رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: قصة (سحور) راقص في المتحف المصري الكبير!

بقلم: محمد شمروخ

قالوا إنها كلفت 80 مليون جنيه، وقالوا بل على الأقل 100 مليون، لكن المؤكد أنها لم تكن مجرد حفلة (سحور) دعى إليها فئات نخبوية من المجتمع المصري، ولا حتى حفل ساهر تصدح فيه الموسيقى والأغاني مع وصلات الرقص، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

لكنها حفلة استفزاز بسبب تكاليفها الباهظة التى تحملها أحد أعضاء جمعية (اتحاد ملاك مصر) بكرم وافر من جيبه الخاص.

فبدافع التسلية، ويجوز بدافع الغيظ، ويمكن شوية غل صغيرين، قام بعض المدعوين بإجراء محاولات حسابية  للوصول إلى مبالغ تقديرية يمكن أن يكون قد تكلفها هذا الـ (سحور) الراقص!

مع ضرورة لفت الانتباه إلى أن تلك الحسابات تقوم على أرقام تقريبية مع الوضع فى الاعتبار أنها كانت الحسابات ملتزمة بمبدأ (على الأقل) حتى لا تظلم أحداً!

ففي تلك الليلة الموعودة على الـ (سحور)، أثارت فقرات الحفل آذان السكان القريبين من محيط المتحف المصري الكبير، عندما شدا صوت المطرب اللبناني (راغب علامة) ليعبق أجواء منطقة الرماية، ليتحول المشهد إلى لوحة عملاقة بالصوت المجسم.

منحتها إطلالة الأهرامات الثلاثة ولألأة نجوم السماء، أبعاداً أسطورية لعلها جعلتها تستحق أن ينفق 100 مليون جنيه على مثل هذا الحفل في بلد (فقيرة قوى قوى)!

وبدا في اللوحة وكأن هرمي خوفو وخفرع يتناطحان من أعلى هضبة الهرم لاستطلاع الأمر، خاصة مع توافد نجوم ونجمات السينما مع اقتراب موعد الـ (سحور)، بينما يلوح في الأفق الغربي قمر رمضان وهو يستعد للخروج من مرحلة التربيع الثانى ليدخل أيام المحاق!

وطبعا كلنا سمعنا عن (الباركود) على (واتس الموبايل) لدخول الحفلات الخاصة في المناسبات التى تقيمها النخب العليا، ولكن لأول مرة يا خويا أسمع عن (الدريس كود).

إيه الدريس كود ده يا عمنا؟!

لبس خاص بالحفلات (الهاى قوى قوى)!

حفلات (الهاى قوى قوى)

قال إيه (الدريس كود) ده يا سيدي اللامنتى، لبس خاص بالحفلات (الهاى قوى قوى)، علشان لا مؤاخذة ممكن تكون حضرتك جاى مستعجل وجيت بلبس لايليق بالحفل، يعنى ممكن تكون جاى من الجيم أو في الطريق ضربت منك فردة الكاوتش.

وبعد ما ركبت الاستبن ما لحقتش تغير، يعنى ما ينفعش تدخل بزيتك وترابك عليهم.. ده مثلاً يعني مثلاً!

المهم تدخل بالموبايل وتضبطه على رسالة الواتس بتاعة موبايلك علشان ممكن لو مش شاحن الباقة يرجعوك وقفاك يقمر عيش وبعدين تدخل على أوضة التحضير، يلبسوك (الدريس كود) وساعتها تبقى جدير بأنك تحمل شرف رتبة ضيف في حفلة من حفلات (جمعية اتحاد ملاك مصر).

ولأن من جاور السعيد يسعد، فأنت يا سيدى لك هدية والهدايا هنا إجبارى يعنى بالضبط زى ما تكون ماشي في وسط البلد وتلاقى شاب وسيم يضحك في وشك ويطلب منك تفتح إيدك تاخد رشة قزازة بيرفيوم من محل تركيب العطور السورى. لكن طبعاً هنا الوضع على المستوى الخيالى، فالعطور باريسية أصلى – يعنى مش تركيب ولا حتى إماراتي – والأنواع أتحداك تعرف تنطق اسمها ويمكنك أن تعتبر إن فرزاتشي وفيريرا بجانبها عطور بيئة!

خد قزازتك واطلع على ترابيزتك وعليك أن تقاوم الرغبة في أكل الـ appetizers وافتكر انك لسه فاطر من ساعتين والمحشي محمي على صدرك.

وحذارى حذارى انك تعمل فيها واد فييص وتدب ايدك في جيبك وتطلع ورقة بعشرين ولا حتى بميتين لأى من البهوات أفراد طاقم المخدماتية، لأنهم كلهم يا حبيبى ما بين جامعات ألمانية على بريطانية على أمريكية، يعنى اقل واحد فيهم جاى في عربية تشتريك أنت و.. ولا بلاش!

