رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(شهد الملكة).. فيلم جاء في فترة الحظر العربي على (نجيب محفوظ) فلم يحمل اسمه في العناوين (2/2)

* نجيب محفوظ في روايته لم يصف المأمور، ولا أي من أبطاله، فقط عرفنا أن (زهيرة) جميلة

* فيلم (شهد الملكة) يكاد يكون نسخة كربونية من النص  الأدبي

* زهيرة بطلة (شهد الملكة) نموذج لمن قست عليه الحياة، فقرر بإرادة من فولاذ أن يصبح جحيماً

* في الفيلم تحول الرجال إلى نماذج كاريكاتيرية بارزة

محمود قاسم

بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم

كما أشرنا في الحلقة الماضية عن قصة (شهد الملكة)، فالنص الأدبي جهز بإتقان شديد، كي يتحول إلى فيلم، وإذا كانت الصفحات الأولى قد كتبت حول (عزيز الناجي)، فإن النص صار بعد ذلك حسب عنوان الفصل، أو الحكاية، (شهد الملكة).

فهناك خمسة رجال على الأقل في حياة المرأة، تزوج أربعة منهم، أما الخامس فقد تم نقله من وظيفته .

ولاشك أن مثل هذا النوع من النصوص، والنساء، والمصائر، يناسب أنواع الأفلام التي كانت تقدمها، وتنتجها (نادية الجندي).

وقد جاء إنتاج فيلم (شهد الملكة) في فترة الحظر العربي على أدب نجيب محفوظ، فظهر الفيلم حاملاً شعار (من الأدب المصري)، كما قرأنا على إعلانات وأفيشات الفيلم، أي أن الفيلم، ولد بدون اسم نجيب محفوظ.

وجدت نفسها في هذا الدور فأنتجت الفيلم

نادية الجندي وجدت نفسها في الدور

أما (نادية الجندي)، التي سبق أن جسدت مثل هذا الدور، حول المرأة التي تصعد اجتماعياً، من خلال جمالها، وما لديها من قوة شخصية وطموح لا ينتهي، فقد وجدت نفسها في هذا الدور فأنتجت الفيلم.

وتم إسناد فيلم (شهد الملكة) إلى المخرج حسام الدين مصطفى، الفيلم إذن، مثل أغلب النص الأدبي، حول امرأة، يحوم من حولها الرجال، يتساقطون الواحد تلو الآخ، حتى تظفر بواحد منهم، وهى تموت بيد الرجل الثاني في حياتها، وهي التي أنجبت ثلاثة من الذكور من الفران، ومحمد أنور، وعزيز.

كاتب سيناريو الفيلم هو (مصطفى محرم)، الذي تعاون مراراً مع النصوص الأدبية، خاصة مع نجيب محفوظ، وأيضاً مع نادية الجندي.

فيلم (شهد الملكة) يبدأ من خلال المعركة التي يعتلي بعدها (نوح الغراب) عرش البطولة

نوح الغراب ونقطة البداية

 فيلم (شهد الملكة) يبدأ من خلال المعركة التي يعتلي بعدها (نوح الغراب) عرش البطولة، بعد أن ينتصر على خصمه، ويدخل الحارة منتصراً، وحوله رجاله حاملين النبابيت.

و(نوح الغراب) رجل صارم، حاد الطباع، له عين مفقوءة مشوهه ومنذ المشهد الأول، يستعرض الفيلم أبرز شخصياته، فبينما الفتوة في زهوته، هاهو المأمور، فوق جواد، ليصل كي يهنيء الفتوة .

نجيب محفوظ في روايته لم يصف المأمور، ولا أي من أبطاله ، فقط عرفنا أن (زهيرة) جميلة، أما الشارب الكثيف، غريب الشكل الذي وضعه المأمور، فهو سينمائي، يعطي الشخصية سخرية ملحوظة.

