رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

السيسي خلف السد والإعلام المصري في غيبوبة!

كير يستقبل السيسي في المطار

بقلم : محمد حبوشة

في الوقت الذي أربكت فيه زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لـ (جوبا) عاصمة جنوب السودان المؤامرات القطرية في ضرب علاقة مصر بأشقائها، كان الإعلام المصري في غيبوبة تامة حيث يقف بقنواته وصحفه ومواقعه الإلكترونية متفرجا، بينما وسائل الإعلام العالمية ذات الأجندة الإخوانية اهتمت بتلك الزيارة التاريخية التي تحمل في طياتها دلالات خطيرة لوجود الرئيس المصري في هذا التوقيت المهم وهذا المكان الأكثر أهمية (خلف السد) الذي يبعد عن جوبا 40 كيلو مترا (السد أقيم على النيل الأزرق على بعد حوالي 40 كم شرق السودان في منطقة بني شنقول – گموز، إثيوپيا).

قد ترى وسائل إعلامنا أن المخططات والمؤامرات القطرية ضد المنطقة العربية لن تتوقف، خاصة أنها أنه مستمرة منذ فترة طويلة في محاولة لفرض سيطرتها على أكبر عدد ممكن من الدول العربية، خاصة الدول التي ماتزال تعاني من ثورات وعدم استقرار، إلا أن وقوف مصر لها بالمرصاد في كل من العراق وليبيا وسوريا جعلها تعاني لسنوات طويلة وتتكبد خسائر بمليارات الدولارات في معركة لا يعرف أحد نهايتها حتى الآن، وهذا مالم تعيه وسائل إعلامنا وتذكر المشاهد والقارئ به بين الحين والآخر لإثبات فشل مؤمرات وخطط قطر للوقيعة بمصر في شرك العداء الذي نصبته منذ فترة طويلة.

هذا وبدأت الدوحة مؤخراً في تنفيذ مخطط جديد – بينما وسائل إعلامنا غارقة في القضايا المحلية العقيمة – ومهمة شيطانية الهدف منها هو ضرب العلاقات المصرية الخليجية، وذلك عبر الوقيعة بين مصر وأكثر من دولة في منطقة الخليج، خاصة عندما بدأت القاهرة في التقارب مع العراق ومساعدتها في الكثير من الملفات التي تعاني منها بغداد، بعد ابتعادها عن محور قطر وطهران، إلا أن هذا التقارب لم يرضي قطر، ومن ثم بدأت على الفور فى تجميل وجه إيران وتقديمها في صورة الضحية، والتي تدفع ثمن خلافها مع أمريكا.

الجزيرة تبث سمومها في قلب مصر ليل نهار

وفي هذا الصدد قامت قناة (الجزيرة) القطرية في الترويج لاتهام بغداد باللعب على كل الأطراف وأنها تدعي تقاربها من السعودية ومصر، وفي الخفاء تعقد الصفقات مع طهران، وذلك بعد أن فقدت ذراعا مهمة  لها في المنطقة يساعدها على التمدد، وعلى الفور بدأت في شن هجوم ضاري على العراق وانتقاد كل تحرك لها، لأن هذا بالطبع يحد من سيطرتها عليها، وزيادة في َإضرام نار البغض والكراهية ادعت أن النظام الجديد في بغداد أطلق يد داعش لترهيب المواطنين وتقوية مركزها في الحكم، رغم أن الحقيقة الدامغة تقول بأن قطر هى الممول الرئيسي للإرهاب والجماعات المتطرفة في المنطقة العربية بشكل عام.

وعلى الرغم من عدم تصدي وسائل إعلامنا لما تفعله تلك القناة الكريهة، فقد فشلت (الجزيرة) في إقناع متابعيها بتدهور العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات، وسعت بكل الطرق من خلال فتح ملفات كثيرة للترويج لوجود أزمات مع تلك الدول، وهو ما لم تلتفت إليه أي منها، رغم التركيز علي وجهات النظر المختلفة بين العواصم العربية في سوريا وليبيا والعراق واليمن، خاصة أنها فقدت مصداقيتها في جميع أنحاء العالم وليس في الشرق الأوسط فقط، وبغباء شديد يفتقد إلى الرؤية قامت خلال الأيام الماضية ببث تقارير مختلفة في أكثر من برنامج على شاشتها، عن تمويل  السعودية لسد النهضة ودعمها لأثيوبيا، وأزمة المياه المحتملة في مصر، خاصة مع بدء الإعلان عن ملء السد منذ عدة أشهر، كما روجت القناة كذباً أن مصر تستعد لضرب سد النهضة، رغم أنها تواصل المفاوضات على جميع المستويات ولم يتوقف التنسيق بين وزراء البلدين، في ظل تأكيد القاهرة على أن الأزمة لن تحل إلا بالحوار، وأنها ليس لها علاقة لما يتردد عبر السوشيال ميديا. 

