الجزء الخامس.. الصبَّاح وفَتَّح عينك تاكل ملبن
بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي
(عبد الرحيم كمال) مؤلف (الحشاشين) رجل لطيف صوفي طيب المعشر وحلو الحديث، وصوفية (عبد الرحيم) صوفية جميلة رومانسية تحرك القلوب وتتجه بها إلى الله سبحانه وتعالى.
فهو إبن الطريقة التيجانية التي تنتسب لسيدي (أبو العباس أحمد التيجاني) صاحب الكرامات والفتوحات والذي كان يَعرف أخبار الناس من وجوههم، ويستشرف أخبارهم المستقبلية، ويشفيهم من أمراضهم.
وقد تلقى الشيخ (التيجاني) طريقته ـ كما يقولون ـ من الرسول مباشرة وفي اليقظة دون واسطة رغم أن بينهما مئات السنوات!! فقد كان الشيخ (التيجاني) من أبناء القرن الثامن عشر!!
أما صديقنا (عبد الرحيم كمال( صاحب (الحشاشين) فقد كان في بداياته منتميا للطريقة الشاذُلية مثل أبيه، ولكنك لا تعلم مسار القلوب، فقد اتجه قلب (عبد الرحيم) للتيجانية، فبها ونعمت، فأصبح عبد الرحيم تيجانيا بعد أن كان شاذليا.
ويا لها من أقدار عجيبة تلك التي تجمع هذا بذاك، فإن شيوخ الطريقة التيجانية يقولون إنهم لن يسمحوا لأي أحد بدخول الجنة قبلهم، ووووو، وهذا حديث شرحه يطول وهو يخرج عن نطاق المسلسل وإن كانت الإشارة إليه سببها معرفة التصور العقائدي للمؤلف، فالإنسان إبن طبعه وعقيدته وتربيته.
وسبحان الله أكاد أرى (عبد الرحيم) عندما تم تكليفه بكتابة هذا العمل الأكثر أهمية (الحشاشين) في وقتنا الحالي وهو يقول: (تتصرف كيف ياعبرحيم تتصرف كيف ياعبرحيم) فقد تلتقي توجهات عبد الرحيم القلبية مع شخصية حسن الصباح، وقد يلبسه أثوابا كانت لسيدي أحمد التيجاني، وليس كل ثوب يليق بأي لابس.
وقد ينتهي المسلسل والصبَّاح يتجرع ويلات الألم والندم، وقد أجاد المؤلف حينما كتب مشهد موت (الصبَّاح)، وأظن أنه لم يكتب من قبل بمثل هذه الروعة، فقد جعلنا نرى الصبَّاح وهو يموت وحيدا ضعيفا مريضا يتمتم بكلمات واهنة عن الوساطة بين الله وعباده، فتعاطفنا معه.
أجاد مخرج (الحشاشين)
وقد أجاد مخرج (الحشاشين) في توجيه كريم عبد العزيز في مشهد موت الصباح، وأبدع كريم عبد العزيز حيث أدى أعظم مشهد في حياته، فبكينا قلة حيلته وهوانه على أتباعه، وضعفه أمام تابعه الخائن بُزُرُك أوميد.
لماذا جعلتنا نتعاطف يا عبد الرحيم مع الصبَّاح؟! لماذا أظهرته بهذه الصورة المبهرة، ثم تلك النهاية المأساوية التي جعلتنا ننسى جرائمه.
فمبدئيا (حسن الصباح) لم تكن له خوارق ولا كرامات ولا معجزات، قد يكون أكثر ذكاء من معاصريه، ولكنه كان يعيش في عصر سيطرت عليه الخرافات، كما كانت الخرافات تسيطر على عقليات أهل الريف منذ فترة قصيرة.
كانت لديهم في تصوراتهم الذهنية النداهة، والجنية، والغول، وامنا الغولة، والجني الذي يتشكل في صورة رجل غريب عن أهل القرية، وعندما يخالط في منتصف الليل ذلك الفلاح البسيط إذا بهذا الرجل يكشف عن قدمه فيجدها قدم خروف، أو نعجة، أو حمار.
ويقسم لك الفلاح بأغلظ الأيمان أن هذا الأمر حدث لولا أن الله نجَّاه، وسأقسم لك أن معظم البسطاء في الريف يعتقدون اعتقادا يقينيا بموضوع طاقية الإخفاء، ولك أن تضيف كرامات الأولياء التي يتم تناقلها بسرعة الضوء بين الناس، وطيران النعوش وكأن نعوش الموتى تتبع شركة مصر للطيران!!
