رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. ثروت الخرباوي يكتب: الثعابين في (بيت الرفاعي)!

بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي

بدأت أشك، وبعض الشك حق، أن هناك مشكلة ما نشأت بين عائلة الرفاعي صاحبة مسلسل (بيت الرفاعي)، وبين المخرج والمؤلف والطبيب الدكتور بيتر ميمي، ومعه كتاب السيناريو الأستاذ (عمرو أبو زيد، والباشمهندسة هند عبد الله).

رفقا أيها السادة بالقوارير من (بيت الرفاعي)، ورفقا بآل الرفاعي جميعا بما فيهم (فاروق الرفاعي)، أصدقكم القول نحن لا نحتاج إلى ناقد يبدي رأيه في هذا المسلسل، بل نحتاج إلى رفاعي أصيل كي يصطاد الثعابين التي في (بيت الرفاعي)، وهي ثعابين كثيرة والعياذ بالله.

طبعا أنتم بهذه المقدمة تعرفون أنني أتحدث عن مسلسل (بيت الرفاعي)، وقد شاهدت وما زلت أشاهد هذا المسلسل لأنني أحب البطل (أمير كرارة)، فهو يعيد لنا بأناقة وقوة أمجاد البطل السينمائي الشهم الذي يدافع عن الحق.

وهو ممثل له قبول وكاريزما، ولا يؤثر فيه أن يفشل مؤلف في رسم تطور شخصيته الدرامية، كما أنني أحب الممثل الجميل (أحمد رزق)، وإن كنت لا أحب أن أراه في أدوار الشر، فصورته المنطبعة عند جمهوره هي صورة الإنسان الطيب خفيف الظل، وفي بعض الأحيان المغلوب على أمره.

وباقي أصحاب أدوار البطولة لهم مكانتهم الكبيرة عندي خاصة الفنان المبدع (أحمد فؤاد سليم) الذي وضع لنفسه مكانة منذ سنوات تضعه في مصاف الكبار في تاريخ الدراما المصرية.

ولا أنسى الفنان (محمد لطفي) الذي ينجح بامتياز في كل الأدوار التي يؤديها، سواء قام بأدوار الشر، أو أدوار ابن البلد المحترم الشهم صاحب المروءة، عموما لدينا نخبة ممتازة من الممثلين وهبهم الله القدرة على التشخيص ببراعة، ولذلك لن أتحدث هنا عن أداء الممثلين.

أكيد هناك مشكلة في رسم شخصيات المسلسل وتطور مواقفها من خلال تطور أحداث الرواية

المشكلة في التأليف

ولكن أين المشكلة؟ المشكلة في التأليف، والتأليف يختلف عن التوليف، وما نراه في (بيت الرفاعي) ليس تأليفا ولكنه توليفا، والتوليف هو وضع ملامح قصة، ثم وضع شخوص القصة، ثم نوَّلِف كل واحد منهم على دوره.

وبعد ذلك نترك الأمور تسير بالبركة، فنضع مساحة كبيرة لهذا الفنان، ونكتفي بمساحة صغيرة لآخرين، ونجعل صاحب الدور الفلاني ملاكا من الملائكة، أو هو الخير المطلق الذي تجسد في صورة بشرية.

ونجعل آخرين شرا مطلقا كأنهم شياطين الدرك الأسفل من النار، ليس عند المؤلف وأصحابه فكرة عن أن الإنسان الملائكي يمكن أن يقع في أخطاء بشرية، ولا يعتقدون أبدا أن الإنسان الشرير يمكن أن يرق قلبه ويقوم بأعمال خير.

نعم وجدت في (بيت الرفاعي) الممثل محمد لطفي وهو يقوم بدور رجل شرير شرا مطلقا، فهو بلطجي لا يعرف الحلال ويعيش من ناتج الحرام، وهو (رد سجون)، وفي المسلسل كان يُحب الفنانة ميرنا جميل التي تقوم بدور سامية حلويات، وأقام الدنيا ولم يقعدها عندما عرف أن ياسين الرفاعي (أمير كرارة) تزوجها.

وفجأة ولأن (كرارة) أنقذه من الموت إذا بمحمد لطفي يتحول إلى أحد الملائكة الأخيار، ويهب حياته وعمره لنجدة (ياسين الرفاعي)، ويحافظ على (سامية حلويات) وكأنها أخته، وينسى حبه لها، ويتعفف عن الحرام، وكأنه سيصبح شيخ مسجد بعد أن كان شيخ منصر.

نعم قد يقوم بأدوار شهامة لمن أنقذه من الموت، ولكن أن يوافقه على الحلال ويصبح تابعه الأمين في إظهار الحق، حتى أنه كان يتعجب من الشر الذي يقوم به (أحمد رزق)، ويقول لياسين وهو يبدي اندهاشه: سبحان الله يا أخي دا عيلتك قتالين قُتلة.

أكيد هناك مشكلة في رسم شخصيات المسلسل وتطور مواقفها من خلال تطور أحداث الرواية، فالفتاة التي ساهم فاروق الرفاعي (أحمد رزق) في موت أمها تتحول من شخصية كارهة لهذا الفاروق إلى محبة له موافقة على الزواج منه.

