رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

قصة حب “ورده وبليغ” على حنجرة “ميادة الحناوي”

* الرئيس “هواري بومدين” سبب عودة بليغ لوردة

* نجاة الصغيرة ترفع قضية ضد “بليغ” بسبب “العيون السود”

* تزوجا بعد قصة حب استمرت 13 عاما

* عزت العلايلي والصحفي “سيد فرغلي” شهدا على عقد القرآن

* عبدالحليم حافظ يدعو وردة وبليغ للسهر فى منزله يوم زفافهما

* نجوى فؤاد وكمال نعيم يقلدان وردة وبليغ ويتزوجا على يد الشيخ نصر

العاشقان وبينهما العود ودندنة خاصة
بقلم : أحمد السماحي

أحلى قصص الحب ليست تلك التى تحنو عليها دفات الكتب، وأصدق روايات الغرام ليست بالقطع ما تقدمه الأفلام العاطفية، أروع من الأولى، وأعذب من الثانية قصة حب المطربة “ورده” والموسيقار العبقري “بليغ حمدي”، كان عاشقان وكأنهما من عشاق زمان مضى، زمن الفرسان والنبلاء، كل نبضة قلب كانت تنبض في قلب “بليغ حمدي” كانت تقول: إن “وردة” هى مصدر كل دقات قلبه، وكل دمعة كانت تنزل من عينه كانت تناجي وردة، فهو كان يقول عنها “وردة هي حبيبتي قبل أن تكون زوجتي، وتوأم روحي قبل أن تكون شريكة حياتي”، وهي كانت تهديه أرق كلمات الحب في أغانيها فعندما قدمت لأول مرة أغنيتها الرومانسية “إيه ولا إيه” كلمات الشاعر المبدع “مأمون الشناوي” على المسرح، والتى تقول فى مطلعها: “إيه ولا إيه يعجبني فيك وبحبه فيك، نظرتك، رقتك، بسمتك، روحك الحلوة الملايكة من حلاوتها تغير..”، قالت وردة يومها للجماهير وهى تذوب رقة ورومانسية: “نفسي أهدي هذه الأغنية لشريك عمري وحياتي الأستاذ بليغ حمدي”.

قصة الحب بين وردة وبليغ تراوحت بين الأمل واليأس، والوصل والخصام، بدأت القصة عندما دخلت وردة السينما فى لبنان وهى فى السادسة عشر من عمرها، لتشاهد عام 1957 فيلم “الوسادة الخالية” لعبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز، يومها خرجت من السينما وهى مسحورة بأغنيات الفيلم خاصة أغنية “تخونوه”، كلمات إسماعيل الحبروك، وألحان بليغ حمدي التى وقعت فى هواه، وقالت لنفسها وهى تسير عائدة إلى منزلها – كما قالت لي في أحد حوارتنا – : “لو ربنا كتب لي أن أنزل إلى مصر لابد أن أغني أغنية لملحن أغنية “تخونوه”، وظلت ترددها طول الوقت، لهذا عندما إلتقيا لأول مرة فى منزل الموسيقار “محمد فوزي”، بدا بليغ معجبا بها، فقد أعجب بشخصيتها وإحساسها المرهف، لكنه ليس إعجاب الملحن والموسيقي بصوت جميل، بل هو إعجاب من نوع آخر، إعجاب شخص بفتاة جميلة، وبدأ هو أيضا يلاحظ أنها تبادله نفس الإعجاب، لكن بشكل مستتر ودون تصريح، واتفقا على أن تغنى من ألحانه لحن في فيلمها الأول “ألمظ وعبده الحامولي”.

يعلمها العزف على الأورج

 شائعة عبدالحكيم عامر

وبالفعل لحن لها أغنيتها الشهيرة حتى اليوم “يا نخلتين في العلالي”، وأعقبها رائعته “أحبك فوق ما تتصور”، وأحب “بليغ وردة”، لكن ظل يتكتم تفاصيل هذا الحب، وفى هذه الفترة ربطت شائعات الحب بين وردة وبين بطل فيلمها الأول المطرب “عادل مأمون”، لكن هذه الشائعة ماتت بعد فترة، وربطتها الشائعات ببليغ حمدي، والمطرب “أحمد سامي”، وأيضا بشاعرها المفضل فى هذا الوقت “علي مهدي”،  لكن الشائعة التى زلزلت كيان المطربة الجديدة هي ارتباطها بالرجل الثاني في مصر المشير “عبدالحكيم عامر”، وانتشر الخبر فى الأوساط الفنية المصرية والعربية، ما جعل شقيقها “كمال” أتى مصر كي يقتلها، لأنها أساءت للعائلة، لكن اتضح أن شقيقته بريئة من التهمة فأخذها وعاد إلى الجزائر تاركة ورائها أحلامها الفنية الكثيرة، وحب صامت في قلب “بليغ حمدي”، وكثير من الشائعات التى ربطت بينها وبين عبدالحكيم عامر!.