هذا الـ (سحور) الراقص، على حساب واحد من اتحاد الملاك

هذا الـ (سحور) الراقص

طبعاً سعادتك فاكر إن هذا الـ (سحور) الراقص، لأنه على حساب واحد من اتحاد الملاك، فأكيد مكون من فول مضروب في الخلاط وبيض مكحرت وجبنة تلاجة وزبادى يوناني وخمسينة شاى.. ولا حتى (إجز آند تشيز).. أنت غلبان قوى!

(أحسن لك تقعد تتفرج وتسمع وتشم وترسم التت وكأنك مهم!).

هنا الأفضل لك أن تنسى إعلانات التبرعات اشغل نفسك بالفرجة على الممثلين الذين يخرجون عليك من الشاشة بالنحنحة إياها علشان تتبرع بجزء من مرتبك لبناء مستشفى أو وجبات الغلابة، أو حفر بئر أو دق طرمبة أو استكمال أى مشروعات خيرية في طول مصر وعرضها.

أقولك ممكن تنسى (خيرية) نفسها لأنها الله يرحمها ولا حد هنا فاكرها، حتى بتوع إعلاناتها، وكمان بالمرة انسى مؤقتاً إنك في مصر، فبالرغم من أنك هنا في المتحف المصرى وشفت بعينك رمسيس واقف ددبان في عهد ما بعد نافورة الميدان.

(يعنى يا جدعان مفيش أى احترام للراجل الكبارة ده في وقفته الأخرانية؟!).

أباى عليكم يا ناس مصر.

وكمان لازم تنسى انك في رمضان لأن رمضان بالنسبة لهذا العالم (الاتحاد الملاكي) هو موسم الإعلانات عن مشروعات الفيلات والشاليهات والشقق والاستديوهات، حتى إعلانات التبرعات كتير منهم لا ممكن أبدا يفرط في نكلة من المعلوم المتفق عليه واسألوا شركات الإعلان.

كذلك سبحة رمضان عندهم لولى ومرجان حقيقي

سبحة رمضان لولى ومرجان

كذلك سبحة رمضان عندهم لولى ومرجان حقيقي، اقتطعت حبات لياليها من ليالى ألف ليلة وليلة، يعنى حفلات إفطار في أرقي الفنادق وفي الـ (سحور) يحلو الكلام واللعب والهجص، مزيكا ومغنى ورقص و(هيصة ولمة.. هيصة.. ياما حلوة اللمة). (هيصة.. والخالة والعمة.. هيصة.. وياللى ع الترعة حود ع المالح.. بطنى بتوجعنى من أكل امبارح).

(بس أوعى تقول إنى لا سمح الله، بأكفر العالم دول.. الكفار ممكن ما يعملوش كده، ولأن ممكن 90% من الموجودين هنا يكونوا حضروا بعدما صلوا التراويح وكتير منهم طالعين يصلوا الفجر في الحسين، وممكن كمان ناس منهم وصلت للجزء العشرين.. ماهى دى نقرة ودى نقرة).

عموما سواء كانت التكلفة 80 مليون جنيه أو حتى 200 مليون، فماذا يعنى؟!

احسبها بالدولار أو اليورو أو الدرهم والريال، تلاقيها كلام فارغ!

فكم تبلغ تكلفة هذه الحفلة بأكلها بمشاريبها بمطربينها بفنانينها براقصينها بدريس كودها؟!

يعنى هيكون كام مقدم شقة ولا فيلا في مشروع صغنن من مشروعات أقل عضو من أعضاء الاتحاد؟!

آه المعيشة غالية والبنزين والزيت والسكر والجبنة كلوا الزيادة الأخيرة في المرتبات.. لكن لازم الناس تعيش.. وبعدين الأستاذ (راغب) وكبار كبار المطربين في مصر والعالم العربي، يغنوا فين يعنى وكل صالات الأفراح مغلقة في رمضان وتحولت لحفلات إفطار و(سحور)؟!

مطاعم وفنادق وخيام وإعلانات عن جنات تجري من تحتها الأنهار وسحور راقص من العشا ولطلوع النهار.. باختصار.. هذا هو رمضان بالنسبة لمثل هذه الفئات من رجال الأعمال والفنانين والفنانات ومرتادى مثل هذه الحفلات.

فكأنهم ينتظرون رمضان كل سنة ليغيظوا الناس بمظاهر الفخفخة والفشخرة والكشف عن مجتمعات كأنها تعيش في مجرة أخرى غير مجرة درب التبانة التى تنتمى إليها المجموعة الشمسية ومنها كوكبنا الأرض تلك الكرة المسكينة التى تحمل الجميع في رحلتها الجبرية نحو المصير المحتوم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.