي على الرجل باعتباره أنه لا يمكن أن تتحرر المرأة إلا بتحرر الرجل أولا..

لأن الرجل العبد لا يستطيع أن يعطي الحرية للمرأة، وهكذا بدأت معركة طويلة، ولكن أعترف لك بأن المرأة خذلتني في هذه المعركة ولم تساعدني.

المرأة مستريحة بهذا الوضع التاريخي

* وكيف ذلك؟ ولماذا خذلتك المرأة وأنت تدافع عنها؟

** (نزار قباني): لأن المرأة مستريحة بهذا الوضع التاريخي، فطالما يوجد رجل بجانبها يعمل، ويكد ويكافح، ويعطيها الأموال لكي تنفقها فهي مستريحة بهذا الوضع!..

 وإذا نظرنا مثلا للمرأة الأوروبية نجدها تكافح وتجتهد مثلها مثل الرجل، وتشارك الرجل فعليا في تحمل عبء الحياة، أما نساؤنا فيردن جميعا أن يكن أميرات!..

 أو يتزوجن من إمرأة، وأن يقدم لهن المن والسلوى على صواني من فضة، وهذا الوضع لا يستقيم، حتى المثقفات اللائي كنت اعتمد عليهن أيضا خذلنني!..

كنت أحمل البيارق واللافتات في مظاهرة كبيرة للدفاع عن المرأة، وفجأة نظرت ورائي فلم أجد أحدا منهن هربن جميعا إلى حياة الراحة والكسل..

لا توجد جدية في هذا الطريق، وهذا سبب تسلط الرجال لأنها هي متمسكة بوصفها الضعيف هذا، فالثورة تؤخذ ولا تعطى..

أريد أن أقول للمرأة لا تنتظري أن يعطيك الرجل شيئا من حقوقكن، الرجل يأخذ ويريد أن يحتفظ بإقطاعه التاريخي وبمكاسبه.

قالت لي السمراء

* أستاذ نزار لنبتعد قليلا عن هذه المرارة التي تشعر بها إزاء قضية المرأة، ونتحدث عن أعمالك الشعرية؟

** (نزار قباني): أريد أن نتحدث عن ديوانك الأول ، (قالت لي السمراء) وردود فعل أول ديوان شعري لك عند الناس؟

* أصدرت هذا الديوان بدمشق 1944 وبمصروفي الخاص الذي كنت أتلقاه من والدتي، وهوجمت وقتها هجوما شديدا بعد صدور ديواني هذا.

 ** (نزار قباني): وكنت وقتها مازلت شاباً صغيرا في الصف الثاني بكلية الحقوق، وكان عودي ما يزال غضا لا يستطيع التصرف إزاء هذا الهجوم، نشرت 300 نسخة..

وكان صوت (بودليري) شبه الشاعر الفرنسي (بودلير) والذي له كتاب خطير جدا باسم (أزهار الشر)..

(قالت لي السمراء) كان صرخة لغوية، وأيضا صرخة في مضمونه أيضا، كان مختلفا جدا عن الشعر الشائع، صرخ بمواضيع كانت محرمة..

الحب كان عملية ممنوعة في المدن المتجمدة، مع أن الحب هو نعمة يضعها الله في صدورنا، لكن لا تشعرين بأهمية ما خضته لأن ذلك كان من أربعين عاما..

والموقف اختلف الآن، ولكن لا يزال في الريف، وفي القرى عملية الوأد مستمرة، والوأد الفكري مازال مستمرا حتى في المدن، الرجل الشرقي يحاول دائما أن يكتم أنفاس المرأة ويمنعها من الكلام والتعبير.

* ما هي أكثر القصائد التي نالت حظا أكبر من الهجوم؟

** (نزار قباني): قصيدة نهداك.

* أستاذ نزار قلت أن الفن الذي لا يقوم على المصادمة لا تعتبره فنا.. وأنك وصلت بشعرك إلى حد الكي؟

** (نزار قباني): أنا لا أؤمن بالحلول الوسط، لا في الحب ولا في السياسة ولا بالحياة ولا بالمواجهة، لا يوجد وسط في الحب، أما أن نرمي أنفسنا في البحر أو في النار أو نبتعد..

وأنا لا أؤمن بفن يمالئ مجتمعنا، ملئ بالبشاعات، والعاهات والعقد، فأنا إذا صمت على الخرافات التي تسود المجتمع أصبح على الفور جزءا من الخرافة..

فوظيفة القصيدة هي أن تغير العالم، أنا أكتب لأغير العالم، على الأقل العالم الذي أوجد فيه أنا، لكن العالم الذي من حولي لا يقبل أي صوت جديد..

