رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : (أبو العروسة) .. والأمل الباقي

بقلم : محمود حسونة

سيظل للكلمة مفعول السحر، وستظل الكلمة في العمل الفني عاملاً أساسياً لنجاحه أو فشله، فإما أن تخطف القلوب وتستحوذ على المشاعر حتى تترك بصمتها في وجدان المشاهد، وإما أن تفتقد القيمة أو تثير الاشمئزاز فتدفع الناس للنفور ثم الهروب بحثاً عن الأفضل. وعندما يكون الفنان الذي ينطقها بلسانه ويعبر عنها بلغة جسده موهوباً حساساً مستوعباً لمعناها وللسياق الذي تُنطق فيه يكون تأثيرها مضاعفاً سواءً بالسلب أو بالإيجاب.

لعل أول من تخطف قلبه الكلمة التي أبدعها المؤلف هو المخرج الذي يقرأ النص، وإذا خطف منه عقله استولى على تفكيره وغاص في تفاصيله وتخيله حياة متكاملة بها شخصيات ومواقف ومدن وشوارع وبيوت وحب وكره وفرح وحزن حتى يبعث فيه الروح ليحول النص إلى مَشاهد وحلقات يراها الناس. وبدورهم الناس إما أن يعيشوا مع أبطالها تفاصيلهم ويخلقون علاقة معهم من العشق والمحبة والتقدير، وإما أن ينفروا فيسبون علانية وسراً الأبطال وكل من شارك في صناعة العمل.

ما أكثر الأعمال التي نفر الناس منها خلال السنوات الأخيرة بعد أن غزت الشاشات والمنصات الالكترونية أعمال خبيثة، لا تشبهنا ولا تعبر عنا، ولكنها تستهدف أولادنا من النشء والشباب، أعمال تحاول أن تزرع فيهم القيم الهدامة وتحولهم إلى كائنات ممسوخة، تعلمهم البلطجة وتدفعهم إلى العنف وتحثهم على الشذوذ وتشوه نفوسهم وتبلبل أفكارهم، وتخلق لهم عالماً لا يعرفون فيه أنفسهم وينخلعون عن جذورهم حتى يصلون إلى التيه الذي يعقبه الانسلاخ من الذات وتقبّل كل ما يفرضونه عليهم.

الأعمال التي تنتمي إلى هذه النوعية الهدامة كثيرها وافد إلينا عبر السماوات المفتوحة والفضاء الالكتروني، وقليلها من صناعة أبنائنا الذين انسلخوا عنا، ذهبوا بعقولهم ووجدانهم إلى هناك، رغم أنهم  لا زالوا يعيشون بيننا ولكن بأجسادهم فقط، وكأنهم موكلون بخلخلة بنياننا الأخلاقي والقيمي والاجتماعي، وللأسف أن بعضهم يجيد الصنعة، وهم يستغلون موهبته ويقدمون له الدعم المادي والمعنوي الذي يجعله أسيراً لهم،  ما يجعل من المستحيل إعادته إلى أهله وناسه.

ورغم ارتفاع الموج، فإن الأمل باق، ولن تقتله محاولاتهم وتدفقهم من كل الاتجاهات. الأمل باق وما زال وسيظل لدينا مبدعون وفنانون وعقول لا تباع ولا تشترى ولا يمكن أن تنسلخ عن جذورها ولا تتجاوز مبادئها ولا تتخلى عن قيمها مهما كانت المغريات، عقول لا تجيد سوى التعبير عن حقيقتنا، وتعرف جيداً كيف تسبر أغوارنا، وتنتقي من تاريخنا ما يزيدنا ارتباطاً بجذورنا وتستوحي من واقعنا ما ينقينا من الشوائب التي علقت فينا في ظل زحام الحياة وازدياد ما يستهدفنا.

المسلسل كان يحلق في فضاء المتعة الخالصة خلال الجزء الأول

مثلما تجد الطالح في جميع الأنواع الفنية، تجد الصالح أيضاً، في السينما والمسرح والدراما والغناء والتشكيل والعمارة وكل شيء؛ ومن هذا الصالح تابعت مؤخراً مسلسلاً شغل الناس، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر أدوات التواصل الكلاسيكي، وهو مسلسل (أبو العروسة)، الذي يؤكد أن العمل الهادف الصادق سيصل إلى قلوب الناس بعد أن يمر عبر عقولهم، ولا يحتاج إلى اسم سوبر ستار يتصدر تيتراته حتى يحقق نسبة مشاهدة عالية، ولا أن يتم عرضه في الموسم الرمضاني، فالصدق وحده كفيل بتوصيل الرسالة إلى أكبر عدد من الناس.