المدهش في الأمر أن القناة القطرية (الجزيرة) التي كانت تدعي ابتعاد مصر عن القارة الأفريقية، هاجمت مصر عقب الزيارة المفاجئة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جنوب السودان، وقالت إنها تأخرت كثيراً، خاصة أنها لا ترغب في هذا التقارب، وبينما قنواتنا لا تعى حقيقة الترويج لمثل تلك الأفكار الخبيثة قامت (الجزيرة) بالتعليق على الزيارة بأنها غريبة ولها أهداف غير معلومة، خاصة بعدما خرجت تقارير رسمية عن نتائج الزيارة أكدت دعم الرئيس السيسي غير المحدود لدولة جنوب السودان، على جميع المستويات، وحاولت القناة التي تدعم الإرهاب علنا بث السم في العسل، وقالت في تقريرها عن الزيارة: أنه رغم معاناة القاهرة اقتصاديا، مصر تدعم (جوبا) على حساب شعبها، وهاجمت الزيارة التي حققت تقاربا كبيرا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأنها تفسد مصالحها بعدما قامت مصر خلال السنوات الماضية باعادة علاقاتها القوية مع كل الدول الأفريقية. 

قمة بين السيسي وسلفا كير في جوبا

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن : أين وسائل إعلامنا ممثلة في قنوات وبرامج وصحف ومواقع إلكترونية من مارثون اللعب بالنار هذا الذي تقوم به تلك القناة البغيضة؟، سواء كان ذلك يتم في السر أو في العلن، ومنه أنه صدرت التعليمات لكل مذيعي القناة الإرهابية لزعزعة ثقة المشاهدين في الحكومة المصرية على مدار الشهور القليلة الماضية ببث الشائعات والأكاذيب تارة، وتارة أخرى بتكثيف البرامج الفترة المقبلة لتغطية الملفات التي تخص مصر من وجهة نظرها، وقامت بتوزيع الجمل والمصطلحات التي بدأوا في ترديدها منذ عدة أيام في برامجهم، فماذا نحن فاعلون لمواجهة هذه الحملة المسعورة؟.

لقد حاولت (الجزيرة) الذراع الإعلامي لدولة قطر العزف على أوتار مقطوعة في أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي التاريخية لجنوب السودان في وقت توافق فيه مع الرئيس (سلفا كير)على أهمية التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم ومتوازن حول ملء وتشغيل سد النهضة، ولم تبرز وسائل إعلامن للأسف هذه النقطة الحيوية والمهمة في الوقت أكد الرئيس السيسى حرص مصر على نقل الخبرات وتوفير الدعم الفنى للكوادر فى جنوب السودان، ليس لأهداف عسكرية – كما تدعي الجزيرة وبعض وسائل الإعلام الغربية الموالية للإخوان – في محاولة لنفخ سعير النار في الهشيم الأثيوبي الذي يشهد انقسامات وحروب أهلية ما أنزل الله بها من سلطان، والهدف كما نعلم هو محاولة لفت أنظار المجتمع الدولى إلى ضرورة إنقاذ أثيوبيا من الجحيم المصري القادم كما تتوهم عقولهم الشريرة.

الريس السيسي يرى أن المفاوضات مع أثيوبيا هى الحل

ومالم تركز عليه قنواتنا بالتحليل وشرح أبعاده، أن الرئيس (كير) أكد وجود آفاق رحبة لتطوير التعاون بين البلدين الشقيقين في العديد من المجالات، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، مشيداً في هذا الإطار بنشاط الشركات المصرية في جوبا ومساهمتها في جهود التنمية، ومعرباً عن تطلع بلاده إلى زيادة نشاط القطاع الخاص المصري في جنوب السودان، وحرص بلاده على توفير كافة التسهيلات والمناخ الداعم لذلك، مع التأكيد على التقدير لما تقدمه مصر من دعم فني وبرامج بناء القدرات والتدريب على مدار السنوات الماضية للكوادر من جنوب السودان في شتى المجالات المدنية والعسكرية، وما يعكسه ذلك من عمق العلاقات بين البلدين.

