رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الدراما الجزائرية) تدخل حلبة السباق العربي بقوة!

كتب: محمد حبوشة

عرفت الدراما العربية في هذا الموسم الرمضاني عرض عدد كبير من الأعمال تنوعت مواضيعها وتعددت أبطالها، حيث انفردت الدراما المصرية بالصدارة بعرض أكثر من 30 عملا، عالجت موضوعات وقضايا متنوعة وطنية وتاريخية واجتماعية ودينية وكوميدية، وشهدت الدراما الرمضانية هذا العام موضوعات ذات أهمية للمجتمع، مثل قضايا المرأة والأحوال الشخصية والتعامل مع ملف الإدمان والتنمر والتوعية بأساسيات حقوق الإنسان، وغيرها.

في الدراما الوطنية مثلا، معركة الانتصار على الإرهاب ومواجهة مصر لأوقات عصيبة مثل مسلسل (الكتيبة 101) بينما تسرد الدراما التاريخية فترة الحملة الفرنسية على مصر وصورا أخرى من المقاومة في مسلسل (سرة الباتع)، مع الإشارة إلى أن الدراما الرمضانية المصرية هذا العام تشمل تاريخ مصر ورموزها الوطنية في مجالات الحياة المختلفة.

وجاءت المسلسلات ذات الطابع الاجتماعي في مقدمة الأعمال التي جذبت الجمهور وخلقت رأيا عاما حولها، وهي تعرض نماذج من الفساد والبلطجة وصراع الخير والشر، وأكثر هذه الأعمال تأثيرا على الجمهور المصري مسلسل (تحت الوصاية) الذي حصد أكبر عدد من المشاهدات وخلق حالة جدل وأخذ ورد في الشارع المصري، بعد تعرضه لقضية (الوصاية) على الأيتام من قبل أمهم، والتي تأمل عديد الأطراف أن يعاد النظر في قوانينها، كما تعود الدراما الدينية في إطار تقديم الخطاب الديني من حياة (الإمام الشافعي).

وشهدت الدراما السورية في الموسم الرمضاني 2023 منافسة شديدة على مختلف الأصعدة، ومع تقدم أحداث المسلسلات بدت معالم الشخصيات واضحة، وبدأ الجمهور ينحاز إلى من يراه الأفضل كل حسب رأيه ومزاجه الشخصي، وتضمنت العديد من المسلسلات التي تحمل صراعات مختلفة شخصيات تمثل الشر والقسوة والجبروت، قدمها عدد من النجوم كل حسب ما يراه مناسباً للشخصية التي يمثلها، وتميزت الدراما السورية بكثير من السياسة وقليل من المواضيع ذات الطابع الرومانسي عكس السنوات الماضية، مثل مسلسل (الزند) بطولة النجم (تيم حسن) أو مسلسل (مربى عز) كذلك من بطولة النجم الشاب (محمود نصر، وعباس النوري، ووزان نجم الدين)، بينما سجلت الأعمال التي تتعرض للبيئة الشامية حضورا مميزا، فجاء (الجزء 13) من مسلسل (باب الحارة)، بالإضافة إلى مسلسل (حارة القبة) والأكثر انتشارا وتأثيرا مسلسل (زقاق الجن) الذي عرف متابعة كبيرة من قبل الجمهور العربي.

يقال: (إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة)، ويبدو أن الدراما الجزائرية ما تزال في خطوتها الأولى لكنها تسير في ثبات نحو إثبات جدارتها في انتظار مرحلة جديدة تتسم بالنضج، خاصة في ظل تنوع الأعمال وتعددها (حوالي 10 أعمال تم إنتاجها رمضان 2023)، مع استمرار المنافسة التي تعتبر عاملا أساسيا لتحسين جودة الأعمال، والتي تفرض على أصحاب العمل والمنتجين تقديم الأفضل، ويبقى على الدراما أن تستغل شغف ولهفة الجزائريين لكل ما هو جزائري، بتقديم أعمال ذات جودة عالية من حيث الإخراج والسيناريو والكاستينج.

الدامة.. ركز على البيئة الشعبية الجزائرية

ومن هذا المنطلق عرف الموسم الرمضاني 2023 انتعاشة كبيرة، حيث شكلت الدراما الجزائرية والعربية الاستثناء، وجاء إنتاج رمضان هذا العام وفيرا بالأعمال التي تخاطب خيال الجمهور بشغف القصة وروعة الأداء، وعليه فقد شغلت الدراما الجزائرية لأول مرة في تاريخها مواقع التواصل الاجتماعي الجزائري والعربي، وفتحت الباب واسعا لطرح تساؤلات وإشكاليات حول هذه الدراما التي تعتبر فتية مقارنة بالدراما المصرية أو السورية، لكنها استطاعت في ظرف وجيز أن تقارع الكبار بعد أن كسر مسلسل (الدامة) الجزائري حاجز العشرة ملايين مشاهدة لحلقة من حلقاته على موقع اليوتيوب بل تجاوز الـ 100 مليون مشاهدة لمجموع حلقاته، وشغل الجزائر والوطن العربي بالجدل الذي خلفه، في ظل تنوع الدراما العربية (مصرية وسورية وخليجية)، والتي قدمت الكثير والجديد لهذا الموسم.

