* عبدالوهاب أعاد توزيع قصيدته (جفنه علم الغزل) وأحب أن يختبرها مع الجمهور فرفضت !
* السنباطي وطد علاقته بها ولحن لها روائع كثيرة
* غنت قبل السيدة فيروز قصيدة (حامل الهوى تعب) من أشعار (أبونواس) وألحان سيد مكاوي
* قامت ببطولة المسلسل الأردني الشهير (عصام وعليا) مع النجم اللبناني (محمود سعيد)
كتب : أحمد السماحي
في صمت يشبه صمت القبور، رحلت أمس المطربة اللبنانية (فدوى عبيد) إثر حادث في منزلها، بولاية ميشيجان الأميركية، والذي تقطن فيه وحدها، رحلت المطربة التى لحن لها عمالقة التلحين في مصر والعالم العربي، دون أن يهتم أحد بكتابة خبر وفاتها مما دعى أحد المعجبين بفنها أن يرثيها على صفحته على الفيس بوك، وكتب: (أتمنى أن يكتب أحد عن هذه المطربة الرقيقة الحالمة التى لم تقدم إلا كل ما هو جميل وراق، لأن كثير من الجمهور الحالي لا يعرفها ولا يعرف أغنياتها! لأنها لا تذاع إطلاقا!).
والحقيقة أن صرخة هذا المعجب آلمتني جدا، لأن (فدوى عبيد) مطربة صاحبة حنجرة مثقفة، رقيقة، قدمت الكثير من كل ألوان الغناء المختلفة التى تنوعت ما بين الديني والعاطفي والوصفي والوطني، كما برعت في غناء القصيدة والطقطوقة والمونولوج، تسابق كبار الشعراء والملحنيين في مصر والعالم العربي على التعاون معها، وهى صوت لم يستمتع المستمع المصري والعربي الحالي بشدوه الراقي العذب، ولم يأخذ حظه من الانتشار بالنسبة لأصوات هى أقل بكثير من حلاوة وعذوبة موهبة (فدوى عبيد).!
ومن تعود علي الاستيقاظ المبكر ويستمع إلى الإذاعة المصرية يجدها تذيع بصفة مستمرة في فترة الفجرة أنشودة دينية لـ (فدوى عبيد) دون أن تذكر اسم المطربة، ويبدو أن المسئولين على فترات الفجر لا يعرفون أسماء المطربين الذين يذيعون لهم، الأنشودة بعنوان ( لبيك يا ربي) كلمات الشاعر عبدالله شمس الدين، وألحان الموسيقار رياض السنباطي تقول كلماتها :
لبيك يا ربي بالشوق و الحب
يا غافر الذنب يا قابل التوب
يا واسع العفو بالدمع والشذوي
طفولة شقية وإعجاب عبدالوهاب
تميزت طفولة (فدوى عبيد) بالشقاوة الشديدة، لكن هذه الشقاوة تبدلت في صباها ومراهقتها إلى الهدوء والسكينة والتأمل، لهذا درست (علم النفس) في الجامعة الأمريكية في مصر، وحصلت على الماجستير، وأثناء دراستها استمع إليها الدكتور (مصطفى محمود) وأعجب بصوتها جدا، وقدمها للموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب) الذي بدوره أعجب بصوتها، وأثنى عليه، وقرر أن يختبر وقفتها على المسرح، ولقائها بالجمهور، ويعيد توزيع قصيدته الشهيرة (جفنه علم الغزل) ويجعلها تعيد غنائها على المسرح، لكن المطربة اللبنانية رأت أن يلحن لها أغنية خاصة بها، ولم يتم اللقاء بين الأثنين، وإن كانت البروفة موجودة بكوالتي رائع على موقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب).
السنباطي يلحن لها
نالت مقابلة (فدوى عبيد) للموسيقار (محمد عبدالوهاب) وإعجابه بصوتها شهرة كبيرة في الوسط الغنائي مما جعل كثير من الملحنيين يطلب الاستماع إليها، وفى هذه الفترة تقابلت مع العملاق (رياض السنباطي) الذي لحن لها عدة قصدائد وأغنيات بعد تحمسه الشديد لصوتها وإجادتها للغة العربية إجادة تامة رغم دراستها فى الجامعة الأمريكية، مما جعله يلحن لها قصيدة (لاتكابـر)، أشعار فتحى سعيد، (محمد المختار، مع الله) أشعار محمود حسن إسماعيل، (حبك على جبينى قدر) و(عايزة أسامحه، بس مش قادرة أنسى جرحه) كلمات الشاعر حسين السيد.
فريد الأطرش وماله الحلو
كانت الفترة الذهبية للمطربة (فدوى عبيد) فى مصر من منتصف الستيات وحتى بداية السبعينات، حيث أقتنع بصوتها الموسيقار الكبير (فريد الأطرش) وشاركته فى غناء أغنية وطنية بعد هزيمة يونيو 1967 بعنوان (بلادي بلادي فيكي عاش الأنبياء، وفيكي عاش الأوفياء) وغنت هى المقطع الذي يقول :
طل فجر الأمل طل وهلال المحبة هل
والتعاون والتضامن بين أهل العروبة هل
ثم غنت معه فى إحدى المرات لحنه الوطني الشهير (يا مرحبا بك يا جمال فى عيد ميلاد الثائرين)، بعدها جعلها تغني لحنه الشعبي الجميل (مالو الحلو ماله، مش زى عوايده ليه).
