رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الليلة وما فيها .. مسلسل جمع بين التشويق والإثارة والمعالجة الهادئة

بوستر مسلسل (الليلة ومافيها)

كتبت : علا السنجري

لا أحد ينكر أن للنشأة الأسرية ومشاكل الطفولة لها تأثير كبير على ميول الجنسية لأي فرد في المجتمع، موضوع جريء حين تقدمه في عمل فني قصير به الكثير من التفاصيل والأحداث السريعة نوعا ما في ليلة واحدة، الأشخاص مادة غنية بأبعادهم النفسية، فهل جاءت النتيجة كما توقعها المشاهد في (الليلة وما فيها).

الأحداث تدور من خلال (رشا/ زينة) المهندسة التي تذهب إلى طبيب نفسي من وراء زوجها (أيمن/ محمد شاهين)، بسبب مشاكل نفسية وعقد من طفولتها، فهي تعودت أن تستمتع بالألم، تعاني من البرود العاطفي مع زوجها لميولها السادية نوعا ما، تشعر بالأمان معه لأنه كان أفضل حل لتهرب من ماضيها، والدتها تزوجت من رجل آخر بعد رحيل والدها، أهملت تربيتها من أجله وتركتها مع السواق الخاص بهم (طه/ علاء مرسي)، الذي أساء ثقة ووالدتها وعامل (رشا) بطريقة سادية بالإهانة والضرب ليقيم معها علاقة.

زينة .. قدمت التركيبة المحورية للأحداث بملامح فلات

حاولت (رشا) أن  تجاهد لتكون زوجة (أيمن) المحترم الذي تشعر بالأمان والستر معه رغم عدم إشباعه لرغباتها، ففي كل مرة يقترب منها لاتقوى على إخباره بما تريد إلا أنها حافظت على استمرار الحياة بينهم.

تتعرف على (حاتم/ أبيوسف) ضمن مجموعة العلاج النفسي الذي يعرف كل أسرارها حين تصنت على جلسة لها مع الطبيب المعالج، أغلب الوقت يشرب سجائر محشوة بالحشيش، لديه مشكلة نفسية بسبب شعوره بالذنب حين أهمل  علاج والدته وتوفت، ولم يبكي منذ وفاتها، يفرض نفسه عليها و يقيم علاقة جسدية معها بالطريقة التي تعودت عليها مع (طه)، لكن والدة زوجها تحضر فجأة إلى منزل (رشا) وتكاد أن تكشف سرها.

تحت وطأة الضغط النفسي وانتهاك خصوصيتها من والدة زوجها (سماح أنور)، ورؤية زوجة أخو (أيمن) جثة (حاتم) بالحمام، واعتقادها أن (حاتم) مات في بيتها يجعلها تطلب المساعدة من السائق في التخلص من جثة (حاتم) لكنه هو الآخر يهددها لأنه يريد أن يصل إلى طليقته، تندفع وراءه وتقتله، لتكشف أن (حاتم) مازال على قيد الحياة، تتحايل عليه ليدفن معها (طه)، إلا أنها تقتل (حاتم) أيضا وتدفنه الى جوار (طه)، تعلمت من أخطاء الماضي وقررت ألا تترك أي شيء يفسد عليها حياتها لتعود لتصلح ما أفسدته مع والدة (أيمن)، ومع (أيمن) وتشرح (مى/ آلاء سنان) زوجة أخو (أيمن) التي تتستر على ما رأته من قتل (رشا) لرجلين ،لأنها تحب (أيمن) وتزوجت أخوه لتكون بقربه.

محمد شاهين .. أداء متكرر

هكذا دارت الأحداث في محاولة (رشا) أن تسيطر على ميولها، لتكون امرأة محترمة يقبلها المجتمع بعدما أخطأت في حق جسدها، وأقامت علاقة غير شرعية مع سائقها، قاومت شغفها الجنسي بتعذيب نفسها بالضرب لتنتشي عندما اكتشفت أول مرة ذلك بسبب والدتها، تزوجت رجل محترم بمقاييس مجتمعنا لا تستطيع أن تطلب منه إشباعها بالطريقة التي ترغبها فكانت النتيجة كارثية.

المؤلف محمد رجاء اقترب إلى حد كبير من موضوع شائك وجريء، قدم شخصيات بخلفيات نفسية تؤثر على تصرفاتهم، يضع على لسانهم عبارات وجمل حوارية تحمل الكثير من المعاني، كما قدم مشاهد تحبس أنفاس المشاهد لمحاولة توقع القادم، وإن كنت أتمنى أن يقدم موضوع الميول غير السوية عند (رشا) ويناقشها بشكل أكبر بدلا من الإشارة إليها من بعيد حتى في جلسات العلاج النفسي قبل أن تصيبه صاعقة كهربائية خوفا من تعليقات الجمهور على تلك الجرأة، حتى أسباب ميول (رشا) جعلها أسباب تقليدية قدمت في أفلام الثمانينات مثل (أين عقلي)، ربما مشهد النهاية يشفع قليلا له وجعل عقاب (رشا) غير تقليدي لتبقى ذليلة، هناك من يحركها ويهين روحها ويجعلها غير قادرة على حماية زوجها من (مي) التي بنظرة عين ترسل لها رسالة أمر وتهديد وهى في أحضان أيمن.

