رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(غسيل) .. 8 حلقات من المتعة والإثارة والتشويق

كتب: محمد حبوشة

ظني أن مسلسل (غسيل) لجأ إلى الجرأة وتعرية المجتمع.. كسلاح جديد تنتهجه الدراما الخليجية لجذب الانتباه، وربما نشأتها الوليدة وحداثة الخبرة، دفعت الدراما الخليجية للبحث عن وسيلة ما، تحقق من خلالها النجاح وجذب الجماهير بل والتفنن في هذه الوسيلة التي قد تبدو صارخة.

تبدو لي الصراعات البشرية والحزن والدموع قاسم مشترك في المسلسلات الخليجية، بعض المسلسلات الخليجية سلبيات الجشع المادي رغم الثراء الذي يميز المجتمعات الخليجية والذي تنتقده هذه المسلسلات باعتباره نقمة المجتمعات في الخليج، ومن هذه النوعية مسلسل(غسيل) الذي انتهت حلقاته على منصة (شاهد) منذ أسابيع قليلة.

ورغم سعي القائمين علي تقديم الدراما الخليجية هذا العام للبحث عن الجديد والمختلف بكل جرأة، فإن النقاد الخليجيين يرون أن هذه الجرأة لا يجب أن تكون بما هو مخالف لقيم المجتمعات الخليجية أو يتم من خلال تعريته، وهو ما حدث بالفعل في مسلسل (غسيل).

يعتبر مسلسل (غسيل) من أبرز المسلسلات الخليجية التي تم عرضها مؤخرا، حيث يبحث الجمهور عن كل ما يتعلق بهذا المسلسل الناجح، حيث حدث انقسام كبير أحدثته الحلقة الأخيرة من مسلسل غسيل لشجون الهاجري، بعد انتهاء عرضها على منصة شاهد، حيث كانت أحداثها غير متوقعة لكثير من المتابعين.

وتدور قصة مسلسل (غسيل) الذي ينتمي إلى الطابع الرومانسي الاجتماعي ويعتمد على الـ (فلاش باك)، حول حكاية زوجين، هما: (حنين/ شجون الهاجري) و(حسن/ عبد الله بوشهري) اللذين تزوجا بعد قصة حب عاصفة، وسط معارضة عائلتيهما، إلا أن قصة مسلسل غسيل التي كتبها فهد العليوة، وأخرجها أحمد عبدالواحد، تكشف مع توالي حلقات المسلسل، الذي عرض مؤخرا عجزهما عن تحقيق السعادة، وسط توالي ضغوطات الحياة. 

تحدي الأداء بين الثنائي شجون الهاجري وعبد الله بوشهري

(غسيل).. تحدى الثنائيات

لعل السمة البارزة التي لمسها المشاهدون مع أولى حلقات مسلسل (غسيل) هو الرفض الذي يواجهه الأبناء من قبل الأهل، ولا سيما من الآباء والأمهات في رفض الشخص الذي يريدون الزواج منه واستكمال مسيرة حياتهم معه

وهذا ما حدث بالفعل مع (حنين وحسن)، حيث تحدى الثنائي كل هذه العوائق التي واجهتهما في بداية حبهما لبعض من رفض أسرة كل كل منهما لهذا الزواج، ولكن أصرا على وضع النهاية المناسبة لقصة حبهما، وهى الزواج.

وفي لقطات سريعة عرض مسلسل (غسيل) مشكلة اجتماعية أخرى، وهى زواج الرجل من سيدة أكبر منه في المرحلة العمرية، خاصة أن العديد من الأسر ترفض هذا الأمر، وهو ما حدث مع (سامي/ منصور البلوشي) الذي ظهر بشخصية ضابط شرطة، والذي حاول أن يتزوج من (حصة/ عبير أحمد) رغم الفارق الكبير بينهما في العمر؛ هذا الأمر عرضه لانتقادات دائمة ومستمرة من قِبل والدته الفنانة زهرة الخرجي.