الموجي وسيد مكاوي
توالت ألحان كبار الملحنيين لـ (فدوى عبيد) فلحن لها الشيخ سيد مكاوي مجموعة رائعة من الألحان لاأحد يمكن أن ينسى رائعتهما التى كتبها كلمات (الإمام البرعي) والتى يقول مطلعها:
لبست ثوب الرجاء والناس قد رقدوا
وبت أشكو الى مولاى مااجد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
مالى على حملها صبر ولاجلد
فبحر جودك يروى كل من يرد.
كما غنت قبل السيدة فيروز قصيدة (حامل الهوى تعب) من أشعار (أبونواس) وألحان سيد مكاوي، وغنت لمكاوي أيضا (غلب الشوق) كلمات الشاعر أحمد رامي، و(على وين مطروح يا هوى) كلمات عصمت الحبروك.
كما لحن لها مهندس الألحان الموسيقار (محمد الموجي) العديد من الأغنيات الناجحة ممنها (ليه فى ضى عنيك) كلمات محمود عفيفى، (مع السارين) كلمات عبد الله شمس الدين، (في دوامة) و(سهرانة)، كلمات صالح أبو تيجي، (شغل بالي) حسين الكومي، (ياحبيبة فرحتى) كلمات حسين السيد.
الأخوين رحباني والرومي ومحسن
لم يقتصر تعاون (فدوى عبيد) على هؤلاء العمالقة فقط ولكنها غنت أيضا من ألحان العبقري (بليغ حمدي)، ومن ألحان (عبدالعظيم محمد) الذي لحن لها (جانا الحب جانا) كلمات حسين السيد.
وكانت (فدوى عبيد) عاشقة للسفر والترحال لهذا لم تكن تعيش في بلد كثيرا، وهذا عرقل مشوارها كثيرا، حيث تنقلت ما بين مصر ولبنان والأردن وأمريكا، وهذا التنقل رغم سلبياته لكنه أتاح لها فرصة التعاون مع عدد كبير من الملحنيين منهم الأخوين رحباني اللذين لحن لها (ناطرة)، والملحن السوري (محمد محسن) الذي لحن لها أنشودة (إلهى من يدرى) أشعار مسلم البَرازى، و(بحب البحر بحبه، ياريت لي قلب زي قلبه) كلمات الشاعر الخليجي أحمد قنديل، ومن كلمات الشاعر جورج جرداق، والحان الموسيقار وليد غلمية تغني (روح وتركني).
كما غنت (عالعوامي يا عوام) كلمات توفيق بركات، ألحان فيلمون وهبي، كما شدت بـ (نهاية حب) كلمات ميشال طعمة، ألحان جورج ثابت، (جرأة) كلمات الشاعر مصطفي محمود، ألحان الموسيقار توفيق الباشا، (لما رماني في الهوي) كلمات مصطفي محمود، ألحان عفيف رضوان، وقدمت (ورده حمرا) كلمات مصطفى محمود، ألحان (شفيق أبو شقرا)، (لإلي) كلمات صلاح عفيفي، ألحان (صلاح الكردي)، (قلبك وين) كلمات طانيوس الحملاوي، والحان حليم الرومي.
هذا فضلا على مشاركتها في أكثر من مسرحية غنائية، منها: (ياليل) شعر جورج جرداق، ألحان وليد غلمية، بمشاركة جوزيف عازار، ودريد لحام.
أبوبكر سالم وبريدة
لم يقتصر غناء (فدوى عبيد) على اللون المصري واللبناني فقط، ولكنها غنت أيضا اللون الخليجي حيث غنت للمطرب والملحن الكبير (أبوبكر سالم) أغنية (خفيف الروح)، كما غنت لبلدة سعودية أغنية من التراث الخليجي إسمها (صباح الشوق يا بريدة) من كلمات الشاعر (مسلم البرازي) يقول مطلعها :
صباح الشوق يا بريدة، يا خفق القلب وتنهيده
وكيف حالك وكيف ربعي، سنين ما شفت أنا بريده
ملحم بركات وشاب حليوة، والغربة
كانت من آواخر أغنيات (فدوى عبيد) أغنية (شاب حليوة أفندي، قميصه تفتا هندي، قلي بتروحي مشوار، قلتله لاء ما بدي، وانا بدي ويدي بدي واكتر ما بدي وبدي) هذه الأغنية التى كتبها الشاعر ميشال طعمه ولحنها المبدع (ملحم بركات) كانت أول لقاء بين (ملحم وفدوى) وبعد غنائها – (كسرت الدنيا) كما نقول هذه الأيام – وهذا النجاح جعل اللقاء يتكرر بين المطربة والملحن في أغنية أخرى بعنوان (حبايب) كلمات الشاعر (مارون كرم)، لكنها لم تحقق نجاح (شاب حليوة) التى قامت بإعادة غنائها أكثر من مطربة أشهرهم (بسكال مشعلاني).
الذكريات والرحيل
بعد حرب لبنان، هاجرت (فدوى عبيد) إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تزور لبنان على فترات متقطعة، وهى في منزلها كانت تدير أسطوانات أغنياتها القديمة وتتذكر الماضي الجميل، وتفر من عيونها الدموع، وتغير الاسطوانات إلى القنوات الفضائية تتابع فضائبات العالم العربي، لعل فضائية واحدة تتذكر أعمالها لكن لا جدوى، فكانت تعاود الاستماع إلى اسطوانات أغنياتها، وأحيانا تشاهد مسلسلها الوحيد فى التليفزيون الأردني (عصام وعليا) الذي قدمته في نهاية السبعينات مع الفنان اللبناني محمود سعيد، وتتوالى الذكريات التى انقطت نهائيا أمس بعد رحلة فنية مليئة بالرقي والأبداع.
رحم الله (فدوى عبيد) الحنجرة المثقفة التى لم تشدو إلا بأعذب وأرقى الكلمات.