رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المسرح المصري في (حرب أكتوبر) استلهم عروضه من وحي المعركة

* المسرح المصري يشارك فى معركة التحرير بالغناء

* العفوية والبساطة والغناء أبرز ملمح فى عروض أكتوبر

كتب: أحمد السماحي

على مدى تاريخه الطويل كان المسرح المصري مواكبا لكل الأحداث السياسية والاجتماعية التى مرت بمصرنا الحبيبة، فبعد يومين بالضبط من قرار العبور في (حرب أكتوبر) قدم المسرح المصري أعمال عفوية بسيطة كتبت خصيصا لهذه المناسبة على عجل، وأخرجت على عجل.

ولم تصل هذه العروض إلى روح (حرب أكتوبر)، كان معظمها عبارة عن أوبريتات غنائية تلعب فيها الأغنية دورا رئيسيا، ويربط بين الأغنيات خيط درامي بسيط.

 كما لاحظنا عند قراءاتنا للأعمال المسرحية التى قدمت بمناسبة (حرب أكتوبر) 1973، لكن يحسب لهذه العروض أنها واكبت الحدث وقدمت عروض لو قدمت اليوم لكانت طفرة في تاريخ المسرح الآن بعد حالة التردي التى وصل إليها أبوالفنون!

المطرب محمد نوح بطل عرض (مدد مدد شيد حيلك يا بلد)

مدد مدد شد حيلك يا بلد

مع اللحظة التى اندلع فيها أشرف قتال على الأرض المصرية من أجل التحرير في (حرب أكتوبر)، بدأ المسرح المصري يلعب دوره، وتقدمت كتيبة مسرحية صغيرة من طلائع المسرح الحديث ليقدموا فى أقل من 48 ساعة عرضا شعريا غنائيا هو (مدد مدد شد حيلك يا بلد).

والعرض  قدمه المسرح الحديث في أثناء (حرب أكتوبر) من أعداد الفنان عبدالغفار عوده، عن مجموعة أشعار بالعامية المصرية نشرها ابن الريف الشاعر زكي عمر فى ديوان بعنوان (الحكم فى عز الضهر) عام 1970.

إقرأ أيضا : 100 أغنية تسجل أسطورة الجيش المصري العظيم في حرب أكتوبر

العرض كان بطولة المطرب والملحن محمد نوح وفرقة (النهار) التى قامت بالجانب الغنائي والموسيقي فى العرض، وشارك في بطولة العرض (عبدالسلام محمد، ميرفت سعيد، فؤاد أحمد، محمد العناني).

فى نفس الوقت عرض على قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية عرض مسرحي بعنوان (وطني يا وطني) إعداد وإخراج السيد حافظ، وبطولة المطرب والملحن الشاب وقتها حمدي رؤوف الذي قدم العديد من الأغنيات من ألحانه.

 وشاركته البطولة المطربة فاطمة حرفوش، وقام ببطولة العرض مجموعة من الشباب على رأسهم (غريب مهنا، عادل شاهين، سعد دسوقي).

 قام مؤلف ومخرج العرض بعملية مونتاج بين عدة قصائد لـ (محمود درويش ومجدي نجيب) ونص مسرحي قصير من تأليفه بعنوان (رجل ونبي وخوذة).

يدور العرض حول انتصارات شعبية وينتهي بوصيه بليغة رددها ممثلوا العرض بحماس مثير فى نهاية العرض حيث ينشدون من ألحان حمدي روؤف قائلين:

ضموا كل كف فى قلب كف، واقفوا صف واحد

واقفوا يد واحدة وقلب واحد، لسه قدامنا مشوارنا الطويل

لسه جوانا حاجات كتير، عايزة مقاومة، عايزة الحرب

عايزة الرصاص، عايزة الخلاص، عايزة مصر.

مصر التى قال عنها مجدي نجيب فى قصيدته التى قام بغنائها حمدي رؤوف وتضمنها العرض المسرحي:

الموج لو جالك عالي اعلاله ومتطاطيش

صده بغضب الليالي اعلاله ومتطاطيش

الريح لو جات شديدة، اصمد بإرادة جديدة

اعلاله ومتطاطيش

وهى مصر التى نطق بحبها عبدالله النديم قائلا على لسان حمدي رؤوف فى العرض أيضا:

أحبك قد الريح العفية، أحبك قوية

أحبك ضليلة عليه، وكلمة مندية

وفجر وآدان، أحبك عساكر أمان

أحبك جنود وسلاح، أحبك فرسان

كريمة مختار وأحمد رشدي في (أيوب الجديد)

السويس حبيبتي في (حرب أكتوبر)

من العروض الغنائية أيضا التى قدمت في بداية (حرب أكتوبر)، أوبريت (السويس حبيبتي) أشعار عبدالعزيز عبدالظاهر، ألحان علي سعد، إخراج حسن سمير، بطولة منى صادق.

