رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عبد الوهاب الدكالي .. عميد الأغنية المغربية

العود لايفارقه

بقلم : محمد حبوشة

هو عملاق الطرب المغربي الكلاسيكي الأصيل، غنى فأطرب لسنوات طوال عشاقه ومايزال، كما تزال روائعه خالدة في الذاكرة الفنية المغربية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، يرافقه العود في إطلاته أينما كان مقصده، ولا تفارقه قصص من زمن الفن الجميل في كل أغنياته، وهو باختصار فنان الأمس واليوم، فعندما نذكر الموسيقى المغربية لابد أن يرتبط ذلك به ارتباطا شرطيا، وفضلا عن ذلك تجاوز حدود المغرب إلى عالمه العربي ثم إلى عالم الأغنية الرحب من خلال المشاركة في كثير من الحفلات والأعمال الموسيقية التي تجاوزت العالم العربي إلى عالمنا الرحب، بل إنه قد تميز بأنه ربما كان الفنان العربي الوحيد الذي قدم أغنيات كونية، وكان سباقا إلى تقديم الكون وتقديم المشكلات العالمية في أغانيه.

وعبر غناء تمتزج فيه صرخة الأسي بأمل استيقاظ الضمير، ومن خلال صوت يتفوق في إحساسه، استطاع طوال مسيرته الفنية الممتدة لأكثر من 60 عاما أن ينطلق في عفوية تامة وفي سرعة اتسمت بشحنة الانفعالات المتأججة في نفسه، ومن ثم أصبح يؤثر في كل من يستمع إليه شريطة ألا يغلق السمع والفؤاد عن دور العلاقات والتأثر فيه كإنسان يعيش في عالم يموج بالصراعات والطموحات وأمنيات الخلاص الجميل، فهو يجمع في صوته بين خامة الصوت الطيبة ذات النبرة المميزة والأداء الخبير والمجرب وحيثما ذهب هذا المطرب في الغناء فإنه يعكس إمكاناته الهائلة في التعبير، والمتمثلة في كم الأحاسيس الذي ينطلق عبر أدائه لأنه ببساطة يحسن اختيار مفردات الكلمات ونغمات الألحان.

في مراحل الشاباب الأولى

إنه الفنان المغربي الكبير(عبد الوهاب الدكالي)، هذا الصوت، وهذا اللحن، وهذا الفن، وهذا الرسام، الذي كرس حياته الفنية لإمتاع الجماهير بمؤلفاته التي تجمع بين الزجل المغربي العميق، والموسيقى التي تنبع من الجذور، واللغة الفصحى على مدى أكثر من خمسين عاما، ولا يمكن الحديث عن تاريخ الأغنية المغربية ومساراتها دون الحديث عن الموسيقار (الدكالي) الذي عمل على إكساب هذه الأغنية أصالتها مع الانخراط في أفق العالمية، فالأغاني والألحان التي قدمها طيلة نصف قرن من الزمان تشهد بأنه قارع العديد من مؤلفي الألحان والمغنين الكبار أمثال: (عبدالوهاب وبليغ حمدي وفريد الأطرش)، ولعل هذا ما حدا به إلى التوجه نحو القاهـرة في ستينات القرن المنصرم ليلتقي بعمالقـة الفن العربي، إلا أنه سرعان ما عاد إلى مغربه ليكوّن مدرسة جديدة ومختلفة تنبع مـن الأصالة المغاربية وتصب في مختلف أرجاء المعمورة، حيث سافر بالأغنية المغربية إلى مناطق عدة من العالم العربي وباقي مناطق العالم ولم تحدّ من إشعاعه اللهجة الدارجة المغربية.

يؤدي “مرسول الحب” أشهر أغانيه

ورغم صعوبة النطق باللهجة العربية المغربية إلا أن معظم ناطقي العربية في العالم العربي والعالم لا يلقون صعوبة في أداء أغاني (عبد الوهاب الدكالي)، نظرا لرقة كلماتها وسلاستها، فقد تألق في أغانيه لحنا وأداء كما تألق على مستوى اختياره لكلمات أغانيه، لذلك جابت أغانيه العالم العربي بأسره وأطربت عشاقه، فعندما غنى أغنيته الشهيرة (مرسول الحب عام 1971)، لم يكن يعلم أن هذه الأغنية ستؤرخ للفن المغربي وتضع له عنوانا جميلا حمل اسم (مرسول الحب)، ويكفى أنه تغنى بهذه الأغنية أكثر من 50 مطربا ومطربة عربية على اختلاف بلدانهم ولغاتهم، رغم أن عمرها حاليا أكثر من 49 سنة، ويبدو أن (مرسول الحب) قد تخطّى المغرب العربي مع الدوكالي ليصل إلى مشرقه، كما تخطّت في السابق قصيدة أبو القاسم الشابي تونس لتصل مع الـ (بوعزيزي) إلى ثورات المشرق وتخاطب شعوبه، الأولى لتغرس في أعماقنا الوجدان، والثانية لتقول: (إذا الشعب يوما أراد الحياة)، وهذا ما يبدو من كلماتها التي تقول:

