رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (وائل الدحدوح).. (أيوب) الإعلام العربي

بقلم: محمود حسونة

(وائل الدحدوح)، أيوب الإعلام العربي، الصابر على البلاء، الحامل في قلبه آلام وأوجاع تنوء عن حملها الجبال، الصامد في وجه العدوان الاسرائيلي الغاشم، المصر على أن يثبت للدنيا كلها أن الإعلامي جندي في ميدان المعركة.

سلاحه الميكروفون أو القلم مع الكاميرا، وأداته الكلمة، وهدفه إظهار الحقيقة وفضح أكاذيب العدو وتعريته  أمام الرأي العام العالمي، ولكن ليس كل إعلامي مثل وائل الدحدوح.

في كل مهنة هناك الصالح والطالح، وفي كثير من المهن تكون مهمة الكشف عن هذا وذاك عسيرة، ولكن في مهنة الإعلام فإن المهمة يسيرة، ويمكن لأي متابع التمييز بين الصالح والطالح، فبضاعة الإعلاميين معروضة على الملأ.

ومن يمتلك الوعي والحكمة والحياد يمكنه الحكم بموضوعية على هذا وذاك، وإذا كان لكل مهنة عدة وجوه فإن للإعلام ألف وجه ووجه، وجوه كثيرة يمثلها من يمتهنون الإعلام، بينهم من يبحث من خلالها عن الشهرة، ومن يسعى لمجاورة أهل السلطة.

إقرأ أيضا : (سامر أبو دقة).. شهيد إسكات الحقيقة المرة على لسان الصحفيين

ومن يعتبرها الوسيلة للبحث عن الحقيقة، فيها فاسدون ومزورون ومزيِفون ومضلِلون وكاذبون ومتملقون ومنافقون ومدعون ومرتشون ودجالون ونفعيون ومنتهكون للقيم ومعتدون على الحقوق ودعاة تطرف وداعمو إرهاب.

وفيها صالحون وصادقون وباحثون عن الحقيقة وفاضحون للفساد ومناهضون للسلطة ومدافعون عن القيم ومتصدون للإرهاب ومحاربون للتطرف ومضحون لأجل الإنسانية ودعاة تسامح ومرشدون إلى طرق الصواب ومناصرون للمظلومين.

وفيها أيضاً فصيل ضائع بين هذا وذاك وهم التافهون المرتزقة الذين لا يعون لمهنتهم قيمة سوى أنها وسيلة أكل عيش، يأكلون على كل الموائد ولا يقدّرون قيمة مهنتهم، ويصدق فيهم قول الله تعالى (كالحمار يحمل أسفارا) !

الإعلامي الفلسطيني (وائل الدحدوح)، ليس كمثله إعلامي، فهو تفوق على نمط الصادقين الصالحين الناقلين للحقيقة، وتجاوز النموذج الذي ينبغي أن يحتذى في هذا المجال الحيوي.

أخلص (وائل الدحدوح) للميكروفون الذي يحمله، وللجمهور الذي يخاطبه، وللأرض التي يعيش عليها،

أخلص (وائل الدحدوح) للميكروفون

أخلص للميكروفون الذي يحمله، وللجمهور الذي يخاطبه، وللأرض التي يعيش عليها، وللحقيقة التي يبحث عنها، ولقضية وطنه المحتل، ووقف ناقلاً للحقيقة متحدياً جبروت العدو المحتل وكاشفاً للمجازر التي يرتكبها في حق أبناء غزة.

وفاضحاً للعنصرية الإسرائيلية ولكل من يدعمها، ومدللاً على الإبادة الجماعية التي يرتكبها والتهجير القسري الذي يتوهم إمكانية فرضه على الفلسطينيين وعلى مصر والأردن وعلى العالم.

العدو الإسرائيلي، حاقد كاذب متغطرس، أقام كيانه على أكاذيب وأوهام، وللأسف صدّقه المستفيدون من زرعه في المنطقة والباحثون عن وكيل لهم فيها، تأسست دولته على الضلال.

وساعده إعلام الزيف على البقاء، ترعبه الحقيقة التي تكشف قبحه أمام العالم، ولذا فإنه يخشى الإعلام الصادق ويخاف من الكاميرا التي تصور أكاذيبه ويرتعد من الكلمة التي تخبر العالم بحقيقته.

ولهذا كان الإعلاميون الذين ينقلون الحقيقة من أرض غزة إلى مختلف أرجاء العالم وعلى رأسهم (وائل الدحدوح) هدفاً لصواريخه وطائراته ومدفعيته وقاذفاته وجنوده، هدفاً لحكومته الضعيفة المفتتة العاجزة عن استعادة الرهائن من غزة.