والعين المفقوءة، تعطي الفتوة قوة ، وصلابة، الفتوة والمأمور، وجهان لعملة واحدة، يرمزان إلى السلطة بكافة أشكالها.

ثم يبدأ فيلم (شهد الملكة) في استعراض بقية أبطاله، ابتداء من (زهيرة)، التي تعمل خادمة في بيت (عزيز)، تاجر الغلال الثري، الذي يرقب الفتاة وهي منهمكة في عجن الدقيق، إلى باقي الشخصيات.

(زهيرة) في المصدر الأدبي تمثل الطموح القروي المطلق، وتتمتع بذكاء فطري حاد

زهيرة والطموح القروي المطلق

يقول كمال رمزي في نشرة نادي سينما القاهرة ـ 22/7/1985 ـ أن (زهيرة) في المصدر الأدبي تمثل الطموح القروي المطلق، وتتمتع بذكاء فطري حاد.

وقدرة هائلة على جذب الآخرين، وهى تكشف بالتجارب طاقتها المتحفزة الصارمة، وتتحول مع الأيام إلى شعلة ملتهبة من نار، تحرق كل من يقترب منها لتلقى في النهاية حتفها على يد أحد أزواجها المهجورين.. إنها نموذج لمن قست عليه الحياة ، فقرر بإرادة من فولاذ أن يصبح جحيماً .

و(زهيرة) في الفيلم امرأة ذات جاذبية، فالمعلم عزيز لم ينظر إليها مثلما حدث في الفيلم، وهى تعجن وقد تعرى وركاها، لكن (زهيرة) كأنثى تشعر بإعجاب (عزيز) بجسدها.

وتنتقل إلى بيت الفران بعد أن تتزوجه، أي أن الفيلم قد ألقى شخصية الأم (عزيزة)، التي تولت تربية (زهيرة)، أما بقية الأحداث فإنها تتحرك بالآلية نفسها مثلما في النص الأدبي .

ففيلم (شهد الملكة) يكاد يكون نسخة كربونية من النص  الأدبي (الحرافيش)

نسخة كربونية من النص الأدبي

إذن، ففيلم (شهد الملكة) يكاد يكون نسخة كربونية من النص  الأدبي (الحرافيش)، خاصة أن هذا النص، كما أشرنا، يعتمد على الحوار، الذي لم يخرج عند الفيلم.

فمصائر الشخصيات هي نفسها، فالفتوة يموت ليلة زفافه، إلا أن (زهيرة) لا تتزوج من عزيز في الفيلم مثلما حدث في القصة، فهي أنجبت ابنها الثالث من الزوج العجوز، وقد قتل (محمد أنور) امرأته السابقة، قبل أن يتم زفافها على (عزيز) .

وفي الفيلم تحول الرجال إلى كاريكاتير بارز، فإذا كان من سمات الكاريكاتير المرسوم هو تضخيم الصفة، كي تحس بها ، فإن المأمور هنا رجل كاريكاتيري، شاربه الذي ألصقه أسفل أنفه.

وبذلك يبدو غير مألوفاً في طريقة تلفظه بالكلمات، أوفي حركاته ، واللعب بعضلات وجهه ..

أما الفران، فهو على وجه النقيض، قد تحس أن ملابسه أقرب إلى ملابس الفران، لكن هذا الماثل أمامنا لم يكن أبداً فراناً مهما لخبط شعره أو دهن وجهه بالهباب.

أما ديكور الفيلم، فقد بدا أشبه بالشوارب الملتصقة، خاصة ديكور الحارة، قد تحس أن هناك محل فسخاني، إلا أن تلك اليافطة المعلقة فوق المحل، وهى يافطة من قماش أشبه بإعلانات الانتخابات.

 أما المحل الشعبي، فهو أبعد ما يكون عن ما نعرفه من هذا النوع من المحلات، وكذلك  السكين الذي يمسكه الفسخاني ليقتل به حبيبة القلب..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.