رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(أوزيريس).. والدور السياسي للمرأة في مصر القديمة

بقلم: كمال زغلول

في المقالة السابقة تحدثنا عن (أوزيريس)، وكيفه مولده، وبأنه ليس لابن الملك جب، واستطاعت والدته رغم كل هذا أن تجعله ملك الأمنتت، بينما الأحق بالملك كان ابنها (ست) المولود في نطاق زواج شرعي بين أبيه (جب) وأمه نوت.

وبالرغم أن (أوزيريس) و(ست) ولديها، ولكن من تولي عرش الأمنتت هو (أوزيريس)، ونجد أن الوجهة المسرحية لشخصية (نوت) قد أضفت عليها صفة القداسة، وجعلت منها إلاهة تتحكم في من يرث الملك من بعد (جب).

وقد أعدت (أوزيريس) لذلك وأخبرته بأن له طبيعة إلاهية وطبيعة بشرية، ومن تحليل الشخصية نجد أن (نوت) هى المرأة السياسية التي استطاعت بدهائها التأثير على (جب) زوجها وتولي ابنها غير الشرعي حكم البلاد.

وحدث ذلك عندما أقنعت زوجها بأنها مقدسة وأنجبت (أوزيريس)، ورفعت زوجها أيضا إلى مكانة مقدسة، ولكن بموت (أوزيريس) قد حدثت الأزمة المسرحية، وأخدت الحبكة في التعقيد.

ولابد من إيجاد مخرج من تلك العقدة، ويأتي المخرج (الانفراجة) عبر (إيزيس) زوجة (أوزيريس) برغم وفاته، وما يذكره التاريخ القديم أن (إيزيس) تلك كانت ساحرة.

وهى ابنة (نوت) التي جعلت من ابنها إلاه، ومن زوجها إلاه، وعلى ما يبدو أن المسرحي المصري القديم أضفي على شخصية (إيزيس) السحر، وجعل منها المخرج من الأزمة المسرحية.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (جب) .. والسياسية الدينية في المسرحية المصرية

فالسحر كان من المعتقدات الشهيرة داخل المجمع المصري القديم، والغريب برغم الزواج الطويل بين (أوزيريس) و(إيزيس) غير أنها لم تنجب منه أية أبناء ذكور أو إناث.

بل من أنجبت من (أوزيريس) نفتيس ابنها (أنوبيس)، ولكن تحدث الانفراجة عن طريق تلك المرأة، فعند موت (أوزيريس) استطاعت الحصول على جثمان (أوزيريس)، وقامت بإحيائه.

والأدهى أنها ضاجعته وحبلت منه بطريقة سحرية، ولكن ما تقدمه (إيزيس) لا يقدم انفراجه في الحدث بل يزداد تعقيدا، فكيف التأكد من أن الذي في أحشائها هو ابن (أوزيريس).

هذا الولد (ست) ومن أبيه، وكيفية التأكد من أنه ابن (أوزيريس)

(أوزيريس) وابنه (ست)

ويصور المسرحي المصري هذا المشهد، وسؤال (إيزيس) عن هذا الذي في رحمها من خلال امرأة تسأل (إيزيس) عن هذا الولد (ست) ومن أبيه، وكيفية التأكد من أنه ابن (أوزيريس).

المرأة : ولكن كيف تعلمين أن ذلك الذى سوف تضعينه في داخل البيضة هو من أجل الإله السيد ووريث آلهة العناصر.

إيزيس: أنا (إيزيس) أكثر الآلهة شهرة وقداسة، إن الإله الذى بين أحشائي هو غرس (أوزيريس).

(يتدخل (آتوم) ليؤكد أن في أحشائها غرس (أوزيريس).

آتوم: يقول هذه التي حملت سرا هى فتاة حملت وستضع دون تدخل من الآلهة حقا، وهذا يعني أنه غرس (أوزيريس) ، وليحجم هذا العدو الذي قتل أباه عن تحطيم البيضة الصغيرة وليضمن الساحر الأكبر له الاحترام ولتطيعوا أيتها الآلهة ما تقوله (إيزيس).

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزيريس .. أساس الأدب التمثيلي المصري

إيزيس: لقد تحدث آتوم سيد قصر الصور الإلهية وقد التزم من أجلي بحماية ابني في أحشائي ووضع حارسا خلفه داخل هذا الصدر، ولتضمنوا حماية هذا الصقر الذى في الأحشاء.

ومن المشهد السابق نعرف أنه تم التأكد من الوليد القادم هو ابن (أوزيريس) بعد شاهدة (آتوم)، ويضمن لها الحماية حتى تضع وليدها من قبل الساحر الأكبر، وبالطبع يحدث انفراجه في الحبكة المسرحية ، ولكن يعود الصراع إلى التأجج بين (إيزيس) و(ست) الملك الجديد، والصراع في هذه المرحلة ليس بين قوتين من الرجال، بل بين امرأة ورجل.

فمعني أن تلد (إيزيس) يضيع الملك من (ست)، ولذلك لا بد من مواجهة الأمر، ولكن تلك المرأة (إيزيس) تقبل التحدي، وبالفعل تدخل في صراع مرير مع (ست)، فهي أولا: تريد المحافظة على الحمل حتي تضع مولودها.

وثانيا: تربية الوليد وإعداده على القتال ليأخذ بصقر أبيه ويعيد الملك المسلوب، وينصب ملك على البلاد كما كان أبيه، فسياستها غير سياسة أمها (نوت)، ومهمتها صعبة للغاة.

(إيزيس) الأم الحامية التي تصارع قوة غاشمة بضعفها كامرأة

أوزيريس).. صرع على الملك

خاصة أنها كانت ملكة البلاد بجوار زوجها وأخيها (أوزيريس)، وهى تعرف جيدا صعوبة المواجهة مع أخيها (ست) الملك الجديد، وفي تلك المرحلة نجد تحول في الحبكة المسرحية ينقلنا إلي صراع جديد بين المرأة والرجل على الملك ويزاد التأزم داخل الحبكة المسرحية.

فالوليد لم يولد بعد وأمام (ست) فرصة لإسقاط الوليد من رحم أمه، أو حتى قتله بعد ميلاده، وهنا تتطور الأحداث لنرى في (إيزيس) الأم الحامية التي تصارع قوة غاشمة بضعفها كامرأة، وبضعفها أكثر كونها حامل.

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح .. عرفه المصريون قبل العالم

ولذلك اسمها يعني (العرش)، وفي الحلقة القادمة سوف نتعرض أكثر لدورها في مواجهة (ست) حتى وضعت وليدها وربته على القتال والمواجهة مع (ست) ليعود الحكم إلي أسرة (أوزيريس).

ولكن ما نؤكد عليه هو الدور السياسي والمحوري للمرأة في تولي عرش البلاد لأبنائهن، فلم تستطع (نوت) التدخل لمنع قتل (أوزيريس)، ولكن سوف نرى أن الأبنة (إيزيس) هى الملكة التي أعادت الحكم مرة ثانية لأسرة (أوزيريس) بنضالها في مواجهة (ست).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.