رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

جنون ارتفاع الأسعار يشعل حناجر شادية والشيخ إمام والحجار وفؤاد (2)

اللحوم أصبحت شبه محرمة على المصريين

* الشيخ إمام ونجم يغنيان للفول واللحمة ويردد من خلفهما طلاب الجامعات

* الرقابة تمنع صرخة شادية (ورد الربيع) بدعوى إساءتها للحالة الاقتصادية!

* علي الحجار يفضح بجرأة التناقضات الموجودة في المواطن المصري

* محمد فؤاد ينعى مرارة وهموم المصريين على شاطئ النيل، ويتحدث عن الانفتاح الاقتصادي مع (عم دهب)!

الخضاروالفاكهة من أساسيات المائدة

كتب : أحمد السماحي

مازالنا نستكمل موضوع (غلاء الأسعار يشعل حناجر الشعراء والمطربيين المصريين)، بعد حقبة الثلاثينات رجعت الأغنية المصرية ممدة على سرير الواقع الاجتماعي، متميعة تضاجع فوضى عدم الانتماء، فهي ليست مع الشعب في كفاحه اليومي، فبعد تحررها على يد (سيد درويش، وبديع خيري، وبيرم التونسي، وأمين صدقي وزكريا أحمد)، وتحولت إلى مدفع موجه إلى القوى المتحالفة ضد مصالح المواطن البسيط تعود إلى عدم الانتماء للمواطن وتنشغل بأغنيات العاطفة والحب والهوى، وهذا ليس عيبا ولا حراما بالتأكيد بل على العكس فإنها قدمت تجارب رائعة في هذا اللون العاطفي، لكنها ابتعدت طوال ثلاثة حقب عن الغناء لمعاناة المواطن المصري.

وانشغلت الأغنية بالتعبير عن الظروف السياسية المتقلبة باستمرار، خاصة بعد قيام ثورة يوليو 1952 حيث قدمت روائع غنائية لا تنسى، ووقفت الأغنية في الطرقات والميادين تهتف بالشعارات، وتتحدث عن العمال والفلاحين والجنود، والمشاريع العملاقة التى صنعها الرئيس (جمال عبدالناصر).

أحمد فؤاد نجم
الشيخ إمام

نجم والشيخ إمام

وظلت الأغنية المصرية في حالة ثورة، حتى حدثت نكسة يونيو1967، فحدثت لها أيضا نكسة، وفى هذه الفترة ظهر الثنائي الرائع (أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام)، فقدما الأغنية الاجتماعية والثورية الحارة، ولا يمكن ونحن نتحدث عن الأزمة الاقتصادية ومعاناة الشعب المصري وأشهر الشعراء والملحنيين والمطربيين الذين تغنوا بالأزمة وإرتفاع الأسعار أن ننسى هذا الثنائي الرائع حيث كانا لسان حال الناس فى نهاية ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومن الأشعار التى كتبها (نجم) ولحنها وقام بغنائها الشيخ (إمام) عام 1974 (موال الفول واللحمة) الذي يقول مطلعه:

عن موضوع الفول واللحمه صرح مصدر قال مسئول

إن الطب اتقدم جدا والدكتور محسن بيقول

إن الشعب المصري خصوصا من مصلحته يقرقش فول

حيث الفول المصري عموما يجعل من بني آدم غول

يا دكتور محسن يا مزقلط يا مصدر يا غير مسئول

حيث إن انتوا عقل العالم والعالم محتاج لعقول

ما رأي جنابك وجنابهم فيه واحد مجنون بيقول

إحنا سيبونا نموت باللحمه وانتوا تعيشوا وتاكلوا الفول

ما رأيك يا كابتن محسن مش بالذمه كلام معقول.

