رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شهد الملكة .. فيلم  حول الرجال إلى شخصيات كاريكاتيرية بارزة

* الفيلم يكاد يكون نسخة كربونية من النص الأدبي

* الرواية تدور من خلال عزيز، بينما في الفيلم يدور من خلال زهيرة التى جسدتها نادية الجندي

* هذا النوع من النصوص، والنساء، والمصائر، يناسب أنواع الأفلام التي كانت تقدمها، وتنتجها نادية الجندي

* السيناريو مثل أغلب النصوص الأدبية، حول امرأة  يحوم من حولها الرجال، يتساقطون الواحد تلو الآخر حتى تظفر بواحد منهم

* نجيب محفوظ في روايته لم يصف المأمور، ولا أي من أبطاله

بقلم الباحث والناقد السينمائي : محمود قاسم

من الأفلام المهمة في تاريخ الفنانة الكبيرة نادية الجندي، فيلم شهد الملكة، إنتاج نجوى الموجي، وقدم عام 1985، وهو قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ، سيناريو مصطفى محرم، حوار بهجت قمر،  وإخراج حسام الدين مصطفى، وقام ببطولة الفيلم مجموعة كبيرة من النجوم منهم (فريد شوقي، حسين فهمي، سعيد صالح، صلاح قابيل، محيي إسماعيل، عايدة عبدالعزيز، نجوى الموجي، نعيمة الصغير، أحمد لوكسر، إحسان شريف)

شهد الملكة، فيلم مأخوذ عن رواية (الحرافيش)، وهذه الرواية وجدت بحكاياتها العشر صدى طيباً لدى صناع أفلام الحركة، من كافة الأجيال، وعلى رأسهم نيازي مصطفى، ثم حسام الدين مصطفى، والجيل الذي ينتمي إليه مثل (أشرف فهمي، وعلي بدرخان، وأحمد ياسين، وسمير سيف)، وقد تم إنتاج سبعة أفلام من هذه الرواية، في فترة سينمائية وجيزة للغاية، كأنما وجد صناع أفلام الحركة في حكايات الفتوات نبعاً لا ينضب، يقترن اسمه بالكاتب نجيب محفوظ ، وسرعان ما قام حسام الدين مصطفى بإخراج فيلمين عن حكايتين في فترة وجيزة واستعان ببعض النجوم.

إقرأ أيضا : ملوك الشر في السينما المصرية .. نادية الجندي (5)

وبدا كأنه قد قسم الاستوديو إلى قسمين، يخرج من أحدهما إلى الآخر، إلا أن فيلم شهد الملكة، جاء عرضه أولاً، وبدا كأنه مناسباً تماماً لنوع الأدوار التي تجسدها نادية الجندي في تلك المرحلة، حول صعود امرأة من قاع المجتمع إلى قمته.

شهد الملكة.. هو الحكاية السادسة من ملحمة (الحرافيش)

شهد الملكة بين النص والفيلم

في النص الأدبي نجد شهد الملكة، هو الحكاية السادسة من ملحمة (الحرافيش)، التي تبدأ بمعلومات عن نهاية الفتوة سماحة، الذي مات سعيداً وهو يتوهم أنه إنما يهاجر فردوساً إلى فردوس، أما الشخص الرئيسي في النص الأدبي فهو (عزيز) صاحب محل الغلال الذي أغتنى، وهو حفيد سماحة، الذي تزوج من عروس حسناء مثقفة فوجد فيها بغية قلبه، إنه يبحث عن شخص يصلح أن يكون فتوة يبعث عهد (عاشور) بعد موات، بعد أن صار (آل ناجي) من بين الحرافيش، فصهرهم الفقر والبؤس، فوثب (نوح الغراب) إلى الفتونة، وهو شخص فظ ، غليظ ، نهم ، استثمر قوته في الاستبداد، فصار من كبار الأثرياء .

وفصول رواية شهد الملكة القصيرة تحكي تباعاً حال الحارات، حتى نصل إلى (زهيرة)، التي مات أبوها العامل، وهي في السادسة، فاعتنت بها (عزيزة ، أم عزيز الناجي)، وخُصت بمعاملة رقيقة

بحسب فيلم شهد الملكة، تتزوج بهيرة من عبد ربه الفران، وتردد عزيزة: (البنت ممتازة، وتستحق تكون زوجة عبده الفران)، وقبل أن تذهب بهيرة إلى زوجها يكتشف عزيز مدى ما تتمتع به الفتاة من حسن وأنها روح الجمال الفتاك، إذن فالرواية تدور من خلال عزيز، بينما سوف نرى أن الفيلم يدور من خلال محوره الرئيسي (زهيرة)، فـ (عزيز) الذي لم ير زهيرة من قبل، رغم أنها تربت في بيت أمه، قد صعقه جمالها ليلة دخلتها على الفران.