وبالرغم من انتشار تلك الخرافات إلا أننا لن نقبل أبدا أن يكتب لنا أحد الناس في يوم من الأيام أن حسن البنا استطاع التأثير على أتباعه عن طريق الجن، أو عن طريق إخبارهم بالمستقبل، أو لأنه كان يشفي المرضى ببعض التمائم والتعاويذ، أو لأنه كان (أبو خطوة) فيقطع الطريق من المحمودية للإسماعيلية في طرفة عين!!
لو قال لنا كاتب ما هذا الكلام سأؤكد لكم أنه لا يعرف شيئا عن سيكولوجية القائد أو سيكولوجية الجماهير، هذا الكاتب يؤمن ويعتقد أن لا أحد يستطيع التأثير على الجماهير إلا بالمعجزات أو الخوارق أو الإستشراف ـ وذلك مثلما قال كاتبنا في لقاء تلفزيوني.
(جيم جونز) أسس جماعة دينية
ومن المؤكد أن خبر (جيم جونز) لم يصل إلى مؤلفنا الكبير، فلك أن تعلم أن الأمريكي (جيم جونز) أسس جماعة دينية أطلق عليها (معبد الشعوب)، واستطاع ببعض الأفكار المنحرفة أن يُغيِّر عقولهم ويجعلهم طوع بنانه عن طريق تطويع الشخصيات لأفكاره، وليس عن طريق معجزات أو خوارق.
ثم كان أن أخذ أفراد جماعته إلى الأحراش وعاش معهم في أحلام وردية، فهم في عقيدتهم الذين سينشرون السلام في العالم، وسيخلصونه من الأشرار، كانت السمة الطاغية على هذه الجماعة هي السمع والطاعة بصورة مطلقة لجيم جونز سيدهم ومرشدهم، لا أحد يفكر إلا من خلاله.
وفي عام 1978 قال لأتباعه: سنقوم بعمل عظيم يُرضي الله، إن القوات الأمريكية تريد أن تقضي علينا لتستـأصل العقيدة الصحيحة.
ونحن سنثبت لهم أننا أهل الحق، سننتحر فنذهب إلى الجنة وبعد ذلك ستنتشر عقيدتنا لأن الناس سيعلمون أننا أبطال، فإذا بالأتباع ينتحرون، هل تعلمون عدد المنتحرين؟ مات يومها أكثر من تسعمائة إنسان!!.
ولا أظن أن مؤلفنا يعرف شيئا عن الشيخ (عبد الحميد كشك)، الذي صنع له شعبية خرافية عن طريق الخطابة بالصوت الزاعق والعبارات الهجومية، والنكات اللاذعة، والوعيد للرؤساء والفنانين والأقباط، وكم كانت خطبه تُمتع أتباعه.
ولو شاء أن يخرج أتباعه بالآلاف لحرق الكنائس لفعل وفعلوا، بل إن خطب الشيخ المنبرية والمسجلة في شرائط كاسيت كانت من الأسباب الرئيسية لتفجر أحداث الزاوية الحمراء التي حدثت يوم الأربعاء 17 يونيثو 1981 والتي ترتب عليها مقتل ثمانمائة مصري قبطي من المتطرفين والإرهابيين.
ولا أظن مؤلفنا يعرف الشيوخ (حسان ويعقوب والحويني)، الذين صنعوا مئات الألوف من المتطرفين والإرهابيين، حيث تلقفتهم تنظيمات الإرهاب وطوعت عقولهم على السمع والطاعة مقابل الجنة.
فقاموا بتفخيخ أنفسهم وتفتيت أجسادهم بالمتفجرات حتى يقتلوا الآمنين في الكنائس والشوارع على اعتبار أن شيوخهم يمتلكون مفتاح الجنة، وأن الحور العين في انتظارهم.
ولا أظن أن مؤلفنا التفت إلى (قناة الجزيرة) وذلك الذي فعلته في أحداث يناير 2011 فقد كانت لا تمتلك إلا كاميرا ومذيع، وبالكاميرا والمذيع سيطرت على عقول الملايين، وساهمت في تغيير خرائط سياسية وجغرافية في المنطقة.
