رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أوبريت حماسي ألهب مشاعر المصريين

بقلم : محمد حبوشة

مشهد كرنفالي عظيم ومهيب، ذلك الذي احتشد فيه نجوم الجزء الأول والثاني من مسلسل الاختيار ومعهم ممثلين عن الأزهر والكنيسة وأهالي الشهداء من أبناء الشرطة المدنية في قلب ميدان التحرير، حيث التفوا جميعا حول الصينية التي تضم المسلة الفرعونية بكباشها الأربعة الذين انضموا لها حديثا، ومن خلال أوبريت غنائي حماسي كتب كلماته (أحمد راؤول) ولحنه المطرب الشاب (أحمد جمال) ومن توزيع (يحيى يوسف)، انخرطوا جميعا في أداء يعكس قوة الدولة المصرية بزعامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي صدر الأوبريت بقوله (خليكم يا مصريين على قلب رجل واحد)، ليأتي هذا العمل في نهاية مسلسل (الاختيار2) الذي قدم دراما وطنية باعثة على الشجن مع اجترار ذكريات الأحداث المؤلمة من (رابعة، والنهضة) إلى التفجيرات المتتالية داخل القاهرة، مرورا بعملية الواحات، ومسجد الروضة في بير العبد، وغيرها من حوادث ماتزال عالقة في أذهان كل المصريين الذين عايشوها وفقدوا فلذات أكبادهم في رحاها فداء لهذا الوطن.

الملفت في الأوبريت الذي ألهب مشاعر المصريين ليس الغناء الحماسي وحده، أو تقدم نجوم المسلسل بجزئيه في الصفوف الأمامية ومن خلفهم أبطال الجيش الشرطة، ولكن على ما بدا لي من المشاهدة هو ذلك التمثيل المشرف لممثلين من الأزهر والكنيسة وأهالينا من الفلاحين والصعايدة والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأهالي الشهداء مؤكدين في نفس واحد أن الشهيد لايمكن أن يموت، ولكن الدلالة الأكثر واضحا والجديرة بالاحترام والتقدير هى تكاتف أبناء الشعب المصري خلف زعيم وأب وقائد يبذل الغالي والنفيس من أجل رفعة هذا الوطن، وهم يرددون (في البلد قائد عظيم، واتقوا شر الحليم إللي روحه فوق كتافه، كلنا ضهره وحماه، هو دا رمز البلاد إللي شال عنها السواد، مصر دايمًا أقوى بيه وهتبقى لآخر ميعاد).

الأوبريت الذي تم تصويره بوجود أبطال الجزأين الأول والثانى لمسلسل (الاختيار)، وعدد من رجال الجيش والشرطة، ومختلف فئات الشعب، وممثلى الفئات المختلفة، والشيوخ والقساوسة، وكذلك أسر شهداء الوطن، جاء ضمن أحداث الحلقة 30 والأخيرة من الاختيار2، وكان له تأثير فعال على صفحات الشوسيال ميديا ففى أقل من ساعتين؛ وبمجرد نزول الفيديو على قناة ON نجح فى حصد مليون مشاهدة؛ وذلك على الصفحة الرسمية للـقناة بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، بالإضافة إلى تصدرها نتائج البحث فى مواقع التواصل الاجتماعى ومحرك البحث جوجل، ولفت نظري فى كواليس الحلقة؛ ظهور عدد كبير من اللاصقات التى تجمع وجوه شهداء ملحمة الواحات وكمين البرث والعريش، التى عرضها مسلسل الاختيار 2.

ربما لا تنتمي هذه الأغنية أو (الأوبريت مجازا) إلى اللون الكلاسيكي في الأغنية الوطنية التي تربينا عليها بأصوات أساطين الغناء المصري، ولكنها جاءت بكلمات عامية على غرار الأغاني الأناشيد والهتافات التي ظهرت بأصوات جنود الصاعقة المصرية وأبرزهم الشهيد أحمد منسي، الذي يرجع إليه هذا اللون من الطرب الحماسي، ولكنها تأتي في إطار أن الغناء يشكل أحد أبرز أدوات التعبير الفعلي التلقائي في حياة الإنسان عموما، وفي حياة الإنسان المصري والعربي على وجه الخصوص، من خلال ما يتيحه من حيز واسع لبث المشاعر والأفكار والآراء دون قيود؛ بارتباطه المباشر بالشعر ووجدانيات الإنسان العربي أولا، وبتقلبات الحياة اليومية على اختلاف أحداثها، بحلوها ومرها؛ بانتصاراتها وهزائمها ثانيا.