وصبت جام غضبها على الأبرياء من الرضع والصغار والنساء والشيوخ، قتلت أكثر من 100 صحفي منذ اندلاع حربها على غزة متأملة أنها بانتهاج سياسة القتل الجماعي للإعلاميين ستخرس الألسنة وستواصل تضليل الرأي العام العالمي من خلال الإعلام الغربي الذي تمتطيه رموز الصهيونية والماسونية العالمية.

مراسل قناة الجزيرة (وائل الدحدوح)، كان الأكثر استهدافاً

(وائل الدحدوح).. الأكثر استهدافاً

مراسل قناة الجزيرة (وائل الدحدوح)، كان الأكثر استهدافاً، لأنه الأكثر فضحاً لجرائم العدو الغاشم، استشهد ابنه وابنته وزوجته وحفيده الرضيع مرة واحدة، دفنهم وعاد ليقف شامخاً متحدياً العدو مواصلاً كشف جرائمه.

قائلا: (هنا لا مفر من النيران إلا الشهادة)، بكاهم وسط أصدقائه وأهله، وعندما وقف أمام الكاميرا وقف كالجبل الصامد في وجه الرياح العاتية، حتى لا يظهر وجعه الفطري للعدو.

استشهد أقاربه من أبناء عمومته وأبناء أخواله وإخوته وأبنائهم، تلقى عزاءهم وعاد ليحمل ميكروفونه كما الجبل الراسخ في أعماق الأرض.

استهدفوه هو ورفيق الواجب المهني المصور (سامر أبو دقة)، استشهد سامر وأصيب (وائل الدحدوح)، وأنجاه رب العالمين من موت محقق ليواصل أداء الرسالة.

تجاوز الظالمون المدى ولم يكتفوا بكل جرائمهم معه فاستهدفوا ابنه الأكبر الإعلامي أيضاً حمزة (وائل الدحدوح)، مع عدد من زملائه لينال الشهادة وينتقل إلى جوار ربه، وكان (حمزة الدحدوح) قد كتب قبل مقتله بساعات عبر حسابه على منصة «إكس» موجهاً حديثه لوالده:

(إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء، ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيراً لما صبرت)، وكأنه كان يطلب منه المزيد من الصبر عند فقده.

(وائل الدحدوح) وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على نجله البكر (حمزة)

نظرة (وائل الدحدوح) على ابنه (حمزة)

وظهر (وائل الدحدوح) وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على نجله البكر (حمزة)، حيث ظل يقبل يده، وهو يبكي بحرقة، لكنه ظهر بعد تشييع نجله بدقائق ووقف أمام الكاميرا.

وقال (ماضون رغم الحزن والفقد، باقون على العهد في هذه الطريق التي اخترناها طواعية، وسقيناها بالدماء)، مضيفاً: (إن الإنسان يحزن ويتألم للفقد فكيف إذا كان الولد البكر؟).

 وأشار إلى أن (نجله حمزة كان كل شيء بالنسبة له)، وأن هذه (دموع الحزن والفراق وليست دموع الخوف والجزع، دموع الإنسانية التي تفرقنا عن أعدائنا، نرجو أن يرضى الله عنا ويكتبنا مع الصابرين).

ودع (وائل الدحدوح) العام 2023 صامداً في وجه محاولات كسره بعد استشهاد نصف عائلته، واستقبل العام 2024 صامداً أيضاً بعد استشهاد ابنه البكر، يعري حقيقة الجيش الذي يصفونه بأنه “الأكثر أخلاقية” وهو المعدوم الأخلاق والمشاعر الإنسانية.

وللأسف حصل ذلك في نفس الوقت الذي كان ينشغل فيه الكثير من الإعلاميين العرب باستضافة الدجالين الذين ينشرون شعوذاتهم على الناس، وما هم سوى وسيلة لتخدير السذج وملء حياتهم بالأوهام والخزعبلات.

نعم: (وائل الدحدوح) هو (أيوب) الإعلام العربي، الذي صبر على الابتلاءات المتكررة، ووقف بعد كل مصيبة مرت به، حاملاً ميكروفونه، واثق الكلمة التي ينطق بها، أقدامه ثابتة في الأرض.

وكأن جذورها عصية على الاقتلاع الذي يبتغيه الصهاينة، إنه صاحب الأرض، وصاحب الحق الذي يؤمن أن الحق سيعود لأصحابه، طال الأمد أم قصر.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.