بقلم: محمود حسونة
للدراما مواسم مشاهدة يتصدرها الموسم الرمضاني الذي يتنافس خلاله المنتجون والفنانون على عرض أعمالهم أملاً في أن تحقق نسب مشاهدة عالية، ويتذيلها مواسم الدراسة والامتحانات حيث تكون الأسر مشغولة بتوفير أجواء المذاكرة والتحصيل لأبنائها.
وإذا اندلعت حرباً كتلك الوحشية التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع (غزة) لا يكون للدراما مكان على خريطة الاهتمام الجماهيري، فالناس ينصرفون عنها لمتابعة عمليات الإبادة التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي لأهالي (غزة) من دون أن يفرق بين أطفال وشيوخ أو نساء ورجال.
ولمتابعة الصمود الفلسطيني في مواجهة أعتى أسلحة القتل وأرخص سبل الترهيب، وتكون المتابعة عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل ما لا تنقله الشاشات لأسباب سياسية.
وفي خضم كل ذلك جازف القائمون على مسلسل (صوت وصورة) بعرضه في هذا التوقيت الحرج وهم يضعون أيديهم على قلوبهم، لتتحقق المفاجأة وينجح المسلسل الذي تلعب بطولته الفنانة المتألقة (حنان مطاوع وصدقي صخر ونجلاء بدر وولاء الشريف وناردين فرج)، عن قصة وسيناريو وحوار محمد سليمان عبد المالك، وإخراج محمود عبدالتواب.
نعم هي مفاجأة، فلا وقت للدراما في ظل حروب الإبادة في (غزة)، ولكن لأن العمل الجيد يفرض نفسه، ولأن من يثقون في منتجهم يدركون أن الناس يسعون في أوقات الأزمات للهروب من أخبارها بعض الوقت، فقد كان خيار عرض (صوت وصورة) في هذا التوقيت الحرج.
وكان النجاح غير المتوقع واستبداله التريند بعض الأيام مع حرب (غزة)، ولم لا، فالمتابع للمسلسل سيجد فيه بعض الرمزية لبعض ما يحدث في (غزة).
أزمة (غزة) و(صوت وصورة)
نعم أزمة (غزة) بسبب عدو محتل جشع يستقوي بما لديه من أسلحة متطورة ومن دعم أمريكي غربي له يستبيح البشر والحجر ويسعى للاستيلاء على الأرض وانتهاك الانسانية في مواجهة شعب أعزل لا يملك سوى كرامته ولا يقبل بالتنازل عن حقوقه.
وله تاريخ بذل خلاله الدم والروح دفاعاً عن المقدسات والأرض والعرض، وبينهما إعلام يضلل غالباً وينحاز للحق نادراً ويشوش على الحقائق كثيراً ويضيف إلى فوضى الحرب فوضى معلوماتية.
وأزمة (رضوى) في (صوت وصورة) بسبب طبيب تجميل جشع انتهازي يستقوي بما لديه من مال ومكانة اجتماعية على المستضعفات من النساء، يتحرش ويسرق الشرف والعرض.
وتدعمه سكرتيرة وصولية ويستخدم التكنولوجيا لتوثيق جرائمه واستخدامها في تهديد ضحاياه، وفي مواجهته (رضوى) هذه المرأة البسيطة التي لا تحلم سوى بالستر والحياة الأسرية الآمنة، تسوقها الأقدار إليه.
يتحرش بها ويسعى لممارسة خسته عليها، ولكنها تقرر فضحه والابلاغ عن جريمته، ولا تجد معها سنداً ولا داعماً، فهو مدعوم من زوجته التي تخشى الفضيحة ومن محامية تجيد شراء الضمائر.
وتعجز (رضوى) عن نيل حقها بالقانون، فتقرر الانتقام والسعي لقتله، وبينهما إعلام يتمثل في السوشيال ميديا، أيضاً يضلل ويزيف وينحاز إلى الحق أحياناً، لينقسم الرأي العام تجاه الطرفين، ذات الانقسام الذي تحدثه الحرب الإسرائيلية على (غزة) في الرأي العام العالمي.
الأحرار ينحازون إلى الحق بصرف النظر عن أفعال ساستهم، والمنقادون يتبنون ما يتم فرضه سياسياً وإعلامياً عليهم.
الفرق بين أزمة (غزة) وأزمة (رضوى) في (صوت وصورة)، أن المعتدي السارق للشرف في المسلسل تم قتله، أما المعتدي على (غزة) فلا يزال يمارس القتل والارهاب والبلطجة منذ 75 عاماً.
ومازال يلقى الدعم غير المحدود اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ممن زرعوه في المنطقة ورعاته، ووصل به الأمر إلى حد التمرد على ولاة أمره أحياناً، وكأنه لا يعي أن لكل مستعمر ولكل محتل نهاية مهما طال الأمد.
الانتهازية في (صوت وصورة)
الانتهازية في حرب (غزة) يجسدها العدو الصهيوني وداعميه والاعلام المضلل، والانتهازية في أزمة (رضوى) بطلة أحداث (صوت وصورة)، يمثلها الطبيب المتحرش والمحيطين به والزوج المتخلي والوالد الغير مسؤول، والسوشيال ميديا التي تنتهك خصوصيات الناس وتنشر الشائعات وتفبرك الحقائق وتضلل الرأي العام.
بعض الإعلام في أزمة (غزة) يتاجر بدماء الأطفال والنساء والشيوخ وكل المدنيين، والتريند في (صوت وصورة) يتاجر بشرف (رضوى) وغيرها من الفتيات ويضلل الرأي العام ويبرئ المجرم ويجرم البريء.
المؤلف في (صوت وصورة) كشف عن القاتل الحقيقي للطبيب الانتهازي في الحلقة الأخيرة بعد أن شكك المشاهدين في كل الشخصيات على نهج قصص الكاتبة أجاثا كريستي.
ولكن المؤلف في أزمة (غزة) وأزمة فلسطين ألف القصة عام 1917 بوعده المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وترك النهاية مفتوحة، مسلسل دموي ممتد منذ 75 عاماً، ولازالت حلقاته تتوالى.
ولكن لكل مسلسل نهاية، والحلقة الأخيرة في هذا المسلسل الكوني قادمة ولكن لا يعلم موعدها إلا الله.