وبداية من القسم 15 من النص الأدبي في شهد الملكة، بدأ الكاتب يهتم بزهيرة كشخصية محورية، فهي تخرج من البيت بناء على طلب الزوج كي تبيع اللبن فتتنبه إلى مكانتها في أعين الآخرين، وأثناء ذلك تنجب (جلال) ثم تعمل في بيت رئيفة الخصم اللدود لعزيزة مما يغضب هذه الأخيرة.

وفي تفاصيل فيلم شهد الملكة، يبدأ ظهور الرجل الثاني في حياة زهيرة في بيت رئيفة، إنه محمد أنور، ابن المرحوم زوج رئيفة، والذي يعمل فسخاني خاصة البطارخ، وصار يتردد أكثر على بيت رئيفة من أجل زهيرة، وفي إحدى المرات يعلن لها: (أنا بحبك) مما يدفعها إلى الوقوع في دوامة من التمرد والتحفز، وعندما يحس زوجها بالخطر يلطمها، فيجن جنونها وتتجمد حواسها، وتغادر البيت بدورها قاذفة بالماضي في أحضان القناعة وتطلب من رئيفة البقاء عندها فتوافق.

رفض زهيرة العودة إلى زوجها الفران يصيبه بالجنون

جنون الفران في شهد الملكة

يعرض سيناريو فيلم شهد الملكة، رفض زهيرة العودة إلى زوجها الفران يصيبه بالجنون، ويلجأ إلى الخمر وينصحه البعض أن في الطلاق راحة للبال، وتتدهور حالته إلى أن يصير مجنون المكان، مما يثير التعاطف مع زهيرة، ويقوم الفتوة نوح الغراب باستدعاء الفران، ويأمره أن يطلق زوجته .

يقع الطلاق، وتبدو زهيرة امرأة وقد استمدت قوتها من سيدها، مما يقرب بين زهيرة ومحمد أنور، بينما تفشل محاولات الفران في إعادتها، وتجد زهيرة نفسها مثل ملكة النحل بين رجلين من وسطين مختلفين يطاردونها ، فتتزوج من المعلم محمد أنور تاجر البطارخ، ضد رغبة سيدتها مما يثير دهشة الحارة، وتجد زهيرة نفسها سيدة دار في شقة متعددة الغرف، ثمينة الأثاث، ويراها الناس عند خروجها في زي جديد فتهتف أعماقهم: (سبحان الله الخلاق العظيم).

إقرأ أيضا : أغنيات (بمبه كشر) أنتجتها نادية الجندي لـ (صفاء أبوالسعود)

وزهيرة إمرأة متقلبة، تصالح عزيزة، كي تسب رئيفة، وتقول لها حين تقابلها في الطريق يوماً: (أنا هانم مثلك)، بينما لا يختفي عبده الفران عن الأنظار، وكلما ارتقت زهيرة وازدادت جمالاً شعر الزوج الجديد بأن مصيره مثل مصير الفران، حتى لو حملت منه، فتبدأ في التمرد عليه وترغب في الخروج ويأمرها بالتزام الدار.

زهيرة امرأة تأبى أن تنهزم على قدر سيناريو شهد الملكة، وعندما يشتد الخلاف تقرر أن تذهب لتعيش في بيت سيد الحارة (عزيز) وتقول له: (لم أجد سواك ملجأ لحيرتي)، وفي لقائها به تحس أنه معجب بها، وتتوارد خواطرها أن تصبح ضرة لألفت زوجة عزيز .

ينزل المأمور إلى الحارة، ويستعرض قوته مع رجاله المسلحين

المأمور فؤاد في شهد الملكة

رغم أن زهيرة تنجب للمرة الثانية، وهذه المرة من محمد أنور، فإن (نوح الغراب) يظهر في الأفق رغم إغداق زوجها عليها لكنها تقول بينها وبين نفسها: (المال يخلق القوة ، والقوة تخلق المال)، فالفتوة يأمر الزوج أن يطلق زوجته، ويحس (محمد) أنه سيعامل مثلما عومل عبده الفران فيلجأ إلى الشرطة، وهنا يدخل ذكر جديد في حياة ملكة النحل، زهيرة، إنه المأمور فؤاد، الذي يستدعي الفتوة ويخبره بشكوى محمد ضده، وهو أمر نادر الحدوث في الحارة.