سلط المسلسل الضوء على قضية مهمة وخطيرة؛ لكونها منتشرة في العديد من المجتمعات، وهي ما يسمى بقضية (غسيل الأموال) التي يلجأ إليها البعض لتحقيق الكسب والثراء السريع.

ةقد لاحظت أن (غسيل) لا يتعرض من قريب أو بعيد لتلك الخلفيات المعروفة سلفاً، ولكنه يرسم صورة درامية نابضة بالحياة لتأثير هذا الـ (غسيل) على بعض الأفراد البسطاء، الذين صعدوا إلى قمة الثراء الفاحش، والشهرة الأكثر فحشاً، فجأة، لكنهم باتوا مهددين بالسقوط من أعلى هذه القمة في أي لحظة.

وقد تمتع كل نجوم (غسيل) بأداء عذب ولافت للانتباه خاصة من جانب النجمة الكويتيت (شجون الهاجري) التي تتحدى الصعب دائما، وتذكرك طوال الوقت بالنجمة المصرية (دينا الشربيني) على مستوى التكنيك والأداء، وكذلك النجم (عبد الله الشهري).

غسيل .. خطوة مهمة في مسيرة شجون الهاجري

(غسيل).. خطوة مهمة لشجون الهاجري

وأعتقد أن مسلسل (غسيل) لشجون الهاجري يعد تخطوة مهمة جديدة تؤكد فيها الفنانة الكويتية إصرارها على الاستمرار في طريقها نحو اختيارات مختلفة في أعمالها الدرامية، وأن لا تحصر نفسها في أدوار مكررة او أفكار قدمت من قبل على الشاشة.

حيث تظهر شخصية حنين التي تجسدها في مسلسل (غسيل) مدى تصميمها على تلك النقطة، بالأخص أن المسلسل يقدمها كزوجة لديها طموح تسعى لتحقيقه، رغم الحصار المفروض عليها من قبل أسرتها بعد ان تزوجت من شخص يرفضونه.

شخصية حنين التي قدمتها شجون الهاجري في مسلسل (غسيل)، كشفت عن حجم التحدي بالنسبة لها، حيث يأتي دورها بعد مسلسل (بيبي)، وتقديمها لشخصية فتاة تواجه وضع ذهني جعلها غير طبيعية، وباتت محط أنظار الجميع بسبب هذا الأمر. ويبدو أن شجون الهاجري أرادت أن تقدم دورا مختلفا من خلال مسلسل (غسيل) يعيد تقديمها للجمهور بعد غيابها عن رمضان الماضي، وهذا ما لفت أنظار المشاهدين من ناحية أداء شجون ، وقدرتها على تقديم أدوارها الدرامية بسلسلة، وإقناع، بالإضافة للثنائية المختلفة التي لفتت الأنظار مع عبدالله بوشهري.

خطفت ثنائية (حنين وحسن) الشخصيات التي يقدمها كل من شجون الهاجري وعبدالله بوشهري القدر الأكبر من اهتمام الجمهور، بسبب اختلافها من ناحية الأحداث، فهي ليست مجرد قصة حب تبدأ بين ثنائي، بل تتجسد صعوبتها في أزمة يتعرض لها زوجان سعى كل منهما لبداية خطوة جديدة في حياتهما بعيدا عن أسرتهما التي رفضت فكرة ارتباطهما.

مما يجعل الثنائي يعيشان فترة صعبة من الوحدة والتحديات المالية التي تجعل كل منهما يعيد حساباته من جديد، بعدما ينشب حريق في شقتهما ويفقدان كل شيء، ولا يصبح أمامهما إلا خطوة وحيدة هي التقرب من أصدقائهما مريم وبدر وقبول الدخول في أعمال مشبوهة مع رجل أعمال أمريكي هدفه غسيل الأموال.

المسلسل أيضا قدم ثنائية (بدر ومريم) التي يجسدها كل من الفنان عبدالله عبدالرضا وزينب أحمد، حيث يعمل كل منهما في مجال السوشيال ميديا ولديهما أيضا طموح مادي كبير، ورغبة في ضم عدد من المقربين لدخول شبكة غسيل الأموال التي يعملان فيها.