ثم يتزوجها دون أن يكون معها ولي شرعي، ثم تحمل منه، وإلى الآن لم أفهم سبب هذا التحول إلا إذا كشف المسلسل في نهايته عن السبب!

لماذا الغل؟! ولماذا الحقد؟! الله أعلم، ثم يصبح الضابط (الرفاعي) أكبر عدو لشقيقه الطيب

قتل كبير الرفاعية

والأغرب أن الممثل (تامر نبيل) الذي قام بدور ضابط المباحث شقيق (ياسين الرفاعي) كان في البداية هو ذلك الأخ الذي يحب أخاه (ياسين) ويعتبره قدوته، ولم يره من قبل يقوم بأي شر، ويعرف أخلاقه، وعايش شخصيته طوال عمره، حتى أن ياسين هو الذي علمه الصلاة وكان دائم النصح له.

وفجأة تحدث واقعة قتل كبير الرفاعية (أحمد فؤاد سليم) ويكون (ياسين) وقتئذ يقف بجوار جثة أبيه، وإذا بضابط المباحث (الرفاعي) يقول لشقيقه (الرفاعي): (وأخيرا ظهرت على حقيقتك وظهر الحقد والغل اللي كنت مخبيه في قلبك، قتلت أبوك يا ياسين لأنك حاقد).

لكن لماذا الغل؟! ولماذا الحقد؟! الله أعلم، ثم يصبح الضابط (الرفاعي) أكبر عدو لشقيقه الطيب، ويهينه في قسم الشرطة، وعندما يهرب يسعى للقبض عليه لتسليمه لحبل المشنقة، ألا ترى أن هذا الانقلاب الكبير غير مبرر خاصة من ضابط مباحث له قدرة على التفكير والتحليل لمعرفة القاتل الحقيقي؟!

ومع ذلك دعنا من هذا كله، فكل الشخصيات لم يهتم أحد برسمها ورسم تطورها بعناية، فجاءت الشخصيات متناقضة، تتحول من اليمين إلى اليسار بسهولة، أو تتجه من اليسار إلى اليمين بسهولة، وفي كلتا الحالتين لا يوجد مبرر منطقي لهذا التحول.

ولكن الذي يجب أن نهتم به هو تلك القصة التي رأيناها كثيرا في الأفلام الهندية، ورأيناها أيضا في مسلسل (الهارب)، أو فيلم (الهارب) لهاريسون فورد، أو في العديد من المسلسلات التي رأيناها ونراها بشكل مستمر، بل وقام أمير كرارة بأدوار شبيهة من قبل.

وأنا أعيب عليه هنا أنه لا يحسن اختيار أدواره، فالفنان الكبير أول أولوياته أن يهتم بالدور الذي يؤديه، فليست المسألة مجرد أموال يغتنمها، مثل الأخ (بيومي فؤاد) مثلا، ولكن المسألة تتعلق بالقيمة الفنية وليس القيمة المادية.

ومع أن القصة هى قصة المتهم بالقتل الذي يهرب ليكشف براءته ويقبض على القاتل الحقيقي، إلا أن المؤلف وصاحبيه السيناريستية اهتموا بملأ القصة بحشو هندي.

مآسي من التي نراها في سينما الهند، الأب يتم قتله، والأم تموت حسرة، والابن يتم اتهامه بالقتل، وابن العم يرتكب من الجرائم التي يندى لها جبين الجمهور، والعم يحرض الخادمة على قتل شقيقه، وكان من قبل كان يسرق شقيقه، ثم قام بسرقة أبناء شقيقه.

أما الأب كبير الرفاعية المقتول فكان في سابق شبابه قد قتل شقيقه الأصغر والد فاروق (أحمد رزق)، وأحمد رزق يكتشف أن أمه الحقيقية ليست هى تلك التي قامت بتربيته، ولكن أمه كانت راقصة ورد سجون في قضايا آداب.

وكادت ابنة ياسين تموت من الجوع

كادت ابنته تموت

والمسكين (ياسين) الذي تكالب عليه (بيتر ميمي) وسيناريستاته لدرجة أنهم جعلوه يهرب مع ابنته الصغيرة، لدرجة أنهما قضيا ليلة في مركب على بحر الأسكندرية.

وكادت ابنته تموت من الجوع، ثم إذا بابنته تأكل الفول من وراء أبيها، وهى مريضة بأنيميا الفول، فيذهب بها إلى المستشفى لينقذ حياتها، ثم يعيش بعد ذلك في بيت أسرة (سامية حلويات) فيسرق شقيق سامية جنيهات ذهبية كان ياسين يدخرها.

ثم عندما يعرف مكان الشغالة التي قتلت أبيه ويذهب إليها فتهرب منه وحينما قام بالجري وراءها إذا بها تتلقى رصاصة ترديها قاتلة، وطبعا (فاروق) هو القاتل.

ولكن الاتهام يطول (ياسين) وقبلها قتل (فاروق) عمه الخبيث اللئيم الذي قام بدوره الفنان (سيد رجب)، والاتهام أيضا يطول ياسين، وووووو يالهوووووي مصائب لا حصر لها.

