رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سعد سلطان يكتب: الموت الثاني لـ (عبده شريف) !

سعد سلطان

بقلم: سعد سلطان

المعتاد أن يخطو القادمون الراغبون في الغناء للجمهور المصري طريقا محكوما بقواعد تسيره وآليات عتيقة تدبر أمره، مثل حالة المطرب المغربي الشهير (عبده شريف).

نادرة تلك المرات التي أجبر فيها الجمهور المصري الأوساط الموسيقية والغنائية على صعود مطرب عربي معين إلى سلم النجومية كـ (عبده شريف) – الذي اشتهر بالغناء لعبد الحليم حافظ – دون المرور بتلك القواعد والاشتباك مع هاته الآليات المجنزرة.

واحد من هؤلاء النادرين المطرب المغربي (عبده الشريف) الذي توفي منذ يومين إثر أزمة قلبية، حيث كانت لحظات إطلالته الأولى عام 1999 من دار الاوبرا المصرية على الهواء مباشرة استثنائية.

إذ منح (عبده شريف) صك الجلوس في الصف الأول بأغنية واحدة (جبار) للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، كانت إيذانا بميلاد نجم كبير سيحتل رصيدا في القلوب يتساوى مع من غنى له.

تسمر المصريون من عشاق (حليم) وقتها وأعتبروه مكافأة صبر جميل على مواسم غنائية جافة لم يظهر فيها حليم آخر.

ظهر (عبده شريف) حقيقيا وقريبا من القلب، دافئ طيب الصوت وحنون في شكله وسمته، ايقظ (نوستاليجيا) كامنة بالصدور لطالما تمنت أجيال العودة اليها..

الضجيج الذي أثاره ذلك القادم من جبال أطلسية (يتربى فيها الصبيان على المقامات الوهابية والأداء الحليمي بينما تولد الطفلة ترتل ام كلثوم ترتيلا).

صَعَّب على (ماسبيرو) وقتها مقاومة طوفان بشري مطالبا بإعادة بث حفل حبس الأنفاس في الصدور.. مفجرا سؤال البقاء والصمود، وعما إذا كان هذا العندليب الجديد سيكمل الرحلة أم سينتهي مبكرا كما نموذجه المقتدى به..؟!

لم يساعده الموسيقيون على فتح مغاليق رأسه العنيد

مغاليق رأس (عبده شريف) العنيد

اليوم.. مات من انطلق كالسهم.. وبرق كالسيف.. وبعض من الحقيقة يشي بأن (عبده شريف) وجمهوره لم ينتصرا على وسط موسيقي وغنائي ما كان ليقبل الهزيمة من أي هابط بالبراشوت أيا كانت موهبته!

لم يساعده الموسيقيون على فتح مغاليق رأسه العنيد.. لم يفتح له باب ملحن يروضه.. لم تجري وراءه منصة إنتاج تدعمه..

تركوه لنفسه.. فكان العقاب قاسيا.. فلم يغادر (عبده شريف) عبد الحليم، ولا الموسيقى التقليدية فكته من أسرها..

فتيبست قدماه مكانها سنينا.. وظل يغني لنفسه وحيدا متلبسا الجانب المأسوي في حياة عبد الحليم .

الموت الذي أنهى حياة (عبده شريف) أتاح له وقتا يكفيه ليصير عندليب الزمان والمكان، والتكريم الذي منح إياه من البلدين رسميا كثير ومتعدد، والجمهور مسبقا في صفه، والنصائح من القريبين بالمقاومة وامتلاك ناصية النجاح متواصلة.

ولكن (عبده شريف) راح ضحية وسط موسيقي مصري قاس وشرس ومؤلم إلى حد التصفية معنويا وأدبيا للمنافسين، وآخر مغربي يخلو آنذاك من أدوات صناعة النجم ويفتقد قدرة الدفع إلى الأمام.

راح (عبده شريف) يتخبط يمينا ويسارا.. جيئة وذهابا.. (كايرو – كازا- كايرو).. فلم يصعد سلما ولم يسر إلى الأمام خطوة.. وتعطلت لغة التواصل بينه وبين الملحنين والموزعين والمنتجين..

مات (عبده شريف) عن عمر 53 عاما  أثر أزمة قلبيه طالته قبل حفل له في قاعة الميجراما بمدينة (كازابلانكا) القاسية قسوة القاهرة..

كان طبيعيا أن يضعف القلب بعد أن ذبل الأمل.. الخمسين عمر الحساب القاسي مع النفس عما فعل بما وهب وامتلك..

لموت (عبده شريف) إشارة وجب أن يفهمها الجميع بين مصر والمغرب

إشارة موت (عبده شريف)

فهل لموت (عبده شريف) إشارة وجب أن يفهمها الجميع بين مصر والمغرب.. منكم الصوت ومنا الملحن..

منكم الموهبة ومنا الصناعة..

منكم الطموح والأمل ومنا السماء والنجوم..

هذه المعادلة ينبغي لها ان تكمل مسيرتها الخضراء كما اتمتها في (سميرة سعيد وعزيزة جلال)..

الجسور الفنية بين بلدين يبدوان بعيدان جغرافيا قريبان في الروح الفنية حق لها أن تتمدد وتستمر..

المسافات قربت بما يوجب النهوض سريعا قبل أن يموت (عبده شريف) آخر دون أن تعيش موهبتة..

التجربة  بين مصر المغرب تحيطها جبال من الفن الروحي البديع آن له أن يتكامل ويتعاون حتى وإن كان غصبا أو قهرا .

رحم الله المطرب المغربي عذب الصوت (عبده شريف) الذي رحل مبكرا، وهو الذي صال وجال في بساتين الغناء (الحليمي) فائق الإحساس، مسجلا موته الأول حين أسر نفسه في الغناء للعندليب طويلا.

لقد حلق (عبده شريف) عاليا في عالم غناء عبد الحليم مدركا سماء النغم الرومانسي الجميل، فخلف معان أخرى في مدرسة (عبد الحليم حافظ) الغنائية، قاطفا ثمار موهبته الأسرة في السير على طريق أبرز نجوم الغناء العاطفي العربي.. فتحية إلى روحه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.