في أحداث شهد الملكة، ينزل المأمور إلى الحارة، ويستعرض قوته مع رجاله المسلحين ، في موكب ، ومن الملاحظ هنا أن النص الأدبي مكتوب ليصلح تماماً لسينما فهو يعتمد على الحوار ومكتوب بما يشبه السيناريو وفي تقاطعات موفقة سريعة، فالمأمور يضع عينيه على زهيرة، ويستدعي محمد ويطلب منه باللين والمنطق أن يطلق زوجته خوفاً على حياته كإجراء مؤقت، وعندما يقرر محمد الهرب مع زوجته لكنها ترفض خشية التشرد والضياع، وبعد مواجهة معه تصرخ فيدخل الرجال لنصرتها، أما محمد فيهرب خشية أن يرتكب (جريمة شروع في القتل).

ذكور نحل شهد الملكة حاموا حولها كثيرا

ذكور نحل شهد الملكة

تتطور أحداث فيلم شهد الملكة، حيث يختفي الزوج دون أن يطلقها وتتم محاكمته غيابياً ويتم الطلاق ما يزيد من ذكور النحل حولها، كان أول من طرق الباب هو عبده الغراب، فتسد الباب في وجهه، ثم يتسلل شيخ الحارة وهو شخص غير موجود في الفيلم لكن هذا الرجل هو رسول المأمور، إذن أمام المرأة ثلاثة رجال بعد الرجلين اللذين خرجا من حياتها، إنهم (نوح ، والمأمور ، وعزيز) والأخير هو أفضل الثلاثة، وهم جميعهم متزوجون من أكثر من امرأة، والفتوة الذي زلزل الحارة بتطليقهن معاً، لقد اختارت زهيرة القوة.

سارت زفة نوح الغراب في موكب ضخم – كما صورها فيلم شهد الملكة – وفي حفل الزفاف يصاب الغراب برصاصة قتلته، عقب معركة دامية مع قوات الشرطة، وتبدأ الكوارث في الحارة فالشؤم يسير بين يدي هذه المرأة الجميلة التي لا يقف طموحها عند حد، لكن سرعان ما أفاقت من الصدمة وبدأ ظهور المأمور مرة أخرى، وجاءها شيخ الحارة، وبدأ الأمل من جديد لكن المأمور يتم نقله إلى الصعيد وتخلو مطاردة ذكور النحل إلى الذكر الأخير، إنه المعلم عزيز الناجي الذي  استشار أمه العجوز عزيزة  التي تهتف أنها (الأفعى) أكثر من مرة وترفض بكل إصرار، لكن الزواج يتم وتقاطع عزيزة الفرح ويشتري عزيز دار نوح الغراب ويهديه إلى زوجته الشابة .

إقرأ أيضا : نادية الجندي: أنا مصمم أزيائي الأول والأخير

وفي شهد الملكة، تزداد المرأة جاهاً، يتطلع الناس إليها في إعجاب وحقد وذهول، وتنجب لعزيز ابنها الثالث فتزداد الدنيا جمالاً وكرماً، إلا أن محمد أنور يعود من النسيان، كي يهشم رأسها بعصا غليظة فلا يبقى من وجه البهاء والجمال إلا عظام محطمة غارقة في بركة من الدم .

كما أشرنا فالنص الأدبي جهز بإتقان شديدكي يتحول إلى فيلم، وإذا كانت الصفحات الأولى قد كتبت حول عزيز الناجي، فإن النص صار بعد ذلك حسب عنوان الفصل، أو الحكاية شهد الملكة، فهناك خمسة رجال على الأقل في حياة المرأة، تزوجها أربعة منهم، أما الخامس فقد تم نقله .

نادية الجندي نجحت في تجسيد دور المرأة التي تصعد اجتماعياً في شهد الملكة

نادية الجندي وشهد الملكة

ولاشك أن مثل هذا النوع من النصوص والنساء والمصائر يناسب أنواع الأفلام التي كانت تقدمها وتنتجها نادية الجندي، وقد جاء إنتاج الفيلم في فترة الحظر العربي على أدب نجيب محفوظ فظهر الفيلم حاملاً شعار (من الأدب المصري)، كما قرأنا على إعلانات وأفيشات الفيلم، أي أن الفيلم ولد بدون اسم نجيب محفوظ .

أما نادية الجندي، الذي سبق أن جسدت مثل هذا الدور حول المرأة التي تصعد اجتماعياً من خلال جمالها وما لديها من قوة شخصية وطموح لا ينتهي، فقد وجدت نفسها في هذا الدور فأنتجت الفيلم وتم إسناد العمل إلى  حسام الدين مصطفى.

فيلم شهد الملكة إذن مثل أغلب النصوص الأدبية حول امرأة يحوم من حولها الرجال، يتساقطون الواحد تلو الآخر حتى تظفر بواحد منهم، وهي تموت بيد الرجل الثاني في حياتها، وهى التي أنجبت ثلاثة من الذكور من (الفران ومحمد، وعزيز).

