رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد حبوشة يكتب: (أشرف مروان) يظل لغزا محيرا لإسرائيل !

بقلم: محمد حبوشة

على الرغم من مرور 50 عاماعلى حرب أكتوبر المجيد،  يظل (أشرف مروان) لغزا محيرا للدولة العبرية، فلا  تمل إسرائيل ولا تكل أبدا من ترديد الكذبة بعد الكذبة، حول دور (أشرف مروان) في التجسس لصالحها، لترفع عن نفسها ثقل الهزيمة النكراء التي تلقتها في أكتوبر المجيد.

كانت نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في الثامن من سبتمبر الجاري (2023) وثائق وصفتها بأنها (تاريخية) تناولتها كافة القنوات الإسرائيلة، تكشف لأول مرة صورتين تدعي أنهما لـ أشرف مروان، زوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خلال لقاء له مع الضابط المسؤول عنه في الموساد -حسب الصحيفة- واسمه (دوبي).

وبالتزامن مع ذلك، وعلى نحو استثنائي، نشر الموساد كتابا يتطرق جزئيا لحرب أكتوبر 1973 تحت عنوان (ذات يوم، حين يكون البوح مسموحا) أعدته إحدى الباحثات في قسم التاريخ في الموساد، ووصف بأنه أول كتاب يصدر عن الموساد رسميا يوضح دور (أشرف مروان) في التجسس لصالح إسرائيل.

ويضم الكتاب وثيقتين، الأولى: هي وثيقة يعود تاريخها إلى الخامس من أكتوبر 1973، وتوثق طلب (أشرف مروان) مقابلة رئيس الموساد، في ذلك الوقت (تسفي زامير) بشكل عاجل، عشية الحرب.

وجاء في هذه الوثيقة: اتصل (أشرف مروان) في الساعة 9:30 مساء يوم الخميس (في الرابع من أكتوبر) هاتفيًا، وقال إنه سيصل غدا الجمعة، مساء الخامس من أكتوبر، لعقد لقاء، سيقدم خلاله معلومات ذات أهمية كبيرة.

وسأل عما إذا كان من الممكن أن يشارك (تسفي زامير)، رئيس الموساد، في اللقاء، لأهمية الموضوع، وألمح إلى أن المعلومات التي سيقدمها تخص: (هذا الجزء من الوثيقة لا يزال محظورا) وهى بحوزته.

تدعي الوثائق الإسرائيلية لقاء زائير بـ ( أشرف مروان)

(زامير) و(أشرف مروان)

أما الوثيقة الثانية، فهي عبارة عن بروتوكول والنص الكامل لمحضر الاجتماع الذي عقد في لندن في 5 أكتوبر 1973، بين رئيس الموساد حينها (زامير) و(أشرف مروان)، والذي تم فيه التحذير من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من نشوبها.

باستثناء أن الوثائق الجديدة تبناها الموساد رسميا، لا يوجد أي جديد في المعلومات التي تحتويها عن علاقة (أشرف مروان) بالموساد؛ فقد تم تسريب هذه المعلومات بشكل جزئي على مدى سنوات في مذكرات القادة الإسرائيليين في حرب أكتوبر.

مثل مذكرات (جولدا مائير) رئيسة وزراء إسرائيل في الفترة (1969-1974) الصادرة عام 1980، ومذكرات إيلي زعيرا (رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية خلال الفترة 1972-1974).

ومذكرات موشيه ديان (وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الفترة 1967-1974) الصادرة عام 1976. صحيح أن الكشف عن هوية ما يسمى بالعميل (بابل) أو (الصهر)، أو (الملاك) بأنه (أشرف مروان).

لم يتم ذلك إلا في عام 2004 على يد الباحث الإسرائيلي (أهارون بيرجمان)، نقلا عن إيلي زعيرا، إلا أن هذا الكشف بقي مجرد روايات يتداولها صحفيون وباحثون دون تأكيد رسمي من الدولة العبرية.

حتى ظهرت الوثيقتان وكتاب الموساد السابق الإشارة إليهما، وبذلك يمكن القول إننا أمام الرواية الرسمية الإسرائيلية حول قضية (أشرف مروان)، ولكن بفحص ما ورد فيها جميعا لا نجد أي اختلاف مع التسريبات السابقة التي تمت عبر وسائل إعلامية وكتابات أكاديمية أو صحفية.

تناقضات واضحة في رواية إسرائيل حول( أشرف مروان)

تناقضات إسرائيل حول (أشرف مروان)

وجميعها احتوت على تناقضات واضحة أفقدت الرواية الإسرائيلية تماسكها المنطقي، سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، إذ لا تزال نفس الأسئلة غير المجاب عليها من جانب إسرائيل حاضرة حتى اليوم، وأهمها ما يلي:

لماذا خالف الموساد القاعدة الذهبية المستقرة في العمل الاستخباراتي بشكل عام، والتي تمنع كشف أي جهاز استخباراتي عن شخصيات من يتم تجنيدهم من رعايا الدول الأجنبية، سواء الصديقة أو المعادية، حتى بعد موتهم بسنوات طويلة؟

وهي قاعدة تستهدف الحفاظ على قدرة الجهاز الاستخباراتي على تجنيد مزيد من العملاء مستقبلا في أي دولة، ومن المنطقي أن يؤدي كشف إسرائيل المزعوم عن عمالة (أشرف مروان) لها، إلى فقدانها القدرة على تجنيد عملاء آخرين من مصر أو غيرها.

