رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصا المصريين (8) .. الأراجوز

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

اكتشفت محطات التليفزيون بعد قليل ان بضاعة ( التوك شو ) قد بارت ، و انصرفت الجماهير عن برامج ( حرق الدم ) و أخذت تبحث عمن يعيد لها البسمة و بما أن الضحك مضمون لو تناولت موضوعا من ثلاث : السياسة أو الجنس أو الدين ، و لأن اللحظة كانت مواتية فان تحول ( باسم يوسف ) إلى الموضوعات السياسية جعله يقفز من مجرد مقدم لبرنامج صغير متوارى إلى أهم مقدم برامج مصرى ، محققا نسبة مشاهدة متفوقة و غير مسبوقة و الفارق بينه و بين البرنامج التالى فراسخ عديدة ، و اعتمد ( باسم ) بشكل أساسى فيما يقدمه على السخرية من برامج التوك شو ، و فى فترة حكم الإخوان تحول هذا الساخر لصوت الشعب ينتقم لهم أسبوعيا من حكام جاءوا فى غفلة من الزمان.

تحول ( باسم يوسف ) إلى الأراجوز – بألف و لام التعريف – بمعنى أنه صار لسان حال الشعب و الناطق بما يجول فى خاطره ، إنه الصريح الواضح القائل ( للأعور أنت أعور و للغولة عينك حمرا ) بسخرية تجعلنا نضحك بشكل مبالغ فيه ، لأنه ضحك تشفّى و انتقام . و هو الماكر المراوغ الذى يرسل لنا رسائل – نعتقد أنها مشفرة – نفهمها و نعيها مستغفلين بذلك من هم فوقنا ، و أدى باسم يوسف مهمة الأراجوز ببراعة و قدرة مشهودة ، إنها مهمة هز عروش الحاكمين و إسقاط هيبتهم و قتل خوفنا منهم ، مما يجعلنا نتجرأ على مواجهتهم ، و حتى إن لم نستطع جهارا ، فنحن بتشجيعنا للأراجوز نواجههم من خلف جلبابه.

هكذا أيضا كان نجيب الريحانى و عادل إمام و أحمد فؤاد نجم : ( الأراجوز ) فى عصرهم و لهذا عشقهم المصريون و كتبوا لهم الخلود.

و بانتهاء فترة حكم الإخوان انتهى دور ( باسم يوسف ) بيديه و باختياره – من وجهة نظرى – فلقد آثر الأراجوز الانتحار بكونه لم يعد معبرا عن الناس . لقد انشق عنهم و مضى يغرد خارج السرب بعد أن كان يغرد بما يريده السرب حتى و لو لم يقله ، ربما كان يرى أمرا لا يراه السرب أو ربما أراد أن يثبت أنه ( الأجع و الأقوى ) .. على أية حال لم تقبل أغلبية السرب تغريده.

الحقيقة أن الظرف كان ملتبسا و دقيقا ، لقد قام المصريون بثورة ثانية بعد الأولى بعام واحد ، و لا يمكن أن ننكر أن المشاركين فى الثانية كانوا أكبر عددا بكثير ، و صنعوا بأنفسهم و لأنفسهم نظاما جديدا و ارتضوه ، فهل للأراجوز أن يسخر مما صنع الناس ؟ ، هل يقبلون السخرية من أملهم و آمالهم ؟ ، ألم يكن من الأجدى للأراجوز أن يمارس سخريته بعيدا عن معبود الجماهير الجديد ؟ ، هل مهمة الأراجوز فقط أن يهاجم رأس النظام ؟ ، إن موضوعات السخرية كثيرة و متعددة و ليست السياسة فقط ، فلماذا حاصر نفسه فيها ؟.

و لهذا عندما اختفى ( باسم يوسف ) – أو أجبر على الاختفاء – لم يدافع عنه إلا قلائل ، فإذا علمنا أن الطبقة الوسطى المصرية لا تمثل سوى أقل من 15% من جموع المصريين و النخبة نسبة صغيرة من الطبقة الوسطى و المدافعين عنه جزء صغير من النخبة فسنعرف ضآلة عددهم .

و برغم انتهاء ظاهرة باسم يوسف إلا أن كثير من قنوات التليفزيون حاولت استنساخها ، سواء عن طريق ( كوبى / بيست ) أو بتحريف قليل أو كثير بحثا عن تحقيق مكاسب كالتى حققها برنامج ( البرنامج ) و ليس بحثا عن أى قيم أو مبادئ أو إعلاء لقيمة السخرية . و لهذا ظهرت برامج كوميدية عديدة و لكن معظمها – إن لم يكن كلها – تتشارك مع البرنامج فى المفردات : السخرية من الميديا و ضيوفها ، قلب كلمات الأغانى الشهيرة ، نشرة أخبار سياسية ساخرة ، استضافة نجم أو نجمة ، ثم مغنى أو فرقة غنائية تختتم البرنامج ، و راجعوا معى معظم تلك البرامج ستجدون أنها تسير على ( باترون ) واحد . سواء قدم البرنامج بشر أو دمية ، لكن لا أحد منهم واتته القدرة أو أسعفه ذكاؤه أن يصبح  ( الأراجوز ).

و بما أنه لم ينجح أحد فى الوصول إلى المكاسب المادية التى تحققت من وراء ( باسم يوسف )  تجلت ظواهر أخرى ، حاولت استخدام عصا المصريين من أجل الكسب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.