رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: ريفو.. حكاية جيل وأزماته

بقلم: محمود حسونة

عندما ينجح العمل الفني، في إعمال العقل، وإمتاع الروح، وتحريك الوجدان، واستعادة ذكريات طوتها السنين، يكون قد وصل إلى درجة من الرقي لا يصل إليها سوى النادر من الأعمال مثل مسلسل ريفو، الذي تتكامل فيها أركان الإبداع، ويتوحد فيها فريق العمل مستهدفاً تقديم عمل متميز، يتنازل خلاله كل منهم عن أنانية الفنان أو المبدع الذي يسعى للاستفراد بالنجاح عن زملائه، أو خطف الكاميرا من شريك له في الكادر، الكل يستهدف التميز له ولزملائه، ليسمو الجميع بالعمل، ويحلق به صناعه عالياً، هذا هو السر وراء النجاح الذي حققه مسلسل ريفو، الذي عرضت منصة (ووتش إت) الجزء الثاني منه مؤخراً.

المسلسل أبهر مشاهديه بما فيه من حرفية عالية في الكتابة والإخراج، وما فيه من تلقائية وبساطة وصدق في الأداء، الجمهور التواق إلى عمل فني صادق دائماً ما يعبر عن سعادته واعتزازه عندما يعثر على ما يريد، وقد تبارى قطاع عريض من الناس للتعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن امتنانهم لفريق ريفو، ولو تأملت هذه النماذج تجدها تنتمي لأجيال مختلفة ولطبقات اجتماعية متباينة، وهو ما يؤكد أن العمل الصادق يجمع ولا يفرق، يمس مشاعر كل مشاهديه، بصرف النظر عن مستوياتهم.

صخر صدقي .. أداء صادق ومبدع

عيب ريفو أنه انتهى!

أحد رواد تويتر كتب (العيب الوحيد في ريفو أنه انتهى)، وهو بذلك يعبر عن رؤيته له أنه عمل كامل الأوصاف، رغم أنه ليس هناك عمل إبداعي كامل الأوصاف ولكن عندما ينجح أي عمل في تحقيق المتعة لمشاهديه فهم لا يرون سلبياته ولا يبصرون سوى إيجابياته، ويحلقون به عالياً بكلمات لا تنقصها المبالغة بعد أن حلق بهم إمتاعاً خلال المشاهدة.

ريفو، يعتبره البعض دراما غنائية، ولكنه في الجوهر أبعد كثيراً من مجرد دراما غنائية، فهو رؤية لزمنين، الفاصل بينهما لا يزيد عن 20 عاماً، زمن التسعينات وبدايات الألفية الجديدة، وهذا الزمن الذي نعيشه حالياً، متقاربان زمنياً ومتباعدان فعلياً، وكأن هذه العشرين عاماً قد شقلبت أوضاع الدنيا وأحوال البشر، التفكير اختلف، والطباع تغيرت، والصدق راح، والثورة التقنية لم تغير الأدوات فقط ولكنها غيّرت النفوس.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: ليه لأ؟!.. يخرج عن قضبان التميز بالمحطة 3

الحكاية في ريفيو، تبدو أنها حكاية فرقة غنائية، تتكون من مغني و4 عازفين، تجمع بينهم الموهبة والرغبة في التغيير، ولكنها حكاية جيل لديه الطاقة والحماس والموهبة والحلم، يواجه المصاعب والعراقيل من الأهل والمجتمع، ولكنه يتحمل ويصبر، وعندما يقترب من تحقيق الحلم والعثور على الذات وتحقيق التغيير يموت القائد، الموجه والمعلم والمبدع، وتكون النتيجة ضياع الجيل أو أعضاء الفرقة، الكل يفقد توازنه ويذهب في طريق تدمير الذات، الكل ينتقم من نفسه ولا يفكر فيمن حوله، مروان وأداه (صدقي صخر) يذهب إلى الخمر ويحاول الانتحار عدة مرات ويدخل المصحة ولا يستجيب للعلاج، وأباظة ولعبه (حسن أبو الروس) يهرب إلى التطرف وتحريم الحق في الحياة على نفسه وعلى الأقربين، ونعمان ولعبه (مينا النجار) تحول إلى شخص مستغل يحاول أن يستغل الظروف المحيطة ليجني مكاسب وفي النهاية لا يجني سوى الخيبة، وماجد جورج ولعبه (تامر هاشم) هرب إلى خارج مصر وتعرض لأذى بدني ونفسي.