ويحكي من خلال مجموعة أغاني ورقصات بعضها فلكلوري، والآخر تعبيري، عن مجموعة من المقاتلين العائدين من الجبهة، الذين يحكون  كيف تمت ملحمة العبور؟ بطريقة الكورس الملحمي الذى يقول فى جمل سريعة قاطعة بالتبادل مع المطربين:

طلعنا من عيدان الزرع، من الطينة وصخر السد

كتبنا للعالم غنوة فى عصرتؤكد قوة مصر

إقرأ أيضا : بليغ حمدي .. بطل حرب أكتوبر الغنائي الذي تنبأ بالنصر!

وعلى مسرح الطليعة عرض العرض المسرحي (أيوب الجديد) الذي اتخذ من الملحمة الشعبية المعروفة (أيوب وناعسة) مادة قديمة لعمل جديد يناسب أجواء (حرب أكتوبر).

 دار العرض حول معنى الصبر، الصبر الذى كابده الإنسان المصري، وعاناه على إمتداد زمن طويل من تاريخه البعيد ذاق فيه ألوان الظلم.

العرض كتبه يوسف الحطاب، بطولة (شكري سرحان، كريمة مختار، زوزو ماضي، أحمد أباظة، عادل زكريا)، وغيرهم.

(عدلي فخري) غنى في (حب مصر)

فى حب مصر و(حرب أكتوبر)

بعد أيام قليلة من قرار العبور في (حرب أكتوبر)، تم عرض عرضان جمعا بين الشعر العامي والأداء الغنائي، الأول بعنوان (فى حب مصر) .

وعرض فى قاعة (تشايكو فسكي) بالمركز الثقافي السوفيتي، كما عرض أيضا فى وكالة الغوري بالثقافة الجماهيرية.

إقرأ أيضا : نكشف لأول مرة: (حرب أكتوبر) أوقفت بعض الأعمال الإذاعية والتليفزيونية (2/2)

والعرض أشعار الشاعر سمير عبدالباقي، وهذه الأشعار كانت منتقاه من ديوانه (فى حب مصر) الذى كتبه بعرق الفلاحين فى الأرض، وجهد العمال فى المصنع، وأحلام التلاميذ فى الدرس، ودم المقاتلين فى الجبهة، وأحزان اللاجئين خلف الأسلاك الشائكة.

وأشواق كل أولئك الذين يتطلعون إلى غد أفضل ما فيه يتسع لكل أشواق الإنسان، ويمزج الشاعر بين كل هذه القوى التى تناضل من أجل التقدم فيقول:

ايدك ع الزناد قلبك ع المصانع

خلي ضحك الولاد يغلب صوت المدافع

ايدك ع البندقية قلبك ع الغيطان

خلي عيون الصبية تحلم بيوم أمان

يا يو العيون بيادر يا بو الحضن الوسيع

تهون كل الخساير لجل يعود الربيع

إقرأ أيضا : ننشر لأول مرة: بسبب (حرب أكتوبر) توقفت بعض الأعمال الإذاعية (1/2)

وترتفع درجة غليان هذه الأشعار التى تقول الكثير فى حب مصر حتى تصل فى النهاية إلى تلك المعاني الجميلة والجليلة مما أدى إلى صهر حرارة الحب بنيران (حرب أكتوبر) بحماسة الشعب فى بوتقة واحدة هى حياة الحرية أو حرية الحياة.

ولا زي نيران الحرب تطهر قلب وعقل الناس

ولا زي صوت الشعب يخلي الجند توج حماس

ولقد ساعد على إبراز تلك المعاني وتجسيد تلك الكلمات ألحان الفنان الشاب (عدلي فخري)، الذي أوصل كل المعاني التى كتبها عبدالباقي سريعا وعميقا إلى قلوب كل الفئات.

