رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (وسط البلد).. ورطة لمن يشاهده

بقلم: محمود حسونة

أحياناً نتورط في مشاهدة بعض المسلسلات، ونندم على وقتنا الضائع أمام الشاشة متابعين لها بعد أن نكتشف أنها لا تناسبنا، مثل (وسط البلد).

وعندما يحدث ذلك مع مسلسل من 10 حلقات أو حتى 30 حلقة، تكون خسارتنا بمتابعتها مقبولة.

ولكن أن تمتد إلى مئات الحلقات وتخطف من أعمارنا مئات الساعات، فتكون الخسارة فيها كبيرة، ومن يتورط في مشاهدة دراما مئوية الحلقات فإما أن يتوقف عن متابعتها عند تشبعه منها أو ملله من أحداثها.

وإما أن يدفعه الفضول لاستكمال المشاهدة حتى النهاية، وأنا شخصياً تورطت في مسلسل (وسط البلد)، الذي يتباهى صناعه أنه (أول سوب أوبرا مصرية).

وكأنهم حققوا الفتح العظيم بتقديم مسلسل له بداية وليس له نهاية، فارغ المضمون، أبطاله يدورون في حلقة مفرغة حول أنفسهم، يتآمرون ويتصارعون، يختلفون ويتفقون، يحبون ويكرهون، يتزوجون ويتطلقون، يخونون ويحقدون.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: خطايا مهرجان الدراما

كثيرهم نصاب محتال وقليلهم سوي متورط في كوارث تحيل حياته جحيماً، وكأن النصب وخداع المقربين هو نمط الحياة الأكثر انتشاراً في أحياء وحارات (وسط البلد)، وبمعنى أصح في كل البلد!!

مسلسل (وسط البلد)، يؤكد أننا ننتقد الآخر ثم نقلده بشكل أعمى، وتقليدنا له قد يكون عاجلاً وقد يكون آجلاً، ومهما كان رفضنا إلا أننا سنقبله ونفعل مثله ولو بعد حين، ننتقده ونقلده في المأكل والملبس والسلوك والفن وكل شيء.

فبعد ما يقرب من قرن من ظهور هذا النمط الدرامي والذي كنا نعتبر إنتاجه ضرب من الجنون، أنتجناه، فمسلسلات (السوب أوبرا) ابتدعتها أمريكا إذاعياً عام 1930، ومن الراديو انتقلت إلى التليفزيون.

نمط درامي ميلودرامي، يتناول حياة العديد من الشخصيات

(وسط البلد).. نمط درامي ميلودرامي

وهى نمط درامي ميلودرامي، يتناول حياة العديد من الشخصيات، مع التركيز عادة على العلاقات العاطفية في طابع يتسم بالميلودراما.

يبدأ تصويره وصناعه لا يعرفون كيف سينتهي، عدد حلقاته قد يصل إلى الآلاف، وعرضه يمتد إلى سنوات، من أشهر مسلسلات السوب أوبرا الأمريكية (بايتون بلايس، داينستي).

(دالاس، فريندز) شكلت جميعها محطات حياة لدى عشاقها من المشاهدين؛ البعض كبر وتبدلت أحواله مع هذه المسلسلات التي لم تكن تقل مدة المسلسل الواحد منها عن 3 سنوات متتالية، وبعض تلك الأعمال استمر سنوات وسنوات مثل (دالاس)، الذي استمر من عام 1978 حتى عام 1991.

مسلسل (وسط البلد) نتاج ورشة كتابة أشرف عليها أمين جمال وأشرف على إخراجه أحمد شفيق، وشارك في الإخراج زياد الوشاحي ومحمد أسامة.

وتتمحور أحداثه حول أبناء (رضوان الجارحي)، الذي حرم ابنه الأكبر (كامل) من الميراث بسبب زواجه رغم أنفه من ابنة صديق عمره الذي احتال عليه وسطا على الشركة التي أسساها سوياً.

يدور الصراع بين (كامل) الناقم على والده ووالدته و(فضل) الحافظ لوصية والده

(وسط البلد) ودائرة الصراع

ووزع شقق منزله في (وسط البلد) على باقي أبنائه ويتقدمهم ابنه الثاني (فضل) ليدور الصراع بين (كامل) الناقم على والده ووالدته و(فضل) الحافظ لوصية والده والحريص على رضا أمه.