وكما قلت في البداية، فالكلمة هى الأساس، وإذا كان النص جيداً فسيجد مخرجه وتختار شخصياته ممثليها بإتقان ووعي، وسوف يختار جمهوره الذي يتابعه ويتحول إلى مسوق له حتى يتضاعف ويتضاعف عدد مشاهديه.

سيد رجب .. نجم جدير بما حققه من نجاح

(أبو العروسة) تم عرض جزئه الأول قبل 5 سنوات، وحالياً يُعرض الجزء الثالث منه، ولم أكن قد شاهدته من قبل، إلى أن قرأت عنه العديد من التغريدات عبر تويتر، وسمعت عنه من بعض أصدقائي فقررت مشاهدته، وبمجرد أن بدأت حتى وجدتني أنتقل من حلقة إلى أخرى حتى أصبحت أتابعه مع من سبقوني في مشاهدته بخمس سنوات.

المؤلف هاني كمال، اختار أسرة مصرية من الطبقة الوسطى التي يجرفنا الحنين إلى أيام مجدها، هي أسرة من زوجين، عبد الحميد وعايدة أو سيد رجب وسوسن بدر، موظفان يعيشان اليوم بيومه مثل ملايين المصريين، ولديهما خمسة أبناء، يتعرضان للعديد من المشاكل ويتجاوزان كل محن الحياة بالحب والصدق والشفافية، وتدور في فلكهما عدة أسر تمثل نماذج مصرية صميمة، في أفراحها وأتراحها، وفي أحلامها واحباطاتها، وفي علاقات الحب الناجحة وغير الناجحة، ومن خلال هذه الأسر يناقش المسلسل الكثير من قضايانا الاجتماعية والحياتية، والواقعية والافتراضية، في قالب تراجيدي أحياناً وكوميدي أحياناً، يضحكنا ويبكينا، يسعدنا ويحبطنا، يوجعنا ويفرحنا.

سوسن بدر .. ستظل الأم والفنانة النموذجية في التعبير والتشخيص

المسلسل كان يحلق في فضاء المتعة الخالصة خلال الجزء الأول، ورسا على أرض النجاح في الجزء الثاني، ووقع في مطب المط والتكرار في الجزء الثالث، ليؤكد المؤكد وهو أن معظم مسلسلات الأجزاء تقع في الفخ ومع ذلك يصر مؤلفونا على هذا السقوط وكأنهم يخشون العجز عن تحقيق نفس النجاح إذا خرجوا من موضوعهم الناجح بحثاً عن آخر أو خوفاً من الفقر في الأفكار، ويبدو أن عدم إخراج كمال منصور للجزء الثالث كان نتيجة اعتراضه على تقديم هذا الجزء، فقرر مؤلفه هاني كمال أن يقوم أيضاً بهذه المهمة، ورغم عيوبه إلا أنه من الأعمال التي يصعب مقاومة مشاهدتها حتى النهاية وخصوصا أنه خلطة مصرية جامعة، ففيه الحب والجد واللعب والضحك وماهو أكثر من ذلك.

البعض اعترض على كثرة النصائح التي يسديها عبدالحميد لكل من يقابلهم حتى ولو في الشارع أو العمل أو في التاكسي، ورغم أن هذا الاعتراض به قدر من الصحة، ولكن أليس أفضل من المسلسلات التي تقدم لنا شخصيات أسطورية ليست من واقعنا وتعلمنا العنف بطريقة تخلو من المنطق أيضاً؟.

قفشات أحمد صيام و حدة صفاء الطوخي علامات مميزة للمسلسل
ولاء الشريف .. رقة ونعومة لافتة

لا ينبغي أن نخضع الفن كله للمنطق، فهو مهما كان واقعياً، إلا أنه صناعة تعتمد على الخيال، وعندما يشطح بنا الخيال إلى عالم القيم ويحذرنا مراراً من الكذب والخيانة، فهو خيال محمود.

سيد رجب أكد خلال هذا المسلسل أنه نجم جدير بما حققه من نجاح، وينتظره الكثير والكثير من التحليق في سماء النجومية، أما العظيمة سوسن بدر فستظل الأم والفنانة النموذجية في التعبير والتشخيص وتستحق المزيد من تقديرنا لها، وكذلك استمتعنا بأداء وصوت مدحت صالح بصوته وقفشات أحمد صيام و حدة صفاء الطوخي ونعومة ولاء الشريف وخفة دم كارولين عزمي وتألق باقي أبطال المسلسل وشبابه الذين يستحق كل منهم مقال خاص به.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.