رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

تخاريف “صلاح عبدالله” العاشقة لتراب مصر

على مدى تاريخ الفن المصري جمع عدد من النجوم بين حرفية الفن وموهبة الأدب .. فكتب بعضهم الشعر أو القصة .. بعضهم أجاد والبعض الآخر كان ضيفا خفيفا على الأدب، وفي كل أسبوع سنتوقف مع واحد من هؤلاء النجوم لنلقي الضوء على مشواره الفني، وموهبته الفنية والأدبية.

يلقي بعض أشعاره متأثرا بالحالة

كتب : أحمد السماحي

هذا الأسبوع م موعدنا فى باب “نجوم لكن شعراء” مع الفنان المبدع “صلاح عبدالله”، أو كما نحب أن نطلق عليه “عم صلاح”، فهذا الرجل يشعرك بمجرد الحديث معه أو الاقتراب منه، بأنه واحد من أهلك الطيبين، مثل: عمك، خالك، جارك، فهذا الكيان الإنساني ينطوي على قلب أبيض حنون طيب متسامح، وروح مرحة، فياضة بالإنسانية، وذلك بما يتوفر لديه من طاقة إيجابية توفر له الاتصال المباشر ودون وسيط بين المؤدين والجمهور، الأمر الذى يتطلب التواجد الجسدى المشترك، يعلوه حس إنساني بالغ العذوبة والرقي.

صوت “عم صلاح” لابد أن يبلغك مهما كنت بعيدا، فهو يتكلم بحماسة شديدة وانفعال صادق، يتكلم بملء شعوره في طلاقة تليق بكبار المتحدثين، وعظماء المفكرين، أصحاب النظريات الفلسفية، وسواء اتفقت معه في الرأي أو اختلفت فإنك لابد أن تحبه، وتنصت إليه بشغف كبير، لكنه في عز الانفعال الجاد والحدة المفرطة أحيانا ينفجر ضاحكا فكأن قالبا من السكر النقي يتفتت فى فمه الواسع، والفلج بين السنتين الأماميتين فى الفك العلوي يضفي على شكله روح طفل نبتت أسنانه مبكرا.

يهتز جسده القصير المدكوك ويشرق وجهه، فلا تملك إلا أن تحبه،  تقاطيع وجه “عم صلاح” غنية بالتعبير، قادرة على التلون السريع تنفرج وتنقبض فى لمح البصر، فإذا انفرجت صارت وجه طفل، وإذا انقبضت تكرمشت وامتلأت بالأخاديد وصارت جبهة شيخ وقور.

اليوم لن نتحدث كعادة الباب عن أدواره المتنوعة الثرية التى يتنقل بينها، بسهولة ويسر، بما يملكه من “إرادة القوة”، وهذا يعني أنه يقدر جيدا مفهوم وإدراك الاعتبار للجسدى فى مقابل الروحى، ويتمكن دوما من توجيه قوة الإرادة الإبداعية نحو جمالية الجسد، معتمدا في ذلك على فهمه العميق بأن “فن الأداء” هو تحريرالرغبات لاشعوريا، كذلك هو يفهم وظيفة الفن على أنه نوع من التنفيس، أو التخلص من الطاقة المشاعرية المكبوتة العليلة، ويتمثل الجمال عنده فى الغريب والمفاجئ ، والذى يكثف خيالا يمزج بين الخرافة والحلم والواقع، وهو ماتراه مجسدا حين يسطع في دور إنساني فيذكرنا بالنجم الكبير “حسين رياض” في رحمته، ويقدم “بهلول الحمش” فيذكرنا بعمنا “زكي رستم”، اليوم سنتحدث عن شاعرا ونتناول ديوانه “تخاريف” الذي أصدرته دار “دون للنشر والتوزيع”  في يوليو 2013 ،  وقام بإهدائه إلى حفيدته “كرمه”  التى قال فيها :

غلاف ديوانه “تخاريف”

إلى حفيدتي ” كرمه” اللي غنيت لها يوم ما ولدتها أمها

نورتي الدنيا إنتي، وطلعتي أهه وبنتي

يا كرمه يا بنت هيثم يا حبيبتي يا بنت بنتي”

بعد ذلك ينقسم الديوان إلى خمس أجزاء، الجزء الأول ” دموع صلاح عبدالله” الذي يتضمن : قصائد ” دمعتك على خدي، لملمي همك، إيه خير مالك؟، ورجعتلك، إمبارح، بحبك بس مضايق، أنا بيرة، يا قلب يا حاير”.