أمير عيد.. تألق في الغناء والتمثيل

أمير عيد وريفو

هذا (الباند) يقوده (شادي أشرف)، المايسترو والمغني والملحن والمؤلف والعاشق أيضاً، والذي يتسبب موته بسبب مؤامرات وألاعيب المستغلين والطامعين، في تفكك الباند، ويجسده مغني فرقة كايروكي (أمير عيد)، والذي نجح في الواقع وفي المسلسل أيضاً في خلق نمط غنائي مختلف، تفرد فيه ووصل إلى الشباب وأصبح نجماً مفضلاً لديهم، وانضم إليهم الكبار بعد مشاهدة مسلسل ريفو، ليتضاعف نطاق نجوميته، ومثلما يعشق أمير الغناء فإنه يهوى التمثيل، ولم يوفق في تجربته الأولى في فيلم (لما بنتولد)، ولكنه نجح في المسلسل ليس بفضل قدرات تمثيلية ولكن بفضل موهبته الغنائية، وبفضل كاتب مبدع استطاع أن يقدم حكاية بلد ويناقش إحباطات جيل ويؤكد على قيمة الفن والموسيقى من خلال قصة ظاهرها بسيط وباطنها عميق، وهو السيناريست (محمد ناير) الذي يستحق تقديراً خاصاً، وبفضل مخرج متمكن لم ينشغل بالبحث عن ممثلين مشاهير بقدر ما انشغل بالبحث عن موهوبين حقيقيين، ليقدم من خلالهم واحداً من أهم ما أنتجته منصات العرض الالكترونية وهو المخرج الواعد (يحيى اسماعيل)، ورغم أن أمير عيد يحتاج بعض التدريب في التمثيل ويحتاج هو وبعض عناصر المسلسل إلى تدريب لتحسين مخارج الألفاظ حتى لا يتوه المشاهد، إلا أن جودة العمل غطت على أي عيوب فيه.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: علاقة مشروعة .. خيانة (حلال) !

مثلما كان الجزء الأول هو مرحلة البحث عن الذات والحلم الذي تحقق ثم ضاع، كان الجزء الثاني هو جزء استعادة الذات واستعادة الحلم ولم الشمل وتجاوز الأزمة بإصرار مريم حسن فخر الدين والتي أبدعت في أدائها الأردنية (ركين سعد)، هى السينمائية التي تواصل مشوار والدها المؤلف الشهير ومتبني باند ريفو وداعمه بكل السبل والمؤمن بقيمة ورسالة الفن، ولعب الدور باقتدار القدير (محسن محيي الدين)، وبعزيمة أعضاء الباند الأربعة وبدعم وتشجيع المحيطين بمريم وبعازفي الفرقة.

محسن محي الدين .. نجح في احتواء الباند والأجيال

ريفو يخاطب الأجيال

الكاتب محمد ناير، هو أول عناصر الإبداع والتميز في هذا المسلسل، فقد خرج عن المألوف في الدراما الغنائية، وقدم عملاً يتضمن رؤية لأزمة جيل، بل وأزمة بلد، وانتصر خلاله الفن والموسيقى الذي يمكن أن يكون وسيلة للارتقاء، ولامس الكثير من هموم زمنين قدمهما المخرج باقتدار وبساطة لا تخلف وراءها ازدواجية تشوش المشاهد، ووصل (ناير) إلى قمة الإداع في البناء الدرامي الذي ظل جاذباً لاهتمام المشاهد طوال الحلقات، وما تضمنه من مفاجآت درامية على امتداد الجزأين لم تكن لتخطر على البال، كما أبدع المخرج في تسكين الممثلين ليضع كل منهم في مكانه المناسب.

لعل الأجيال الجديدة لا تعلم السبب في تسمية المسلسل بـ ريفو، وهو اسم دواء كان موجوداً في الماضي في كل بيت مصري، وهو العلاج المسكن للآلام أياً كانت أنواعها، وكان لا يباع في الصيدليات فقط ولكن أيضاً في محلات البقالة، ويبدو أن المسلسل أيضاً أراد أن يعالج أمراض جيل، تنوعت وآلمت وأوجعت، واحتاجت إلى ريفو، أملًا في أن يكون علاجاً أو على الأقل مسكناً.

النجاح في الدراما والقدرة على جذب المشاهد ونيل إعجابه لا يستلزم نجوماً بقدر ما يستلزم مواهب صادقة وإبداعاً حقيقياً وخروجاً على المألوف وقدرة على التماس مع هموم وأحلام الناس.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.