رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: في (السينما).. مهرجانات لها مواقف سياسية

بقلم: محمود حسونة

انتهى مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وانطلق مهرجان الجونة، وألغت القاهرة مهرجانها في الأوقات العادية تتشابه جميع مهرجانات (السينما) في المضمون والهدف.

فالمضمون هو احتفالية بالفن السابع تتضمن عروضاً لأحدث ما أنتجته (السينما) العربية والعالمية، ومسابقات لتكريم الأفضل، وضيوف من نجوم العرب والعالم، وحفلات تقام على شرف هؤلاء الضيوف، وندوات تناقش قضايا (السينما) وتحلل مضمون الأفلام.

والهدف هو دعم (السينما) وتشجيع مبدعيها.. أما في أوقات الأزمات فإن الأمر يختلف حيث ينتظر الناس معرفة موقف كل مهرجان من كل أزمة.

ولم تتعرض البشرية في التاريخ المعاصر لأزمة أكبر من الحرب على غزة التي تجاوزت قوانين الحروب والأعراف الإنسانية وفرضت نفسها على اهتمامات الرأي العالمي.

وهو ما يفرض على كل إنسان واع على الكوكب اتخاذ موقف منها، إما معارض لما يحدث من إبادة وحشية لشعب أعزل، أو مؤيد ومتجاوز للقيم الإنسانية؛ حرب تثير الجدل وتفرض نفسها على أي تجمع سياسي أو اقتصادي أو علمي أو ثقافي أو فني.

إقرأ أيضا : دموع (شارون ستون) تغطي على كل فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي !

مهرجان القاهرة لم يقبل أن ير الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية تحصد أرواح الناس وتفتت أجساد الأطفال وتهدم البنيان وتشرد الأسر وهو يحتفي بفن السينما، فقرر القائمون عليه إلغاءه.

وهو القرار الذي أيده البعض وانتقده البعض، أما مهرجان البحر الأحمر الذي تنظمه المملكة العربية السعودية فقد حاول السير على نهج شقيقه (موسم الرياض) الذي أصم الأذان ولم يعر ما يحدث أي اهتمام لا بالسلب ولا بالإيجاب، وكأن الدنيا بألف خير أو أن ما يحدث في غزة لا تراه عيونهم.

مهرجان البحر الأحمر لم يعلن موقفاً وانعقد في موعده، واستضاف النجوم والنجمات ونظم الحفلات، وكانت لياليه فرصة للبعض من هاويات ارتداء الملابس التي تستر القليل وتكشف الكثير لإظهار المفاتن من دون أي احترام للمكان الذي انعقد فيه المهرجان ولا لما يحدث في غزة.

وللأسف أن التي كانت أكثر تعرياً فنانة فلسطينية أردنية تدعى (نور طاهر)، وهو ما استفز الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي ليكيل لها من الشتائم ما تسمح به القواميس اللغوية.

(يسرا) انتهزت الفرصة أثناء تسليمها جائزة أفضل فيلم روائي، وقالت: (فلسطين دائمًا في قلبنا وهذا أمر مؤكد).

يسرا تكرم (السينما) الفلسطينية

ولم يتضمن برنامج المهرجان أي شيء يتعلق بالحرب الظالمة، ولكن في ختامه فرضت أحداث غزة نفسها على المهرجان من خلال أصحاب الضمائر الحية من الفنانين والمحكّمين، حيث اختارت لجنة التحكيم أن تكرم (السينما) الفلسطينية، لفتاً للأنظار لما يرتكبه العدو الصهيوني من مجازر وحرب إبادة.

فاز الفيلم الفلسطيني (الأستاذ) بجائزة أحسن ممثل لبطله الفلسطيني (صالح بكري)، والذي لم يحضر المهرجان لتصعد مخرجة الفيلم الفلسطينية (فرح النابلسي) وتتسلم الجائزة نيابة عنه وتتحدث بلسانه عن مأساة غزة.

حيث قالت: (لو كان هنا، لقال أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة وتوقفوا عن قتل أطفالنا وأشقائنا).

كما فاز الفيلم أيضاً بجائزة لجنة التحكيم الخاصة وتسلمتها أيضاً (فرح النابلسي)، لتتحدث ثانية ولكن هذه المرة تعبيراً عن نفسها حيث قالت (لو لم أعلق على الوضع المأساوي في غزة، لكان هذا أمر مخزٍ، الفيلسوف البريطاني بيردراند قال: في 1970 عن فلسطين: (إلى متى سيستمر العالم في مقاومة مشاهد القسوة؟).

المخرج الأوزبكستاني شكير كوليشكوف فاز بجائزة أفضل مخرج عن فيلم (الأحد)، وبعد تسلمه جائزته قال (ساعدوا فلسطين).

إقرأ أيضا : مهرجان الجونة : تضامنً مشْروط .. وعودة مطلوبة

الفنانة (يسرا) انتهزت الفرصة أثناء تسليمها جائزة أفضل فيلم روائي، وقالت: (فلسطين دائمًا في قلبنا وهذا أمر مؤكد).

هكذا عبر بعض ضيوف المهرجان من على المنصة عن تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني بطرقهم الخاصة من خلال كلمات محدودة لا تزعج المتجاهلين للحرب.