مرسول الحب فين مشيت وفين غبت علينا

خايف لتكون نستينا وهجرتنا وحالف ما تعود

ما دام الحب بينا مفقود وأنت من نبعه سقيتنا

باسم المحبة باسم الأعماق وحر الأشواق

كنترجاك تسول فينا وارجع لينا

يذوب الصمت وتتكلم أغانينا

مرسول الحب غيابك طال هاذ المرة

وقلوب الأحباب وأنت بعيد ولات صحرا

لا يحركها إحساس جديد ولا تنبت فيها زهرة

تفتح بالشذى وتطيب وتونّس اللي بات غريب

تايه في ليل بلا قمرا

في حفل له بدار الأوبرا المصرية

وفي صدد اللهجة المغربية وتعليقا على سؤال حول ما إن كانت اللهجة المغربية هى السبب في عدم انتشار الأغنية المغربية في الشرق، قال المطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي: إن مشكلة المشارقة هى أنهم يعتبرون الفن والثقافة بصفة عامة منحصرة عند حدودهم، دون بقية بلدان العالم العربي، لكن الواقع يثبت ذلك، إذ أن كثيرا من الشباب المغربي الذين يشاركون في برامج اكتشاف المواهب يأتون دوما في الصدارة ويحصدون الألقاب، وفي السياق ذاته قال صاحب أغنية “مرسول الحب”، إن لجان تحكيم برامج اكتشاف المواهب التي تبثها الفضائيات العربية، والتي تتشكل في الغالب من المشارقة لا يمكنها أن تحكم على الأغنية المغربية، لأن أعضاء لجان التحكيم هذه لا يفهون اللهجة المغربية، ومعاني الكلمات والتصورات التي ينطلق منها كتاب الكلمات، لذلك فإنّ أعضاء لجان تحكيم برامج اكتشاف المواهب يحكمون على المشاركين المغاربة عندما يؤدون أغنية مغربية، من خلال الصوت والحضور على المنصة فقط.

إذن هو سليل الطرب الجميل، و نجم أصيل سافر بالأغنية المغربية والمغاربية بعيدا فأبدع وأقنع، عبد الوهاب الدكالي وجه جاد وذو ملامح صارمة، لكنه في الجهة المقابلة يحتكم في دواخله على طفل كبير وجوهر مرح ومغامر، ترعرع كل يوم أكثر فأكثر من خلال الشدو الأصيل، سلاحه مرجعيات غنائية ضاربة في فن الطرب الأصيل والرصين، صاحب أغان خالدة، وروائع حمّالة لقضاياها الانسانية والاجتماعية لعل أبرزها أغنيته الشامخة (مون بارناس)، وولد (عبد الوهاب الدكالي) بمدينة فاس، وتلقى دروسا في الموسيقى والتمثيل والرسم مند الصغر، وتلقى عام 1958 تدريبا في المسرح بصحبة “فرقة المعمورة” تحت رعاية أساتذة فرنسيين.

مونبراس يا خوى

كان لانتقال (الدكالي) إلى مدينة الدار البيضاء من البداية، ولقائه بالفنان (الطيب العلج) دورا كبيرا في تلمس طريقه في عالم الفن عام 1957، وسجل عام 1959 أول أغنية “مول الخال”، بعد هذه الأغنية، سجل بعدها بـ 15 يوما أغنية “يا الغادي في الطوموبيل (السيارة)” التي كان لها صدى كبير في سجل الأغنية المغربية، حيث وصلت مبيعاتها إلى أكثر من مليون أسطوانة، وظلت أسهمه في ارتفاع بالرغم من معاكسة الإعلام والنقاد الفنيين آنذاك الذين كانوا يسخرون من مظهره (المتعجرف)، وشكل عام 1962 منعطفا متميزا في حياة الرجل، فقد غادر المغرب من أجل القيام بجولته الأولى إلى الشرق العربي، فامتد مقامه حوالي خمس سنوات في القاهرة حيث اكتشف لياليها الساحرة وفنانيها الكبار.