استطاع مسلسل (الدامة) أن يرفع من سقف التوقعات لدى المشاهد الجزائري، الذي أصبح يطالب بأعمال ذات نوعية إخراجية ممتازة وذات سيناريو يعكس الواقع الجزائري ويغوص في همومه ويبرز خصوصيته بكل تفاصيلها الصغيرة، من اللبس إلى الأكل إلى اللهجة وطريقة الكلام وحتى الأمثال الشعبية التي كانت تطلقها (صليحة شقلالة) التي جدتها (عايدة عبابسة)، وأدى هذا التميز الذي استقبله الجزائريون بشغف كبير، وهو الذي حرم لسنوات لكل ما يرمز له ويمثله على مستوى الصورة البصرية، فتماهى مع شخصياته واندمج مع أحداثه.

البطحة
حداش 11.11
البطحة

ولا يتوقف النجاح الذي حققته الدراما الجزائرية عند مسلسل (الدامة) فقد حقق المسلسل الكوميدي (البطحة) الإجماع حول جمالية وجودة ما قدمه على المستوى الكوميدي والأفكار التي طرحها بطريقة كوميدية مهضومة، إذ صنف المسلسل كأحسن عمل كوميدي لهذا الموسم، بإجماع الجمهور المشاهد وآراء المتابعين والنقاد على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبرا مهما للحكم على العمل، كما حقق مسلسل (حداش 11.11) الرواج والقبول لدى المشاهد الجزائري الذي اكتشف قدرة الكاستينج الجزائري على تجسيد كل الأدوار وبراعة كتاب السيناريو في وضع سيناريوهات بوليسية تنافس السيناريوهات العربية، وقد بلغت عدد مشاهدات المسلسل أكثر من مليون مشاهدة للحلقة الواحدة، ويأتي في المرتبة الثالثة بعد مسلسل (البطحة) الكوميدي ومسلسل (الدامة)، ويبقى مستقبل الدراما الجزائرية بالتأكيد مستقبلا واعدا مع الجيل الجديد من المؤلفين والمخرجين والممثلين، وما يلفت الانتباه هو وجود وجوه سينمائية ووجوه مسرحية في الدراما أعطت لمسة وصبغة جديدة على الدراما الجزائرية وقفزت بها خطوات نحو الأفضل.

حارة الشهداء

وقد جاءت أعمال أخرى في موسم رمضان 2023 على طريق الجودة والشغف لمشاهد متعطش لدراما بلاده، ومنها على سبيل المثال: (حارة الشهداء)، وهو سلسلة درامية اجتماعية ترتبط أحداثها بحارة الشهداء التي سقط كثيرون من سكانها شهداء حرب التحرير، ويندلع الصراع بين مالك الحارة ومستثمر فاسد أخلاقيا، أما الآخر فهو باللغة الأمازيغية وحمل عنوان (آسيف نتزيزوا)، الذي يروي قصة (باية) التي تفارق ابنتيها التوأمين بعد مغادرة الوالد (مقران) على قارب هجرة غير شرعية، لتعيد الزواج من (سالم) وتظل تبحث عن البنتين (روزا، وحكيمة) إلى أن تجتمع بهما.

بنت البلاد

وكذلك مسلسل (بنت البلاد) الذي تتمحور أحداثه في إطار اجتماعي درامي وترفيهي، يتناول عديدا من المشكلات التي يعانيها المجتمع الجزائري، ويتم تصوير المسلسل على أساس أحداث حياة أسرة تتكون من مجموعة من الأفراد، وكل فرد لديه حياة مليئة بالمشكلات وبعض الأفراح، وتحمل أحداثه كثيرا من مشاعر الحب والحلم إلى الغيرة والخيانة والانتقام والظلم والثأر والأنانية، وقد حقق مشاهدات قياسية خلال ساعات فقط من طرحه، أما العمل الفكاهي (دار لفشوش) الذي حققت حلقته الأولى نحو مليون ونصف المليون مشاهدة، بفارق بسيط عن مسلسل (بنت البلاد)، وتدور قصته حول عائلة أرستقراطية تعيش حياة الرفاهية، إلى أن تجبر على ضم فرد جديد إليها وهو ابن العم، وذلك بأمر من الأب الذي يحتضر، فتجد هذه العائلة البورجوازية صعوبة في تقبل الوافد الجديد إليها بسبب الاختلاف الطبقي والثقافي.

وجاءت سلسلة (أخو البنات) التي حققت الحلقة الأولى منه مليونا و200 ألف مشاهدة لتحتفي بالتراث الجزائري عموما، من اللهجة والمطبخ إلى الإرث الفني والموسيقي والسياحة، وهو العمل الدرامي الكوميدي الذي يتناول قصة أخ لديه أختان ترفضان الزواج، ومن خلال الأحداث تناقش الحلقات عددا من القضايا الاجتماعية بشكل ساخر مثل: أزمة المياه وسلطة الأخ ومشكلات الغربة والحنين إلى الوطن.