الفنان المصري (صدقي صخر) عبر عن تضامنه بطريقة مختلفة حيث ظهر في حفل الختام وقد وضع على بذلته دبوساً مرسوم عليه شخصية (حنظلة) التي ابتدعها رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل (ناجي العلي)، وهى رمز للمقاومة والصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني.

(مهرجان الجونة السينمائي) الذي تعرض للكثير من الانتقاد في دوراته السابقة بسبب إطلاق العنان للفنانات في الابتذال في الملبس، اتخذ منظموه القرار الأصح، رفضوا السير في طريق المواقف السلبية مثلما فعل مهرجان القاهرة.

ورفضوا التجاهل مثلما فعل مهرجان البحر الأحمر، واختاروا الانعقاد بعد تأجيل لمرتين، انعقاد لإعلان موقف، والانحياز الكامل لدعم أهل غزة والشعب الفلسطيني.

ألغوا المظاهر الاحتفالية احتراماً للدماء التي ارتوت بها الأرض الفلسطينية، تبرعوا بمبلغ 5 ملايين جنيه مصري، لدعم جهود الإغاثة الإنسانية لأهالي غزة، بالتعاون مع مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية والهلال الأحمر المصري.

كما قرروا انعقاد المهرجان من 14 وحتى 21 ديسمبر، ولكن بملامح مختلفة عن دوراته السابقة وعن مهرجانات (السينما) الأخرى، دورة استثنائية، تتضمن برنامجاً مُهدى إلى (السينما) الفلسطينية.

جانب من الحلقات النقاشية عن (السينما) الفلسطينية في (مهرجان الجونة)

حلقات نقاشية عن (السينما) الفلسطينية

يتضمن عـرض مجموعـة أفلام عـن فلسطين بالتعاون مع مؤسسة الفيلم  الفلسطيني، لإلقاء الضوء على الموقف الحالي والأوضاع غير الإنسانية في غزة، وتنظيم عشاء لجمع التبرعات للمساعدات الإنسانية في غزة.

وذلك بالتنسيق مع جمعية الهلال الأحمر المصري خلال فترة المهرجان، وتنظيم ندوات وحلقات نقاشية عن (السينما) الفلسطينية.

(نافذة على فلسطين) برنامج في المهرجان يعرض مجموعة من أهم الأفلام التي تتعمق في قلب القصص الفلسطينية، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تواجه هؤلاء البشر الصامدين كمحاولة لدعوة الجمهور نحو فهم أعمق للتجارب الإنسانية في فلسطين.

إقرأ أيضا : مهرجان الجونة .. البكاء على اللبن المسكوب لايكفي وحده يا (ساويرس) !

من هذه الأفلام (إسعاف) للمخرج (محمد الجبالي) في صيغة الراوي وصفاً لحرب 2014، وفيلم  (وداعاً طبريا)، للمخرجة (لينا سويلم الرح)، ويتناول حكاية لأربعة أجيال من النساء الفلسطينيات الجريئات، كل واحدة منهن تؤثر في العالم على الرغم من هويتها المرتبكة. 

فيلم (الواقي الرصاصي)، يتناول المخرجين (عرب وناصر طرزان) وتأثير الحرب على العلاقات الزوجية.

فيلم التحريك المؤثر (الرسم من أجل أحلام أفضل) للمخرجة مي عودة يسلط الضوء على نضالات الأطفال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وكيف يتعاملون مع الحياة من خلال رسوماتهم بقلم التلوين.

فيلم المخرج المصري يسري نصر الله (باب الشمس) ملحمة فلسطينية ممتدة على مدار 50 عاماً تاريخ من المعاناة والأمل والحب.

فيلم (ليست فقط صورتك)، إخراج (آن باك ودرور ديان)، يتناول رحلة مأساوية لأشقاء ألمان – فلسطينيين يسعون لتحقيق العدالة لعائلاتهم بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة.

فيلم (بلا سقف)، إخراج (سينا سليمي) نظرة ثاقبة حول الواقع المتناقض في غزة مانحاً المشاهدين فرصة للتأمل في فكرة البقاء وسط التهديدات المستمرة.

فيلم (الشجاعية) للمخرج (محمد المغني)، عن مصير عائلة في غزة بعد أن دمرت التفجيرات منزلها.

فيلم (الأستاذ) إخراج (فرح نابلسي) يتناول بعمق الإحباطات اليومية والغضب الذي يعيشه الفلسطينيون.

فيلم (إلى أبي) إخراج (عبدالسلام شحادة)، يستكشف التاريخ العربي والفلسطيني موضحاً قدرة التغيير التي تحدثها الصور الفوتوغرافية.

ليس عيباً أن تنعقد المهرجانات في ظل هذه الحرب الجائرة، ولكن المهم أن يكون لها موقف، وأن تكون وسيلة للاحتجاج على العدوان وتقديم الدعم للفلسطينيين.

ولعل الدعم بالتعبير الفني هو من أكثر أشكال الدعم تأثيراً، على من يتدبرون ومن يريدون فهم ما يحدث من ظلم وعنف وإرهاب في العالم.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.