شيخ له كاريزما خاصة
كل هذه الأشياء وتلك التأثيرات لا علاقة لها بالاستشراف وعلاج المرضى وقراءة المستقبل ومعرفة علم الفلك والنجوم والكيمياء، أو حيازة كتاب عن اتجاه الريح!!.
الأمر بسيط جدا، شيخ له كاريزما خاصة، مثل (حسن الصباح) أو (حسن البنا) أو (الحويني) أو (كشك) أو غيرهم، هذا الشيخ لديه قدرة كبيرة على الخطابة والبلاغة، يتسم بالذكاء، يعرف كيف يوجه خطابه للجماهير.
فيتوجه إلى شرائح من الجماهير من الجهلاء والفقراء والبسطاء والذين لا يعرفون إلا أقل القليل عن دينهم، ويخاطب جهلهم وفقرهم وضعفهم، ويثير مشاعرهم بالحديث عن الظلم الذي يقع عليهم، ويقنعهم بأن هذه الدنيا ليست لهم، وأنهم من أهل الجنة إذا ما اتبعوه.
وأن الذين ظلموهم وأفقروهم واستضعفوهم هم أهل النار، وأنهم كفار، وأن قتلهم عبادة، وأن الجنة هي ثمن هذا القتل، وأن نفوسهم المظلومة يجب أن تنتقم من هؤلاء الكفرة.
(حسن الصباح) كان عاديا ولكنه كان أكثر ذكاء من الجماهير التي خاطبها، ولكنه لم يؤثر على باقي طوائف المسلمين، ولم يستطع تطويع العلماء من كافة التخصصات، كان عاجزا عن ذلك تماما.
وأذكر حينما التقيت بالكاتب الراحل (محمد حسنين هيكل)، وإذ سألته عن (حسن البنا) قال لي: (جلست معه مرتين ووجدته عاديا جدا، ثم تابعته في بعض المؤتمرات وتعجبت من تأثيره.
إلا أنني عرفت أن كل الحاضرين في المؤتمرات كانوا من الجهلاء وأيضا من الشباب الصغير دون العشرين، وأن هؤلاء يسهل التأثير عليهم.
ثم سألني: (هل تأثرت بعمرو خالد؟، أجبت ضاحكا: لا طبعا بل كانت طريقته تضايقني جدا، فقال: ولكنه سَحَرَ الشباب الصغير خاصة أبناء الطبقات فوق المتوسطة، لأن ثقافتهم الدينية محدودة جدا.
كيفية مخاطبة التلاميذ
هكذا كان (البنا) مع اختلاف زمن هذا بذاك، وبما أنه كان مدرسا يعرف كيفية مخاطبة التلاميذ، وبما أنه بدأ بالتأثير في مجموعة من الحرفيين الأميين بالتخويف من النار.
وبما أنهم رأوه أعلى منهم وأن طريقة حديثه وكلامه معهم تختلف عن طريقة شيوخ الأزهر التقليديين. لذلك استطاع أن يؤثر فيهم ثم يخضعهم لسمعه وطاعته من أجل إدخالهم الجنة.
تذكرت حينئذ الخطاب التقليدي لشيوخ الأزهر، ثم جاء شيخٌ من الأزهريين فتحدث مع الناس بشكل مختلف عن الشكل التقليدي، فسحر الناس وسلب مشاعرهم وأصبح قديسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
(حسن الصباح) الذي أسس طائفة (الحشاشين) كان كذلك، ولهذا كان يجب أن يظهر (كريم عبد العزيز) وهو يخطب بين الناس خطبا حماسية جدا، وتغرورق عيناه بالدموع وهو يذكر إمامه الغائب المظلوم.
وينفتح وجهه بالآمال المشرقة وهو يحدثهم عن الجنة، ويقرأ القرآن في الصلاة بصوت جميل ساحر، مثل الشيخ (محمد جبريل) مثلا، ويهاجم الحاكم الظالم الذي ظلم رعيته، ومثل هذا كثير.
هذه هي أدوات التأثير لمن يعرف سيكولوجية الجماهير وكيفية إدارة عقولهم، وليس بطريقة الساحر الأمريكي (ديفيد كوبر فيلد) الشهير بساحر الوهم، وتعويذة، (أبرا كدابرا)، وفتح عينك تاكل ملبن.
أما الحديث عن أمين معلوف وخيال معلوف وما كتبه معلوف فسيكون قريبا..