طبق الفول الذي غني له الشيخ إمام

وعقب انتفاضة 18 و19 يناير عام 1977 والتى أطلق عليها الرئيس الراحل محمد أنور السادات (انتفاضة الحرامية) كتب (أحمد فؤاد نجم) وهو فى سجن الاستئناف قصيدة بعنوان (بوتيكات)، يقول في أحد مقاطعها:

حتقول الفقرا ومشاكلهم دى مسائل عايزه التفانين

وأنا رأيي نحلها رباني ونموت كل الجعانين

وبهذا ما حدش ح يجوع لو نعلن هذا المشروع

وح نقفل هذا الموضوع نهائيا، ونعيش فى تبات

يا حلاوه الناوة كوا الناوة

يا بلدنا يا آخر فتكات، بوتيكات النات كوا النات…

تلقى الشيخ إمام هذه الكلمات وأسرع بتلحينها ورددها خلفه كل طلاب الجامعات، حيث كانت أغنيات (نجم وإمام) ممنوعة فى هذا الوقت من وسائل الإعلام الرسمية، خاصة أنهما حقق شعبية جارفة عند طلبة المدارس والجامعات أو (الورد اللي فتح في جناين مصر).

أحمد عدوية

عدوية يشارك الغلابة

رغم أن المطرب الشعبي الكبير (أحمد عدوية) كان محسوبا على الأغنية الشعبية الخفيفة، البعيدة عن هموم المواطن المصري البسيط، لكنه جرب بالمصادفة وليس عن قصد تقديم الأغنية الاجتماعية الحارة من خلال فيلم (شعبان تحت الصفر) حيث غني موال شجيا عن حال الناس الغلابة بعنوان (عجبي عليك يا زمن) يقول فيه:

ناس غلابة رزقهم من خرم إبرة يمر

عايشين كده فى المحن ولا شافوا لحظة تسر

وناس كده ألوان شبعان يزوء جعان

وناس تواصل ضحكها وناس تمسح دمعها

 وناس بتشرب عسل وناس بتشرب مر

شادية

صرخة شادية التى مُنعت

مع بداية الثمانينيات وفي عصر الرئيس (محمد حسني مبارك) ترتفع الأسعار مجددا، وتدخل البلد فى نفق مظلم بسبب غلاء المعيشة، وأثناء ذلك يقدم المخرج (أشرف فهمي) آخر أفلام صوت مصر شادية (لا تسألني من أنا) قصة الكاتب الكبير (إحسان عبدالقدوس)، والذى تدور أحداثه حول (عائشة) السيدة الفقيرة التى تضطر نظرا لظروفها الاقتصادية الصعبة أن تتنازل عن مولودتها الجديدة (زينب) لسيدة عاقر من الطبقة الثرية، نظير مبلغ مالي أعطته لها السيدة الغنية لتنفق منه (عائشة) على أسرتها المكونة من أربع أطفال وزوج عليل لا يعمل.

 فى هذا الفيلم قدمت (شادية) من كلمات المبدع العظيم (سيد حجاب) وألحان الموسيقار العبقري (عمار الشريعي) مجموعة أغنيات درامية قصيرة ومكثفة جدا لا تتعدى مدة الأغنية الدقيقة، ومن هذه الأغنيات صرخة قوية قالت فيها (أنا فقيرة، فقيرة، طول ما فيه فقر الناس مش بس هتبيع ولادها هتبيع لحمها!!)، بعدها تنزل أغنية بعنوان (من يشتري ورد الربيع) التى تتحدث عن موت الضمير فى عالم غريب مليئ بالوحوش في صورة (بنى آدميين)، ونظرا لصعوبة تصوير الأغنية التى أبدع فيها (أشرف فهمي) حيث صور حالة البؤس والفقرعند سكان العشوائيات ولهاثهم على قطعة اللحم ورغيف العيش، تم رفض الأغنية، وحتى الآن وعندما يتم عرض الفيلم فى الفضائيات تحذف هذه الصرخة، التى يقول مطلعها:

عالم غريب ضميره مات، وإحنا ضحاياه كلنا

كأننا أصفار على الشمال بنزود الأغنياء غنا

وأدينا ماشيين بالسكات عايشين بناكل بعضنا

وليه، ليه،  ولا حد حسس بأى حد

والدنيا قدام الفقراء حارة سد

ليه ليه، ليه

مين يشترى ورد الربيع

آدينا بنبيع عمرنا

والعمر يوم ورا يوم يضيع

ونضيع سنة ورا سنة

وما دومنا بعنا الروح

نبيع حتى ضنانا ولحمنا

ليه ليه ليه

نجاح الموجي

نجاح الموجي و(أيام الغضب)