دار لفشوش

فضلا عن ماسبق هنالك أعمال أخرى مثل مسلسل (بنات الحلال) ويدور المسلسل حول بعض المشكلات المجتمعية، في إطار بحث يقوده اثنان من الأُخوة، عن عائلتهما بعد أن عاشا طفولتهما في ملجأ بعد موت والدتهما وسجن أبوهما ويشاء القدر أن يلتقيا بأخيهما الصغير إلياس وأيضا والدهما الذي اعترف أنه ظلم والدتهم واتهمها باطلًا بسوء سيرتها وقتلها، ومن ثم يتم استكمال الأحداث، التي لا تكاد تخلو من إثارة وجذب للمتابعين، ومسلسل (الضامة)، من خلال قصة تدور في زمنين متقاربين ومختلفين في الوقت ذاته، ولكن بأحداث تختلف في كل زمن على حده، تجمع بين الإثارة والدراما، ولا تخلو من الكلاسيكية، ومسلسل (يوميات عائلة مسوس)، الذي يعد من نوعية (الست كوم) والذي يعى لحل بعض المشكلات الاجتماعية، داخل مجتمعهم، في إطار من خفة الظل، ويضم كوكبة من ألمع نجوم الصف الأول وكذا الفنانين المتميزين.

أحوال الناس

ويأتي مسلسل (أحوال الناس)، في موسمه الثالث لينتمي للدراما الاجتماعية، التي تتناول المشاكل داخل المجتمعات الأسرية، والسعي نحو الاحتيال لامتلاك المال بالتزوير، في معالجة تستهدف محاكاة ما يمر به الإنسان حياته اليومية، من مواقف وأحداث تجعله يتعلم منها دروس حياتية، وتكون اختبار لما سيلاقيه في المستقبل، أما في مجال الإثارة والتشويق فيأتي مسلسل (الاختبار)، الذي يتناول في موسمه الجديد، نسخة جديدة من الأحداث التي تموج لوصف الوقائع الدرامية المختلف، لتنطلق بالجمهور نحو أجواء مختلفة بين الإثارة والتشويق.

أخو البنات
الاختبار

وفي النهاية لابد لي أن أتوقف أمام ما ذكره كاتب (الخبر) الجزائرية، مؤكد على ضرورة أن تستفيد الدراما الجزائرية من الدرامتين (المصرية والسورية) اللتين لم تبن مجدها على أنقاض أي تقليد، بل أسست لنفسها مسارا مغايرا لما كان موجودا فاستحقت مكانة لها مع الكبار، وعلى الدراما الجزائر أن تسير بهذا المنطلق وتؤسس لنفسها مسارا مختلفا على ما هو موجود عربيا من حيث الأفكار والتيمات المعالجة والإطار الدرامي والحوار وفلسفة الحوار، ومنطق الحوار الذي لا يجب أن لا يضل أو يخرج أو يتيه عن جزائريته وخصوصيته الجزائرية.

وأسس هذا الكاتب الواعي لتطور الدراما الجزائرية في موسم رمضان 2023، على أنه لم تعد الدراما مجرد مسلسلات للتسلية والترفيه فقط في شهر رمضان أو طيلة السنة، بل هى قوة ناعمة أصبحت تستقطب كبرى شركات الإعلانات، وهى تعبر عن مجتمع ورؤاه وسياسة بلاده وتعكس تاريخه وهويته البصرية، وعلى الدولة أن تدرك ذلك وتستثمر في هذا الجانب، وخير دليل على ذلك نجاح مسلسل (الدامة) الذي يعوض عن الملايين من الأموال التي قد تصرف للترويج لصورة الجزائر، فمسلسل واحد قام بما لم تستطع القيام به الكثير من الهيئات.

كما أن ذلك يجبر الدولة على التفكير في وضع سياسة على المدى البعيد مثل ما فعلت (مصر) في تأسيس لشركات إنتاج وطنية للأعمال الدرامية، وهنا لا تعكس فقط الواقع الجزائري بل أيضا تقدم النموذج الإيجابي للجزائر، فالجزائر ليست صراعات فقط ومخدرات، فالأحياء الشعبية أيضا هي قيم وأخلاق ومبادئ وتضامن وتكافل اجتماعي ووعي وطني وتاريخ مجيد وطويل من النضال، وهذا لا يعني قتل وخنق المسلسلات التي تخرج عن هذا الإطار بل تشجيعها، لأنها أيضا تعبر عن جزء من الواقع الذي يعيشه الشعب، وما الدراما إلا نقل للواقع بطريقة فنية دون مبالغة في جانبي المعادلة بين الإيجابي والسلبي.

ألم أقل منذ البداية أن الدراما الجزائرية تدخل حلبة السباق العربي بداية من موسم رمضان 2023؟، اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.