الجزء الثاني بعنوان “تخاريف ثورية” ويتضمن : “رجعت تاني، الورطة، تخاريف انتخابات، الإحباط، عيون، الثورة، إحنا الخنازير، ححكي لحفيدتي، أنا مش جبان، هوه مين قبل مين، الديك”

الجزء الثالث “بعيدا عن السياسة وقرفها”،  ويتضمن : “اللي حصل، سبنا بعض، ألف ليلة، يا حبيبتي، نور الدنيا، باختصار، خصم اليوم،  زيطي وزغرطي، حبك قل، بقولك أيه،  الحب الصامت، فرق السن، أحيانا بحس، أنا وأنتي، أتحداكي”

الجزء الرابع “رباعيات التخاريف” يتضمن “حالة اكتئاب، تخاريف فيسبوكية، أنا وقلبي وحوا، يا سادات، المشاعر والفلول، العمر لحظة، حوار مع نفسي”

الجزء الخامس جاء بعنوان “تحيا مصر”، ويتضمن: “بغبغة، بولاق، الفرس، فرس، القصر، كوابيس، تحيا مصر”.

بعد قراءتك لقصائد الشاعر “صلاح عبدالله” ستجد أنها  رافدا خصبا فى حركة شعر العامية المصرية، وقادرة على التأثير فيمن حولها، و بعض الأشعار على هزليتها أشد عمقا ودلالة من قصائد هامة بالفصحى لأكبر الشعراء، وقد تجلت موهبة “عم صلاح” في بساطة القاموس واقترابه الحميم من وجدان العامة، بمفردات على بساطتها شديدة التأثير فى المستمع إلى حد قد يدفعه للبكاء من شدة الشعور بالبهجة المذهلة في تعابيره حتى ليصفق المستمع كفا على كف، ولسان حاله يقول: كيف لم انتبه إلى هذه العلاقات الوثيقة بين الكلمات مع أنني أتداولها باستمرار؟!

ومن إيجابيات الديوان وجود وثيقتين مهمتين عن “عم صلاح” لاثننين من مواهب بلادي الرائعة الراحل العظيم الكاتب الكبير  لينين الرملي”، والثانية للفنان “محمد صبحي”، يتحدثا فيهما عن علاقتهما بالفنان “صلاح عبدالله”.

مع ابنته التي يحبها كثيرا

نماذج من الأشعار

وحتى لا نغضب دار “دون” والعاملين فيها سنكتفي فقط ببعض النماذج الشعرية القليلة لعمنا “صلاح عبدالله” حتى لا تقاضينا “دون”، في البداية سنتوقف عند قصيدة وطنية رائعة وهى “دمعتك على خدي”، والحقيقة أن هذا الديوان مليئ بالقصائد الشعرية المحبة  لمصرنا المحروسة، والتى توثق لحالة “الشبورة” التى كنا نعيش فيها وقت صدور الديوان، والتى تؤكد على امتلاك عم “صلاح” لأفق واسع مستنير، وإمكانات شاعر متمكن من موهبته، تقول القصيدة:

دمعتك على خدي، وصرختك مكتومة

وبسمتك الوردي، مقهورة مهزومة

مين اللي خان؟! مين اللي باع؟!

مين اللي زيف الحقيقة؟! لو تقدري ردي

قولي مين يا مظلومة

دمعتك على خدي والود ودي

أقطع إيدين الظالمين، وأخد بتارك

وأرد شرفك واعتبارك، دا الود ودي

أقطع إيدين الظالمين، يا مصر يا بلدي

أنا فهمي على قدي، شديني من يدي

وقوليلي أعمل أيه، علشان أهنيكي

وأفتخر بيكي، وماشوفش في عينيكي

بكره بتبكي عليه، يا بكره لا تلومنا

وساعدنا واخدمنا، وياريت تفهمنا

نمشي لإيه، وليه، نمشي منين ولفين

نمشي لفين ومنين.

وجه صارم في أداء مشهد جدي حيث يملك القدرة القوية على التجسيد

……………………………………………………………………………………………………………………..