 وأحارب بسبب ذلك، تصوري مثلا واحد يحارب لأنه رسم لوحة مثلا أو كتب قصيدة حب جميلة.

* أنت تكتب لكي تغير العالم من حولك، وأنت والحمد لله تمتعنا بكتابتك من عام 1939 فهل شعرت بأنك بالفعل غيرت العالم من حولك؟

** (نزار قباني): نعم أنا غيرت كثيرا جدا، أنا زحزت أحجارا كثيرة، المرأة اليوم تستطيع مثلا أن تقرأ شعري جهارا نهارا، أما مع بداية كتابتي للشعر كنت أعرف بعض الآباء كانوا يحبسون بناتهن إذا قرأن شعري!..

أما الآن فتدخل الفتاة إلى أي مكتبة تطلب دواويني، أو ربما يأتي بها والدها إليها، أنا نقلت عملية الحب من دهاليز السرية إلى الهواء الطلق..

 عندما كتبت قصيدة (أيظن) التي غنتها (نجاة) من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، بعد أن كتبتها قال لي بعض الناس أنني تسببت في إعادة علاقة الحب بينهما بعد سماع وقراءة هذه القصيدة..

عندما قلت (ورجعت ما أحلى الرجوع إليه) فالأحباء المتخاصمون رجعوا، والأزواج المتخاصمون رجعوا بعضهم لبعض..

 أترين كيف يؤدي الشعر عملا إنسانيا، أنا اعتقد أن شعري استطاع أن يكون شجرة حب تظلل جميع العاشقين في الوطن العربي.

طفولة نهد

* ديوانك الثاني (طفولة نهد) نشرته في القاهرة في نهاية الأربعينات عندما كنت تعمل كدبلوماسي لسوريا في مصر في أول عمل دبلوماسي لك؟

** (نزار قباني): كانت القاهرة عبارة عن عرس ثقافي، كانت عاصمة العالم العربي ثقافيا مثل باريس التي تعتبر عاصمة أوروبا الثقافية، كانت القاهرة شيئا خطيرا بالنسبة لي وأنا استفدت كثيرا من وجودي بالقاهرة علمتني أشياء كثيرة..

 وتجدين آثار القاهرة منطبعة على ديواني (طفولة نهد) كنت أكثر حرية في هذا الديوان، فالقاهرة أعطتني حرية أكبر من حريتي بدمشق!..

وعندما ذهبت إلى لندن وأصدرت ديوان (قصائد) كان أيضا خطوة متقدمة عن ديوان (طفولة نهد) لأن لندن كانت بالطبع أكثر حرية من القاهرة.

* على ذكر لندن والقاهرة، المتتبع لشعرك يلحظ أيضاً تأثير أسبانيا عليك خاصة في قصيدة (غرناطة)؟

** (نزار قباني): أنا عشت في أسبانيا فترتين من فترات عملي الدبلوماسي، كانت أسبانيا تجربة خطيرة بالنسبة لي، لأن أسبانيا نصفها عربي، ونصفها أسباني..

 فكنت أمشي على سجادة التاريخ، والطبيعة الأندلسية تشبه كثيرا الطبيعة العربية، الحب الأسباني يشبه الحب العربي، العواطف الحنان، المرأة، خوف المرأة وحنانها مثل المرأة العربية..

واللغة الأسبانية لغة متوترة، والرقص الأسباني رقص متوتر، فالراقصة تنزف وهي ترقص، وكذلك مصارع الثيران ينزف وهو يصارع الثيران.

علمتني أسبانيا أو زادت أسبانيا قناعتي برفض الحل الوسط، علمتني أسبانيا التطرف في الكتابة في التعبير عن فكري، فأنا إنسان متطرف بطبعي لا أقبل الحل الوسط.

* إذن أنت شاعر متطرف ولذلك عادة ما تكتب اللامألوف فالفن عندك يجب أن يكون لا مألوفاً أن يصدم المتلقي ويحركه؟

** طبعا أعتقد أن الشعر المألوف لا أهمية له، الشعر هو فن إحداث الدهشة بالآخرين، فأنا أريد أن أدهش القارئ، فعندما يقرأ شعري يشعر بأنه كلام لا عهد له به..

أما إذا سمع مني قصائد سمع مثلها من شعراء قبلي حتى ولو كان من المتنبي، أو أبي تمام، أو ابن الرومي، فلا أهمية لي إذن، أنا لا أؤمن بالتكرار في الشعر إما أن أقدم شيئا جديدا أو أسكت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.