وغنى في نهاية العرض كما ذكر أحد النقاد الذين كتبوا عن العرض في مجلة (الكواكب) قائلا:

بأحب صوت الكنايس، وأعشق هدير الآذان

شيلنا زعف النخيل، شيلنا فانوس رمضان

ودقنا عيش الرحمة، فى النص من شعبان

العرض كان من إخراج سامي صلاح، وقام ببطولة العرض شباب جماعة الدراما.

قدمت مديحة حمدي عرض (عنتر ابن مصر)

عنتر ابن مصر في (حرب أكتوبر)

العرض الثاني الذى قدم عن المعركة هو (هنا القاهرة) ألحان علي سعد، إخراج عبدالرحمن الشافعي، غناء سهير طه حسين، واعتمد العرض على مجموعة من الأشعار للشاعرعبدالعزيز عبدالظاهر.

صاغها على صورة نداءات هادرة من فئات الشعب المختلفة من العمال والفلاحين من الطلاب والمهاجرين من الجنود والمثقفين.

أيضا من التجار والباعة الجائلين، من كل أولئك وهولاء الذين يؤمنون بضرورة الوقوف بدلا وعطاء وتضحية ونداء وراء الجبهة التى تواجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في (حرب أكتوبر).

وهى تقذف أراضينا بصواريخ الحقد والكراهية، وقذائف الابتزاز العنصري:

يا سعيد الحظ فى خط النار، أنا واقف زنهار

وبمد ايديا فى عين الشمس، أكر الخيط

وأغزل من خيط الشمس نهار

ويمضي ذلك الفيلق البشري فى نشيده وغنائه مدركا عميق الإدراك خطورة النضال الذى ناضله الجندي المصري العظيم في (حرب أكتوبر) من أجل إنزال العدو الإسرائيلي من فوق أبراج دباباته وتحطيم خوذته االفولاذية التى طالما هدد بها أمن المسالمين لا المستسلمين من العرب جميعا:

 مبروك أنت عديت، اثبت أنك أسطى صحيح

 صلحت العطل فى مكن الريح.

ومن العروض التى استلهمت التراث، وتقديمه فى صورة جديدة تناسب العصر، عرض (عنتر ابن مصر) عن انتظار عبلة لحبيبها المقاتل المصري الذى يحارب فى الجبهة، ويقاتل العدو.

قام ببطولة العرض (مديحة حمدي، عادل المهيلمي، جمال شبل)، موسيقى صلاح عطية، إخراج محمود عبدالرازق، انتهى العرض بأغنية تشيد بالرئيس السادات بطل (حرب أكتوبر) بعنوان (عنتر مصر الجديد) والتى تقول:

عنتر يا عنتر يا فارس الفرسان

اتباهى يا عنتر فى الغرب شهدولك

فى الشرق باركولك يا مصري وقالولك

الأخوة فى الجولان اتباهي يا عنتر

دمرت اسطورة لحثالة مغرورة

وبلادنا منصورة بالعزم والإيمان

اتباهى يا عنتر

عمرو دوارة: سقوط تلك الذكرى المهمة من ذاكراته حتى أصبحت فى دائرة النسيان

سقوط ذكري (حرب أكتوبر)

العروض السابقة كان معظمها عروض غنائية بسيطة يغلب عليها الكلمة المغناة، واللحن الحماسي الذى يلهب الجمهور فى صالة العرض، أما مسارح الدولة فقد استجابت طوال فترة السبعينات منذ انطلاق (حرب أكتوبر) بالفعل للحدث التاريخي وقدمت مجموعة من المسرحيات التى تعالج الحدث التاريخي.

 وتتفق مع رسالة حشد الشعور العام، وتأكيد قيمة الإنسان المصري، وقدرته على البناء والتغيير.

وقد قدمت المسارح المسرحيات التالية (حدث فى أكتوبر، قولوا لعين الشمس، أقوى من الزمن، حبيبتي شامينا، سقوط خط بارليف، والجدعان، النسر الأحمر، باحلم يا مصر، الحب والحرب، رأس العش، محاكمة عم أحمد الفلاح، القرار، جبل المغماطيس، حبيبتي يا مصر، الحرب والسلام، عيون بهية، أغنية على الممر، العمر لحظة) وغيرها.

وفى النهاية ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لإنتصارات (حرب أكتوبر) المجيدة، أصبح مسرحنا المصري منذ سنوات مغيبا تماما ولعل أكبر دليل على ذلك ــ كما يقول ناقدنا المسرحي الكبير الدكتور عمرو دواره  ــ هو سقوط تلك الذكرى المهمة من ذاكراته حتى أصبحت فى دائرة النسيان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.