عادت وردة إلى وطنها الأصلي “الجزائر” الذي استقل عن الاحتلال الفرنسي وتزوجت هناك من “جمال قصيري”، وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري، الذى أجبرها على اعتزال الفن بعد أن دخلت القلوب بصوتها الجميل وإطلالتها المميزة في حفلات “أضواء المدينة”، وعلى مدى عشر سنوات هى عمر زواجها توقفت فيها عن ممارسة الفن لتتفرغ لعائلتها، وعاشت في قصرها كأي ست بيت وأم، وأنجبت طفلين، وكان اسم مولودها الأول “رياض”على اسم الموسيقار “رياض السنباطي”، الذي كان بمثابة الأب الروحي لوردة منذ قدومها لمصر، حيث استقبلها فى المطار بباقة ورد كبيرة، عندما جاءت مصر لأول مرة، وقدم لها أكثر من أغنية أهمها  أيقونتها الشهيرة “لعبة الأيام”، كلمات الشاعر الرقيق “على مهدي”.

ورغم الثراء والعز الذى كانت تعيش فيه كانت مشاعرها وأحاسيسها تتحرك بقوة إذا استمعت إلى أغنية، وصارت الهدية المفضلة لها هي أحدث الأسطوانات، وكثيرا ما كانت تدير قرص الراديو لتبحث عن محطة القاهرة التى تركت فيها فنها وأحلامها، وكانت تطير من الفرح عندما تستمع إلى بعض أغنياتها القليلة التى كانت تذاع من محطات القاهرة، وكثيرا ما طلبت من زوجها أن تعود للفن، لكنه كان يقابل ذلك الطلب بالرفض الشديد، وفي عام 1972م وبينما كانت الجزائر تحتفل بعيد استقلالها العاشر، طلب الرئيس الجزائري “هواري بومدين” من زوج وردة ومستشاره العسكري الضابط “جمال قصيري” مشاركة وردة في إحياء احتفالات الجزائر بعيد استقلالها العاشر، ووافق الزوج على مضض، فأرسلت إلى الموسيقار “رياض السنباطي” تدعوه للحضور إلى الجزائر لتلحين نشيد وطني لها، فاعتذر “السنباطي”  لظروفه الصحية ومرضه ورشح لها بدلاً منه “بليغ حمدي”.

معا في الجزائر بعد طول غياب

وأرسل “مسعود” شقيق “وردة” لصديقه الشاعر” محمد حمزة” خطاباً يخبره فيه برغبة “وردة” بإحياء احتفالات الجزائر ويطلب منه ترشيح أحد الملحنين ولكون “محمد حمزة” صديقاً مقرباً لبليغ أطلعه على الخطاب، الأمر الذي جعل “بليغ” في منتهى السعادة وطار فرحاً بالخطاب، وهكذا شاءت الأقدار بلقاء آخر بعد طول فراق بين وردة وبليغ.

وعندما طار “بليغ” للجزائر حمل حقيبة اسطوانات من أحدث ما لحن، وكانت الأشواق الصامتة، والحنين العائد، لكن فى إطار الزمالة الفنية الرفيعة، ولحن لها قصيدة وطنية بعنوان “أدعوك يا أملي” وحققت القصيدة نجاحا كبيرا، واستقبلتها الجماهير بالهتاف والتصفيق الحار، وكلمات الإعجاب، مما أثار دهشة “وردة” التى كانت تظن أن الجمهور نساها، وكانت آخر كلمات بليغ لها وهو يستعد لمغادرة الجزائر: “حرام عليك تحرمينا وتحرمي جمهورك من فنك.. يا ريت تراجعي حساباتك”، وظلت كلمات “بليغ ” تطن فى أذنيها وحاولت أن تقنع زوجها بالعودة للفن، لكنه لم يقتنع بعودتها، وقالت لي فى أحد حوارتنا عن زوجها :” إنه كان صارماً جداً، وكان حكمه عسكرياً في المنزل كما في عمله، فلم يسمح لي بالعودة إلى الفن على الرغم من محاولاتي الكثيرة لإقناعه”.