بعد 5 سنوات تقريبا قضاها في القاهرة، عاد لمعانقة المنصة والجماهير في المغرب بنفس فني مختلف، وأغان جديدة منها “حبيب الجماهير” و”ما أنا إلا بشر”، وظل يراكم أعماله الفنية التي انتقلت من جيل إلى جيل، على مدار أكثر من نصف قرن من العطاء، أغنى فيها (الدكالي) المكتبة الغنائية المغربية بالعديد من الأعمال الرائدة نذكر منها (الطوموبيل، أنا مخاصمك، العاشقين، أنا والغربة، أنا وقلبي، الثلث الخالي، سوق البشرية، كان ياما كان، ما أنا إلا بشر، مرسول الحب) وغيرها كثير، و شارك في عدة أفلام سينمائية مغربية، لكنها ربما لم تكن بذات الزخم الذي قدمه في مصر مع أكبر نجومها المشهورين في السينما آنذاك.

بارع في العزف على العود

هذا وشكلت أغنية (كان يامكان) التي لحنها الدكالي، وكتب كلماتها محمد الباتولي علامة فارقة في مسيرته الغنائية، إذ فاز بها بالجائزة الكبرى في أول مهرجان للأغنية المغربية أقيم بمدينة المحمدية عام 1985، ولا يمكن للدكالي أن يحيي حفلا من حفلاته من دون أن يطالبه جمهوره بأداء هذه الأغنية العاطفية الجميلة التي تحمل دلالات رمزية عميقة، وفي 1987 تعرف الجمهور على الدكالي الرسام، باعتباره مبدع وفنان تشكيلي موهوب بشهادة أهل الفن التشكيلي وخبرائه، وأقام معارض اكتسبت شهرتها ليس من شهرة الرجل أو جمعه بين الغناء والتشكيل، بل من عمق لوحاته وتفردها وتعبيراتها الفنية المؤكدة، وهو بالإضافة إلى ذلك أكثر فنان مغربي انتشارا في الدول الغربية، فله طابعه الخاص جدا، حيث يتميز بإنتاجه الفني المقدم بقالب إنساني بموسيقي فريدة من نوعها، إذ يمزج في فنه بين الحضارات الأفريقية والعربية الإسلامية والأندلسية والغربية، نظرا لتعايش هذه الحضارات لقرون عدة في بلاده، وأيضا نظرا لقرب المغرب من القارة الأوروبية، كما أن كلماته السلسة السهلة في حفظها تتضمن مواضيع عميقة في داخلها.

غلاف إحدى ألبوماته

والحقيقة أن ظهور الدوكالي في منتصف الخمسينات بلونه الجديد الذي يجمع بين الأغنية المغربية والعالمية، مجازفا في هذه الفترة بإنتاج جديد لم تعتده الأذن العربية من قبل، كان مجازفة كبيرة من جانبه، لكن سرعان ما استساغته الجماهير العربية كلها وأحبته، وربما يرجع ذلك أنه استمد مواضيع أغانيه من الحياة وبإحساس مثل “مرسول الحب”، و”العنصرية” وترجمها لمحبيه بإحساس صادق، ومن ثم شكل إيقاعات مميزة ميزته عن غيره من جيل الخمسينات، إذ عايش نخبة من الفنانين الكبار مثل محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، صباح وغيرهم.

خاض عبد الوهاب الدوكالي تجربة الفيديو كليب، حيث كان من أوائل المطربين العرب في عام 1968 و1976، ولكن بطريقة الأغنية المصورة دون الابتذال أو الوصول إلى أغنية الرقص العشوائي، إذ أنه يعتبر الرقص أول فن في العالم فهو لغة تعبيرية كاملة الأوصاف والطقوس من وجهة نظره الشخصية، كما أنه في عام 1963 بحكم وجوده في مصر شارك في فيلم “منتهي الفرح” مع حسن يوسف و”القاهرة في الليل” مع نادية لطفي ومحمد عبد الوهاب وشادية ومها صبري وفريد الأطرش وصباح وفايزة أحمد.