ويظهر الثنائي كوجه مخالف تماما لحنين وحسن، حيث تجسد الثروة هى الهدف الوحيد الذي يسعيان إلىه، بغض النظر عن الطريقة التي يحققان بها هذا الهدف، بعكس الثنائي الأخر الذي تجبرهما الظروف على دخول تلك المخاطرة بعد محاصرة عائلية، بالإضافة إلى انسداد كافة الطرق أمامهما.

عبير أحمد برعت في أداء دور حصة

ثنائية (حصة وسامي) حالة من التشو

كما أضافت ثنائية (حصة وسامي) حالة من التشويق للعمل، حيث يقدم فارق العمر في الزواج، وكيف يجعله البعض حاجزا من قبل العائلة، وهنا يظهر المسلسل أفراد الأسرة كعائق أمام العديد من قصص الحب، وأنهم دائما حائط في نجاح أي علاقة، بل خطر يهددها بشكل مستمر.

كما أن ثنائية (حصة وسامي) أيضا تحمل العديد من التفاصيل بسبب قيادة حصة لعصابة غسيل الأمول، في وقت تسعى لاستغلال سامي الذين يعمل كضابط شرطة كمصدر حماية لها، حيث يأتي ارتباطها منه ليس بسبب الحب بقدر الحفاظ على مصدر أمان لها من أي تهديد.

وجاءت الموسيقى التصويرية لمسلسل (غسيل) التي لعبها إيهاب عبد الواحد؛ عنصرا أساسيا في أحداثه، حيث جاءت مناسبة تماما لمشاهده، حيث أحدث إيهاب عبد الواحد إيقاعاً هادئاً للغاية مع مشاهد (حنين وحسن) عندما نجدهما يفكران في أمورهما الخاصة رغم تعقيدها وصعوبتها.

وزاد من سرعتها عندما نجدهما محاصرين بالمشكلات وطلبات أصحاب الحقوق من ناحية، ومن ناحية أخرى إلحاح (بدر) المستمر عليهما حتى يستقطبهما للعمل معه في مجال (غسيل الأموال).

برع الكاتب فهد العليوة والمخرج أحمد عبد الواحد في اقناعنا بإمكانية وقوع أكثر الناس براءة ونزاهة في غواية الثراء والسعادة، وبفضل اختيار الممثلين الموفق، خاصة الهاجري وبوشهري، اللذين بجانب موهبتيهما وحضورهما التمثيلي اللافت، تجمعهما كيمياء جذابة.

الأمر الذي يدفع المشاهد للتعاطف معهما والتمني بأن ينجح حبهما في التغلب على العقبات، وحتى عندما يسقطان في الجانب المظلم، يظل المشاهد متعاطفا وراغبا في رؤيتهما ناجحين، رغم إدراكه أنهما تحولا إلى مجرمين.

هذه المشكلة نجدها في معظم الأعمال التي تدور حول أبطال (ساقطين) يؤدي أدوارهم نجوم محبوبين، ولكن صناع (غسيل) لجأوا إلى حيلة درامية ذكية لتقليل هذا التعاطف، وتذكير المشاهد طوال الوقت بخطورة ما يحدث، ورغم أن هذه الحيلة تم استخدامها في الكثير من المسلسلات في الآونة الأخيرة، إلا أنها موفقة ومتوافقة تماماً هنا.

يبقي المشاهد دوما في حالة شك في سعادة حنين وحسن

المشاهد دوما في حالة شك في سعادتهما

تتمثل هذه الحيلة في بدء كل حلقة بـ (مشهد مستقبليFlash Forward ) لما يحدث للأبطال من تداعيات اختيارهما وعواقبه، وهو ما يبقي المشاهد دوما في حالة شك في سعادتهما ونجاحهما الغامر، الذي يستمر عدة حلقات، قبل أن يبدأ عالمهما في الانهيار.