في عام 1989 تردد مصر كلها مع الفنان (نجاح الموجي) أغنية  درامية رائعة كتبها عمنا (سيد حجاب) وقام بتلحينها موضة هذا العصر الملحن المبدع (سامي الحفناوي) بعنوان (اتفضل من غير مطرود)، ورغم أن الأغنية جاءت فى سياق درامي ضمن أحداث فيلم (أيام الغضب)، لكن كلماتها ولحنها وطريقة أداء (الموجي) جاءت على الجرح كما يقول المثل الشعبي، فالأغنية تتحدث عن التعب فى سبيل إيجاد لقمة العيش والمقارنة بين من يعمل ويتعب، ومن لا يتعب ويجنى مئات الألوف، كل هذا جعل الأغنية تتصدر كل سباقات الأغنيات فى هذا الوقت وليس هذا فقط بل جعلها أغنية العام يقول جزء من كلامها:

دنيا بتدي للهبيش

ويا عيني علينا يا حرافيش

نشقى عشان حبة ملاطيش

ما يكفوش العيش والشاي

علي الحجار

الحجار يا مصري

مازالنا في عالم المبدع صوت الإنسان المصري (سيد حجاب) ورائعة جديدة هى (يا مصري) هزت الشارع المصري بقوة، عندما أطلقها صاحب المشروع الغنائي (علي الحجار)، ولحن المتميز (ياسر عبدالرحمن) والتى عبرت عن تناقضات الكثيرة التى يحملها المواطن المصري، وفي جزء من الأغنية يتحدث عن الغلاء فيقول :

 يا مصري ليه دنياك لخابيط والغلب محيط

والعنكبوت عشش ع الحيط و سرح ع الغيط

يا مصري يا للي الغلا عاصرك

والنهب في عصرك حاصدك

قوم للحياة واسبق عصرك

ولا حاجة هترجع مصرك

إلا ان تكون شغال ونشيط

وغنى أيضا أغنية عن ارتفع أسعار السكر بعنوان (السكر غلي) التي غناها ولحنها من قبل شقيقه الراحل أحمد الحجار ، وهى من كلمات : رضا أمين

السكر غلي

الزيت غلي نار

الفخراني سبق شيبا

في عام 1990 يقدم الأسطورة (يحيي الفخراني) فيلمه (الذل) ويقدم من خلاله أغنية بعنوان (مسير البلية تلعب) كلمات مؤلف الفيلم (محمود أبوزيد) وألحان (حسن أبو السعود) عن تدهور الحالة الاقتصادية لشاب كان غنيا وأصبح فقيرا ويحلم بالعودة للثراء مرة أخرى، ومن يستمع الآن إلى الأغنية يجد كلماتها تشبه أغنية أحمد شيبا (آه لو لعبت يا زهر) حيث يقول مطلعها :

 مسير البلية تلعب والزهر في يوم يعلق

والورق يحلو ونرجع تاني نركب ونصحصح

آه ونعيش العز اللي خسرناه

ونعيش البوكر والبكاراه

محمد فءؤاد
مدحت العدل

محمد فؤاد وعم دهب

يطلق المطرب (محمد فؤاد) فى هذه الفترة صاروخا غنائيا عابرا للقارات والأماكن والأزمنة من خلال أغنية (يا عيني علينا) كلمات المبدع (مدحت العدل) الذي كتب أكثر من أغنية تتحدث عن الغلابة  وألحان الموهوب الراحل (رياض الهمشري)، والتى كانت الأغنية الرئيسية لفيلم (إشارة مرور) حيث يغني لمدينة القاهرة المجنونة التى تضن بخيرها على الغلابة، وتعطيه للغريب، فيقول: 

يا عيني علينا منك يا مدينة مجنونة ورزينة وفيكي البدع

ماشيين بالتكالة وبألفين مقالة بالزيف والأصالة وبضرب الودع

يا عينى علينا صابرين للنهاية، ياريت تسمعينا قوليلنا الحكاية

إزاي يبقى نيلنا ويجري لغيرنا، ياريت شوية يعدى علينا.