هل تعرفون أن كل هذا لا يعنيني ، ولكن الذي أقض مضجعي وطير النوم من عيني هى تلك السذاجة الكبيرة من السادة ضباط مباحث المسلسل، إذ يبدو أن مباحث المسلسل جاءت إلينا من العصر الجاهلي، فليس عندهم طب شرعي ولا بحث جنائي.

كل الحكاية عندهم هى أنه: (طالما ياسين كان واقفا بجوار الجثة إذن فهو القاتل الأثيم، وبلغة أهل البلد حاليا: فكك بأه من البحث ووجع الدماغ، الراجل واقف جنب الجثة با جدعان دا ناقص يتصور معاها سيلفي!.

يبدو أن المؤلف لديه جهل مركب بأدوات البحث الجنائي ومعاينات الطب الشرعي، طبعا كل هذا لم يرد في المسلسل مع أن أي جريمة يجب أن يتولى البحث فيها طبيب شرعي، ومصلحة أدلة جنائية.

وهى تستخدم في كشف الجريمة شيئا تم اختراعه اسمه البصمات التي على سلاح الجريمة، وأحيانا تستعين بشيء اسمه الأشعة تحت الحمراء لتكشف حركة الأقدام داخل الغرفة، وغير ذلك كثير، ولكي تعرف ما الذي يتم فاقرأ الآتي:

سنعرف من المسلسل أن القاتلة دخلت من باب البلكونة التي فيها الأب، وكان الأب قبلها يناقش ابنه وانفعل فأصيب بأزمة، فذهب الإبن لغرفة جانبية ليحضر الماء لأبيه، فدخلت القاتلة والأب يجلس على الكرسي، فجاءت من خلفه وهي تحمل سكينا أحضرته من المطبخ.

قامت بطعنه في صدره وهى تقف خلفه، ثلاث طعنات قاتلات

ثلاث طعنات قاتلات

ثم قامت بطعنه في صدره وهى تقف خلفه، ثلاث طعنات قاتلات، ثم قامت برمي السكينة، واتجاه حركة السكين كان من أعلى لأسفل، وكانت تستخدم يدها اليمنى، وضربة السكين من امرأة تكون مختلفة في القوة من ضربة السكين من رجل قوي البنية.

كما أن ضربة السكين من رجل عادي تختلف عن ضربة السكين من طبيب جرَّاح، و(ياسين الرفاعي) جرَّاح عظام، والصنعة تحكم إذا ما استخدم الطبيب سكينا للقتل، فإذا كان قد رتب الأمر مسبقا تكفيه ضربة واحدة في مكان قاتل يعرفه تشريحيا، والضربة من الأمام تختلف عن الضربة من الخلف.

ثم أن أحدا من مباحث المسلسل لم يفكر في هذا السكين أداة الجريمة، من أين أتى؟، ولو بحثوا لعلموا أنه من سكاكين المطبخ، وسكاكين المطبخ عند العائلات الغنية تكون بالدستة، فلماذا لم يقوموا بمعاينتها ومطابقتها مع باقي سكاكين المطبخ.

ثم لم تقم تلك المباحث بسؤال الشهود عن: هل كان (ياسين) يحمل سكينا قبل دخوله لأبيه؟ أو هل ذهب للمطبخ لأي سبب فيكون قد أحضر السكين ودسه في ملابسه؟، ولماذا لم يتم رفع البصمات؟! ثم ألا تقوم المباحث بالبحث عن المستفيد من الجريمة؟

قد يرى البعض أن (ياسين) مستفيد من قتل أبيه، لكن نفس الاستفادة عند العم، وعند (فاروق) ابن العم، ثم ألم تقم مصلحة الأدلة الجنائية بالبحث في كل الافتراضات خاصة وأن ياسين قال إنه ذهب ليحضر الماء لأبيه فعاد ووجده مقتولا.

حينئذ كانت لديهم شرفة الغرفة، وكانت مفتوحة، لماذا لم يفكروا في البحث عن آثار أقدام يمكن كشفها عن طريق تصوير أرض الغرفة بعدسات الأشعة فوق البنفسجية، ويقوم بها المصور الجنائي، وهي تكشف الآثار التي لا تُرى بالعين المجردة.

وهذه العدسات موجودة لدى مصلحة الأدلة الجنائية، ولكنها بالقطع لم يتكن موجودة في مسلسل بيتر ميمي الطبيب الذي قد يكون قد درس هذا في كلية الطب، أو الباشمهندسة (هند) التي قد تكون درست هذا في كلية الهندسة.

دعك من العك القانوني الذي لا نجده في مسلسلات العالم المتنور، وسيظل هذا العك موجودا عندنا طالما أننا لا نستعين بالمتخصيين في الطب والهندسة والقانون وكافة التخصصات لننتج مسلسلا محبوكا، ويالهف قلبي على الوقت الذي ضيعته في مشاهدة حلقات هذا المسلسل.

وما زلت عند وعدي بالحديث عن مسلسل الحشاشين، فانتظروه قريبا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.