من ناحية ثانية ينتقل المسلسل، مع انتقال بطليه إلى عالم الأثرياء، إلى موضوع آخر هو مواقع التواصل الاجتماعي، والدور الذي تلعبه في صنع أسماء بعينها والترويج لها، واستخدام هذه الشهرة كغطاء لأعمال مشبوهة مثل غسيل الأموال.

ورغم أن عالم الـ (سوشيال ميديا) أصبح محورا للكثير من الأفلام والمسلسلات في السنوات الأخيرة، إلا أن فكرة الربط بين هذا العالم وغسيل الأموال وغيره من الجرائم المنظمة فكرة جد جديدة.

غسيل تعرض لشخصية حنين وزيف السوشيال ميديا

(غسيل).. وزيف السوشيال ميديا

ومن ثم كنت أتمنى لو أن صناع مسلسل (غسيل) أعطاهوها مزيد من التركيز، ليكشف للمشاهدين قدر الزيف والخداع الذي يعيشون فيه أثناء جريهم وراء نجوم الـ (سوشيال ميديا).

في 8 حلقات فقط (مدة الحلقة 45 دقيقة)، حاول مسلسل (غسيل) أن يقول أشياء كثيرة، ولكن ربما الوقت لم يخدمه، أو ربما تركيزه الزائد على قصة حسن وحنين، وإهماله إلى حد ما للتعمق في بعض الشخصيات الأخرى.

ففي النهاية يخرج المرء غير مشبعا تجاه بعض الشخصيات والأحداث التي كانت تستحق مزيداً من الاهتمام، من ذلك مثلا شخصية (حصة/ عبير أحمد) التي لا نعرف كيف أصبحت على هذه الدرجة من الشر ولماذا، ومن وراءها، وما قصة ارتباطها بشقيق حنين الضابط ثم هجرانها له فجأة.

كذلك كواليس وتفاصيل عالم الـ (سوشيال ميديا) والتلاعب به من قبل من يملكون الأموال، لكي يجنوا مزيدا من الأموال، أو ليغسلوا بعضا من هذه الأموال، كانت تحتاج أيضا إلى اشباع.

وتتجمع هذه المشاكل لتظهر في الحلقة الأخيرة من مسلسل (غسيل) التي تعاني من بعض الاضطراب الناتج إما عن الاضطرار إلى (تقفيل) العمل بسرعة، أو وجود تدخلات وآراء مختلفة أدت إلى وجود أكثر من نهاية.

فمرة يموت أحد الأبطال، ويتبين أنه حي، ومرة تموت إحدى البطلات، ويبدو أن لا أحد يهتم، ومرة نرى الأبطال ينجون بفعلتهم، ومرة نسمع أنهم في الطريق لأن يلقوا جزائهم!

عبد الله بوشهري وشجون الهاجري.. سرعة الإيقاع والتشويق

(غسيل).. سرعة الايقاع والتشويق

ومع ذلك فإني أرى أنه بشكل عام يتسم (غسيل) بسرعة الايقاع والتشويق وبالتمثيل الجيد من معظم الممثلين، ووسطهم تتألق شجون الهاجري بوجه وأداء طبيعي يؤكد اختلافها وموهبتها، وهي بالفعل أكثر شخصيات وعناصر العمل لمعانا.

وإذا كان هذا أول عمل كويتي من انتاج منصة (شاهد)، فغالباً لن يكون الأخير، بعد أن أثبت فريق العمل أن في الكويت مواهب تستحق أن تعمل وقصص تستحق أن تروى.

يبقى القول بأن مسلسل (غسيل) من الأعمال التي تم اقتباس بعض من أحداثها من وقائع حقيقة، وهو الأمر الذي كشفت عنه منصة شاهد خلال فترة الترويج للعمل، وهو ما جذب قطاع واسع منهم لمشاهدته.

لذلك كان العمل محل نقاش مستمر من قبل الجمهور على السوشيال ميديا بعد ساعات قليلة من طرحها على منصة شاهد، التي روجت بشكل واسع للمسلسل في الأسابيع التي سبقت عرضه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.