كاتب سيناريو شهد الملكة هو مصطفى محرم الذي تعاون مراراً مع النصوص الأدبية خاصة نجيب محفوظ وأيضاً مع نادية الجندي، فالفيلم يبدأ من خلال المعركة التي بسببها يعتلي نوح الغراب عرش الفتوة بعد أن ينتصر على خصمه ويدخل الحارة منتصراً وحوله رجاله حاملين النبابيت، إنه رجل صارم، حاد الطباع ، له عين مفقوءة مشوهة، ومنذ المشهد الأول يستعرض  الفيلم أبرز شخصياته، فبينما الفتوة في زهوته، هاهو المأمور فوق جواد ، ليصل كي يهنيء الفتوة.

نجيب محفوظ في روايته (الحرافش) التي تحولت لـ شهد الملكة لم يصف المأمور ولا أي من أبطاله، فقط عرفنا أن زهيرة جميلة، أما الشارب الكثيف غريب الشكل الذي وضعه المأمور فهو سينمائي يعطي الشخصية سخرية ملحوظة، والعين المفقوءة تعطي الفتوة قوة وصلابة، الفتوة والمأمور وجهان لعملة واحدة يرمزان إلى السلطة بكافة أشكالها.

ثم يبدأ فيلم شهد الملكة في استعراض بقية أبطاله، ابتداء من زهيرة التي تعمل خادمة في بيت عزيز، تاجر الغلال الثري الذي يراقب الفتاة وهي منهمكة في عجن الدقيق .

في شهد الملكة ظهرت نادية الجندي امرأة ذات جاذبية خاصة

شهد الملكة امرأة ذات جاذبية

يقول الناقد السينمائي الكبير كمال رمزي في نشرة (نادي سينما القاهرة ـ 22/7/1985 ) عن فيلم شهد الملكة: (إن زهيرة في المصدر الأدبي تمثل الطموح القروي المطلق وتتمتع بذكاء فطري حاد وقدرة هائلة على جذب الآخرين، وهى تكشف بالتجارب طاقتها المتحفزة الصارمة وتتحول مع الأيام إلى شعلة  ملتهبة من نار تحرق كل من يقترب منها لتلقى في النهاية حتفها على يد أحد أزواجها المهجورين، إنها نموذج لمن قست عليه الحياة فقرر بإرادة من فولاذ أن يصبح جحيماً).

وزهيرة في شهد الملكة امرأة ذات جاذبية، فالمعلم عزيز لم ينظر إليها مثلما في الفيلم، وهى تعجن وقد تعرى وركاها، لكن (زهيرة) تشعر بإعجاب عزيز بجسدها منذ رأها تنتقل إلى بيت الفران بعد أن تتزوجه، أما بقية الأحداث فإنها تتحرك بالآلية نفسها مثلما في النص الأدبي ..

إذن  ففيلم شهد الملكة يكاد يكون نسخة كربونية من النص الأدبي، خاصة أن هذا النص – كما أشرنا – يعتمد على الحوار الذي لم يخرج عنه الفيلم، فمصائر الشخصيات هى نفسها، فالفتوة يموت ليلة زفافه، إلا أن زهيرة لا تتزوج من عزيز في الفيلم مثلما حدث في القصة، فهي أنجبت ابنها الثالث من الزوج العجوز، وقد قتل محمد أنور امرأته السابقة قبل أن يتم زفافها على عزيز .

وفي فيلم شهد الملكة  تحول الرجال إلى شخصيات كاريكاتيرية بارزة، فإذا كان من سمات الكاريكاتير المرسوم هو تضخيم الصفة، كي تحس بها، فإن المأمور هنا رجل كاريكاتيري ، شاربه الذي ألصقه أسفل أنفه، وبذلك يبدو غير مألوفاً في طريقة تلفظه بالكلمات، أو في حركاته واللعب بعضلات وجهه، أما الفران فهو على وجه النقيض، قد تحس أن ملابسه أقرب إلى ملابس الفران، لكن هذا الماثل أمامنا لم يكن أبداً فراناً مهما لخبط شعره، أو دهن وجهه بالهباب.

أما ديكور شهد الملكة، فقد بدا أشبه بالشوارب الملتصقة خاصة ديكور الحارة، قد تحس أن هناك محل فسخاني، إلا أن تلك اليافطة المعلقة فوق المحل وهى يافطة من قماش أشبه بإعلانات الانتخابات، أما المحل الشعبي فهو أبعد ما يكون عن ما نعرفه من هذا النوع من المحلات ، وكذلك  السكين الذي يمسكه الفسخاني ليقتل به حبيبة القلب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.