وهذا يقودنا بالتأكيد إلى المكاسب التي حققتها زيارة الرئيس السيسي (التاريخية) لجنوب السودان، والتي غابت أبعادها الحقيقية عن عقل ووجدان وضمير الإعلام المصري، فلقد حققت الزيارة أهدافها السياسية والاستراتيجية، في ظل رئيس مصري بطل يحمل هموم القارة السمراء ويسعى دائما إلى تعزيز أطر التعاون المشترك بين كافة دولها، وتقديم التبادل في كافة المجالات سواء التجاري أو الثقافي أو المعلوماتي، وتعكس الزيارة أيضا الإرادة السياسية المشتركة بين البلدين، نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية المتكاملة في مختلف المجالات، وتبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك.

لقد غاب تماما عن وسائل إعلامنا إبراز نتائج الزيارة التي  كانت مثمرة للغاية، حيث اتفقا على التنسيق السياسي والعسكري والأمني في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية، والسعي للارتقاء بمعدلات التبادل التجاري بين البلدين، وتشجيع الاستثمارات المصرية في جنوب السودان ، بما يحقق المنفعة المشتركة للبلدين، كما لاحظنا أيضا أن المباحثات شهدت أيضًا مناقشة سبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية والري لتعظيم الاستفادة من موارد نهر النيل.

السيس يحمل هموم القارة السمراء على كتفه

ويبدو ملحوظا أيضا – كما جاء في كلمة الرئيس السيسي كما جاء في نص كلمته – (أن المباحثات تناولت المباحثات تعزيز التعاون القائم بين البلدين في مجال الموارد المائية والري وجهودنا المشتركة لتعظيم الاستفادة من موارد نهر النيل، وأكدنا على رؤية مصر المستندة إلى أن نهر النيل يجب أن يكون مصدراً للتعاون والتنمية كشريان حياة لجميع شعوب دول حوض النيل، كما استعرضنا التطورات الخاصة بقضية سد النهضة ومسار المفاوضات الجارية بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة).

وربما ما تضمنه كلمة السيسي حول السد الأثيوبي بالخوض في التفاصيل الفنية حول عمليات الملئ وغيرها من أمور فنية تؤكد أهمية نهر النيل كشريان حياة، كان يتطلب تركيز وسائل إعلامنا شرح أبعاد كلام الرجل أمام الرأي العام الدولي الذي انتفض عبر(بي بي سي) وغيرها من قنوات موالية الإخوان للحديث بكلام مسموم ورؤى خبيثة فيما وراء الحديث عن حصول مصر على قاعدة عسكرية في جنوب السودان، ولقد فتح ملف القاعدة العسكرية الوهمية إلى أن هناك جهات من مصلحتها زيادة توتير الأوضاع في المنطقة، ويعكس هذا الترويج لمعلومات بشأن إقامة قاعدة عسكرية مصرية على أراضي جنوب السودان – وهو ما نفته جوبا رسميا – رغبة بعض الأطراف الخارجية التشويش على مفاوضات سد النهضة، ببث معلومات مغلوطة توهم الرأي العام الدولي بالتجاء القاهرة للقوة في الملف من بوابة جنوب السودان، ما يسمح لها بخلط الأوراق وزيادة توتير الأوضاع.

عمليات مصر العسكرية ضد السد أكذوبة

لقد أصبحت حرب الشائعات التي تتناثر من هنا وهناك – بينما وسائل إعلامنا تغط في نوم عميق – لا تقل ضراوة عن الحروب الحقيقية، لأن القائمين عليها يختارون أهدافهم بدقة، ويحرصون على تسليط الضوء على قضايا معينة تتوافر لها مكونات هضمها بسهولة، وتجاوزت هذه الحرب الأطر التقليدية في الاتهامات والانتقادات، وباتت كفيلة بفتح الطريق لمعارك كلامية لا تخلو من أغراض سياسية.

