رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

تعرف على قصة (نجيب محفوظ): (شهد الملكة) بين النص الأدبي والفيلم السينمائي (1/2)

محمود قاسم

بقلم الباحث والناقد السينمائي: محمود قاسم

وجدت رواية (الحرفيش) للكاتب الكبير (نجيب محفوظ)، بحكاياتها العشر صدى طيباً لدى صناع أفلام الحركة، من كافة الأجيال، وعلى رأسهم (المخرج نيازي مصطفى، ثم المخرج حسام الدين مصطفى).

والجيل الثاني من المخرجين الذي ينتمي إليه كل من (أشرف فهمي، وعلي بدرخان، وأحمد ياسين، وسمير سيف).

وقد تم إنتاج سبعة أفلام من هذه الرواية، في فترة سينمائية وجيزة للغاية، كأنما وجد صناع أفلام الحركة في حكايات الفتوات نبعاً لا ينضب، يقترن اسمه بالكاتب (نجيب محفوظ).

وسرعان ما قام (حسام الدين مصطفى) بإخراج فيلمين عن حكايتين في فترة وجيزة، واستعان ببعض النجوم، وبدا كأنه قد قسم الاستوديو إلى قسمين، يخرج من أحدهما إلى الآخر .

إلا أن فيلم (شهد الملكة) جاء عرضه أولاً، وبدا كأنه مناسباً تماماً لنوع الأدوار التي تجسدها (نادية الجندي) في تلك المرحلة، حول صعود امرأة من قاع المجتمع إلى قمته .

يمثل فيلم (شهد الملكة) الحكاية السادسة من ملحمة (الحرافيش) من إبداع (نجيب محفوظ)

النص الأدبي لشهد الملكة

يمثل فيلم (شهد الملكة) الحكاية السادسة من ملحمة (الحرافيش) من إبداع (نجيب محفوظ)، التي تبدأ بمعلومات عن نهاية الفتوة (سماحة)، الذي مات سعيداً، وهو يتوهم أنه إنما يهاجر فردوساً إلى فردوس .

أما الشخص الرئيسي في النص الأدبي بحسب (نجيب محفوظ) فهو (عزيز)، صاحب محل الغلال الذي ازدهر، وهو حفيد (سماحة)، الذي تزوج من عروس حسناء مثقفة، فوجد فيها بغية قلبه.

 إنه يبحث عن شخص يصلح أن يكون فتوة يبعث عهد (عاشور الناجي) بعد موات، بعد أن صار (آل ناجي) من بين الحرافيش، فصهرهم الفقر والبؤس ، فوثب (نوح الغراب) إلى الفتونة..

وهو شخص فظ، غليظ ، نهم ، استثمر قوته في الاستبداد، فصار من كبار الأثرياء .

زهيرة
عبد الفران

عبده الفران وزهيرة

فصول رواية (نجيب محفوظ) القصيرة، تحكي تباعاً حال الحارات، حتى نصل إلى (زهيرة)، التي مات أبوها العامل، وهى في السادسة، فاعتنت بها (عزيزة )، أم عزيز الناجي، وخُصت بمعاملة رقيقة .

تتزوج (زهيرة) من (عبدربه) الفران، وتردد عزيزة: (البنت ممتازة ، وتستحق من هو خير من عبده الفران)، وقبل أن تذهب (زهيرة) إلى زوجها، يكتشف (عزيز) مدى ما تتمتع به الفتاة من حسن وأنها روح الجمال الفتاك .

عزيز

عزيز البطل الحقيقي في الرواية

إذن، فرواية (نجيب محفوظ) تدور من خلال (عزيز) بينما سوف نرى أن الفيلم يدور من خلال محوره الرئيسي (زهيرة)، فـ (عزيز) الذي لم ير (زهيرة) من قبل، رغم أنها تربت في بيت أمه، قد صعقه جمالها ليلة دخلتها على الفران ..

وبداية من القسم 15 من النص الأدبي، بدأ الأديب الكبير (نجيب محفوظ) يهتم بـ (زهيرة) كشخصية محورية، فهي تخرج من البيت، بناء على طلب الزوج، كي تبيع اللبن، فتتنبه إلى مكانتها في أعين الآخرين.

وتنجب (جلال) ثم تعمل في بيت رئيفة ، الخصم اللدود لـ (عزيزة) ،مما يغضب هذه الأخيرة.

زهيرة
محمد أنور

محمد أنور في (شهد الملكة)

في بيت (رئيفة)، يبدأ ظهور الرجل الثاني في حياة (زهيرة)، إنه (محمد أنور)، ابن المرحوم زوج (رئيفة) يعمل فسخاني خاصة البطارخ، الذي صار يتردد أكثر على بيت رئيفة من أجل زهيرة.

وفي إحدى المرات يعلن لها: (إني أحبك)، مما يدفعها إلى الوقوع في دوامة من التمرد والتحفز، وعندما يحس زوجها بالخطر يلطمها، فيجن جنونها وتتجمد حواسها.

وتغادر بدورها قاذفة بالماضي في أحضان القناعة، وتطلب من (رئيفة) البقاء عندها فتوافق ..

ورفض زهيرة العودة إلى زوجها الفران، يصيبه بالجنون، ويلجأ إلى الخمر، وينصحه البعض أن في الطلاق راحة للبال، وتتدهور حالته إلى أن يصير مجنون المكان، مما يثير التعاطف مع زهيرة.

ويقوم الفتوة (نوح الغراب) باستدعاء الفران، ويأمره أن يطلق زوجته  زهيرة، ويقع الطلاق، وتبدو زهيرة امرأة وقد استمدت قوتها من سيدها، مما يقرب بين زهيرة ومحمد أنور، بينما تفشل محاولات الفران في إعادتها.