في عام 1972 زارت “وردة” القاهرة واستقبلها الوسط الفني بلهفة وحب شديدين، جعلها تعود للجزائر وهى مصممة على عودتها للفن وقالت لزوجها بكل إصرار: “لقد بعدت عن الفن تسعة أعوام ولا أستطيع أن أبتعد عنه أكثر من ذلك”، فقال لها: “لك أن تختاري بين الفن وبيت الزوجية”، فأختارت الفن ووقع الطلاق وعادت للفن وللقاهرة، وكان “بليغ حمدي” أول المستقبلين لوردة في مطار القاهرة أثناء عودتها، وبدأ يخطط لها مشوارها الفني من جديد .

نجاة ترفع قضية على بليغ

كان بليغ عاشقاً لوردة ولصوتها رغم اختفائها من مصر ومن الساحة الفنية، وكثيرا ما أرسل لها رسائل من خلال الأغنيات التى كان يلحنها لغيرها من المطربين حتى أن أم كلثوم قالت له ذات مرة : “تعالى يا واد .. هو أنت صحيح عملتني كوبري علشان تبعت من خلالي رسالة للبنت اللي بتحبها؟”، مشيرة بذلك إلى أغنيتي ”بعيد عنك حياتي عذاب”، و”أنساك”، عانى ” بليغ” كثيراً من وجع الفراق، فكتب مطلع أغنية بعنوان “العيون السود” التي أكملها صديقه الشاعر”محمد حمزة”، ولحنها بليغ، والأغنية تجربة صادقة تعبر عن صدق وإحساس “بليغ” ومدى ارتباطه بوردة، فقد كتبها ولحنها خصيصاً لها رغم أنها بعيدة عنه ولا أمل له في أن تجمع الأقدار بينهما مرة أخرى.

كان بليغ يدندن على عوده بهذه الأغنية وسط أصدقائه المقربين وكان معظمهم يعرف أنه يقصد “وردة” بهذه الأغنية، وظلت أغنية “العيون السود” حبيسة في قلب “بليغ حمدي”، ولم يعطها لأي مطرب أو مطربة، كانت الأغنية حالة وجدانية خاصة “ببليغ حمدي”، وعندما يأس فى فترة ما من عودة “وردة” أعطى الأغنية للمطربة الرقيقة “نجاة” التى سعدت بها جدا وبدأت فى حفظها، لكن طلاق ” وردة ” جعل الموسيقار الشاب يعيد حساباته مرة آخرى.

وبمجرد عودة “وردة” لمصر سحب “بليغ” لحن أغنية “العيون السود” من “نجاة” وأعطاه لوردة مما جعل “نجاة” تتجه إلى القضاء، لتشكو”بلبل”، لكن البعض تدخل وجعل “نجاة ” تسحب شكواها، خاصة أن البعض أقنعها أن الأغنية خطاب حب إلى “وردة “، وبعد أشهر قليلة، من عودة “وردة ” غنت في حفل “أضواء المدينة” أغنيتين من ألحان “بليغ حمدي” هما “العيون السود”، و”والله يا مصر زمان”، ونجحت وردة نجاحاً كبيراً، وأصبحت أغنية “العيون السود” الأكثر طلبا فى محطات الإذاعة، والأكثر مبيعا، فالأغنية كانت ناعمة وتسللت إلى قلوب الناس، وكانت ميثاق الحب وجسر العودة بين بليغ ووردة!

عبد الحليم توقع طلاقمها مبكرا

تفاصيل ليلة زواج وردة

يوم الأحد العاشر من مارس عام 1973 زارت “زينب عبداللطيف” موثقة الشهر العقاري بالقاهرة بيت “بليغ حمدي” لتوثق عقد زواجه بينه وبين “وردة محمد فتوكى – 32 سنة” مواليد باريس، و”بليغ عبدالحميد حمدي – 41 سنة” مصري الجنسية” على مهر قدره 25 قرش، وبغير مؤخر صداق، وتوثيق عقد الزواج فى الشهر الغقاري هو ما يقضي القانون المصري بالنسبة لأي زواج أحد طرفين أو كلاهما لا يحمل الجنسية المصرية، وفى المساء دعا “عبدالحليم حافظ وردة وبليغ حمدي” إلى حفل فى بيته، وكانت هناك “نجوى فؤاد وكمال نعيم”، واتفق “بليغ
 مع عبدالحليم على إجراء مراسم الزواج أمام المأذون المصري فى بيت “بليغ”، بيت الأسرة ويومها قال “عبدالحليم” لنجوى فؤاد التى كانت مخطوبة لكمال نعيم “ابقى تعالي أنت وكمال يمكن تتعدوا وتتجوزوا زي وردة وبليغ”.