يغني في فرنسا

وكانت مشاركته مع هؤلاء النجوم وهو في سن الثانية و العشرين تثبت مدي نجاحه وموهبته، وسيرا على طريق عدد من نجوم الطرب الشرقي الذين جمعوا بين الغناء والتمثيل السينمائي الذي منحهم جماهيرية واسعة، وفي ذروة نجاح الأفلام الغنائية، دخل الدكالي بدوره عالم السينما، وشارك في أفلام مغربية من بينها (الحياة كفاح) لمحمد التازي و(رمال من ذهب)، وهو انتاج مغربي ـ أسباني، و(الضوء الأخضر) و(أين تخبئون الشمس؟)، لعبد الله المصباحي، و(أيام شهرزاد الجميلة) لمصطفى الدرقاوي، لكن أدواره السينمائية لم تعش طويلا في ذاكرة جمهوره كما عاشت أغانيه، فقد كان هو أحد الطيور “المغردة” في عالم الغناء العربي استطاع إنجاز أغان رائعة لا تنسي في عالم الموسيقي العربية وفي زمن العمالقة من خلال تجربته الفنية التي انطلقت في سن مبكرة ولا تزال حتى الآن، ولعله عطاءه الفني لايتوقف بعد، فقد أصدر مؤخرا أغنية بعنوان (إن بعد العسر يسرا) ، وهى مقسمة إلى 3 مقاطع مختلفة، الأول يشكر من خلاله الله عز وجل، والثاني يشيد فيه بالمغاربة، وما أظهروه كشعب من مواقف في جائحة كورونا، والمقطع الثالث يشيد بالملك محمد السادس.

لاشك أن للموسيقار والمطرب والممثل والرسام المغربي (عبد الوهاب الدكالي) مشروعه الفني الضخم، الذي بدأه عام 1959، حين كان شابا موهوبا طموحا في الثامنة عشرة من عمره، فقد أراد أن يسبق الزمن بموسيقاه وأن يخط لنفسه طريقا فريدا في عالم الطرب، واستطاع مع الوقت أن يحقق ذلك وتم له مبتغاه، لكنه لم يفقد أبدا تلك الروح الشابة الطموحة، التي تحمل عبء الخلق الفني ومعاناة البحث عن معاني الجمال وصوره، وتسعى دائما نحو التجديد والتجريب والتجويد، وكان للدكالي الفضل ولا يزال في صناعة الأغنية المغربية الحديثة وتطويرها، وقد تمكن من ذلك بصوته الخلاب البديع، وموسيقاه المضيئة الباهرة، وعزفه المتمكن البارع على العود.

و(الدكالي) فنان يمتلك الصوت والموسيقى، وهما من أهم وسائل التعبير الفني على الإطلاق، من حيث سرعة الوصول إلى المتلقي، وقوة التأثير فيه والنفاذ إلى القلب والروح مباشرة، بالإضافة إلى قدرتهما على تجسيد الهوية والترجمة عن الوجدان، وفي نبرات صوته وأنغام ألحانه خلاصة الروح والأسلوب المغربي، وآثار رؤيته الفكرية التي تمكنه من صناعة الجمال بذكاء فني وعاطفة متقدة.

يحيى الجهمور في خشوع

ومن هنا فيعد (الدكالي) مثلا أسمى لكل موسيقي ومطرب في سائر بلادنا العربية، ودليلا على أنه لا يمكن لأحد أن يكون فنانا حقيقيا وهو فارغ العقل والوجدان، غير متذوق للجمال وللموسيقى، والغناء في المغرب، كما هو معروف تاريخ طويل وقديم، يضرب عميقا في الأزمنة البعيدة، ويظهر ذلك في قوة الطرب لديهم، وتفرد النغمة الموسيقية، وتعدد ألوان الغناء، وتنوع الإيقاعات بارتباطاتها الجغرافية والتاريخية، ومهارة العازفين اللافتة التي تثير الإعجاب، وتحديدا في العزف على الوتريات.

ومن خلال الاستماع إلى (الدكالي) يمكنك التعرف بشكل كبير على شخصية ومقومات الموسيقى المغربية المعاصرة، التي نجح في نشرها عربيا، مع المحافظة على كيانها ومميزاتها، ويشعر المستمع بأن ألحانه صادرة عن نفس مغربية، متأثرة ببيئتها ومتفاعلة مع محيطها، ولديها القدرة على مخاطبة الجميع بلغتها الخاصة، فهو لم ينفصل عن الذوق المغربي، لمحاولة إرضاء ذوق آخر، وفي الوقت نفسه قام بتحرير الأغنية العربية من إطارها المحدود، وجعلها أكثر شمولا، وعمل على توسيع آفاقها وتفعيل دورها في التعبير عن المشترك العربي والإنساني بشكل عام.

كما أنه من ذوي الأصوات الرخيمة، وله نبرة ترتاح لسماعها النفس في أجوبته وقراراته، ويتسم بالمرونة وقوة النفس وامتداده، ويمكنه هذا الصوت العريض الضخم برنينه الأنيق من أن يتفنن في الطرب من أعماق الإحساس، ويسهل عليه تأدية الألوان المختلفة مع الحفاظ الدائم على رونق الغناء وبقاء صوته راقيا غنيا، سواء كان هامسا أو جهيرا، وما أجمل تنغيماته الشجية عندما يحن صوته ويرق.