إذ من سيقبل بأن يغامر بالعمل مع جهاز استخبارات يمكن أن يتم الكشف عنه في أي لحظه ليتعرض هو وعائلته (حتى بعد وفاته) لخطر مميت؟ 

هل يمكن أن يكون نشر صورتين تظهران جانب من وجه (أشرف مروان) مع شخص آخر لا يظهر وجهه فيهما، على أنه دليل على الزعم الإسرائيلي بعمالة مروان لها؟

أليس من الطبيعي تفسير الأمر على أنه منطقي في إطار أن (أشرف مروان) كان جزءا من خطة خداع استراتيجي مصري استهدف إغراء الإسرائيليين بتجنيده، ليتم نقل معلومات مغلوطة لهم من جانب أجهزة الاستخبارات المصرية لتضليلهم؟

ومن ثم فإن ظهور (أشرف مروان) مع شخص إسرائيلي يبقي طبيعيا وليس دليلا بالضرورة على عمالته للموساد، بل قد يكون على العكس دليلا على مهارة الاستخبارات المصرية في رسم خطة الخداع وانطلائها على الإسرائيليين؟

حاولت إسرائيل تلفيق مزاعم عن تجسس أشرف مروان لصالحا

مزاعم إسرائيل عن عمالة (أشرف مروان)

من جانب آخر، حتى لو افترضنا صحة المزاعم الإسرائيلية عن عمالة مروان لها، فإن نشر الصورتين لمروان ومشغله الإسرائيلي (دوبي) علاوة على عدم وضوح الوجوه فيها، فإن الصور في عصرنا هذه يسهل تزيفيها والتلاعب بها بواسطة تقنيات باتت منتشرة حتى على الهواتف المحمولة.

ويمكن لأي شخص أن ينشر صورا تضم أشخاصا لم يلتقوا من الأصل معا لا في المكان، ولا حتى في نفس العصر، في صورة واحدة!

انتصار دولته في هذه الحرب، لذلك تحاول الدولة العبرية من خلال تكرار الادعاء بالانتصار في هذه الحرب القضاء أو على الأقل احتواء شعور الإسرائيليين العميق بأنهم لم ينتصروا في تلك الحرب، عبر الإلحاح على الرواية المزيفة ومدها بمعلومات تبدو جديدة.

ولكنها لا تحمل في الواقع أي إضافة يمكنها أن تغير من حقيقة الهزيمة المريرة التي تعرضت لها في أكتوبر 1973.

ولعل استمرار الموساد، عبر نشر تلك الوثائق، في شن حربه الخاصة ضد غريمه (جهاز الاستخبارات العسكرية)، حيث أن الرواية السائدة داخل إسرائيل حتى اليوم لازالت تحمل (أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية) بشكل عام دون تمييز فيما بينها، مسئولية الهزيمة في حرب أكتوبر.

ويحاول الموساد منذ سنوات طويلة تبرئة نفسه من هذه المسئولية وإلصاقها بجهاز الاستخبارات العسكرية وحده، ولذلك تعتبر قضية (أشرف مروان) قضية مركزية في تلك الحرب.

حيث لا يزال إيلي زعيرا (مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر)، يؤكد على أن جهازه قام بواجبه على أكمل وجه، وأن السبب في هزيمة إسرائيل هو نجاح المخابرات المصرية في خداع الموساد بزرع (أشرف مروان) بين صفوفه.

وقال: لا أعتقد أن الدكتور (أشرف مروان) كان يعمل أبدا لحساب إسرائيل، ولا أظن أنه حتى أعطى معلومات عن حرب أكتوبر بالتحديد، رغم أننا نستلم المعلومات فقط من مصدر واحد وهو المصدر الإسرائيلي.

نجحت المخابرات المصرية في طريقة الخداع عن دور ( أشرف مروان)

أشرف مروان وطريقة الخداع

كما أشار إلى أن (أشرف مروان) نبه الإسرائيليين أكثر من مرة بطريقة الخداع وبالنيابة عن مصر أن هناك تاريخا لبدء الهجوم المصري على إسرائيل، فكانت تلك التعبئة تكلف الدولة الصهيونية كثيرا.

واعتبر أن الزعم بأنه أعطى معلومة قيمة بشأن تاريخ بدء الحرب غير منطقي، وتساءل: لا معنى أن يعطي (أشرف مروان) موعد بدء الحرب الساعة السادسة، ولما بدأت مثلاً الساعة الرابعة أو الساعة الثانية، هذا يعني تسريب لا يساعد الإسرائيليين، وأيضا لماذا لم تتجاوب الدولة الصهيونية مع هذا التسريب إذا فعلا قام بإعطائهم هذه المعلومة.

وظني أن إسرائيل لم تدرك أنها بترديد هذه الأكاذيب توصم نفسها بالغفلة والغباء بعد أن وصمت بالهزيمة والانسحاق، لتظهر في النهاية كمن تلقى مائة صفعة على غفلة، ولو كنت مكان الرأي العام الإسرائيلي لحاكمت من يردد هذه الأكاذيب بتهمة الغباء.

فنحن هنا أمام خيارين لا ثالث لهما، أما أن تكون إسرائيل تفاجأت بحرب أكتوبر كما حدث في الواقع فبذلك تكون قد فشلت استخباراتيا وعسكريا، أو كانت تعلم بميعاد حرب أكتوبر كما تدعي فتكون بذلك قد خانت شعبها وزجت بجنودها إلى الحتف من دون أن ننقص من خزي الهزيمة شيئا.

وبعد كل ما مضي يظل (أشرف مراون) الذي قتل في ظروف غامضة لغزا غامضا ومحيرا – على الأقل من وجهة نظر إسرائيل، التي تحاول بين الحين والآخر إثارة الجدل حول تجسس (أشرف مروان) لصالحها – وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا خسرت الحرب، وتنكر شجاعة المقاتل المصري الذي عبر من الهزيمة إلى النصر؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.