 وبينهما باقي الأشقاء الذين يحاول كامل استقطابهم رغم انحيازهم لفضل، ويسعى الشقيقان المتصارعان لوأد أي محاولة حب أو تقارب بين أبنائهما، وحول فضل وكامل العديد من الشخصيات التي تشكل أنماط بشرية مختلفة.

لا يمكن إنكار أن مسلسل (وسط البلد) به مساحة درامية تحقق الإثارة وتربط المشاهد به، ولكن قليل جداً من شخصياته تسير في خط درامي واضح، ومعظم الشخصيات تتبدل ملامحها وسلوكياتها من دون مبرر منطقي، وحسب أهواء المؤلفين والمخرج.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: ليه لأ؟!.. يخرج عن قضبان التميز بالمحطة 3

الكارثة في كمية النصابين والمحتالين بين شخصيات مسلسل (وسط البلد) مقارنة بالنماذج الايجابية، وهو ما يوحي للمشاهدين بأن مصر تحولت إلى مجتمع من النصابين، نصابون يحتالون على أقرب الناس إليهم، الوالد والزوجة والأبناء والأشقاء والجيران.

لو حاولت ذكر نماذج النصابين في مسلسل (وسط البلد) وتحليلها فإن المقال سيطول وقد يصبح مزعجاً للقارئ.

ولذا سأكتفي ببعض النماذج، كامل (ناصر سيف)، سعيد الجارحي (عصام السقا)، رؤوف (شادي سرور)، سهى (فرح حاتم)، نادر (عبدالله أشرف)، د. عادل (عزوز عادل)، ابراهيم (تامر الكاشف)، منعم (محمود حجاج)، فتحي (رامي الطمباري)، عماد (محمد أبو السعد)..

جابر (محمد العزايزي)، سارة (رضوى جودة)، ناجي (أشرف زكي)، ثريا الممرضة (هالة سرور)، مايسة الكوافيرة (فاطمة بسيوني)، وفوزي (أحمد عزت) سيد النصابين الذي يعشق المال ومارس النصب على والده وزوجته وابنته وشقيقتيه وأبناء شقيقته ومعظم جيرانه.

الأسوياء معدودون، وعلى رأسهم، فضل الجارحي (جمال عبدالناصر)

الأسوياء معدودون في (وسط البلد)

في المقابل فإن الأسوياء معدودون، وعلى رأسهم، فضل الجارحي (جمال عبدالناصر) وزوجته سميحة (سماح السعيد) ووالدته زينات (سميرة عبدالعزيز) وشقيقته هالة (سمر علام) وسبب أزماته طارق (مازن جمال) وأخوه من الأب حمدي (محمد خطاب) وابنته مها (وفاء شوقي) وشقيقيها عمرو (أدهم هاني كمال) وخالد (زياد هاني كمال).

المساحة المظلمة داخل شخصيات مسلسل (وسط البلد) شاسعة، والمساحة الإنسانية محدودة، والنموذج المضيء فضل ليس سوياً ولكنه جبان عاجز عن المواجهة هارب من المشاكل متسبب في الكثير من الأزمات لأولاده وزوجته بسبب ماضيه مع حبيبته التي تزوجها شقيقه الانتهازي.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: علاقة مشروعة .. خيانة (حلال) !

وبسبب عجزه عن حماية أسرته وأبنائه من المتآمرين عليهم.. ولعل أكثر ما يستفزك هو الهروب من مواجهة الحقائق واللف والدوران بلا مبرر درامي منطقي سوى المط من أجل تمديد ساعات العرض وبشكل واضح جداً.

فتجد (فضل) مثلاً يرفض زواج ابنه خالد من رنا الموظفة معه في نفس الشركة (والتي تحب فضل وتفصح له عن ذلك) دون إفصاح السبب ولا حتى تبرير هذا الرفض بأي كلام منطقي يمكنه أن يبعد خالد عنها، فيستفزك هذا الإصرار على استغباء الشخصيات لبعضهم البعض واستغباء الجمهور في آن!  

قد تكون أهم إيجابيات مسلسل (وسط البلد) أنه منح الفرصة لـ 50 وجهاً جديداً للتعبير عن موهبتهم ليحقق عدد منهم تميزاً ملحوظاً وليؤكدوا جميعهم أن مصر ولادة، وأن الابداع يسري في عروق أبنائها، وأن الكثيرين لا تلزمهم سوى الفرصة.

(وسط البلد)، ورطة لمن يشاهده، والسوب أوبرا نمط درامي لا يصلح سوى للعاطلين الذين يبحثون عن وسيلة لقتل الوقت.

mahmoudhassouna2020@ gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.