مع عبد الحليم في القاهرة

عن أجمل فترة عاشها الفنان المغربي الشامل والكبير (عبد الوهاب الدكالي) في حياته يقول: كانت الفترة التى أمضيتها فى القاهرة، حيث تعرفت على العظماء الذين أصبحوا فيما بعد أصدقائى، مثل (محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وأحمد رامى، ومصطفى العقاد، وفريد شوقى، وعبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، وليلى طاهر، ويوسف شاهين، ومحمد سلطان، ومحمد طه، وكمال الملاخ، ونجاة الصغيرة، ومحمد حسنين هيكل، ومحمد سالم، ووجدى الحكيم)، ولائحة طويلة من العمالقة الذين صنعوا مصر كلٌ فى مجاله، والذين احتضنونى وعمرى لم يتجاوز الـ 22 سنة، وفتحوا لى أبواباً ومجالاً لا يمكن أن أنساه، والبداية كانت بدعوة رسمية تسلمتها تحمل توقيع وجدى الحكيم من إذاعة صوت العرب لتسجيل بعض الأغانى فى مصر، فى مدة لا تتجاوز 15 أو 20 يوماً، فوجدت نفسى مقيماً لمدة تزيد عن 4 سنوات فى القاهرة، وعائداً إليها لأكثر من 30 مرة، لعشقى لمصر أولاً.

لطفي بوشناق ينحني أمام إجلال وحبا وتقديرا

ولكونى لم أكسب فيها أصدقاء فقط، ولكن عائلات أيضاً، فى مقدمتها عبدالوهاب محمد، وحسين السيد، ومرسى جميل عزيز، وكل تلك الأسماء التى شكلت الزمن الجميل، وأكثر شىء يحزننى، هو أن الساحة الفنية المصرية اليوم، لم تعد كما تركتها قبل سنوات، حيث كان الاهتمام بالكلمة ووقعها، واللحن والصوت، أما اليوم فيكفى ما نراه من (كليبات) على الفضائيات، حيث الاهتمام أكثر بشكل المطربات وجمالهن وأناقتهن أكثر من الاهتمام بأصواتهن وما يقدمنه من فن، وشخصياً لا أرى داعياً لأن يحترفن الغناء أساسا.

مواقف كثيرة لا تسعها هذه المساحة، ولكنى أتذكر منها على الخصوص كيف كنا نصلى صلاة الجمعة فى جماعة، وكنت أحضر جلسات دينية للإمام محمد متولى الشعراوى فى محل (أبوشقرة)، وكانت هذه الجلسات نبراساً تعلمت منها الكثير، فى كل المجالات الدينية والخلقية والإنسانية والتاريخية، وأتمنى أن تتاح الفرصة قريباً لأعود إلى مصر، وأقابل أصدقائى وأتذكر الأيام التى جمعتنى بهم، وهنا يجب أن أعترف أننى فى كثير من المرات كنت أزور الأماكن والأحياء التى كنت أقيم بها فى القاهرة، أو المقاهى التى كنت أرتادها وأذرف دمعاً على تلك الأيام التى خلت، وما جمعتنى به من صداقات عظماء كانوا هنا.. ورحلوا.

أما عن مفهومه الأساسي للفن فننهى هذا الـ (بروفايل) بقوله: الفن هو مرآة الشعوب، والدولة التى لا تعتنى بالفن، ولا تعتنى بالثقافة الفنية، فلا وجود لها على الخريطة، والفنان كيفما كان، يجب أن يساهم فى خلق وبلورة رسالة إنسانية، يعبر ويدافع عنها من خلال فنه، فى الوقت الذى طغت فيه المادة اليوم، وأنست الإنسان إنسانيته، ومنذ أن كنت مقيماً فى مصر، وأنا أحمل مشروعاً لم ينفذ بعد، وهو عمل أوبريت حقيقى، عن قضية عربية، هناك من عمل (الحلم العربى)، ولكن (هل من المفروض أن يبقى الإنسان العربى يحلم فقط؟)، وهنا فكرت أن يحمل الأوبريت عنوان (الصحو العربى)، ويشارك فيه جل المطربين العرب، ويكون لوحة حقيقية، تساهم في نشر قيم الإنسانية والتسامح ويكون في الوقت ذاته بمثابة رسالة للحب والسلام والحوار بين الشعوب.. وفي النهاية تقدم بوابة (شهريار النجوم) أصدق التحايا والأمنيات الطيبة بدوتم العمر والإبداع للفنان المغربي القدير عبد الوهاب الدكالي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.