 وتجد زهيرة نفسها مثل ملكة النحل، بين رجلين، من وسطين مختلفين، يطاردونها، فتتزوج من المعلم (محمد أنور) تاجر البطارخ، ضد رغبة سيدتها مما يثير دهشة الحارة.

وتجد (زهيرة) نفسها سيدة دار، في شقة متعددة الغرف، ثمينة الأثاث، ويراها الناس عند خروجها في زي جديد، فتهتف أعماقهم: (سبحان الله الخلاق العظيم).

و(زهيرة) امرأة متقلبة، تصالح عزيزة، كي تسب رئيفة، وتقول لها حين تقابلها في الطريق يوماً: (إني هانم مثلك)، بينما لا يختفي (عبده الفران) عن الأنظار.

وكلما ارتقت (زهيرة)، وازدادت جمالاً، شعر الزوج الجديد بأن مصيره مثل مصير الفران، حتى لو حملت منه، فتبدأ في التمرد عليه، وترغب في الخروج، ويأمرها بالتزام الدار ..

لكن زهيرة امرأة تأبى أن تنهزم، وعندما يشتد الخلاف، تقرر أن تذهب لتعيش في بيت سيد الحارة، (عزيز) وتقول له: (لم أجد سواك ملجأ لحيرتي).

وفي لقائها به، تحس أنه معجب بها، وتتوارد خواطرها أن تصبح ضرة لألفت، زوجة عزيز.

نوح الغراب

نوح الغراب يظهر في الأفق

رغم أن زهيرة تنجب للمرة الثانية لها، هذه المرة من (محمد أنور)، فإن (نوح الغراب) يظهر في الأفق، رغم إغداق زوجها عليها، لكنها تؤمن: (أن المال يخلق القوة، والقوة تخلق المال).

فالفتوة يأمر الزوج أن يطلق زوجته، ويحس (محمد) أنه سيعامل مثلما عومل (عبده الفران)، فيلجأ إلى الشرطة، وهنا يدخل ذكر جديد في حياة ملكة النحل (زهيرة)، إنه المأمور (فؤاد)، الذي يستدعي الفتوة.

 ويخبره بشكوى (محمد) ضده، وهو أمر نادر الحدوث في الحارة ، وينزل المأمور إلى الحارة، ويستعرض قوته، مع رجاله المسلحين في موكب.

ومن الملاحظ هنا أن النص الأدبي مكتوب ليصلح تماماً للسينما، فهو يعتمد على الحوار، ومكتوب بما يشبه السيناريو، وفي تقاطعات موقوفة وسريعة .

 فالمأمور يضع عينيه على (زهيرة)، ويستدعي محمد، ويطلب منه، باللين، والمنطق أن يطلق زوجته، خوفاً على حياته، كإجراء مؤقت، وعندما يقرر (محمد) الهرب مع زوجته، ترفض خشية التشرد والضياع .

زهيرة والمأمور

زهيرة والمأمور وشيخ الحارة

بعد مواجهة معه تصرخ، فيدخل الرجال لنصرتها، أما (محمد) فيهرب خشية اتهامه (في جريمة شروع في القتل).

يختفي الزوج دون  أن يطلقها، وتتم محاكمته غيابياً، ويتم الطلاق، ما يزيد من ذكور النحل حولها .

كان أول من طرق الباب هو (عبده الغراب)، فتسد الباب في وجهه، ثم يتسلل شيخ الحارة، وهو شخص غير موجود في الفيلم، لكن هذا الرجل هو رسول المأمور.

 إذن أمام المرأة ثلاثة رجال بعد الرجلين اللذين خرجا من حياتها، إنهم، (نوح، والمأمور، وعزيز)، والأخير هو أفضل الثلاثة، وهم جميعهم متزوجون من أكثر من امرأة.

والفتوة الذي زلزل الحارة بتطليقهن معاً، لقد اختارت (زهيرة) القوة، وسارت زفة (نوح الغراب) في موكب ضخم، وفي حفل الزفاف يصاب الريس برصاصة قتلته، عقب معركة دامية مع قوات الشرطة.

تبدأ الكوارث في الحارة، فالشؤم يسير بين يدي هذه المرأة الجميلة التي لا يقف طموحها عند حد، لكن سرعان ما أفاقت من الصدمة، وبدأ ظهور المأمور مرة أخرى، وجاءها شيخ الحارة.

وبدأ الأمل من جديد، لكن المأمور يتم نقله إلى الصعيد، وتخلو مطاردة ذكور النحل، إلى الذكر الأخير، إنه المعلم (عزيز الناجي) الذي  استشار أمه العجوز عزيزة،  التي تهتف أكثر من مرة أنها: (الأفعى).

وترفض بكل إصرار، لكن الزواج يتم، وتقاطع عزيزة الفرح، ويشتري (عزيز) دار (نوح الغراب) ويهديه إلى زوجته الشابة .

تزداد المرأة جاها، ويتطلع الناس إليها في إعجاب وحقد وذهول، وتنجب لعزيز ابنها الثالث فتزداد الدنيا جمالاً وكرماً، إلا أن (محمد أنور) يعود من النسيان، كي يهشم رأسها بعصا غليظة فلا يبقى من وجه البهاء والجمال إلاعظام محطمة غارقة في بركة من الدم.

الأسبوع القادم يكشف محمود قاسم ماذا فعل الكاتب والسيناريست مصطفى محرم والنجمة نادية الجندي في هذه القصة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.