كما كتب (العدل) أيضا أغنية أخرى رائعة بعنوان (عم دهب) في فيلم (أمريكا شيكا بيكا) قام بغنائها أيضا محمد فؤاد، بلحن المبدع الراحل (أحمد الحجار) وفيها يتحدث عن (عم دهب) الذي تحول من بائع عادي يبيع السجائر إلى تاجر عملة وكان رمزا للانفتاح الاستهلاكي الذي دمر الاقتصاد المصري، وفيها يحكي قصة (عم دهب) ويقول فى جزء منها:

عم دهب وف وسط الزحمة

كان يتمنى يشوف اللحمة

جاع واتعرى وداق المرة

يقوم من نقرة، يخش في أزمة

كل يومين في الذل يبات

ولا يمكن أن ننسى لمدحت العدل قصيدته التى فجرها في عصر الإخوان الإرهابيين (يعني إيه سرقة وطن) والتى يقول في جزء منها :

يعني إيه سرقة وطن، يعني حاكم ديكتاتور

عقله أتخن م الكروش، اللي ما بتشبعش أكل

لملمت حتى القروش

يعنى إيه سرقة وطن

يعني حرامية وعصابة، متجوزة من قلب بعض

يعني ماما ولا بابا، في الفقير تهبش تعض

مدحت صالح

مدحت صالح وسكة الهلالي

مع عام 2000 بدأت الأغنية المصرية تسجل تقهقرا مغرقة في السلبية وتأكيدها ودفع الفئات المسحوقة من أبناء الشعب إلى الرضا بما هو أمر واقع دون حثه على التمرد أو النهوض لمناهضة الاعتداء على حقوقه سياسيا واجتماعيا، بحيث أصبح الفن من أجل الفن بعيدا عن تحميله بأي مضامين ثورية أو وطنية أو مبدعة من أجل تحرير الإنسان من الخوف.

وفي هذه الفترة ظهرت أغنية من خلال تتر نهاية مسلسل (سكة الهلالي) بطولة (يحيي الفخراني)، وتأليف الشاعر المتميز (أيمن بهجت قمر) الذي كان في (تتر) البداية فيلسوفا، وفي (تتر) النهاية ساخرا، وألحان الموسيقار (محمود طلعت) تدعو إلى الثورة والتمرد على الأوضاع السياسية، حيث يقول جزء منها ساخرا من موجة الغلاء:

دى لاباظت ولا خربت

ولا جابت جاز لامؤاخزة

متأمنين من الفقر الدنق

 تعليم، علاج، وحساب فى البنك

 شقق مرميه، والشغل فى كل حته

واللحمه بسبعه جنيه، وساعات نلاقيها بستة

أحمد شيبة

شيبه .. آه لو لعبت يا زهر
بعد حوالي عشر سنوات من غناء تتر مسلسل (سكة الهلالي) يغني المطرب الشعبي (أحمد شيبه) عام 2016 أغنيته التى حققت نجاحا كاسحا وصنعت شهرته وهي (آه لو لعبت يا زهر) التى تتحدث عن (ندالة) الناس مع الفقير! وجاءت على (الوجع)، حيث تمنى كثير من الناس وقتها وإلى الآن أن (يلعب الزهر) في حياتهم، وتتغير أحوالهم للأفضل.
اللي له قرش مابينامش، ما بالك بقى باللي عليه
ملعون أبوك يا فقر يا حاوجني للأندال
ذليت عزيز النفس عشان عديم المال
ملعون أبوكي يا عوزة ذلة السؤال قتال
آه لو لعبت يا زهر واتبدلت الأحوال
وركبت أول موجة في سكة الأموال
أروح لأول واحد احتاجتله في سؤال
أعمل معاه الصح انا وأسنده لو مال
وأقف جنبه فى المحن وأكون طويل البال
وأعرفه ان الفلوس مبتعملش رجال

الفراخ تعاني من شواء الأسعار

مما مضى يتضح لنا أن المصريين معروف عنهم حب الدعابة والسهر فى جماعات أمام المقاهى التى تتحول إلى منتديات سياسية يلتقى فيها الجميع فى دوائر مستديرة لمناقشة مختلف القضايا، بدءاً بالسياسة وانتهاء بالأسعار والحوادث والقصص والحكايات المسلية، وهو الأمر الذى جعل الأغنية على مدار تاريخها حاملة للعديد من المعانى والمواقف التى تندرج تحت ما يسمى بالأغنية الساخرة الناقدة التي تسقط على الواقع مهما كانت مرارته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.