رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: أنا ومحمد منير.. واحد ومات (6)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

منير.. يتمتع بهدوء شديد طالما يغني، في الغناء يتحول إلي شخصية أخرى.. شخصية طفل سعيد بأبيه وأمه.. الغناء كان أبوه وأمه، ولأن الحلو ما بيكملش كان في بعض الأوقات عندما يصل الجميع معه إلى حالة النشوة يصمت ثم تتغير ملامح وجهه ويصرخ: إيه الكذا اللي احنا بنعمله ده.. يهبط الجميع ويسقطون من أعلى الجبل ولا أحد يجرأ على المناقشة.. يشعل منير سيجارته دون أن يعزم علي أحد حتي لو كان متأكدا أن علبة سجائر الأحد هذا أصبحت فارغة.

الشئ الذي لاحظته وهذا غريب جدا أن الجميع يخاف منه، ويتعامل معه بحرص مبالغ فيه، وبشكل خاص لا ينادونه بـ (يا كنج) باستثنائي، كنت أحب أن أقول له يا محمد.. عندما يحاول إشعال سيجاره يتسابق الجميع لإشعالها دون أن ينظر إلى أحد..الحزن يسيطر عليه، والهم يركبه 24 ساعة في اليوم.. مهتم جدا بالأنسر ماشين.. معظم الذين يسجلون فيه من الفتيات المراهقات.. في أحد المرات تركت فتاة رقم تليفونها ومعه رسالة تقول فيها: لو جدع فعلا كلمني!

كان منير يدخن بشراهة وأنا ممنوع من التدخين أو الجلوس مع مدخن

صرخ (منير) في كل من حوله: ما كتبتوش تليفونها ليه قبل الرسالة ما تنتهي، أبلغوه أنهم من الممكن أن يستمعوا للرساله مرة أخري ويكتبون لها رقمه.. كنا في بعض الأوقات نجلس فترات طويلة دون أن نتبادل الحديث أنا بقلمي وهو بسماع الأغنيات النوبية.

كان في بعض الأوقات يقول لي مازحا: يعني انت تيجي تقعد عندي وتلبس جلابيتي وتآكل أكلي ويبقي مزاجك كويس والآخر ألقاك سايبني وقاعد تكتب أغنيه لمحمد نوح.. والله لا أقاسمك في تمنها.. فأخبره أنني حتى الآن لم أقبض مليما واحدا من نوح.

هاجمني المرض فجأة.. كنت في إجازتي القصيره في المنصورة أذهب إلى الساحة الشعبية، حيث كنت عضوا في مجلس إدارتها.. أقضي وقتي في التمارين الرياضية، ثم أقضي وقتا طويلا في الساونا، في أحد الأيام أحسست بآلام شديدة في القلب.. جلست على الرصيف.. أسندني أحد الأصدقاء حتي وصلت إلي المنزل.. انزعجت زوجتي التي لاتملك غيري ولا أملك غيرها.

أخذني العالم المصري د. محمد صبح إلى مستشفي الكلي، (كونسلتو كامل) قرر أن القلب في حالة خطيرة، وأنني أعاني من قصور شديد في الشريان التاجي.. نصائحهم ضايقتني: لا تخرج وحدك، لا تغلق علي نفسك الحمام، لا تأكل كذا أو كذا، لا تفعل كذا أو كذا.

كتب عني الأستاذ محمد العزبي، كتب عني الأستاذ علاء ثابت، والأساتذة  محمد جبريل ومحسن الخياط، وكل كتاب الصحف في مصر والعالم العربي، إلى أن نشر الأستاذ (رجاء النقاش) مقالة لزوجتي تهاجم فيها وزارة الثقافة ومحمد نوح واتحاد الكتاب، الذي يرأسه ثروت أباظة الذي رد عليها، أيضا رد عليها نوح ردا أثار أكثر من صحفي وصحفية، الرد ذبحني فيه بقسوة، كل مصر سألت عني، زارني وسأل عني أصدقاء من كل محافظات مصر إلا (منير)!

تحسنت حالتي بعض الشئ وعدت إلى القاهرة وقمت بزيارة (منير) لأسأله: لماذا لم تسأل عني رغم أننا أصدقاء، وكنت أظن أن خبر مرضي لم يبلغه به أحد، وعاتبته: كيف لم تسأل عني في فترة مرضي.. ألسنا معرفة؟

منير كان يريد أن يقاسمني في فلوسي من محمد نوح

قال لي: معرفة يعني إيه احنا أقرب اتنين لبعض بس شوف يا (أبو رضوي) بصراحة مش عاجباني الضجة اللي حصلت على مرضك دي.. أنا كنت كل ما افتح جورنان أو مجله ألاقي صورتك وتحتها مكتوب: إلحقوا إبراهيم رضوان قبل ما يموت، على شوية تعب قلب عندك تقوم القيامه في مصر.. شوف يا (أبو رضوي) أنا كل يوم في ألمانيا كنت باعمل عملية وعمري ما بلغت حد.

قلت له: انت بتعمل عمليات في ألمانيا مجانا أو لأن معاك فلوس، الصحف هنا يا محمد نشرت الخبر مش حبا فيا دا بيقولوا للدولة عالجو (إبراهيم رضوان) لأنه مش قادر يعالج نفسه، ومفيش معاه فلوس والتأمين الصحي زفت، والدولة طلبت منه شهادة فقر علشان تعرضه على لجنة، واللجنه وافقت على علاجه بمبغ 50 جنيه، روزاليوسف نشرت مانشيت بيقول: تمن الشاعر في مصر لمن يريد أن يشتري 50 جنيه.