لملمي همك وهمي

والقصيدة الثانية التى أعجبتني جدا هى ” لملمي همك وهمي”:

لملمي همك وهمي، وأطلقي دمعك يا أمي

وحياة محمد واليسوع إوعي تحبسي الدموع

اطرديها.. وفضفضيلي كوني نور عيني ودليلي

واطلقي دمعك يا أمي، فجريني بين ضلوعك

بلي ريقك من دموعك، من سكوتي خرجيني

من سكوني خرجيني، من سكوتي حركيني

وشجعيني وحفزيني، وكبريني في حضنك حبك

وافرحي بابنك يا أمي، علمينى إزاي أسير

علمينى أعشق وأغير، إولديني أولدك

إوجديني أوجدك، وأوعدك.. أوعدك

بكره تاني راح أثور، أو بعد بكره بالكتير

اخطفيني من عذابي، من دموعي واكتئابي

نوريلي سكتي، عشان أكمل ثورتي

نفسي أكمل ثورتك، نفسي أتمم فرحتك

وارتمي في حضنك ياأمي.

يتحدث بحماس عن معنى الوطنية

……………………………………………………………………………………………………………………..

الورطة

والقصيدة الثالثة التى تؤكد على  التشاؤم الذي ظلل الأفق البعيد للمستقبل بسحب من الضباب الكثيف كانت بعنوان “الورطة”، والتى تمثل حيرة الشاعر في بكره والقادم من الأيام فكتب قائلا :

هي ورطة ولا غلطة ولا احنا بنأدن فى مالطة

هوه بكره جي يا ناس جي في إيده سيف خلاص

ولا سنجة ولا بلطة ولا وردة ولا خلطة؟

هى مصر بكره جايه لابسه دقن وجلابيه

ولا مصر بكره جاية فى إيد ولادها الثورجية

ولا جاية ببلطجية؟

ولا بكره جاتله جلطه، ومش حيقدر ييجي بكره

ولا بكره جاتله جلطة، ومش حيقدر ييجي بكره

ومش حيقدر ييجي بكره

……………………………………………………………………………………………………………………..

الإحباط

والقصيدة الرابعة التى كتبها أثناء الأستفتاء على الدستور فى 2012 كانت بعنوان”الإحباط” يقول فيها:

الإحباط … الإحباط  … الإحباط

الإحباط بقى فوق الراس وتحت الباط

وجوه القلب شياط وعياط

وخلاص خلصت للعياط

طير النهضه بقى وطواط

واللى يقول غير كدا جلياط

” أغلبية محافظات الجولة الثانية تبع الحكام”

يمكن دا السبب فى كتابة هذا الكلام

النهاردة أنا كده بكره ربك هو العلام.

……………………………………………………………………………………………………………………..

مع أحفاده .. درس في الحنان الأبوي النادر

ححكي لحفيدتي

ححكي لحفيدتي وأقول وأزيد وأعيد

فعلا يا بنتي دا حقيقي وشيئ أكيد

عملنا ثورة في يوم عظيم يوم مجيد

بس فعلا يا حبيبتي من ساعتها مافيش جديد

ححكي لحفيدتي أشرح لها حالة بلادي

قامت ما نامت دنيتي يوم عيد ميلادي

بقى يوم تاريخي مش طبيعي ولا عادي

الفقير لسه فقير، والبليد لسه بليد

والغفير لسه غفير والعنيد لسه عنيد

التطوير مافيش تغيير والتنهيض مافيش تجديد

مافيش تحفيز ولا تعزيز ولا تنفيذ لشيئ مفيد

بس لسه عندنا أمل كبير في ربنا

يحفظ لنا مصرنا من طمعنا وشرنا

يقرب اللي يحبنا وينسف اللي يضرنا

دا هي روحنا وعمرنا وف قلبنا من صغرنا

وهى صاحبتي وحبيبتي، وهى عقدتي وعقيدتي

وهى والداتي ووليدتي، وهى إنتي يا حفيدتي

وهى إنتي يا حفيدتي

جدك صلاح عبدالله

……………………………………………………………………………………………………………………..

