رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد حبوشة يكتب : منة شلبي .. موهبة تستحق السلامة والعافية

بقلم : محمد حبوشة

لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة في قضية النجمة الشابة (منة شلبي)، كما روج لها البعض بأنها كانت مستهدفة من جانب جماعات الإسلام السياسي، بعد نجاحها في مسلسل (بطلوع الروح).. تحفتها الفنية الرائعة في رمضان 2022، فالمؤكد أنها أخطأت وأوقعت نفسها في المحظور، ومع ذلك  أتمنى من كل قلبي تبرئة ساحتها أمام القضاء في ذلة يبدو أنها لم تدرك آثارها في غيبة من وعيها عندما أقدمت على جلب أنواع مختلفة من المخدرات المخلقة، فهى إلى جانب أنها ممثلة موهوبة وتستحق التعاطف معها لتجاوز تلك المحنة التي ألمت بها، فإنها قد عانت كثيرا في حياتها خارج البلاتوه، ومع ذلك قدمت لنا لوحات فنية جديرة بالاحترام في السينما والدراما التلفزيونية.

وربما مصدر تعاطفي مع (منة) أنها فخر الصناعة المصرية التي عشقتها الكاميرا، وذلك نظرا لأن تملك مجموعة واسعة من المهارات الاستثنائية التي تعتمد بشكل أساسي على قدرة الشخص على تطويرها، مثل الخيال والتقمص العاطفي واستخدام لغة الجسد، بالإضافة إلى وضوح مخارج الحروف والقدرة على فهم الدراما، والحقيقة أن (منة شلبي) واحدة من أبرز بنات جيلها حيث تألقت في السينما والدراما التليفزيونية واللاتي قدمن علامات بارزة ستظل راسخة بأسمائهن في سجل الفن المصري الحديث، وهو شيئ طبيعي جدا لأن ولادتك مع موهبة تمنحك القدرة على عرض المشاعر وتقمص الأدوار، إلى جانب التدريب والممارسة، يزيد فرصك بأن تصبح ممثلا بارعا ورائدا في هذا المجال.

بطلوع الروح

وفضلا عن ذلك فهى واحدة من أولئك الموهبين والتي انخرطت في دراسة أكاديمية منحتها البراعة في لعب أدوارها بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة وفقا للمخرج والمشرف الفني (ماركوس)، فإن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به، وهو ما تفعله (منة شلبي) صاحبة الموهبة الفذة في كل دور تقوم به كما بدا واضحا في كافة أعمالها السينمائية والتلفزيونية.

ومن خلال متابعتي لمسيرتها الفنية عبر أكثر من عشرين عاما لاحظت أن جودة موهبتها ظهرت أكثر في فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي تؤديها، ومن ثم تختار دائما الأداء الأنسب للشخصية، ولهذا لم تتحول كممثلة إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل، بل كانت دوما تملك القدرة على الانكشاف العاطفي الكامل، وتلك تعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بالقدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي)، والذي يعني استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة.

يحتاج الممثل أو الممثلة إلى الوقت والممارسة بالوقوف على المسرح أو أمام الكاميرا، حتى يصلوا إلى مرحلة الراحة بالوجود أمام مجموعة كبيرة من الناس، أما في حالة ضعف الثقة بالنفس عند الوقوف أمام الكاميرا، فإن الممثل يدفع إلى ما يمكن تسميته (حماية أنفسهم) من الانكشاف العاطفي عند تأدية الممثل دوره وفقا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية، وهذا ما تفعله (منة شلبي) في كل حالاتها الإبداعية وربما هذا ما يميزها كممثلة مخضرمة عن الممثل الصاعد، إذ يساعد تراكم الخبرة لديها بزيادة ثقتها بعملها حتى إن أخطأت في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.

في كل أسبوع يوم جمعة

تملك (منة شلبي) قدرة هائلة ومميزة على استخدام شتى اللغات أو اللهجات ببراعة، ولا يؤثر ذلك على أدائها التمثيلي والفني بشكل كبير، فهى تملك مثل كثير من البشر طيف واسع من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة، ولكنها تستخدم عددا محدودا جدا منها، ولأنها ممثلة جيدة للغاية فتعمل على تدريب حنجرتها ولسانها على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها.

ومن هنا أعتبرها نموذج أصلي للصناعة المصرية الفنية بجودة عالية، والتي تعد واحدة من أبرز أبناء جيلها اللاتي برعن في فن التمثيل الحقيقي، فقد ظهرت منذ بداية الألفية الثالثة بشكل مختلف على مستوى الأداء الاحترافي العذب، ولا تزال تقدم الكثير من الأعمال المميزة، حتى أصبحت في الوقت القصير الماضي رقما صعبا في معادلة السينما والدراما التليفزيونية، نظرا لأنها من أصحاب الاختيارات الجريئة، فإذا نظرنا إلى الأعمال الأخيرة لها نجدها تهتم أكثر بالأدوار المركبة وتحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الأدوار ذات الرتابة والشخصية الثابتة، وهذا ما رأيناه في مسلسلات (في كل أسبوع يوم جمعة، وإلا أنا، وبطلوع الروح) وتلك أعمال يشار لها بالبنان في مسيرتها الطويلة.

الساحر

هلت (منة شلبي) على السينما المصرية فسحرتها منذ فيلمها الأول (الساحر- 2001)، فتاة خطفت قلوب الجمهور منذ أول لقطة عبر عينين معبرتين عن كل مشاعرها وأحاسيسها المنبثقة من فتاة في عمر المراهقة، وبعد سنوات تزيد لمعة عين (منة شلبي) حينما يتحول الوجه من الامتلاء إلى الشحوب وحينما تزين شعرها بطريقة مختلفة عن طرق المراهقة فتبين وجهها الدائري أكثر، وأيضا حينما تتعلم كيف تبتسم لا كيف تبكي فقط مثلما كانت تفعل في بداياتها، ومع هذه التغيرات الشكلية، جاءت التغيرات الجوانية أو الفنية، فنجدها قد تطورت كثيرا بالفعل مع كل دور تلعبه.

وظلت منة شلبي منذ البداية وحتى اليوم على عهدها مع السينما والدراما التليفزيونية كفن لا كسلعة استهلاكية تقدم لفئة محددة ولا كـ (سبوبة) لأكل العيش فقط ولا مهنة من لا مهنة له، بل ظلت ساحرة السينما المصرية والدراما في الألفية الجديدة على عهدها في الإيمان بالفن والسينما ودورها في المجتمع بلا أي شعارات زائفة أو كلمات معلبة، بل عبر العمل المستمر والدؤوب الذي يتخلله تطورا للأداء وتجسيدا لأطياف مختلفة من فئات الفتاة والمرأة المصرية.

ويبقى لي فقط ذكر ما حققته (منة شلبي) بإحرازها للعديد من الجوائز عن أعمالها وكان من أهمها: جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد) من مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما المصرية عام 2006، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (بنات وسط البلد)، أيضا من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية عام 2007، جائزة أفضل دور نسائي أول عن دورها في فيلم (عن العشق والهوى) من المهرجان القومي للسينما المصرية عام 2007، جائزة فاتن حمامة للتميز عن مجمل أعمالها من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2019.. فتحية تقدير احترام لفنانة اختارت التمرد طريقا لها في الأداء التمثيلي الصعب، فأمتعتنا بسحر فنها ومن هنا نتمنى لها السلامة وطول العمر وأن تتجاوز محنتها لتمتعنا أكثر وأكثر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.