فقد تداولت بعض وسائل الإعلام التي تعادي مصر بشكل متواري خبرا مثيرا قبل أيام، صاغته وبثته جهات معارضة في جنوب السودان بعناية، حول موافقة جوبا على منح مصر قطعة أرض لبناء قاعدة عسكرية في مدينة (باجاك) بمقاطعة (مايوت) بولاية (أعالي النيل) والقريبة من الحدود مع إثيوبيا، لتستضيف 250 عنصرا من الجيش المصري، ولقد سعى من سربوا الخبر ومن نفخوا فيه إلى قذف الكرة في المياه الدافئة بين القاهرة وجوبا، والتي شهدت نموا في السنوات الأخيرة انعكس على شكل التعاون المشترك بينهما، وحاولوا تخريبها خوفا من أن تتحول إلى ركيزة لتنسيق إقليمي أوسع يعتمد على السلام والتنمية بدلا من الحرب والإرهاب.

عمليات ملئ السد اُلأثيوبي تقف عائقا أمام المفاوضات

وللأسف الشديد تفاعلت القضية لدى قطاعات عريضة في بعض دول المنطقة، وانتقلت إلى الفضاء السياسي – في زحمة انشغال قنواتنا بالمدعو محمد رمضان – وجرى تحميلها معاني عسكرية مباشرة، تفيد بأن مصر حسمت خيار التعامل مع إثيوبيا لحل أزمة سد النهضة، وقررت اللجوء إلى العمل العسكري، وأن جوبا هي البوابة الرئيسية، وهنا لابد من وجود فعلي للإعلام المصري للتصدي لكل تلك المحاولات الخبيثة، قبل أن تتصاعد حدة الاستقطابات بين فريق المؤيدين والرافضين، والشغوفين والساخطين، وخير فعلت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة جنوب السودان، حين أصدرت بيانا أكدت فيه أنه (لا أساس من الصحة، ولا يوجد شيء من هذا النوع).

ولإبعاد جوبا عن الأزمة الراهنة بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة، قالت وسائل الإعلام الغربية الموالية للإخوان إن البلدين صديقان (تقصد أثيوبيا وجنوب السودان)، وكانا يتعاونان في عملية تنفيذ الاتفاق المُعاد تنشيطه لحل النزاع في جنوب السودان، خاصة في الجزء الذي يتناول الترتيبات الأمنية، كما أن إثيوبيا تساعد في الحفاظ على السلام والأمن في منطقة أبيي المتنازع عليها مع السودان، عبر قوة تابعة للأمم المتحدة، لكن رسالة دولة جنوب السودان كانت واضحة بأن تدهور أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لن يقودها لدخول لعبة المحاور الإقليمية، ولا تملك الرفاهية التي تجعلها تقبل لتكون كماشة بين مصر وإثيوبيا، أو أي من القوى الأخرى، ومعنية جدا بتوفير الأمن والاستقرار داخلها، والذي ينطلق من ثوابت اتفاقية أديس أبابا للسلام.

نعم مصر هبة النيل ولذا سندافع عن حقوقنا المشروعة

خلاصة ما يمكن أن تفعله وسائل إعلامنا الآن: هو التأكيد على ما تردده مصر ليلا ونهارا بوقوفها مع المفاوضات لحل أزمة سد أثيوبيا، وتصر على مواصلة هذا الطريق إلى نهايته، وعرضت القضية على مجلس الأمن الشهر الماضي، وتدرك أن الحصول على قاعدة قريبة من إثيوبيا في هذا التوقيت معناه أنها تستعد لتوجيه ضربة عسكرية للسد، وتثبّت عليها الاتهامات التي توجهها جهات مختلفة في أديس أبابا، وظني أن هذا يتم فقط  بالقيام باستقطاب المحللين السياسيين الذين يوضحون حقيقة مهمة مفادها: (أن من يريد القيام بعمل عسكري لا يحتاج للإعلان عنه من خلال هذه القنوات)، خاصة أن فكرة القواعد فقدت جانبا من بريقها بفعل التقدم التكنولوجي، مع الصواريخ العابرة للقارات، والطائرات التي تسبق الصوت وتحمل الطيران لمسافات طويلة، ناهيك عن الحساسية الشديدة التي تحملها الدول الأفريقية تجاه هذه المسألة، وجعلت البعض يتقبلون فكرة تقديم تسهيلات على مضض لمحاربة الإرهاب، وتجنبا للصدام مع قوى كبرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.