ولقد شكل الغناء الوطني بذلك صورة حية تعكس انفعالاته وأحاسيسه، وقدم توثيقا أكثر حقيقية ودقة لما يدور بحياته؛ من خلال ارتباط الشعر (الكلمات) بالواقع المقصود من الأغنية، وما يترتب على طبيعة الكلمات من خصوصية تُفرض بآلية غير مباشرة على اللحن، تتضح من خلال البنية اللحنية (المقاميّة والإيقاعية) للأغنية، وبالنظر إلى خصوصية الغناء في حياة الإنسان المصري، وأهمية الجانب القومي والوطني لديه، وارتباط العاطفة الجياشة لديه بالوطن والأرض؛ فقد حظي التعبير الغنائي باهتمام كبير في هذا الصدد، يتضح من خلال تراث لا يستهان به من مخزون الشعر العربي على مدى قرون، وربط الكثير من هذه القصائد والأشعار بالموسيقى، لتتحول من عالم المكتوب المقروء بصورته المجردة؛ إلى عالم من العاطفة والخيال اللا محدود، في نموذج مسموع؛ محسوس لكل إنسان على قدر شعوره واتساع حدود خياله.

وبذلك فرضت الأغنية الوطنية – ذات الشعر الوطني واللحن المدروس – أهميتها، إلى حد مثلت فيه جزءا من رمزية الشعوب والدول كما الأعلام والمعالم، وأصبحت تمثل الرمز الوطني المسموع الذي يقف الجميع احتراما وإجلالا له إذا ما سمع؛ من خلال أحد أشكالها وهو النشيد الوطني، لقد فرض تنوع الأهداف التي يُوظف الغناء فيها على هيئة “أغنية وطنية”، وتعدد المواضيع التي قد يتناولها؛ فرض تنوعا في نماذج الغناء الوطني، يبرز من خلال المحتوى الشعري والموسيقي اللحني (النغمي والإيقاعي) للأغنية، وما بين أهمية دور الأغنية الوطنية وحساسية هذا الدور، وما بين تأثير الأغنية على المستمع العربي ومكانة الوطنية منها في وجدانه – من خلال ما تتركه من أثر على حسه الداخلي، وفي ظل التقلبات المفاجئة التي تعصف بالعالم، يأتي هذا الأوبرت أو الأغنية الوطنية في صور كليب بصناعة جيدة للغاية من إخراج (أحمد المرسي) لكي يؤكد أن هذا اللون من الغناء مازال يحتفظ بمكانته كخير وسيلة لمخاطبة العقول ولمس المشاعر، لتكوين فكر سليم في عقول الأجيال، قادر على أن يستوعب مبادئ الانتماء الصادق والأسس السليمة للمواطنة الصالحة.

تحية تقدير واحترام لصناع هذا الأوبريت في حُب الوطن، وعلى رأسهم (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) برئاسة تامر مرسي، وظني أن المشاركة بالأغاني الوطنية، شعور لا يفارق الفنان المصري حيث يميل مرات قلت أم كثرت إلى الغناء للوطن، معبرا عن مشاعر الانتماء إلى أبناء وطنه، وهى سمة المغنيين المصريين فوطنيتهم راسخة منذ أزمنة فنانين الأبيض والأسود حتى يومنا الحالي، ولهذا تعد الأغنية الوطنية مكونا أصيلا وموروثا ثقافيا حاضرا مع كل الأحداث التي مرت بها مصر، والأغانى الوطنية هى الأغاني التي تعبر عن حب الوطن وغالباً ما تكون قصيرة وقليلة الأبيات مثل (إحنا مش بتوع حداد)، وقد تحتوي على موسيقى وقد لا تحتوي كما جاءت على لسان أبناء الصاعقة المصرية على مر السنوات الأخيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.