وبالفعل أذكر أنني لم أكن أشتري من علب الدواء التي يكتبها لي الأطباء إلا شريطا واحدا من العلبة، وبدلا من آخذ قرصا كاملا آخذ نصف قرص إلي أن أعلن رجاء النقاش، وكان رئيسا لمجلة الكواكب أن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد – رحمة الله عليه، تكفل بعلاجي في الداخل والخارج، قلت للأستاذ رجاء عندما تكلم معي تليفونيا: بلدي أولي بعلاجي، فأخبرني أن بلدك لا تعالج إلا الراقصات والفنانين و بتوع الهشك بشك.

في نفس الوقت كان فريد شوقي قد أعاد تذاكر الطائره التي سيسافر عليها إلي أمريكا للعلاج، لأن الدرجة التي حجزوا له عليها لم تعجبه، رغم أنه أخذ كل أسرته معه، وهدد بعدم السفر واتصل به الرئيس ليعتذر له عن هذا الخطأ غير المقصود.

رجاء النقاش

طلب مني رجاء (النقاش) أن أحضر لمجلة الكواكب لاستلام شيك بمبلغ 10 آلاف دولار المقدمة من الأمير فيصل بن فهد فرفضت، طلب أن يتكلم مع زوجتي، وكانت المفاجأة، قالت له (إبراهيم) لا يتسول العلاج، ورفضت أيضا.

قال لها (رجاء): هذا ليس تسولا، الأمير يقول أنه قارئ جيد لإبراهيم، لقد استلمت الشيك وافتتاحية العدد القادم من الكواكب أقول فيها أنني سلمت الشيك لإبراهيم، أين أذهب بالشيك: هل أذهب به لمستشفي مرضي الجزام؟، وماذا أقول للأمير فيصل بن فهد، وأقنعها أن نشرب معه شاي في (دار الهلال).. وصلنا لنجده قد أقام لنا حفلا بالمجلة، وسلمني الشيك وأرسل معي صحفي من المجلة وسيارة أوصلتني للبنك وأعادتني للإذاعة حيث كان لي بعض البرامج؟

وتعجبت من مشاعر منير، الذي أخذ يدخن بشراهة وهو يعلم أنني ممنوع من التدخين أو الجلوس مع مدخن، أحسست أن الدنيا رخيصة وأن لا أحد يسأل عن أحد، طلبت ورقة وقلم و طلبت منه أن أجلس وحدي بعيدا عن الضوضاء.

وافق منير على طلبي وهو يقول لي ضاحكا: أكيد هاتكتب حاجه لنوح.. لو منك ما ادخلشي بيته ولا أسلم عليه، دا اشتري صفحتين في الكواكب علشان يرد على اتهام مراتك له إنه سلبك حقك، وما حاولشي يقف معاك في مرضك وقال عنك يا (أبو رضوى) جمله أول مرة أسمعها في حياتي: (لو مات إبراهيم رضوان هاطالب الورثه بتعويض عن التشهير والابتزاز)، وجابلك أكبر محامي في مصر علشان يرفع عليك أكتر من قضية.

الأمير فيصل بن فهد

وفعلا نوح كان قد كلف (صبري العسكري) وهو معروف جدا وأغلى محامي في هذا الوقت أن يجرني في أكثر من قضيه أمام أكثر من محكمة أنا وزوجتي.

جلست في الحجرة وحدي لعدة ساعات لأكتب قصيدة اتضح لي بعد كتابتها أنها من أجمل القصائد التي كتبتها في حياتي، قال لي منير بعد أن سمعها: كأنك كتبت هذه القصيدة عني وبكي.. سألني: هل ستعطيها لنوح، قلت لا انقطعت صلتي بنوح، قال: هل ستعطيها لي، قلت لا، قال: يعني لا أنا ولا نوح أمال مين اللي هايغنيها، قلت له: أنا، واستمع منير للأغنيه أكثر من مرة وهو يبكي مع الكلمات التي تقول:

واحد.. ومات

حاجه بتحصل كل يوم

ويسيب لكل حبيب هموم.. وجبال غيوم

ويسيب جراح.. ويسيب آهات

وان يسألوكم في الحارات.. دا إسمه إيه

ردوا عليهم من سكات.. واحد و مات

……………..

كان كل يوم.. يلبس هدوم لايقة عليه

يظهر جمال الدنيا فيه

ويعلق الوردة الرقيقه الصافية.. فوق جيب القميص

كل البنات مسحورة بيه

كان القمر وياه جليس.. والسحر فى نظرات عنيه

وما كانشى عارف حتى أسماء البنات

وان يسألوكم في الحارات.. دا إسمه إيه

ردوا عليهم من سكات.. واحد ومات

……………..

واحد .. وكان غير البشر

كان كل يوم تحت القمر

يحكى حكايه رقيقة للبنت البريئة الطيبة

كل البنات بيه معجبة

زينة الشباب.. قمر الصبا

وسعادته كانت فى البنات المعجبات

وان يسألوكم في الحارات.. دا إسمه إيه

ردوا عليهم من سكات .. واحد و مات

……………..

وعلينا فات.. شايلينه فوق كل الكتاف

لا عاد بِدل.. ولا عاد قميص.. ولا عاد لحاف

وما عادشى حتى لقمة حاف

بدأ الجفاف.. يصبح جفاف

بس الغريب فى الأمر.. إن كتير كتير

من غير ما حتى يعرفوه

نزلت دموعهم ع الهدوم.. ساعة ما فات

وان يسألوكم في الحارات.. دا إسمه إيه

ردوا عليهم من سكات.. واحد ومات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.