خصم اليوم

وبعيدا عن السياسة وفي قصيدة شعرية جميلة بعنوان “خصم اليوم” كتبها في صديقه وأستاذه الفنان “محمد صبحي”، عندما تأخر عن موعد إحدى بروفات مسرحية “الهمجي”،  فقرر “صبحي” خصم يوم، ما يساوي 20 جنيها، وعلق ورقة بالقرار في المسرح، وغضب “صلاح” فكتب فيه قصيدة وعلقها على ستائر المسرح، وقال فيها:

روحت أشكي للنجوم والغيوم والمطر إنه

طعن بسيف مسموم قلبي البريء إكمنه

مضى مرسوم  بخصم اليوم ولا رجع عنه

قال يعني عمري يا صبحي ناقص يتخصم منه

بالذمة جالك قلب تمضي على المرسوم؟

بالذمة جالك قلب بالذمة جالك نوم؟

يا أهلي يا صحابي يا ناسي

يا أخوانا يا أعضاء فرقته

يا خلق حد فيكم يواسي قلبي في هزيمته ومحنته

وأنت يا لينين يا صاحبي إوعى تشاركه فى قسوته

بالذمة جالك قلب، تمضي على المقسوم؟

بالذمة جالك قلب، بالذمة جالك نووم؟

مضى حبيبك مضى يا قلبي يا مصدوم

زى القدر و القضا أتى النباْ مشئوم

يا صدرى رج الفضا بصرخة المظلوم

ولى زمان الرضا ولا الرضا مخصوم

لا ليه يا صبحى كدا ولا عاد عتاب ولا لوم

سعد زغلول اتنفى وأنا اتخصملي اليوم.

ممثل تراجيدي من طراز رفيع

……………………………………………………………………………………………………………………..

حوار مع نفسي

حاجات كتير حبيتها.. وعملتها

بس فجأه نسيتها.. وأهملتها

وعمرى ما طلعت الأول في حاجة

ومافيش أي حاجة بدأتها كملتها”..

كان نفسى أكون واحد.. قابلته زمان

بس بعد ما عاشرته.. والمستخبي بان

اعتذرت بشدة لحياتي.. وذاتي قالت لذاتي

أرضي باللي آتي واوعى تندم عاللي كان..

الفشل شيئ عظيم.. لو حتتغلب عليه

وتهب تخطف النجاح من حبابي عينيه

وكابوس فظيييع…مرعب…مخيف

لو حتستسلم له خالص… وتستقر فيه

حاسبوا السنين بتفوت في ثانية

واللي ولي ..مش حيرجع مرة تانية

وكل اللي كانوا بيحبوك.. وبيعشقوك

حيقولوا بعد ما يدفنوك…إييه…دنيا!

……………………………………………………………………………………………………………………..

فرق السن

من القصائد التى تشعر بأنها حقيقية وعن تجربة ذاتية، قصيدة تعالج مشكلة فارق السن بين اثنين أحباب، بعنوان “فرق السن” تقول كلماتها:

رغم فرق السن بينا إتقابلنا، نظرة منك، نظرة مني

كلمة منك، كلمة مني، نسينا سنك كام وسني

واتفقنا يا حبيبتي ع المحبة والوداد

مرتين والتالتة غبتي ومن ساعتها

حسيت كإن فرق السن زاد، ياللي قلبي ما حد قبلك

خلي فرحه ينطلق، نفسي أشوفك نفسي أقابلك

لو لساعة ونفترق، نفسي أحكي لك حكاية

عن حياتي نفسي أفضفض، بعد هجرك في المراية

شفت شعري كله أبيض، شفت حلمي بينتحر

شفت أملي بيتحرق، رغم فرق السن بينا

نفسي أشوفك مرة ثانية، لو لثانية لو لثانية ونفترق

لو لثانية ونفترق.

ابتسامة ودودة تعود عليها جمهور “عم صلاح”

نترك القصائد المكتوبة بحروف من محبة ليبقى أثرها في النفس طويلا، بفعل شاعرية وإنسانية “عم صلاح” الذي يفيض حبا وعشقا لتراب هذا الوطن، ويستغرق في همومه ومشاكله اليومية التي تمس الشارع والبيت والأب والأم والحفيدة، وحتى الحبيبة التي تسكن جدران القلوب، وبمبضع جراح ماهر يبرع في أن يطوف دروب المحبة الحنونة، تماما مثل قلبه المرصع بماس الشغف والحنين لكل أيامنا الجميلة، في الثورة والغضب والعيش بسلام على أرض المحروسة .. تحية حب وسلام على محياك أيها الشاعر والفنان والإنسان “صلاح عبد الله”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.