وليلة الأثنين طلبت وردة ابنها وابنتها فى الجزائر على الهاتف، وأمضت ربع ساعة تتحدث إليهما وتروى لهما ما ستفعله، وزواجها من “عمو بليغ حمدي”، ووافق رياض ووداد على زواجها، وسعدت وردة بمباركتهما لها، وجاء الشيخ “نصر”  مأذون الفنانيين ودعا الفنان “عزت العلايلي” لتوقيع العقد شاهدا ومعه الصحفى “سيد فرغلي” المحرر بمجلة “الكواكب”، وكان ضيوف الحفل “عبدالحليم حافظ، وهدى سلطان وزوجها المخرج المسرحي حسن عبدالسلام، وسهير الباروني، وأحمد فؤاد حسن وزوجته سهام توفيق، والمخرج حسن الإمام الذى كان مشغولا بالتجهير لفيلم وردة الثالث في القاهرة “كان يما كان” – الذى أصبح فيما بعد “حكايتي مع الزمان” ــ ونجوى فؤاد وكمال نعيم اللذين تزوجا فى نفس الليلة.

 سنوات النضج الفني

استمر زواج “بليغ ووردة” قويا صامداً لمدة 6 أعوام كاملة، وشكلت هذه السنوات أو تلك الفترة واحدة من أخصب الفترات في التاريخ الفني لهذا الثنائي الفني، حيث غنت “وردة” أغلب ألحان “بليغ” الموسيقية طوال هذه الأعوام حتى وصلت أغنياتها التي قدمتها من ألحانه الى ما يزيد عن الـ 150 أغنية من بينها الأغنيات التي قدمتها في أفلامها السينمائية بعد ذلك مثل “حكايتي مع الزمان، صوت الحب، آه يا ليل يا زمن”، ومنها أيضا أغنيات “أوبريت تمر حنة”، ومسلسلي “أوراق الورد والوادي الكبير”، وغيرها من الأعمال الفنية التي استمرت بين الاثنين.

وردة في عز تألقها الغنائي

“مش عويداك” سبب الطلاق

مثل كل قصص الحب الخالدة لم يصمد الزواج كثيرا، ووقع الطلاق بين وردة وبليغ عام 1979 ، وهو الطلاق الذي كان متوقعا من الكثيرين منهم “عبدالحليم حافظ”، وكان سبب الطلاق هو المزاج المتقلب للطرفين، كما أن “بليغ”  لم يستطع تحمل قيود الزواج أكثر من هذه السنوات الست، والملل من الزواج جعله لا يبالي كثيرا بالتزامات الزواج، وقيل وقتها إنه عاد لاستئناف غرامياته، وزاد من إهماله لزوجته، وأنه لم يبالي بها في فترة مرضها إثر وعكة صحية ألمت بها، وقد اثر هذا كثيرا فيها وجعلها تقول إن موقفه أثناء مرضها شرخ جدار حبهما الصلب وقالت “وردة” فيما بعد فى أحد البرامج التليفزيونية قولتها الشهيرة:”بليغ حمدي ملحن وموسيقار رائع.. لكنه زوج فاشل”، وقالت أيضا: “رغبتي في غناء أغنية “مش عوايدك” التي قدمها ” بليغ”  لميادة الحناوي كان أحد الأسباب، اذ سمعت منه هذه الأغنية وهو يلحنها فأعجبتني وطلبت منه أن أغنيها، لكننى فؤجئت بالمطربة “ميادة الحناوي” تغنيها، فطلبت الطلاق، وسبب آخر عجل في موضوع الطلاق وكان عقب اجرائي عملية جراحية، حيث رقدت بعدها في المستشفى لأيام عديدة لم يتصل خلالها او يزورني للاطمئنان على وأنا فى المستشفي، ورأيت إحدى المجلات التي نشرت صورة لبليغ يحتفل بعيد ميلاد  المطربة “سميرة سعيد” فأصبح أمر الطلاق حتميا عندها في ذلك الحين.

ورغم حدوث الطلاق بين أشهر ثنائي فى الوسط الفني لكنهما لم ينفصلا فنيا فقد كان هناك تعاون من وقت لآخر من خلال بعض الأغنيات والأعمال، لكنه لم يكن بنفس القدر الذي كان أيام زواجهما، ومن أهم هذه الأعمال قصيدتي الدكتور مانع سعيد العتيبة ” وعد الحبيب وحب الحبيب”، وأغنية “من بين ألوف” كلمات منصور الشادي، وأخيرا “بودعك” من كلماته وألحانه، ورغم أن ورده حملت من بليغ خمس مرات لكن لم يثمر زواجهما عن أبناء، لكنه أثمر عشرات الأغنيات والألحان الجميلة التي ستظل باقية في وجداننا ووجدان الجماهير العربية على مر الأجيال، فهذا الثنائي الفني والإنساني بكل ما قدماه من فن وإبداع هائل سيظل ثنائيا ضد النسيان وسيبقى حضورهما في الوجدان طويلا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.