رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ازدواجية وخطايا (نمبر وان)

بقلم: محمود حسونة

ما ذنب محمد رمضان في الضجة المثارة حوله حاليا؟

ذنبه أنه يحسب نفسه الطفل المدلل المغفورة خطاياه مهما قال أو فعل. يريد دائماً أن يضرب ويهرب، وحين (يشخط فيه الجمهور) يدعي البراءة وأنه (لم يكن يعرف).

طبيعي أن يكون حراً في خياراته كأي إنسان على وجه الأرض، وطبيعي أن يجد من يوافقه ويتفق معه ومن يعترض، لكن ما هو غير طبيعي أن يفعل الشيء ثم ينفي معرفته به وهو  الذي يعتبر نفسه (النمبر وان)؛ فكيف تتفق هذه المكانة العالية مع تهور السلوك و(الجهل) الذي يدعيه بأمور لا يمكن لطفل أن يجهلها؟!

من حق محمد رمضان أن يقول بصوت عال وجرأة أنه مع التطبيع بل ومع إسرائيل لو أراد، ومن حقه ككل إنسان أن يختار طريق حياته ويتبنى ما يشاء من مواقف ويدافع عنها إذا لزم الأمر، وفِي المقابل عليه أن يدفع ثمن خياراته ويتحمل مسؤولية قراراته.

 أصبحت موضة لدى بعض الفنانين أنهم (يعملون العملة) ثم يبكون على كتف الجمهور كي يحن ويرأف بهم. هكذا فعلت (شيرين) عندما أساءت لمصر ولنيلها العظيم واستهزأت بأغنية (مشربتش من نيلها) ثم عادت تبكي وتدعي أنها كانت “تهذر”، ورانيا يوسف حين أكدت عدم معرفتها بأن ما ارتدته العام الماضي كان (هوت شورت) مدعية أن البطانة ارتفعت لوحدها عند نزولها من السيارة، وإذا بها هذا العام تلبسه لابنتها لتطل معها على الشاشات في مهرجان الجونة، وهى تتباهى وتتفاخر بها وبما ترتديه، ومحمد رمضان يحتضن فناناً إسرائيلياً معروفاً ويلتقي فناناً آخر ولاعب كرة في سهرة ممتدة، استمع وقد يكون استمتع خلالها بالموسيقى والأغاني الاسرائيلية، ثم يدعي عدم علمه بمن يكونون. 

لماذا هذه الازدواجية في المواقف، (إذا كان هناك مواقف أصلاً)؟ لماذا التلون وتمييع الأمور من أجل كسب ود الإعلام والجمهور والنقابات الفنية ظاهرياً، بينما الباطن مختلف تماماً؟ أفلا يتعلمون من أهل الأصول في الفن، كيف كانت كلمتهم دائماً واحدة وأعمالهم لا تعكس سوى قناعاتهم، ومواقفهم ثابتة؟ مر في تاريخ الفن العربي فنانون تعاملوا مع إسرائيل، ومنهم من سافر إليها دون أن يختبئ خلف اصبعه أو يدعي (جهله) بل جاهر به ودافع عن قناعاته؛ وهناك من تغيرت مواقفه مثل الكاتب المسرحي الراحل (علي سالم) الذي لم يدفن رأسه في الرمال وأعلن موقفه بصوت عال وتحمل النتائج.

من يتأمل حياة محمد رمضان خلال السنوات القليلة الماضية التي اعتلى فيها عرش النجومية، سيجدها مليئة بالضجيج والجدل الناتج عن مشاكل افتعلها وأغضبت الناس منه، ابتداء من سيطرة إحساس العظمة عليه واستعراضه لأسطول سياراته، وكأنه محدث نعمة فاقد النضج يخرج لسانه لجمهوره الذي ينتمي معظمه لمحدودي الدخل، وإطلاقه على نفسه (الأسطورة) و(نمبر وان)، وكأن ما فعله غير مسبوق ولا يشبه سوى أساطير وخرافات الزمن البائد، وأيضاً أزمته مع الطيار أبو اليسر الذي استحى منه باعتباره نجماً ومنحه ما لا يمنح لراكب ليدفع الثمن وظيفته ومستقبله وسمعته المهنية، بل وتجاوزه في حق الفنان الكبير عزت العلايلي علانية وفِي حق غيره من الكبار إيحاءً، وأخيراً وليس آخراً لقاءه مع نجوم فن وكرة اسرائيليين، وكانت النتيجة هذه المرة غضب جارف لم يكن يتوقعه، والسبب أنه لا يدرك أن جمهوره تعامل مع أخطائه في السابق وكأنها هفوات صغيرة، أما هذه المرة فقد اعتبر الناس أن نجمهم تجاوز الخطوط الشعبية الحمراء، واستمرأ استغلال نجوميته.

الغريب أن محمد رمضان الذي اعتاد استغلال كل جدل يثيره لصالحه واستمتع بما يحيطه من ضجيج وضوضاء، كان ينتظر أن يستغل الأزمة الحالية، وتأتي مواقف الجمهور والنقابات الفنية والإعلام والسوشيال ميديا مساندة له وداعمة لفعله، ولأنه وجد عكس ما توقع، غضب من الجميع، وعاتب النقابات وشركة الانتاج التي أوقفت انتاج مسلسله الرمضاني وجمهوره على عدم دعمهم له وهو عتاب مسبوق بشكر ساخر.

من الصعب على أي عاقل أن يحدد نوع وشكل الدعم الذي كان ينتظره (نمبر وان) من جمهوره، ولكن كلامه لا يعكس سوى وصول حدة الغرور عنده إلى درجة انتظاره أن يدعمه الناس أياً كانت أفعاله حتى لو وصلت إلى درجة الخطايا التي لا تغتفر، وحتى لو اعتدت على الثوابت وتجاوزت القيم والمبادئ.

من يريد أن يكون كبيراً فعليه أن يسلك سلوك الكبار، وما أكثر الكبار لدينا في عالم الفن والنجومية، ومن يريد أن يتعرف كيف يكون سلوك الكبار فليتتبع سيرة ورحلة الكبير جداً والزعيم عادل إمام الذي اعتلى عرش النجومية نصف قرن، كان خلالها لا يتحدث إلا عند الضرورة، ولا يقول رأياً إلا بعد أن يفكر فيه كثيرا ويحسب عواقبه، ولا يسلك سلوكاً يمكن أن يغضب جمهوره وأهله وناسه، ودافع عبر أفلامه عن قضاياهم وعبر عن مواقفهم، وفيلمه (السفارة في العمارة) سيظل شاهداً له.

ربما نسي محمد رمضان أن الجمهور هو من جعله (نمبر وان)، ليس لموهبته الفريدة من نوعها، بل لأنه لعب دور الشاب الآتي من الأحياء الشعبية، المغلوب على أمره، الذي يشبههم ويعيش يومياتهم ويجسد معاناتهم أو طموحاتهم، وككل الأعمال الدرامية ينتصر البطل فيفرح الجمهور. نسي أنه حين يخلع ثوب ابن الحي الشعبي في مصر سيخلعه الجمهور عن عرشه ولن يبرر له خطاياه التي (لا تغتفر) بنظر أولاد الحارة المصرية.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.