الحوار رائع، هناك جمل كثيرة جميلة مثل التى قالتها (رشا) لوالدة (أيمن) كي تعتذر: (أنا أصلاً متربتش!.. أمي الله يرحمها بقي مكنتش فاضية تربيني.. كانت مشغولة مع جوزها.. جو العيلة واحترام الكبير ونرد ازاي أنا أصلاً متعلمتوش.. أرجوكي سامحيني)، توضح أنها تحاول إصلاح ما أفسدته بخلق أعذار، والتي جاءت على لسان  الدكتور النفسي للبطلة: (أنتي تعرضتي لتجارب كتير مؤلمة جعلت منك شخصية بتعرف تتعامل مع الألم وتجعل منه سبب للمتعة)، أوضحت ما تعاني منه البطلة من سوء معاملة ومرض استوطن روحها.

هاني خليفة .. مخرج متميز، قادر على ترك بصمة وعلامة في أذهان المشاهد

المخرج هاني خليفة مخرج متميز، قادر على ترك بصمة وعلامة في أذهان المشاهد لكل عمل يقدمه، جمع بين التشويق والإثارة والمعالجة الهادئة، تركيز في التفاصيل لتصوير الأحداث في مكان ضيق بكادرات معينة ليظهر تلاحق الأحداث وظهور أكثر من شخصية في ذات المكان في ليلة واحدة، كما أنه اهتم بإدارة الممثلين بصورة مختلفة ليحقق الإبداع.

علاء مرسي .. هو فاكهة المسلسل

فاكهة المسلسل هو الفنان (علاء مرسي)، مشاهد قليلة لكن أثبت فيها قدرته على التلون والتحول بين الانفعالات المختلفة، احترافية عالية في استخدام نظرة الانكسار ورعشة يده وطبقة صوت ضعيفة في لحظات الندم، التحول بين الندية وملامح الوجه الحادة وصوت الأمر والنبرة الحادة الحاسمة في لحظات الغضب، حركة الجسم السريعة بين التعبير عن الخوف والانتقام.

انفعالات عديدة انتقل الفنان (علاء مرسي) بينها بسهولة وإتقان في دقائق معدودة ليثبت أنه فنان مختلف يمتلك إمكانات متميزة، بمنتهى البساطة أعطى درسا في الابداع السلس.

عودة الفنانة (سماح أنور) بشكل مميز وأداء راق

الرائع في هذا العمل هو عودة الفنانة (سماح أنور) بشكل مميز وأداء راق، لعبت دور الأم المتسلطة لكونها ممثلة قديرة بأسلوب جعل المشاهد يتعاطف معها وينتظر ظهورها.

البعض يرى أن الفنانة (زينة) أعادت اكتشاف قدرتها التمثيلية، ولكن القول الصحيح أن قدرتها وضعت في مكانها، استطاعت أن تقدم التركيبة النفسية للشخصية المحورية للأحداث (رشا) بملامح فلات، حيث أنها لا تستمتع بحياتها الزوجية، محاصرة في منزلها يطاردها الماضي ومضايقات حماتها وصديقها من جلسات العلاج النفسي، استطاعت مزج الأداء بين المرض النفسي حالة الفصام التي تعاني منها والوجه الذي يخفي انفعالاته في محاولة للتخلص من مشاكلها.

آلاء سنان.. وجه جميل استطاعت من خلاله التعبير عن الهدوء الخارجي

(آلاء سنان) وجه جميل استطاعت من خلاله التعبير عن الهدوء الخارجي رغم أن بداخلها بركان يغلي، الكثير من التفاصيل النفسية قامت بها بشكل جيد، قدمت شخصية (مي) التي تكن مشاعر حب لزوج رشا (أيمن) بأمر زينة لتكون هى محرك الإثارة والأحداث والنهاية في النصف الثاني من المسلسل، فهي الشخص الوحيد الذي يعلم بما فعلته (رشا) ،لتقوم بعاقبها بالرجم حية على يدها.

(محمد شاهين) ممثل ممتاز لكنه بدأ يقع في بند تكرار الأداء على الرغم أن لديه الكثير من الطاقة التمثيلية لم يستغلها بعد.

ليتني أستطيع أن اقول (أبيوسف) حقق ما كان مطلوب منه، فمن وجهة نظري لم يجيد التمثيل، ولا أعرف من أقنعه أنه يصلح ممثل، لديه عدم وعي كامل بالشخصية التي يؤديها.

الموسيقى (محمد نزيه) جاءت ملائمة للصراع النفسي فهناك تداخل بين الوتريات تظهر الصراع  وآلة أخرى تقدم التحرر ومحاولة التحرك بطبيعية كشخصية البطلة.

العمل جيد جدا إلى حد كبير، موضوع النشأة وتأثيرها على ميول الفرد النفسية والجنسية، تأثير الانفصال على الأطفال، أهمية تماسك الأسرة، مراحل الطفولة والمراهقة ترسم خطوط العمر للفرد، وكل تصرف للأب والأم يحدد شخصية الأبناء، ربما الموضوع الأهم الذي ناقشه المسلسل هو المرض النفسي والجنسي وتأثيره على الفرد والمجتمع الذي حوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.